مقالات

اللين والمحبّة وحسن الخُلُق‏ من صفات الانبياء

قال تعالى  : {فَبَما رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.

(آل عمران/ 159)

إنّ مسؤولية الأنبياء عليهم السلام القيادية تفرض عليهم ضرورة مسايرة الناس، واللّين أمام غلظة وفظاظة الجهّال المتعصّبين قدر الإمكان، وبعبارة أدقّ : النفوذ في قلوب مختلف شرائح المجتمع عن طريق المحبّة، وهذه صفة اخرى‏ من صفات الأنبياء عليهم السلام.

يقول القرآن الكريم في الآية وخصوصاً فيما يتعلّق بنبي الإسلام صلى الله عليه و آله : {فَبَما رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} و«الفظّ» : و «غليظ القلب» لهما نفس المعنى تقريباً وهو الشدّة والخشونة وقساوة القب، لكن البعض فرّق بينهما وقال : إنّ‏ «الفظّ» يعني الخشن في القول، و «غليظ القلب» الخشن في الفعل. وذهب البعض الآخر إلى‏ أنّ «فظّ» إشارة إلى‏ الخشونة الظاهرية (الأعمّ من القول والفعل)، و «غليظ القلب» إشارة إلى‏ الخشونة الباطنية والقلبية والتي تعدّ المصدر الرئيسي لكلّ الخشونات.

والذي يقابل هذين الوصفين هو اللّين والمحبّة والهدوء قولًا وفعلًا ممّا يؤدّي إلى‏ استقطاب طبقات الامّة بشكل عجيب.

ويرى محقّقو التاريخ أنّ وجود هذه الصفات في شخص نبي الإسلام صلى الله عليه و آله كان له أكبر الأثر في الإسراع من مهمّة نجاح وانتشار رسالته خصوصاً في أوساط مجتمع يدور فيه كلّ شي‏ء حول محور الخشونة الفعليّة كالقتل والإغارة فضلًا عن الخشونة في القول، ومن هنا فمن السهل الوقوف على الدور الفعّال لهذه الصفة الأخلاقية للنبي صلى الله عليه و آله.

وهناك الكثير من الشواهد حول هذا الموضوع في تاريخ حياة النبي الأكرم صلى الله عليه و آله، ولو تعرّضنا لها كلّها لخرجنا عن جوهر موضوع بحثنا لكثرتها، لكنّنا سنكتفي بنموذج واحد فقط :

ففي معركة احد التي وجّهت فيها أكبر ضربة لكيان الإسلام والمسلمين بسبب عدم التزام فريق ممّن كانوا جديدي العهد بالإسلام وهروب فريق آخر، فضلًا عن الجراح التي اثخن بها شخص النبي الأكرم صلى الله عليه و آله وبشهادة الكثير من أقطاب الإسلام، نراه صلى الله عليه و آله بعد انتهاء المعركة حليماً مع المسلمين يكلّمهم بلسان طيّب ولم يبد أي غضب بل كان يدعو لهداية أعدائه المجرمين أيضاً.

كما أنّ تاريخ باقي الأنبياء عليهم السلام يعكس أيضاً تمتّعهم بهذه الفضيلة الإنسانية الخطيرة.

إنّ تصريح القرآن بأنّ «نوحاً» عليه السلام قد دعا قومه تسعمائة وخمسين سنة وأنّه استعان‏ بكلّ الطرق والوسائل لهدايتهم على حدّ قوله، إذ أنّه كان يدعوهم علناً أحياناً وأحياناً اخرى سِرّاً، ليلًا أو نهاراً، يذهب إلى‏ بيوتهم أو يشاركهم في جلساتهم العامّة في بعض الأحيان، وإنّه لم يؤمن به طوال كلّ هذه المدّة إلّا نفر قليل، يعكس مدى مداراته لهؤلاء الوثنيين العاصين.

ولحن قوله تعالى الوارد في سورة نوح عليه السلام يبيّن بكلّ وضوح استخدامه اسلوب الترغيب، وأنّه لم يقدم على لعنهم والدعاء عليهم إلّا بعد أن يئس تماماً منهم ومن ذرّيتهم.

إنّ الإنسان تصيبه الدهشة أحياناً عندما يرى ما لبعض الأنبياء من رأفة وحسن خُلق، فقد ورد عن «لوط» عليه السلام مثلًا في القرآن الكريم إنّه عرض بناته على قومه المذنبين للزواج منهنّ (بعد الإيمان) أملًا في أن يمنعهم من القيام بأعمالهم الشنيعة تلك.

وعلى أيّة حال فإنّنا كلّما تمعّنا أكثر في حياة هؤلاء العظام كلّما وقفنا على مميزات وصفات أخلاقية أكبر لهم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى