مقالات

الإمام الجواد (عليه السلام) وكلمة الفصل

الإصغاء سلوك متأصل في نفس الإنسان، وهو أحد وسائل تواصله وتأثُره بمحيطه الخارجي، يتنامى ويزداد هذا السلوك تبعاً لمدى تفاعل وتجاوب المصغي مع الفكرة التي تطرق أسماعه أو تُثار أمامه..

فعند تجرد الإنسان عن ميوله وأهواءه، ورجوعه لفطرته السليمة؛ يصبح بمثابة صفحة بيضاء قابلة لاستيعاب وتَبني ما يَصغي إليه من أفكار ومعلومات مختلفة، بل من الممكن أن تذهب به هذه الحالة إلى أبعد من ذلك بحيث تصل إلى الانقياد والإتباع والرضوخ لها في حالة السلب والإيجاب،

من جانب، وتعاظم مستوى تأثره بها من جانبٍ آخر.. ولعل خير ما يمكن أن نوظفه كدليلٍ يؤكد ما ذهبنا إليه، ويبين معنى الإصغاء كحالة ذهنية تُخضِع العقل والإدراك لهذا الشعور؛ ما أُثر عن إمامنا محمد بن علي الجواد(عليه السلام) في إحدى وصاياه القيّمة التي ملئت الآفاق وأوضحت سبيل الحق، حيث يقول:( مَنْ أصغى إلى ناطقٍ فقدْ عبدَهُ، فإنْ كانَ عن الله فقد عَبَدَ الله، وإنْ كانَ عن الشّيطانِ فقد عَبَدَ الشّيطانَ) . يوضح إمامنا الجواد(عليه السلام) من خلال كلماته النورانية التي تضمنتها هذه الحكمة البالغة؛ حقيقة هي غاية في الأهمية تكمن في طبيعة وميزات الخطاب الموجه للآخرين، والمنحى والاتجاه الذي يأخذه ليشق طريقه إلى عقولهم وأذهانهم، كما يبين لنا حالة الانصياع التي تنتاب المتلقي المصغي لصاحب هذا الخطاب، والإتباع الكامل لكل ما يطرحه من مفاهيم وأفكار يروم إيصالها للآخرين وكأنه يعبده، فكل ما يصل إلى المتلقي المصغي من كلامٍ ومنطقٍ يصبح مدعاة للإتباع والطاعة التي عبر عنها الإمام(عليه السلام) بعبارة (فقد عبده)، وقطعاً أن المقصود بالعبودية هنا ليست العبودية المطلقة التي دعا إليها أنبياء الله تعالى ورسله، وأشارت إليها الكثير من الآيات القرآنية الشريفة كقوله تبارك وتعالى:( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ..) ، وبرؤية تفصيلية لمضمون هذا الحديث المبارك نجد أن الإمام يشير(عليه السلام) في الشق الأول منه إلى حتمية التسليم والانقياد والطاعة التي يبديها المصغي للمتحدث والناطق الذي لا يخرج عن دائرة الوعظ والتوجيه والإرشاد الإلهي شريطة توفر القابلية والرغبة في التلقي والاستجابة والتفاعل مع ما يثار أمامه، ومن هنا جاءت الدقة والاختيار السليم للوصف حالة العبودية التي أشار إليها إمامنا الجواد(عليه السلام) في حديثه المبارك، وهناك مصاديق كثيرة لهذه الحالة يمكن ان نوردها في هذا المقام لتقريب المعنى وإكمال الصورة منها حالات الانقياد والإصغاء لحديث الوعظ والإرشاد والتقوى التي يوجهها الخطباء والوعاظ للناس في المجالس والمحافل الدينية والتربوية، أو عِبرَ وسائل التواصل والتعارف الاجتماعية، والتي غالباً ما تدعو إلى الله تعالى وعبادته وطاعته، ، وتحث على الخير وإصلاح ذات البين، وهنا تتحقق النتيجة المؤكدة لهذا الفعل الايجابي من خلال اتباع الناطق عن الله تبارك وتعالى والداعي إلى إليه في هذه الحالة؛ وهي عبودية الله عز وجل. أما النوع الآخر من الإصغاء الذي يشير إليه إمامنا الجواد (عليه السلام) ويحذر من تبعاته والآثار الوخيمة المترتبة عليه؛ فهو الإصغاء لدعاة الباطل ومروجي الفساد والضلالة، و(عبادتهم) أي إتباعهم والقبول بكل أرائهم وتوجهاتهم، وهو لا شك دعوة لعبادة الشيطان واتباع خطواته، حيث يشير(عليه السلام) إلى هذه الحالة بقوله:( وإنْ كانَ عن الشّيطانِ فقد عَبَدَ الشّيطانَ) وهذه إشارة واضحة لخطورة هذا السلوك المتجسد في الكثير من الحالات المنحرفة كالإصغاء لدعوات نشر الفساد والرذيلة بذريعة التمدن والتحرر، والآراء المتطرفة البعيدة عن روح ونهج العقيدة الإسلامية الصحيحة، هذا فضلاً عن الاستماع والإصغاء للغناء وكل ما يدخل في دائرته من لهوٍ وعبث .. خلاصة القول يتوجب على كل المؤمن أن يتحرى الدقة، ويطيل النظر في ما يستمع ويصغي إليه، ويتبع النهج الأمثل الذي رسمه لنا إمامنا الجواد(عليه السلام) والذي يعد كلمة الفصل والقانون الأصلح لسعادة البشرية جمعاء، وأن يكون حذراً في اختيار ما يغذي به روحه وعقله من أفكار وقيم الآخرين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى