المجتمع

إدارة الأسرة وتأثيرها في المجتمع

لماذا يحتاج الإنسان إلى الإدارة؟
  • لماذا يحتاج الإنسان إلى الإدارة؟ ما الداعي لطرح منصب أو مهنة أو نشاط باسم “الإدارة” في الحياة البشرية؟ حين تكون لكم أهداف متعددة ومنوّعة، وحين تكون لكم احتياجات مختلفة، وحين تكون في حوزتكم أنواع الإمكانيات والأدوات، وحين تكونون مجموعة من الأشخاص لكل منكم ملاحظاته الخاصة، فستضطرون آنذاك إلى المنهجة، وتنفيذ الإجراءات خطوة خطوة وبتدبّر، وتوزيع الأدوار على الأشخاص. وسيضطر كل شخص إلى أن يحدّد صِلَته بالآخرين. وبالنتيجة سنحتاج إلى حقيقة تُدعى “الإدارة”!
  • تشتمل الإدارة على معرفة البيئة (المتميزة بتنوع الاحتياجات والإمكانيات والمقتضيات والملاحظات)، وتوظيف مختلف الإمكانيات والأدوات وتنظيم الأشخاص لتحقيق أهداف هي الأخرى مُحدَّدة مسبقاً. والحق أنّ تحديد الأهداف هذا يعني “الإدارة”.
الإنسان مُضطر إلى الادارة، نظراً لتنوّع احتیاجاته ورغباته وإمکانیاته
  • لا بد من الاهتمام بـ “التعدد والتنوع” والتأمل فیهما کثیراً باعتبارهما الجوهر الرئیس في موضوع الإدارة. لأننا لسنا مخلوقات بسیطة کالبهائم لیس لها إلا هدف واحد في الحياة، فلا تعني الإدارة شيئا لها. طبعا هناك مستويات من الإدارة بين الحيوانات وهي غريزية، لكن بشكل عام لا تُعد الإدارة من شؤون الحيوانات. انظروا، على سبيل المثال، إلى النحل، فالنحلات لها هدف واحد. وعلى الرغم من وجود ملكة للنحل في الخلية إلا أنها ليست مديرة، بل هي أداة للتوالد والتكاثر فحسب.
  • الإدارة قضية خاصة بالإنسان، لأنه أَمامَ تنوّعٍ من الاحتياجات والرغبات والإمكانيات والأدوات. على سبيل المثال أنتم مضطرون إلى الإدارة في موضوع تناول الطعام؛ فلأنه لا یوجد لون واحد من الطعام، ولأن حاجتکم إلى الطعام لیست من نوع واحد، فإن احتیاجاتکم للطعام منوّعة. فالإدارة هي أن تُحدِّد أيّ الاحتياجات له الأولوية في الاهتمام والتلبية.
  •  الإدارة هي عملية يضطر إليها الإنسان نظراً للتنوع الذي يواجهه في داخله أو خارجه. فإن لم يمارس أحد الإدارة فستكون حركته في الحياة أشبه بانزلاق حصاة في نهر، إذ ستتدحرج، كيفما اتفق، من أعالي النهر إلى أسفله وتكتسب شكلاً معيّناً نتيجة اصطدامها العشوائي بالأجسام المختلفة؛ فإما أن تتفتّت، أو تنكسر، أو تتخذ شكلاً مناسباً بالصدفة.
لا يبدأ التدين من الإيمان بالله، بل من حاجة الإنسان إلى الإدارة والمنهج
  • الإدارة تنظّم حياة الإنسان وفقاً لمنهج معيّن، وقد خلقَنا الله سبحانه وتعالى نحن البشر بحيث لا نستطيع أن نعيش من دون إدارة، بينما الحيوانات قادرة على ذلك! فيُقال مثلاً إن الهرّ حين يمرض يشتهي طعاماً يكون فيه دواؤه. لكن هذه القاعدة ليست صادقة بالنسبة للإنسان، فما أكثر ما يميل الإنسان إلى طعام يُلحق به الضرر.
  • الحيوان يعيش كالحصاة التي تتدحرج في مجرى النهر ماضية إلى الأمام، لكن الإنسان ليس كذلك، فهو مُجبَر على إدارة نفسه. فما إن يشتهي شيئاً فإنّ عليه أن يقول لنفسه: “تريّث! كم شيئاً أنا أحب؟ أنا لا أرغب في هذا الشيء فقط!” وما إن يحتاج إلى شيء، فلا بد أن يقول لنفسه: “تريّث! فلدي احتياجات أخرى أيضاً!” وهذه هي بداية الإدارة، وبداية الإنسانية، وبداية التدين. فإنما يبدأ التديّن من هذه العبارة بالذات: “تريّث!”
  • بداية التدين ليست من الإيمان بالله. إنها الروحانية التي تكون بدايتها الإيمان بالله وختامها الإيمان بالله ومسيرها السلوك إلى الله. الدين هو نوع من المنهج، والمنهج هو لمن يريد أن يكون له منهج في حياته. فمن يريد أن يعيش كتلك الحصاة الملقاة في قعر النهر لا يحتاج إلى منهج!
كيف يتعلم أطفالنا التدين في المدارس؟
  • كيف يتعلم أطفالنا التدين في المدارس؟ يتعلمونه عبر أسلوب خاطئ للأسف! يقولون للطفل في البداية: “آمن بالله!” فيعلّمونه الروحانية في بدء الأمر، وقبل أن يوجّهونه بأنك “تحتاج إلى منهج، ويجب أن تتعلم الإدارة وأن تتمكن من إدارة نفسك وحياتك”، يقولون له :”هذا الإله أمر بأوامر عليك تنفيذها وإلا ستدخل نار جهنم!” وبهذا يجعلونه يكره الدين. فانظروا ما هو الانطباع الذي يتكوّن عن الدين في عقول هؤلاء الأطفال الذين يتربون وفق هذا الأسلوب لتعليم الدين في النظام التربوي التعليمي القائم؟!
  • لا ضير من إقامة العلاقة بين الإيمان بالله والتدين باعتبار “أن الإيمان هو أكثر العوامل تأثيراً في تقوية دوافع الإنسان للتدين”، ولكني أرى أن نبدأ التدين من حاجة الإنسان إلى المنهج والبرنامج (الذي يُعَد جزءاً من الإدارة) وكذلك من حاجة الإنسان إلى القدرة على الإدارة وإتقانها وإلى التدبير، وأن نبدأ بذلك من ألعاب الأطفال في دور الحضانة والروضات.
لنهيّئ للأطفال ألعاباً تعلّمهم التخطيط والإدارة
  • الألعاب التي تنمّي قدرات الإنسان ليصبح “مخطِّطاً ومبرمِجاً” ومديراً، تستحق أن تنفقوا عليها الأموال وتشترونها لأطفالكم مهما كانت باهظة الثمن، ولا ضير في أن يلعب الأطفال بهذه الألعاب مهما تمادوا في ذلك.
  • لا توجّهوا الألعاب صوب القمار، فالحمار هو من يلعب القمار! ما هو القمار؟ إنه الحظّ! لا تلعب الألعاب التي تعتمد على الحظ كلعبة “السلم والثعبان” أبداً! لأنك أوّلاً، لا تستطيع أن تخطّط لحركاتك، بل ترمي “الزَهْر” وتتقدم بحسب ما يمليه عليك الحظ، قائلاً: “لِنرَ ما هو الرقم الذي سيظهر؟” وهذه هي الخطوة الأولى للابتعاد عن الإنسانية! أتمنى أن نجد أشخاصاً يتمتعون بروح الفكاهة والحكمة أيضاً فيُنتجوا لنا برامج في التلفاز نمقت من خلالها التشبه بالحيوانات!
  • عسى أن تكون لعبة كالشطرنج أقرب من غيرها بكثير إلى الإنسانية والتقوى والتدين (بالطبع ليس المقصود أن يقامر أحد بلعبة الشطرنج) وأنتم تعلمون فتوى الإمام الخميني(ره) في الشطرنج.
  • الألعاب التي تعلّمنا الإدارة والتخطيط تهيّئنا للدخول إلى الحياة الجدّية، أي التدين! وقد يكون معلم الرياضيات أو العلوم أو غيره من المعلمين أفضل معلّمِ دينٍ لنا، ففي وسع كل معلم أن يكون معلّمَ دينٍ بشكل من الأشكال، إذا علّمنا الاتّزان والتخطيط والإدارة.
  • بعض الأشخاص هم في الأساس أناس متّزنون والإدارة ضرب من الاتّزان والحصافة. والله سبحانه أيضاً لا يتعامل بغير حساب، كما أن النجاح لا يُنال اعتباطاً!
كيف نُنشئ الأطفال في المدارس ليصبحوا من أهل التخطيط والإدارة؟
  • ما هي المدرسة الابتدائية؟ هي مكان ينبغي على المعلم أن يتعامل فيه مع الأطفال كآدميين حقيقةً، فيقول مثلاً في مستهل الأسبوع: “هلّموا يا أولاد نُعِدّ لأسبوعنا هذا منهاجاً”، فيسمح لكل واحد منهم أن يخطط، ماذا ستفعل أنت؟ وأنت ما هو برنامجك؟ و…وكيف نرتّب منهاجنا في الصف؟ أي أن يخصّص يوماً في الأسبوع للتخطيط، بدلاً من أن يضع قِمعاً على رؤوس الأطفال ويصبّ المعلومات في أدمغتهم صبّاً! فهذه جريمة ترتكب في حق التلميذ! فلتعطّلوا يوماً واحداً في الأسبوع ولتخصّصوه للتخطيط والبرمجة! لا تقلقوا. سوف لا يصبح التلاميذ أُمّيين بذلك، بل سيتحوّلون إلى علماء ويتفوقون عليكم علمياً إن تم إنجاز هذه الخطوة بشكل صحيح.
  • وفي الأسبوع التالي خصّصوا، مرة أخرى، يوماً من وقتكم لهذا الأمر واسألوا التلاميذ: في أي جزء من خطة الأسبوع الماضي أخفقنا؟ أنت كيف خطّطت؟ هو كيف خطّطَ؟… ينبغي أن يتدرب الطفل على الإدارة والتخطيط والبرمجة تحت إشراف المعلم لمدة سبع سنين. وبعد مضي سبع سنين اتركوه لحاله واسمحوا له بأن يمارس الإدارة بنفسه، قائلين له: “سأعطيك المشورة”. في مثل هذه الحالة سينشأ هذا الطفل آدمياً. وسيحب هذا الإنسان الدين لأنه سيراه مليئاً بالمناهج والخطط! بل إن الإنسان الذي لا يكون مُمَنهِجاً لحياته سوف لا يتمتع بالفهم الكافي لإدراك الدين!
  • الأستاذ/الشيخ علي رضا بناهيان
اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى