مقالات

الإخلاص والإيثار الكامل‏ من صفات الانبياء

قال تعالى : {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى‏ رَبِّ الْعَالَمِينَ}. (الشعراء/ 109).

من الصفات المهمّة للأنبياء عليهم السلام التي أكّد عليها القرآن هي عدم انتظارهم لأي ‏نوع من‏ الأجر والمكافأة الماديّة في مقابل دعوتهم إلى‏ اللَّه تعالى ودين الحقّ، فنقرأ مثلًا في الآية الخامسة من آيات بحثنا حول أوّل نبي من اولي العزم أي نوح عليه السلام : {وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِىَ إِلَّا عَلَى‏ رَبِّ الْعَالَمِينَ} كما أنّ هناك آيتين اخريين بنفس هذا المضمون قد وردتا في حقّ نوح عليه السلام أيضاً (هود/ 29) و (يونس/ 72).

وفي حقّ «هود» في موردين (هود/ 51) (الشعراء/ 127).

وفي حقّ «صالح» في آية واحدة (الشعراء/ 145).

وفي حقّ «لوط» في مورد واحد (الشعراء/ 164).

وفي حقّ «شعيب» في مورد واحد (الشعراء/ 180).

وأخيراً فقد تكرّر التأكيد على هذه المسألة في عدّة مواضع من القرآن في حقّ نبي الإسلام صلى الله عليه و آله : (الأنعام- 90) (سبأ- 47) (الفرقان- 57) (ص 86) «1».

على أيّة حال فإنّ تأكيد القرآن على مسألة أنّ أوّل كلام للأنبياء عليهم السلام الإلهيين هو عدم انتظارهم لأيّة مكافأة في مقابل جهودهم، وسلوكهم وأفعالهم تكشف عن إمكانية التعرّف عليهم من خلال هذه الخصلة.

إنّهم عليهم السلام كانوا يقولون ذلك ويعكسونه من خلال سلوكهم وأفعالهم، في حين إنّ المدّعي زوراً ربّما يقول مثل قولهم لكنّه لا يلتزم به عمليّاً أبداً.

ويحتمل أنّ ملكة سبأ أرادت اختبار سليمان عليه السلام وهل أنّه نبي صادق أم ملك يبغي وراء تظاهره بالدعوة إلى‏ اللَّه تعالى منافع ماديّة، فقالت : {وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ}. (النمل/ 35)

فإذا وافق سليمان عليه السلام على الهدية وفرح بها لاتّضح أنّ له دافعاً ماديّاً، بينما النبي من‏ لا يهتمّ لزخرف الدنيا وزينتها ودافعه إلهي محض.

وعلى أيّة حال فإنّ تصريح القرآن بهذه النكتة في حقّ ستّة من أنبياء اللَّه عليهم السلام، والذين من بينهم إثنان من اولي العزم يثبت وجود هذه الحالة في كلّ الأنبياء عليهم السلام، ولا مناسبة لحصرها في خصوص هؤلاء الستّة فقط، بل إنّ كل الأنبياء يتصفون بهذه الصفات.

مقتطفات من كتاب نفحات القرآن ج7

___________________________
(1) الجدير بالذكر هو أنّ القرآن الكريم يقول أحياناً في حقّ نبي الإسلام صلى الله عليه و آله : {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً} (الأنعام/ 90) ويقول أحياناً : {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا} (الفرقان/ 57) وفي موضع آخر يقول : {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى}. (الشورى‏/ 23) ولا يخفى أنّ هذه الآيات بمجموعها تبيّن أنّ مسألة مودّة ذوي القربى إنّما تعود فائدتها إلى‏ الناس، وهذه في الواقع بمثابة ترعة تصبّ في خاتمة المطاف في نهر «الإمامة والولاية المنصوصة» التي عيّنها اللَّه تعالى لهداية الناس وللعمل بتعليمات نبيّ الإسلام صلى الله عليه و آله، وبالنتيجة فكلّ منفعة تجنى من هذا الطريق إنّما تصبّ في خير الناس ولأجلهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى