مقالات

المراحل والأدوار التي مر بها بحث الإعجاز

عند قراءتنا للقرآن الكريم وعندما نتمعن في آيته الشريفة لا نشاهد أي أثر لمصطلح

المعجزة والإعجاز أو مصطلح خارق للعادة وما شابه ذلك، بالتالي فالقرآن لم يستخدم شيئا من هذه المصطلحات التي نشاهدها اليوم، لكن هذه المصطلحات انطلقت من أفواه المفكرين والباحثين في الشؤون القرآنية، وظهر هذا المبحث في النصف الثاني من القرن الثاني حتى بدأت الكتابات تنكر شيئا فشياً.

أسباب انحسار الكتابات القرآنية في العهد القرون الأولى

لقد ذكر الدكتور أحمد جمال العمري سببين لذلك:

الأول: ضعف العقلية الإسلامية عن هذه المسائل الدقيقة

الثاني: نظرة الإجلال والتقديس التي كانوا ينظرون بها للقرآن، بحيث بمنعهم عن

الخوض في مثل هذه الأمور.(1)

 ولكن المتأمل في تلك الفترة يمكن له أن يضيف لهذين السببين أسباب أخرى تمثلت في الصراعات التي حدثت بين المسلمين في العصور الأولى وانشغالهم بالحروب والغزوات وما شابه ذلك.

 وفي نهاية القرن الثاني بدأت الكتابات في إعجاز القرآن تظهر بشكل أكثر سعة حيث كتب أبو عبيدة معمر بن مشی ( ت ۲۰۹ ) كتاب إعجاز القرآن.

ثم بدأت الكتابات في هذا العنوان، وسنحاول أن نذكر هذه الكتابات بشكل متسلسل وفق المرحلة الزمنية لذلك.

1- الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر (ت255) له كتاب اسمه نظم القرآن وذكر الإعجاز في هذا الكتاب، ويذهب إلى أن إعجاز القرآن في النظم والتأليف، ورد على شيخه وأستاذه إبراهيم بن سيار النظام (ت226) الذي ذهب إلى أن الإعجاز متحقق بسبب نظرية الصرفة.

۲. أبو سليمان حمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي (ت ۳۸۸ ) له كتاب بيان إعجاز

القرآن، وذهب فيه إلى أن الإعجاز متحقق في اللفظ القرآني باعتباره أفصح الألفاظ،

في أحسن نظوم التأليف، مضمنا أصح المعاني.(2)

 ثم التفت إلى وجه آخر في الإعجاز وهو:

 صنيعه بالقلوب و تأثيره في النفوس… تستبشر به النفوس وتنشرح له الصدور، فكم من عدو للرسول (صلى الله عليه واله) من رجال العرب وفتاکها اقبلوا يريدون اغتياله وقتله فسمعوا آيات من القرآن فلم يلبثوا حين وقعت في مسامعهم أن يتحولوا عن رأيهم الأول، وأن يركوا إلى مسالمته، ويدخلوا في دينه، وصارت عدواتهم موالاة، وكفرهم إيمانا .(3)

۳ – أبو الحسن علي بن عيسى الرماني (ت386) له كتاب النكت في الإعجاز القرآن وذکر سبع جهات للإعجاز هي:

أ) ترك المعارضة مع توفر الدواعي وشدة الحاجة.

ب) التحدي للكافة.

ج) الصرفة.

د) البلاغة.

هـ) الأخبار الصادقة عن الأمور المستقيلة.

و) نقض العادة.

ز) قياسة بكل معجزة.

4- أبوبكر محمد بن الطيب الباقلاني (ت 403) وله كتاب إعجاز القرآن، وذكر

الإعجاز من وجوه ثلاث:

أ) أخبار عن الغيبيات.

ب) قصص الأولين وأخبار الماضين.

ج) إنه بديع النظم وعجيب التأليف.(4)

د) أبو بكر عبدالقاهر بن عبدالرحمن الجرجاني (ت 4۷۱ ) له رسالة اسمها الرسالة الشافية، ذكر فيها الإعجاز وله كتاب دلائل الإعجاز، وأشار إلى النظم وعجيب التأليف(5).

5) القاضي عياض بن موسي (ت 544 ) له كتاب اسمه الشفا بتعريف حقوق   المصطفى وحدد وجوه الإعجاز في أربع :

أ) حسن التأليف.

ب) النظم العجيب والأسلوب الغريب.

ج) الأخبار بالمغيبات.

د) أخباره عن القرون السابقة.

وجوه أخرى ذكرت في الإعجاز منها.(6)

6- علي بن محمد السخاوي (ت 613 ) ذهب إلى أن الإعجاز في النظم والأسلوب، وفصل بين الإعجاز وبين ما تحدی به الكتاب، حيث جعل الإعجاز بديع النظم وغرابة الأسلوب، وأما الأخبار عن المغيبات وأخبار القرون الماضية وما يتعلق بالخلق والأرض والسماء في رأيه ليس مما تحداهم به، وإنما هذه الأمور تدل على صدق الرسول (صلى الله عليه واله).(7)

۷ أبو عبدالله محمد بن أحمد القرطبي (684) حيث جعل وجوه الإعجاز عشرة  ذكرها في جامعة.(8)

 8- الزركشي بدر الدين (ت ۷۹4 ) ذکر وجوه متعددة في البرهان.(9)

 9- السيوطي جلال الدين (ت ۹۱۱ ) له كتاب الاتقان في علوم القرآن وألف كتاب معترك الأقران في إعجاز القرآن وذكر وجوه كثيرة للإعجاز.

جدول بیاني يعرض بعض ما دون عن الإعجاز من القرن الثاني إلى العاشر الهجري

التحدي ومراحله

لقد تحدى القرآن عامة العرب، فحاولوا معارضته، ولكن لا بالكلام لعجزهم عنه، بل بمقارعة السيوف وبذل الأموال والنفوس، دليلا على فشلهم عن مقابلته بالبيان. وربما كانوا في بدء الأمر – استقلوا شأنه، حيث قالوا {لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [الأنفال: 31]، و { إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ} [المدثر: 25] و {..إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ..} [النحل: 103] و {..مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ..} [الأنعام: 91] إلى أمثالها من تعابير تكشف عن سخف أوهامهم، لكن سرعان ما تراجعت العرب إلى أعقابها فانقلبوا صاغرين، وقد ملكتهم روعة هذا الكلام وطغت عليهم سطوته، منهم بموقفهم.

لقد تحدى القرآن الكريم خصومه على مراحل :

 1- {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: 33، 34].

2- {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ} [هود: 13، 14].

3- { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (38) بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [يونس: 38، 39].

4- { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 23، 24].

5- {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا } [الإسراء: 88]

الخلاصة

ولد اصطلاح الإعجاز والمعجزة على أيدي علماء القرآنيات عندما صنف أول بحث حول تحدي القرآن لخصومه في النصف الثاني من القرن الثاني.

يعود غياب موضوع الإعجاز عن التدوين الإسلامي في القرن الأول إلى  مجموعة من الأسباب منها: انشغال المسلمين بالحروب والفتوحات وضعف العقلية الإسلامية أنذاك.

انتشرت بعد القرن الثاني الهجري مجموعة كبيرة اهتمت ببحث الإعجاز وفصلت فيه، وقد فصلت في الجدول المتقدم فلاحظ.

لقد تحدى القرآن خصومه على مراحل متعددة أشارت اليها الآيات الكريمة ، فهو تحداهم أن يأتوا بحديث مثله فلم يستطيعوا ، ثم تحداهم ان يأتوا بعشر سور مثله فلم يستطيعوا ، ثم تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة وعجزوا عن ذلك أيضاً.

______________

1- مفهوم الاعجاز القرآني، أحمد جمال العمري 4۳.4۲.

2- بيان اعجار القرآن، حمد بن محمد الخطابي: ۲۷ ، طبع ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن.

3- المصدر نفسه.

4- اعجاز القرآن. الباقلاني: ۳۵.۳۳ .

5 – دلائل الاعجلاز، الجرجاني: ۳۹۱.

6- الشفاء عياض بن موسی1، 526 وما بعدها.

 7- إجمال القراء و كمال الأقراء، السنحاوي: 44.

8- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي: ۷۳ .

9- البرهان في علوم القرآن، الزرکشي: 2، 106.

المؤلف : السيد نذير الحسني

الكتاب أو المصدر: دروس في علوم القرآن

الصفحة:237- 243.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى