مقالات

العهد الإلهي مع الانسان

قال تعالى : {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف : 172] .

– (ذريّة) إما مأخوذة من (ذر) بمعنى ذرّات الغبار الصغيرة جداً ، أو النمل الصغير ، والمراد منها هنا أجزاء نطفة الإنسان أو أبناؤه الصغار (1) .

وإمّا مأخوذة من جذر (ذرو) بمعنى التفريق ، أو من (ذرأ) بمعنى الخلق (2) ، ولكن الأغلب أنها تُطلق على الأبناء (الذُرّية) .

– لم يبيّن في هذه الآية كيفية أخذ الله العهد من بني آدم ، ولكنّ للمفسرين أقوالاً متعددة في ذلك ، والمشهور منها قولان :

أ) تبعاً للروايات فإنه بعد أن خلق الله آدم (عليه السلام) أخرج من ظهره جميع أبناه الى آخر الدنيا على صورة ذرات صغيرة ومتفرقة كالنمل الصغير ، وجعلهم مورداً لخطاب ولاسؤال الإلهي اعترفوا – بالقدرة الإلهية – بربوبية الله ، ثم رجعوا الى صلبه ليخرجوا بعد ذلك خروجاً تدريجياً طبيعياً الى هذا العالم ، ويقال لذلك العالم (عالم الذر) ولذلك العهد (عهد ألستُ) (3) .

قال الإمام الصادق (عليه السلام) : (منهم من أقرّ بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه) (4) .

ونقل عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن ذلك الإقرار كان في يوم عرفة (5) .

ب) إن المراد من عالم الذر الفطرة والعهد التكويني ، يعني أنه عندما يخرج الابناء من أصلاب آبائهم الى أرحام أمّهاتهم وهم ذرّات ليس اكثر فإن الله يودع التوحيد وطلب الحق في فطرتهم ، ويودع هذا السر الإلهي بصورة حس باطني في فطرة الجميع ويكون وديعة عندهم ، كذلك الأمر في عقولهم فالاعتقاد بالله تعالى اعتقاداً حقيقياً واعياً كمن يف كل عقول بني آدم ؛ ولذا فطرة البشر وعقولهم تشهد على ربوبية الله سبحانه وتعالى .

وفي بعض الروايات المروية عن الإمام الصادق (عليه السلام) إشارة الى كون الفطرة هي عالم الذر (6) .

وجاء في بعض الروايات أن الفطرة هي أثر عالم الذر لا العالم نفسه ، (ثبتت المعرفة في قلوبهم ونسوا الموقف) (7) ؛ ولذا قدر أقرّ الناس جميعاً في ذلك الموقف ولكنهم نسوا الإقرار وذلك الموقف ، وإن أثر ذلك الإقرار هو الفطرة نفسها وميل القلب إليها ، وعلى كل حال فالآية مورد كلام عند المتكلّمين والمحدّثين والمفسرّين ؛ ولذا فنحن نوكل علمها الى أهله وهم الراسخون في العلم (8) .

________________

  1. ينظر لسان العرب ماد (ذرر) .
  2.  تفسير الأمثل ، ج4 ، ص 564 .
  3. ينظر الكافي ، ج2 ، ص 13 .
  4. تفسير نور الثقلين ، ج2 ، ص 96 .
  5. تفسير الدر المنثور ، ج9 ، ص 600 .
  6. تفسير البرهان ، ج4 ، ص 137 ، ونفحات القرآن ، ج3 ، ص 117 .
  7. نفحات القرآن ، ج3 ، ص 117 .
  8. للاطلاع على الأقوال والآراء المختلفة يراجع كتاب (نفحات القرآن) لآية الله مكارم الشيرازي ، وكذلك كتاب (مفاهيم القرآن) لآية الله جعفر السبحاني ، وتفسير (أطيب البيان) .
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى