مقالات

الرد القويم على المدعي أحمد الحسن وأتباعه من الأولين والآخرين.

السيد أبو جواد التونسي
حبيب مقدم

بحث مفصل في سند ومتن رواية وصية النبي (صل) للإمام علي (ع)
ليلة وفاته :

لقد وقع الإتفاق بين السواد الأعظم من الأمة بكلتا ثقليها الشيعة والسنة، على أنّ التراث الروائي المنقول لنا في الكتب الحديثية، والمنسوب للنّبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) كما هو عند أهل السنّة، وللنّبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأئمة أهل البيت (عليهم السلام) كما هو عند الشيعة. فيه نسبة لابأس بها من الأحاديث أو الروايات الموضوعة، وعليه فتراث المسلمين الروائي فيه الصحيح والضعيف، وفيه الموضوع وثابت النسبة، وفيه المضاف والناقص… .

وحقيقة الدس ووضع الأحاديث، من الحقائق التي نبّه عليها النّبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله) ، وكذالك أئمة أهل البيت (عليهم السلام ) ،فقد أخرج الشيخ الصدوق حديث طويل، في كتابه « عيون أخبار الرضا (ع) » بسند صحيح، فقال:

« عَنْ إِبْرَاهِيم بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ [ الخراساني ] قَالَ : قُلْتُ لِلرِّضَا (عليه السلام ): يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إِنَّ عِنْدَنَا أَخْبَاراً فِي فَضَائِلِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام وَفَضْلِكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَهِيَ مِنْ رِوَايَةِ مُخَالِفِيكُمْ وَلَا نَعْرِفُ مِثْلَهَا عِنْدَكُمْ أَفَنَدِينُ بِهَا ؟…. – إلى أن قال – ثُمَّ قَالَ الرِّضَا (ع): يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ إِنَّ مُخَالِفِينَا وَضَعُوا أَخْبَاراً فِي فَضَائِلِنَا وَجَعَلُوهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ :أَحَدُهَا : الْغُلُوُّ. وَثَانِيهَا : التَّقْصِيرُ فِي أَمْرِنَا. وَثَالِثُهَا : التَّصْرِيحُ بِمَثَالِبِ أَعْدَائِنَا.
فَإِذَا سَمِعَ النَّاسُ الْغُلُوَّ فِينَا كَفَّرُوا شِيعَتَنَا وَنَسَبُوهُمْ إِلَى الْقَوْلِ بِرُبُوبِيَّتِنَا، وَإِذَا سَمِعُوا التَّقْصِيرَ اعْتَقَدُوهُ فِينَا، وَإِذَا سَمِعُوا مَثَالِبَ أَعْدَائِنَا بِأَسْمَائِهِمْ ثَلَبُونَا بِأَسْمَائِنَا وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ – إلى أن قال – يَا ابْنَ أَبِي مَحْمُودٍ : احْفَظْ مَا حَدَّثْتُكَ بِهِ فَقَدْ جَمَعْتُ لَكَ فِيهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ » . (عيون أخبار الرضا(ع)، ج1 ص272، باب فيما جاء عن الإمام علي بن موسى (ع) المقطع الأخير من حديث رقم 63)

وهذا الأمر هو ما قاد أعلام المسلمين، من المحدثين والرجاليين، لإنشاء جملة من القواعد والضوابط الشرعية والعقلية في خصوص قبول والإعتماد على الرواية من عدمها، فكان علمي الدراية والرجال هما المتكفلان بذالك، لأنه بدون هذه القواعد والضوابط، نجد أنفسنا بين ثلاثة خيارات :

*الأول: أن نقبل ونعتمد في تَدَيُّنِنَا العملي على أي رواية كيفما اتّفق، وهذا بطبعه سوف يوقعنا في الحيرة والتناقض العملي، تبعًا لتعارض هذه الروايات في مضامينها، وبالتالي سوف تتشتت أفراد الأمّة في دينها وتديُّنها.
*الثاني: أن نلغي ونرفض كلّ الروايات التي جاءتنا من النّبيّ (ص) وآله (ع)، لعلمنا المسبق باختلاطها بالضعيف والموضوع من الروايات، وهذا يترتب عليه ابطال لجزء كبير من التشريع الإلهي، خصوصًا وأنّ القسم الأكبر من التشريع الإسلامي وصلنا عبر الأحاديث والروايات، ولعلّ هذا الأمر هو ما وقع فيه ما يسمونهم بالقرآنيين، حيث ألغوا السنة وتوقفوا في عملهم وعباداتهم عند القرآن فقط، فأبطلوا بذالك الجزء الأكبر من التشريع الإسلامي .
*الثالث: العمل على صياغة جملة من القواعد والضوابط التي تستمد من الشريعة والعقل ، لمحاكمة الأحاديث والروايات، وجعلها الفيصل في الحكم على الرواية والحديث، وبالتالي تكون هذه الضوابط والقواعد هي المحدّدة لقبول الرواية من عدمها، وكذالك هي المقياس للعمل بالرواية من عدمه .

والخيار الأخير هو الذي ارتضاه السواد الأعظم من علماء وفقهاء المسلمين، لكونه يجنّبنا نتائج الخيار الأول والثاني، وهو الوقوع في التشتت والضياع في التدين، وكذالك إبطال القسم الأكبر من التشريع الإسلامي .

ولأجل التمكن من التمييز بين الأحاديث الضعيفة والموضوعة من غيرها، عكف علماء المسلمين ولقرون طويلة على وضع تقسيمات منظمة للأحاديث والروايات، والتي تبنى في واقع أمرها على جملة من الضوابط الشرعية والعقلية، وهذا الأمر هو ما تكفل به علم الدراية، أمّا في خصوص القواعد التي تتعلّق بالرواة الراوين للأحاديث، وتحديد حالهم في الرواية ، من جهة صدقهم من عدمه، أو من جهة ضبطهم في الرواية من عدمه….، فقد تكفل به ما يعرف بعلم الرجال .

فكان أهم مايميّز المسلمين عن باقي أصحاب الأديان الأخرى، هو اكتسابهم لعلمي الدراية والرجال، والذي من خلالهما يحاكمون موروثهم الروائي، بينما لا نجدهما عند غيرهم .

ولذالك نجد السواد الأعظم من علماء مذهب أهل البيت (ع)، وعبر القرون التي فقدنا فيها حضور الإمام (ع) بيننا، يحاكمون كل الروايات من جهة سندها ومتنها، وخاصة التي فيها الأحكام التكليفية الخمسة (الوجوب، الحرمة، الإستحباب، والكراهة، الإباحة )، وكذالك الروايات التي تتضمن في متنها المسائل العَقَائدِية .

وذالك لأنّهم يدركون حقيقة أنّ التعبد لله بشيء، لابد وأن يُبْنى على مستند ودليل شرعي، وأيضا يتسالمون فيما بينهم، بأنّ وجود الرواية أو الحديث بدون ثبوت نسبتها للمعصوم (ع) -ولو على نحو الثبوت الظنّي الشرعي الذي يتولد معه الإطمئنان الموضوعي- كعدمه، وخاصة على المستوى العملي ، وهذا الثبوت الظنّي الشرعي، يتحقق لدينا من خلال تطبيق تلك الضوابط الشرعية والعقلية التي نُحتت ونُظّمت في علمي الرجال والدراية، على الرواية أو الحديث، لأنّ ذالك هو ما يُحقق في الرواية الحُجّية التي يصبح معها المكلّف ملزما عقلا وشرعا بقبول الرواية والعمل بمضمونها .

ومن أبرز الضوابط التي قرّرها علمائنا وفقهائنا، ودَلَّت عليها الأدلة الشرعية والعقلية، هي اتصاف رواة الحديث أو الرواية بالصدق والوثاقة في النقل، وقبل ذالك تمامية السند أيضًا من خلال اتصال رواة الحديث بعضهم ببعض، لا انقطاعه بحيث يكون الراوي قد روى على شخص لم يره ولم يلتقيه، بل قد يكون لم يعاصره حتى .

ونحن في هذا المقام سوف نعمل على محاكمة سند ومتن إحدى الروايات التي وردت إلينا من النّبيّ الأكرم (ص) عن طريق أئمة أهل البيت (ع) ، وأخرجها الشيخ الطوسي (رح) في مصنّفه « الغيبة » ، والتي عُرفت في بعض الأوساط بـــــــــ « وصية النّبي (ص) ليلة وفاته لأمير المؤمنين علي (ع) » .

مصادر الرواية في الكتب الشيعية :
وقبل الشروع في الحديث حول ما يتعلّق بسند ومتن الرواية، لابد من التحقيق في مصادر الرواية، وذكر المصنّفات التي أخرجتها، لدخالة ذالك في توليد حالة الإطمئنان الموضوعي حين العمل بالرواية، بناءًا على مبنى تراكم القيم الإحتمالية، الذي يُبنى على جمع القرائن المختلفة في الحكم على الرواية .

وعليه فعند العودة لكتب الحديث الرئيسية والمعتبرة عند الشيعة كالمجامع الحديثية، من قبيل الكتب الأربعة ، لا نجد من أخرج رواية الوصية ، إلا الشيخ الطوسي الذي تفرّد بذكرها في كتابه « الغيبة » ، وخاصة تلك الكتب التي صُنّفت في خصوص القضية المهدوية، من قبيل :

*كتاب : الغيبة لمحمد بن إبراهيم النعماني .
*كتاب : كمال الدين وتمام النعمة، للشيخ الصدوق .
*كتاب : المقنع في الغيبة، للشريف المرتضى .
*المسائل العشر في الغيبة، للشيخ المفيد .
*رسائل في الغيبة، للشيخ المفيد .
نعم نُقلت هذه الوصية في بعض مؤلّفات متأخري ومتأخري المتأخرين من علمائنا ، إلاّ أنهم جميعا يصرحون بنقلها عن كتاب الغيبة للشيخ الطوسي ، وبالتالي لا اعتبار لتخريجهم للرواية ما داموا قد نقولها من مصدرٍ هو بين أيدينا ، ومن هذه المؤلفات التي نقلت رواية الوصية عن غيبة الطوسي :

*مختصر بصائر الدرجات، لحسن بن سلمان الحلّي ( من أعلام القرن 8 هـــ ) ( ص 143-145) .
*نوادر الأخبار في ما يتعلّق بأصول الدين، للفيض الكاشاني ( من أعلام القرن 11 هـ ) . ( ص 294 )
*الإيقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة ( ص 362)، وإثبات الهداة ( ج 2، ص 126، ح ر 376)، للحر العاملي ( من أعلام القرن 11و12 هــــ ) .
*غاية المرام (ج 1، ص 195-196)، والإنصاف ( ص 196-198، ح ر 119)، للسيد هاشم البحراني (من أعلام القرن 11و 12 هــــ ) .
*بحار الأنوار ( ج 53، ص 147-148)، للعلامةمحمد باقر، المجلسي الثاني (من أعلام القرن 11و12 هـــ ) .
*عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات و الأخبار والأقوال( القسم 3 من المجلد 15 ، ص 236-237، ح ر 227) لعبد الله البحراني الأصفهاني ( من تلامذة المجلسي صاحب موسوعة البحار) .
*النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجة الغائب، حيث أشار للرواية دون ذكرها تفصيلا( ج 2، ص 71-72 )، للميرزا النوري، حسين بن محمد ( من أعلام القرن 13-14 هـــ ) .

هذا ما ظفرنا به في استقراء مصنّفات القوم، وخاصة المتأخرين منهم ، أمّا المتقدمين الذين سبقوا أو عاصروا أو تأخروا عن الشيخ الطوسي بفترة ليست بطويلة، فلم نجد منهم من أخرج رواية الوصية أو نقلها في مصنفاته .

متن رواية الوصية :
أخرج الشيخ الطوسي في مصنّفه « الغيبة »، فقال :
« أخبرنا جماعة ، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري ، عن علي بن سنان الموصلي العدل ، عن علي بن الحسين ، عن أحمد بن محمد بن الخليل ، عن جعفر بن أحمد المصري ، عن عمه الحسن بن علي ، عن أبيه :
عن أبي عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبيه الباقر ، عن أبيه ذي الثفنات سيد العابدين ، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد ، عن أبيه أمير المؤمنين(ع)، قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم – في الليلة التي كانت فيها وفاته – لعلي عليه السلام :يا أبا الحسن أحضر صحيفة ودواة . فأملا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم) وصيته حتى انتهى إلى هذا الموضع فقال : يا علي إنه سيكون بعدي اثنا عشر إماما ومن بعدهم إثنا عشر مهديا ، فأنت يا علي أول الاثني عشر إماما ، سماك الله تعالى في سمائه : عليا المرتضى ، وأمير المؤمنين ، والصديق الاكبر ، والفاروق الاعظم ، والمأمون ، والمهدي ، فلا تصح هذه الاسماء لأحد غيرك .يا علي أنت وصيي على أهل بيتي حيّهم وميتهم ، وعلى نسائي : فمن ثبتها لقيتني غدا ، ومن طلقتها فأنا برئ منها ، لم ترني ولم أرها في عرصة القيامة ، وأنت خليفتي على أمتي من بعدي فإذا حضرتك الوفاة فسلمها إلى ابني الحسن البر الوصول ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه سيد العابدين ذي الثفنات علي ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الباقر ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه جعفر الصادق ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه موسى الكاظم ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الرضا ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد الثقة التقي ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه علي الناصح ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه الحسن الفاضل ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه محمد المستحفظ من آل محمد . فذلك اثنا عشر إماما ، ثم يكون من بعده اثنا عشر مهديا ، فإذا حضرته الوفاة فليسلمها إلى ابنه أول المقربين له ثلاثة أسامي : اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد ، والاسم الثالث : المهدي ، هو أول المؤمنين » (كتاب الغيبة ، ص 100- 101 ، باب الكلام في الواقعة ).

النقاش في سند الوصية:

المشكل الأول :
بمجرد إلقاء نظرة عابرة على سند الرواية، يطالعنا أول مشكل فيها، وهو الإرسال الذي أصاب سند الرواية ، ففي مطلع السند نجد أنّ الشيخ الطوسي قد أرسل رواية الوصية، فقال: « أخبرنا جماعة »، وهذه العبارة فيها دلالة واضحة على حذف راوٍ أو أكثر من مطلع السند .
-وقد يجيب بعضهم، فيقول : إن إرسال الشيخ الطوسي يمكن حلّه من خلال العودة لطرق مشيخته، والتي ذكرت في آخر كتابيه التهذيب والإستبصار، حيث قال فيهما: « وماذكرته عن أبي عبد الله الحسين بين سفيان البزوفري، فقد أخبرني به أحمد بن عبدون، والحسين بن عبيد الله عنه، انتهى » . ( الإستبصار، ج 4، ص 342 ، والتهذيب، ج 10، في المشيخة ص 87 ) .

-فيُردّ عليه : بأنّ صاحب هذا القول إمّا هو جاهل واهم ، أو هو مغالط كاذب في مقصده ، وذالك لوضوح أنّ الطرق التي أوردها الشيخ الطوسي إلى البزوفري، متعلّقة بالروايات والأحاديث التي أخرجها له في كتابيه الإستبصار والتهذيب، لا هي متعدّية أيضا للروايات التي أخرجها في كتبه الأخرى، كما هو الحال في مقام بحثنا، وعلى من يدّعي ذالك فليتقدم بدليل يمكّننا من تعدية هذه الطرق لغير الإستبصار والتهذيب، ودون ذالك خرط القتاد .

وعليه فمع ثبوت الإرسال في هذه الرواية، تسقط معه الحُجّية، وبالتالي فلا وجود لما يُلْزِم المكلّف بالتعبد بهذه الوصية أو العمل على طبق مضمونها .

المشكل الثاني :
أنّه ومع التدقيق في سند الرواية، وتتبّع حال رواة هذا الحديث ، نجد مشكلة جهالة القسم الأكبر من رواة هذه الوصية، بمعنى أنّ أكثر رواة هذه الوصية، هم مجهولي الحال عند الشيعة، لعدم ورود أسمائهم في كتب الرجال، بحيث لا يمكننا أن نعرف شيئا عن أشخاصهم وحالهم، فلا هم معروفين مَنْ، ولا معروف حال صدقهم من عدمه، أو وثاقتهم من عدمها .
وهم بالترتب : « علي بن سنان الموصلي العدل، و علي بن الحسين، و جعفر بن أحمد المصري، و عمه الحسن بن علي، وأبوه علي » .

1-الحسين بن علي بن سفيان البزوفري:
وهو أبو عبد الله الحسين بن علي بن سفيان بن خالد بن سفيان البَزَوْفريّ، ترجم له النجاشي والشيخ الطوسي والعلامة الحلي ، عدّه الشيخ الطوسي من رجاله ممن لم يروِ عن واحد من الأئمة (ع)،وذكر أنّ له كتب، وعدّه ممّن روى عنه التلعكبري، ومحمد بن محمد بن النعمان، والحسين بن عبيد الله، وأحمد بن عبدون ( رجال الطوسي، ص 423، رقم 6092 )، وقال فيه النجاشي: « شيخ، ثقة، جليل من أصحابنا، له كتب، منها: كتاب الحج، وكتاب ثواب الأعمال…… »( رجال النجاشي، ص 68، رقم 162 )، وقال عنه العلامة الحلي: « شيخ، ثقة، جليل،من أصحابنا، خاص »( ترتيب خلاصة الأقوال، ص 166 ) .

2-علي بن سنان الموصلي العدل(المعدل) :
هو أبو الحسن ( كما في رواية الصدوق، ومن أخرج له من أعلام أهل السنّة )، روى عن علي بن الحسين كما هو الحال في الوصية، وروى عنه الحسين بن علي البزوفري، وله رواية أخرى أخرجها له الطوسي في غيبته، روى فيها عن أحمد بن محمد الخليلي، وروى عنه فيها الحسين بن علي ( الغيبة للطوسي، ص 99)،ونفس هذه الرواية أخرجها له ابن عياش في مقتضبه ( مقتضب الأثر، ابن عيّاش الجوهري، ص 10) روى فيها عن أحمد بن محمد الخليلي، وروى عنه أحمد بن عيّاش نفسه،وكذلك أخرجها ابن شاذان القمي في مناقبه المئة ( مئة منقبة، ابن شاذان القمي، ص 37 ) عن ابن عيّاش، كما أخرج له الصدوق رواية في مصنّفه «كمال الدين وتمام النعمة» (كمال الدين وتمام النعمة،للصدوق ، ج 2، ص 503-504 ، باب رقم 11، ح ر 25 )، روى فيها عن أبيه، وروى عنه أبو الحسن بن زيد بن عبد الله البغدادي،المجهول عند علماء رجال الشيعة، وأبو الحسن بن زيد هذا ، يُحتمل أن يكون « أبو الحسن علي بن زيد بن عبد الله الفرائضي، المترجم له في المصنّفات الرجالية السنّية، حيث قالوا عنه : أنّه من بلاد طرسوس، وقد نزل في سامراء وحدّث بها، وذهب إلى مصر أيضًا، توفى سنة 262 أو 263 هــ،وقد وثّقه بعضهم ، وقال فيه آخرون : قد تكلّموا فيه ( تاريخ بغداد: الخطيب البغدادي، ج 11 ، ص 425 ، رقم 6315 ، وأيضا : لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، ج 5 ، ص 540-541 ، رقم 5397) .

ولم نجد لعلي بن سنان ذكرًا في كتب الرجال الشيعية والسنّية أيضًا ، إلاّ في طرائف المقال للسيد علي البروجردي، ومعجم الرجال للسيد الخوئي، حيث استظهر السيد الخوئي أن يكون من رواة أهل السنة، لأنّ المتقدمين كانوا يصفون الراوي الذي هو من العامة بالعدل( معجم رجال الحديث، السيد الخوئي، ج 13، ص 49-50 )، كما أنّ المتأخرين ذكروه بدون توثيق أو تجريح، ممّا يجعله من المسكوتين عنهم، نتيجة جهالتهم له ولحاله .

أمّا من أراد أن يثبت لعلي بن سنان الموصلي التشيع، من خلال رواياته الثلاثة السابقة، فدونه خرط القتاد، لأّن ذالك يُحتمل إذا نفينا عن الرواية الوضعَ، وكونها من روايات العامة، و كما سيأتي فإنّ لدينا جملة كبير من القرائن السندية والمتنية المُرجّحة كون الرواية من طرق العامة، وموضوعة .

ويؤيّد ذالك: أنّ رواية أبا سلمى راعي الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، التي تسبق رواية الوصية، والتي أُدْرِجَت في غيبة الطوسي تحت روايات الخاصة، أخرجها ابن شاذان في مناقبه المئة عن ابن عيَّاش الجوهري ( مئة منقبة، ابن شاذان القمي، ص 37 ) ، وابن عياش الجوهري الذي سبق الشيخ الطوسي وابن شاذان، أخرج هذه الرواية بنفس سند الطوسي وابن شاذان،في مصنّفه مقتضب الأثر وصرَّحَ فيه أنَّها من روايات أهل السنّة ( مقتضب الأثر، ابن عيّاش الجوهري، ص 10-11) .

وكذلك حال من أراد توثيقه من خلال رواية الحسين بن علي بن سفيان البزوفري عنه، لأنّ ذالك يتمُّ أيضًا، إذا أكثر الثقة من الرواية عن راوٍ غير موثّق ، فيقوى بذالك احتمال وثاقة الرواي برواية الثقة عنه، أما في مقامنا فالموصلي، عزيز الرواية في مصنّفاتنا الروائية ، ولم نجد له رواية غير الثلاثة المذكورة .

3-علي بن الحسين :
روى عنه علي بن سنان الموصلي المتقدم الذكر، وروى عن أحمد بن محمد بن الخليل الآتي ذكره، وهو مجهول الحال والشخصية، لأنّ هذا الاسم مشترك بين الكثير من الرواة، ولا يمكن ارجاعه لأحدهم بعينه ، خصوصا وأنّ مَن قبله و مَن بعده مجهولان لدينا، وكذلك حاله في كتب الرجال عند السنّة .

ومن حاول إرجاعه لعلي بن الحسين بن بابويه، والد الشيخ الصدوق دون غيره، فهو واهم متوهم، لوضوح أنّ ابن بابويه والد الشيخ الصدوق، كان معاصرًا للبزوفري فكيف يروي الأخير عن هذا العلي بن الحسين من خلال وسائط متعدّدة، كما أن لدينا على الأقل ثلاثة ذكروا في أسانيد الروايات بــ« علي بن الحسين »، منهم ابن بابويه، وعلي بن الحسين الذي روى عن أحمد بن أبي عبد الله تفسير القمي، ( راجع معجم رجال الحديث، للسيد الخوئي، ج 12، ص382 ) ، وكذلك علي بن الحسين، الذي أرجعه السيد الخوئي لعلي بن الحسن( راجع معجم رجال الحديث، للسيد الخوئي، ج 12، ص 381 )، وغيره الكثير.

ولعلّ جهالة من روى عن علي بن الحسين هذا، ومن روى عنه علي بن الحسين، هو ما يقف حائلا دون إرجاع هذا العلي بن الحسين، لراوٍ بعينه، وبالتالي فهو في مقام المجهولية.

4-أحمد بن محمد بن خليل :
وهو مردّد بين شخصيتين إلا أن احتمال كونه الشخصية الأولى أكبر:
الشخصية الأولى: هي أحمد بن محمد الخليلي، المكنّى بأبي عبد الله، والمعروف بغلام خليل الآملي الطبري ،الذي وقع أيضًا في رواية أخرجها الشيخ الطوسي في غيبته ، والذي روى عنه فيها علي بن سنان الموصلي العدل، وروى عن محمد بن صالح الهمداني، وهي الرواية التي تسبق رواية الوصية، لا تفصل بينهما إلا رواية واحدة ( الغيبة، للشيخ الطوسي ، ص 99 ) .
فأحمد بن محمد هذا، متهوم عند رجال الشيعة بكونه كذّاب، ووضّاع ، وفاسد المذهب، فقد قال عنه النجاشي: « ضعيف جدّا، لا يلتفت إليه » (رجال النجاشي، ص 96، رقم 238 )، وقال فيه ابن الغضائري: « كذّاب، وضّاع للحديث، فاسد المذهب، لا يلتفت إليه» ( رجال ابن الغضائري، ص 42، حرف الألف، رقم 16)، وقال عنه ابن داوود: « ضعيف جدّا، لا يلتفت إلى روايته » ( رجال ابن داود، ص 228 )، وقال فيه العلامة الحلّي: « ضعيف جدّا، لا يلتفت إليه، كذّاب وضّاع للحديث، فاسد » ( ترتيب خلاصة الأقوال في معرفة الرجال، ص 74) .
أمّا عند السنّة فهو متهم بالوضع والكذب أيضًا ،فقد ترجم له ابن حجر والذهبي تحت اسم: أحمد بن محمد بن غالب الباهلي، غلام خليل ،فقال فيه الأول: « قال ابن عدي : سمعت أبا عبد الله النّهاونديّ يقول: قلت لغلام خليل، ما هذه الرقائق التي تُحدّث بها ؟ قال : وضعناها لنرقٍّق بها قلوب العامة ، وقال : قال أبو داود : أخشى أن يكون دجّال بغداد، وقال : قال الدارقطني : متروك …. » ( لسان الميزان، ج 1، ص 617 ، رقم 767 )، وقال فيه الثاني بعد أن نقل نفس كلام ابن حجر فيه : « قال : قال أبو بكر النقاش: هو واهٍ » ( ميزان الإعتدال في نقد الرجال، ج 1، ص 141-142 ، رقم 557 ) .
وحسب مانقل عنه من روايات، نقل الذهبي احداهن ، يتضح كونه من أهل السنّة الزاهدين في حياتهم، فقد قال الذهبي: « ومن مصائبه :، قال ، حدّثنا محمد بن عبد الله العمري، حدّثنا مالك، عن نافع ، عن ابن عمر، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اقتدوا باللذين من بعدي، أبو بكر وعمر » ( ميزان الإعتدال في نقد الرجال، ج 1، ص 142) .

الشخصية الثانية : هو أحمد بن محمد بن الخليل،كما ورد اسمه في سند رواية الوصية ،لا أحمد بن محمد الخليلي، فهذه الشخصية مجهولة الهوية والحال عند الشيعة، فلم نجد لها ذكر في مصنّفات الشيعة الرجالية، وعند العودة للمصنّفات الرجالية عند السنّة، نجد هذا الاسم مشترك بين عدّة شخصيات ورد ذكرها في جملة من الأسانيد، منها أحمد بن محمد بن الخليل البخاري، الذي روى عن أبو جعفر محمد بن بكر بن محمد بن مذكر الجاورساني ( الأنساب، للسمعاني، ج 2 ، ص 13 )، ومنها: أبو الخير أحمد بن محمد بن الخليل النسفي ، الذي روى عنه أبو النصر النيازكي ( نفس المصدر السابق، ج 5، ص 59و548 )، ومنها: أحمد بن محمد بن خليل البصري ( لسان الميزان، لابن حجر، ج 5 ، ص 227 )، وغيرها من الشخصيات التي ذكرت في الأسانيد بهذا الاسم الثلاثي، وعليه، فعند السنة هو مشترك ومردّد بين عدّة شخصيات ، وعند الشيعة هو مجهول الحال والهوية .
وخلاصة القول في المقام : أنّ محاولة توثيق هذا الراوي، لهو دأب وشغل المدلسين .

5-جعفر بن أحمد المصري :
لم تذكره، ولم تتطرق لذكره الكتب الرجالية الشيعية الأساسية التي عليها مدار العلماء، إلاّ أنّ بعض أعلامنا المتأخرين كالسيد محسن الأمين، ترجم له في مصنّفه « أعيان الشيعة »، هذا ولم نجد له وجها لاعتبار جعفر بن أحمد المصري من أعيان الشيعة، ولا ما يدلّ على ذالك، خاصة وأنّ المؤلف نفسه لم يستند في ترجمته لجعفر بن أحمد إلاّ على ما ذكره أعلام العامة، ونقل كلمات بعضهم فيه، وعلّق بعد ذالك بكلمات لا يُمْكنُ أيضًا الفهم منها أنّه يوثّقه. ( أعيان الشيعة ج 4، ص 82 ) .

أمّا لو عدنا إلى كتب الرجال عند أهل السنّة نجدهم قد ترجموا له في مصنّفاتهم الرجالية وضعّفوه، واتّهموه بالرفض ووضع الحديث .
يقول ابن عدي، عبد الله الجرجاني: « جعفر بن أحمد بن علي بن بيان بن زيد بن سيابة، أبو الفضل الغافقي مصري، يُعرف بابن أبي العلاء، كتبت عنه بمصر في الدخلة الأولى في سنة 299 هـــ ، وكتبت في الدخلة الثانية، في سنة 304 هــ ، وأظن فيها مات . وحدثنا هو عن أبي صالح كاتب ليث ……بأحاديث موضوعة، وكنّا نتّهمه بوضعها، بل نتيقّن في ذالك، وكان مع ذالك رافضيًّا » ( الكامل في ضعفاء الرجال، ابن عدي الجرجاني ، ج 2، ص 579 )، وبعد ذكره لجملة من الروايات التي وضعها جعفر بن أحمد، علّق على احدى الروايات بقوله: « فالبليّة من جعفر لم يحسن يكذب، أخذ إسناد ابن مبارك ؛ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قرأ : إنّ العين بالعين ، وألزمه على كلام في السرقة » ( الكامل في ضعفاء الرجال، ابن عدي الجرجاني ، ج 2، ص 579 ) .

وينقل ابن حجر العسقلاني عن عبد الغني بن سعيد الأزدي أنّه قال : « جعفر بن أبّان، كذا قال ، وهذا الرجل مشهور ببلدنا بالكذب، ترك حمزة الكٍناني حديثه، غير أنّه جعفر بن أحمد بن علي بن بيان، يعرف بابن الماسح » . ( لسان الميزان ،ابن حجر، ج 2، ص 443 )

ويقول أيضًا: « قال أبو سعيد النقّاش: حدّث بموضوعات، وقال الدارقنطي: لا يساوي شيئًا ». ( لسان الميزان ،ابن حجر، ج 2، ص 443 )

وقال ابن حبّان : « جعفر بن أبّان المصري، شيخ من مصر، يروي عن يحيى بن بكير ….قدم علينا مكّة، فحضرته مع جماعة من أصحابنا لنختبر ماعنده، فسمعته يملي عليهم، فقال فيما أملاه: …… ، فقلت : يا شيخ اتّق الله ، ولا تكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنّك لم تسمع مما تُحدّث به شيئًا، فقال لي : لست في حل، إنّما تحسدونني لإسنادي، فلم أزايله حتى حلف أن لا يحدّث بمكة بعد أن خوفته بالسلطان … » ( المجروحين من المحدّثين، لابن حبّان، ج 1 ، ص 255 ، رقم 189 ) ، ويعقّب ابن حبّان قائلا : « وإنّما ذُكر هذا الشيخ، لأنّ أصحابنا ومن كان في أيامنا بمصر كتبوا نسخة ابن غنج عن نافع، عن هذا الشيخ، عن عبد الله بن صالح، حتى يعرف فيتنكّب عن الرواية عنه » ( المجروحين من المحدّثين، لابن حبّان، ج 1 ، ص 256 ، رقم 189 ) .

ومن حاول ارجاع أحمد بن جعفر إلى الإمامية، وكذلك عمل على توثيقه من خلال اتّهام أعلام العامة له بالرفض فقد يكون مشتبهًا، وذلك لاحتمال قوي أن يكون اسماعيليًا، لكون الرفض يطلق عند عموم أعلام أهل السنّة على كل من كان يرفض خلافة غير أهل البيت ( عليهم السلام)، والإسماعيلية تشترك مع الإمامية في هذا الرفض .

وما يقوي هذا الاحتمال، هو أنّ أحمد بن جعفر كان معاصرًا لقيام الدولة الفاطمية الاسماعيلية في شمال إفريقيا سنة (300 هــ )، فحسب ما ذكره ابن عدي، فأحمد بن جعفر هذا كان حيًّا ومقيمًا في مصر إلى سنة (304) ( الكامل في ضعفاء الرجال، ابن عدي الجرجاني ، ج 2، ص 579 )، ممّا يقوي احتمال اتصاله بالدعوة الإسماعيلية في شمال إفريقيا التي كانت نشطة في تلك المرحلة الزمنية في كل بلدان شمال إفريقيا . وكذلك بدُعَاتها الذين كانوا منتشرين في كل شمال إفريقيا .

6-الحسن بن علي:
وردت عدّة روايات في كتب الحديث الشيعية، وفي أسانيدها « الحسن بن علي » دون اسم الجد أو اللّقب، منها ثلاثة روايات أخرجها الطوسي في أماليه؛( ص 229 و312 و652)، وكذلك أربعة روايات أخرجها النعماني في غيبته؛ ( ص 284، و272، و281، و306) ، وأيضا أخرج المفيد ثلاثة روايات في أماليه، فيها اسم « الحسن بن علي » ( ص 8، و84، و190 ) ، ورواية واحدة في كتاب الإختصاص؛ ( ص 88)، وغيرها من المصنّفات الحديثية.

و وُرُودْ هذا الاسم في طبقات مختلفة، يجعله اسما مشتركًا بين عدة، وهذا ما أشار له السيد الخوئي في مصنّفه « معجم رجال الحديث »عندما قال : أنّ الحسن بن علي، اسم مشترك، يعرف من خلال مَن رَوَى عنهم و رَوَوْ عنه (ج 12، ص 351) ، إلاّ أنّ جهالة من روى عن الحسن وروى عنه الحسن في سند الوصية ، يُثَبِّت جهالة الحسن بن علي، وبالتالي فلا يمكن تحديد هويته وحاله .

يبقى أنّنا يمكن أن نكمل نسبه، من خلال ماعرفناه من نسب ابن أخيه « جعفر بن أحمد المصري » المجهول عند الشيعة ، والمذكور عند أهل السنّة، وبالتالي فهو « الحسن بن علي بن بيان بن زيد بن سيابة »، وهو بهذا النسب كما أنّه مجهول لدى علماء الرجال عند الشيعة ، فكذلك هو مجهول عند أعلام أهل السنّة ، بحيث لم نجد له ترجمة لا في كتب رجال الشيعة ولا في كتب رجال السنّة .

وعليه فلو وسّعنا البحث والتحقيق في المُصَنَّفات الرجالية والحديثية عند أهل السنّة والجماعة، لتمكّنا أن نجد مَن يُحتمل أنّه ابنٌ « للحسن بن علي بن بيان »، وهو عبد الرحمان أبو محمد العطّار ، وهذا الأمر بالإضافة إلى قرينة جهالة الحسن بن علي عندنا، يرفع ويقوي احتمال أن يكون من رواة العامة، لا هو من رواة الشيعة، ولوجدنا أيضا أنّ مَن يُحتمل أنّه ابنٌ للحسن بن علي ، هو من الرواة الموثّقين الذين روَى عنهم أحد حفاظ وأئمة الرواية لدى أهل السنّة والجماعة.

وابن الحسن بن علي هو :
• عبد الرحمان بن الحسن بن علي بن بيان، أبو محمد العطّار ، حدّث عنه الحافظ الإمام أبو الفتح بن مسرور، عبد الواحد بن محمد بن أحمد بن مسرور( تاريخ دمشق، ابن عساكر،ج37 ، ص 267 رقم الترجمة 4338 )، وقال ابن مسرور : حدّثنا[ أي :عبد الرحمان بن الحسن] سنة 329 هـ … وكان؛ ثقة ( تاريخ بغداد، ج 11 ، ص 586 ، رقم 5371 ) ، فعبد الرحمان هذا، كان معاصرا لابن عمّه جعفر بن أحمد المصري الذي توفى سنة 304 هـ ،وهذا يقوّي احتمال كونه ابنُ للحسن بن علي بن بيان.

ومن حاول أن يرجعه إلى « الحسين بن علي المصري » بناءًا على وقوع التصحيف في الاسم، ولتشابه اللقب بين ابن أخيه « جعفر بن أحمد المصري » وبين « الحسين بن علي المصري »، لاحتمال أن يكون لفظة « المصري » لقب لهذه العائلة، فهو إمّا أن يكون جاهلا بهذا الفن، أو مدلّسا في ما يفعل ، لوضوح أن المحدثين والرجاليين القدماء كانوا ينسبون الراوي لبلد أو مدينة ما، بمجرد نزوله أو الرواية فيها، وهذا يؤكده نسبة الراوي الواحد لعدّة بلدان، أو تجد الراوي الواحد عند مُترجم بنسبة لبلد، وعند آخر بنسبة لبلد آخر، وعند ثالث بالنسبتين معًا، كما أنّ النسبة قديما لم تكن كالألقاب في هذا الزمن، تتوارث من الأب إلى الابن، بل هي خاصة بصاحبها فقط، فقد تجد الأب منسوبا لبغداد، فيقال ؛البغدادي، والابن بنسبة أخرى، فيقال له : الصنعاني أو البصري أو القيرواني، وذالك لأن الأب عاش في بغداد، بينما الابن عاش أو نزل في بلد آخر .

أمّا بخصوص دعوى التصحيف فترجيحها بدون وجود منشأ يقتضي الترجيح، هو دَأْبُ مَن هُم للعلمِ غير محصّلين، لأنّه لا يوجد أي قرينة موضوعية تقتضي منّا دعوى التصحيف، إلا إذا فرضنا أنّ هناك دافع ذاتي سلبي لترجيح التصحيف .

7-علي بن بيان بن زيد بن سيابة:
ونسبه مأخوذ من ترجمة حفيده جعفر بن أحمد المصري، وعلي بن بيان هذا لم نجد له أي نوع من الذكر في كتب الرجال والحديث الشيعية، إلاّ رواية واحدة أخرجها الصدوق في خصاله من طرق العامة( الخصال، ص 449) ، ذكر في سندها « علي بن بيان المقرئ » الآتي الذكر .

أما لو عدنا لكتب الرجال والحديث عند أهل السنّة، فنجد أن لهم جملة من رواة الحديث باسم « علي بن بيان »، منهم؛ علي بن بيان المطرز أبو الحسن ، وعلي بن بيان الباقلاني المقرئ أبو الحسن ابن الباقلاني، و علي بن بيان الرزّاز أبو الحسن البغدادي، وغيرهم ممن هم متأخرون ، وهؤلاء لم يلحق منهم أحد على الإمام الصادق (عليه السلام) ليرووا عنه .

فالأول توفى -حسب ما ترجم له الخطيب البغدادي- سنة 294 هـــ ( تاريخ بغداد، ج 13،ص 528 ) ممّا يجعل الفارق الزمني بين وفاته، ووفاة الإمام الصادق (عليه السلام) كبيرة، وهي لا تقل عن 144 سنة، والثاني؛ توفى سنة 284 هــ حسب ترجمة الخطيب البغدادي ( تاريخ بغداد، ح13، ص301 )، وهو كسابقه ، أمّا الثالث؛ فقد ولد سنة 335 هــ ، وتوفى سنة 419 هــ ( تاريخ بغداد، ج 13، ص 234)، ممّا يزيد استحالة لقائه بالإمام الصادق ( عليه السلام) .

وعليه فـــ « علي بن بيان » الذي يروي عن الإمام الصادق ( عليه السلام)، والذي عاش قبل شهادته (عليه السلام) أي قبل سنة 146 أو 148 هــــ ، فهو مجهول الحال والهوية عند الشيعة والسنّة .

خلاصة النقاش في سند الوصية :
أولاً : أنّه وبعد أن كان مطلع سند الرواية فيه إرسال، ولم نجد ما يرجّح أنّ ما ذكره الشيخ الطوسي في التهذيب والإستبصار، يمكن أن يتعدى إلى كتبه الأخرى ككتاب الغيبة الذي ذكرت فيه الوصية،فالرواية ساقطة الحجّية، وبلحاظ كوننا نتعبد بالرواية من خلال ثبوت الحجّية لها، فالرواية لا يمكننا التعبّد والعمل على وفق مضمونها .

ثانيًا: وبعد أنّ كان كل رواة الوصية ماعادا البزوفري مجاهيل، إمّا لأنّ اسم الراوي لم يترجم له في كتبنا الرجالية المعتمدة، بحيث يعرف حال صدقه من عدمه، كعلي بن سنان الموصلي العدل، وجعفر بن أحمد المصري، وعمّه، وجدّه، أو لأنّ اسم الراوي مشترك بين الكثير ، ولم نجد أي أمارة معتبرة تفكّ هذا الإشتراك، كأحمد بن محمد بن الخليل، وعلي بن الحسين، فالتعبد بالرواية والعمل على وفقها، دونه خرط القتاد .

ثالثاً: وبعد أن ورد في سند الوصية بعض الرواة المجهولين عند الشيعة، والمعروفين عند أعلام السنّة بالضعف والوضع الصريح، كجعفر بن أحمد المصري، وكذلك بعد أن كان في السند راوٍ ألحق باسمه لفظة «العدل»، التي استظهر منها بعض أعلامنا المعتمد عليهم، أنّ هذه اللّفظة تلحق عند مُتقدّمينا من العلماء بالراوي الذي هو من أهل السنّة ، وأيضًا بعد ظهور احتمال أن يكون « للحسن بن علي بن بيان » ابنًا، مجهول عند الشيعة، ومَرْوِيّ عنه ثمّ موثّق عند السنّة، فبعد هذا كلّه، يمكننا الترجيح بإطمئنان أنّ هذه الرواية بالخصوص، هي رواية جاءتنا من طرق أهل السنّة، لا هي من طرق الشيعة .

وهذا ما رجّحه وذهب إليه الحر العاملي، حين نقاشه لهذه الوصية وغيرها من الروايات التي تشترك معها في مضمون الإثنا عشر مهديا بعد الإثنا عشر إماما، حيث قال: « ولأنّ [ الطريق ] الأول [ يقصد طريق رواية الوصية ] من طريق العامة، فلا يُعتدّ به، فيما لا يوافق التصريحات الثابتة من طريق الخاصّة » ( الفوائد الطوسية، الحر العاملي، ص 117 ،فائدة رقم 38 ) .

وصرّح به أيضا في مصنّفه « الإيقاظ من الهجعة » حينما قال : « ولا يخفى أن الحديث المنقول، أولا: من كتاب الغيبة، من طُرق العامة، فلا حجّة فيه في هذا المعنى، وإنّما هو حجّة في النّص على الاثنى عشر، لموافقته لروايات الخاصة، وقد ذكر الشيخ بعده وبعد عدّة أحايث أنّه من روايات العامة »( الإيقاظ من الهجعة، الحر العاملي، ص 368 ) .

أمّا من أراد أن يتمسك بعبارة الشيخ الطوسي حين قال: «فأمّا ماروي من جهة الخاصّة فأكثر من أن يحصى، غير أنَّا نذكر طرفا منها » ( الغيبة، للشيخ الطوسي ، ص 95)، والتي وردت قبل نقل الوصية، ليثبت أنّ رواية الوصية من طرق الخاصّة .

فيردّ عليه؛ بأنّ احتمال وقوع التقديم والتأخير من قبل النسّاخ في نصوص كتاب الغيبة قوي جدًّا، وذلك لأنّ الشيخ الطوسي نفسه وبعد بضعة روايات من رواية الوصية يستدلّ على كون الإمامة محصورة في اثنى عشر، فهل يتصور عاقل أنّه يناقض كلامه بإخراج مثل هذه الرواية، خاصة وأنّه في مقام المحاججة والردّ على الواقفة .

وبالإضافة إلى ما صرّح به الحر العاملي السالف، الذي يقوي احتمال التقديم والتأخير، نجد أنّ أحمد بن عيَّاش الذي هو من شيوخ الطوسي في الرواية، قد أخرج في كتابه « مقتضب الأثر »، رواية، صرّح بأنّها من مرويات العامة( متقب الأثر، ابن عيّاش الجوهري ، ص 10-11)، وهذه الرواية هي نفس ما أخرجها الطوسي في الغيبة، وأُدْرِجَت في النسخ المطبوعة تحت روايات الخاصة، وهي الرواية التي تسبق رواية الوصية لا يفصل بينهما إلاّ رواية واحدة ، وذكر في سندها « علي بن سنان الموصلي » و « أحمد بن محمد الخليلي» .

نتيجة : ونتيجة النقاط الثلاثة المتقدمة هو؛ أنّ أي رواية يكون حال سندها، كحال سند رواية الوصية، هي في واقع الأمر ضعيفة السند ضعفًا شديدًا، وهي ساقطة الحجّية، بما يعني أنّه لا يجوز الأخذ بمضمونها، أو العمل على وفق ما تحمله من مضمون، ومن يحاول العمل بمضمون هذه الرواية فهو كالمتيقّن بأن السراب حقيقة .

يبقى الكلام والتحقيق في متن ومضمون رواية الوصية، فنرجوا من المولى تعالى التوفيق والسداد لإتمامه، بعيدًا عن هوى النفس، ومدلهمات دروبها .

يتبع بجزء ثان نناقش فيه متن الرواية ……

الرد القويم على المدعي أحمد الحسن وأتباعه من الأولين والآخرين:السيد أبو جواد التونسي حبيب مقدمبحث مفصل في سند ومتن…

Posted by ‎الكاتب السيد حبيب مقدم‎ on Monday, 1 July 2019
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى