مقالات

النظر إلى أهل البيت عبادة

يعدّ طريق العبادة والطاعة القناة الوحيدة للوصول إلى مرضاة الله تعالى، لذا اهتمت به الشريعة الإسلامية, بتفعيلها الهدف من التشريع وسنّ الأحكام المختلفة (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) ،

وهكذا كانت طريقة الأنبياء والأوصياء كما يُروى عنهم وعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، فقد عَبَدَ الله حتى تورّمت رجلاه واصفرّ لونه،

وهكذا أهل بيته الأطهار (عليهم السلام). وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يصلّي في اليوم والليلة ألف ركعة، وكذا سائر الأئمة ، وقد سنّ الإسلامُ عبادات للجوارح والحواس عامة تشترك فيها الحواس أجمع، وعبادات خاصة لكلّ حاسّة بمفردها، كما في العين والأذن مثلا، فللأذن مثلا الاستماع إلى تلاوة القرآن والوعظ والإرشاد وليس الاستماع إلى الغناء وسائر المعاصي كالغِيبة وغيرها. أما العين فذكر لها الكثير من العبادات منها: ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنه قال: (النظر إلى الكعبة عبادة، والنظر إلى الوالدين عبادة، والنظر إلى المصحف عبادة، والنظر إلى وجه العالم عبادة، والنظر إلى آل محمد عبادة) . يذكر الحديث خمسة أمور يُعدّ النظر إليها من العبادات، خامسها النظر إلى آل محمد (صلى الله عليه وآله) وهو يحتاج إلى مزيد من التوضيح. أما في حياة الأئمة الكرام فمن البديهي أن النظر إلى وجوههم المنيرة الزاهرة هو من أكبر العبادات، باعتبار أن النظر إلى وجوههم وهم أصفياء الله وأحباؤه فيه الكثير من الخصائص والميزات، وهو مثلا غير النظر إلى حرم الكعبة وبنيانها، والفارق بينهما واضح فالنظر إليهم يستتبع التعلّم والإفادة والإفاضة حيث إن كلامهم وفعلهم وتقريرهم حجة كما هو مبيَّن في أصول الفقه، فيُتعرف على الأحكام الشريعة التي هي أوامر الله ونواهيه من خلال أقوالهم وأفعالهم. وكيف يكون إذا لم يكن في الأمر مواجهة معهم ومعاشرة وعليه فالنظر إليهم أفضل من النظر إلى غيرهم، هذا في حياتهم. وأما بعد مماتهم فما وجه العبادة حين انعدام النظر وهل له مورد كما الحياة؟، نستفيد من إطلاق العبارة وعدم تخصيصها بالحياة بأن النظر إلى مشاهدهم يعدّ أيضا عبادة، وذلك لأن مشاهدهم الشريفة محلّ نزول الفيوضات الإلهية والرحمات الربانية، فالحضور عندهم والكون فيها يصون المرء من الكثير من وساوس الشياطين ويُقرِّب من الساحة الربّانية، وأيضا فإنه لا معنى لمماتهم، فحضورهم دائم مستمر ما تعاقب القمران واختلف الحدثان وهم ينظرون إلى محبيهم وشيعتهم ويستمعون إلى شكواهم ويقضون حوائجهم ويحلّون مشاكلهم وما استعصى عليهم، ويشير العلامة النقوي إلى ما ذُكر بقوله:( إنّ نفوسهم ليس لها تعلق بأبدانهم العنصريّة كتعلِّق نفوسنا بها حتى يطلق الموت عليها حقيقةً كما يطلق علينا بل هم بعد الموت وقبل الموت سيّان كما ورد أشهد أنّك تسمع كلامي وتردّ سلامي وأنت حيّ عند ربّك مرزوق) . وما ذُكر مشهود واضح لا يحتاج إلى بيان، كما إن أعمال الناس تُعرض عليهم خيرها وشرّها كل أسبوع كما في الروايات، وغالبا ما تكون مشاهدهم الشريفة محلاً للعلم والتعلّم فيجتمع فيها الطلبة والأساتذة ويتدارسون العلوم الشرعية والعقلية وحلقات الدرس المعقودة هناك أشبه شيء بالجامعات والمدارس كما هو مشاهد أيضا في بعض المشاهد. وختاما فلا وجه للتخصيص بالحياة، ومنه القول بأن الحضور في مجالسهم والنظر إليهم عبادة في حال حياتهم الشريفة، دون مماتهم ودون الحضور في مشاهدهم المشرَّفة؛ لأن الكون والوجود أعمّ من الوجود البدني والحضور الجسمي. أما إذا عمّمنا وجودهم الشريف وأعطينا لحضورهم سعة ولم نخصّه بالجسم والبدن فيمكننا تفسير كثير من الروايات والنصوص بدون اضطراب. وماذا نقول بالتوسّل بهم من بعيد والاستغاثة بهم من مسافات شاسعة ومن بلاد بعيدة، وتوجههم عليهم السلام وقضاء حوائج الناس على بعد منازلهم ومساكنهم، هل لهم وجود مادي هناك أم ماذا كل هذه الشواهد تؤيِّد ما ذُكر وتدعمه

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى