مقالات

بلاغة القرآن الكريم

البلاغة: جمال العرض وسمو المعنى 
من المعروف أنَّ البلاغة عبارة عن خروج الكلام مطابقاً لمقتضى الحال. فلو كان المقام مقتضياً للتأكيد أو الإطلاق، وذكر المسند والمسند إليه أو حذفهما، والإيجاز أو الإطناب، وغير ذلك، جاء الكلام مطابقاً له. وقد أسهب علماء المعاني في تبيين مقتضيات الأحوال، على وجه لم يدعو لقائل مقالاً. 

وقد اهتمّ بعض من كتب في الإعجاز، بأمر البلاغة أزيد من غيرها. حتى أنّ الخطابي قال: “وذهب الأكثرون من علماء النظر إلى أنّ وجه الإعجاز فيه من جهة البلاغة، ولكن صعب عليهم تفصيله”1.

غيرأنّا ركّزنا على أنّ البلاغة بهذا المعنى، ترجع إلى عرض المقصود بشكل مطلوب، ومفيد في تحقق غرض المتكلم، ولكنه لا يكفي في توصيف الكلام بالبلاغة ما لم يضم إليه قيد آخر، وهو كون المعنى سامياً ورفيعاً، وقابلاً للذكر والإفادة، وإلاّ فالمعاني المبتذلة، وإن أُلبست أجمل الحُلي، وعرضت بشكل يقتضيه الداعي إلى التكلم، لا توصف بالبلاغة، وعلى فرض صحة التوصيف، لا يكون مثل ذلك الكلام أساساً للإعجاز، ولا دعامة له. ولأجل ذلك قلنا إنّ التعريف الصحيح للبلاغة هو عبارة عن تأدية المعنى الجليل بعبارة صحيحة فصيحة، مع ملائمة كل كلام للموطن الّذي يقال فيه.

وعلى ضوء ذلك، فالكلام الساقط عن الإعتبار من حيث المضمون، لا يتّصف بالبلاغة، مثل ما حكي عن مسيلمة الكذّاب حيث أقسم بالطاحنات، وقال “والطاحنات طحناً، والعاجنات عجناً، والخابزات خبز”. فأين هذه المفاهيم الساقطة السوقية الركيكة الفاقدة لأيّةِ قيمة، من المعاني العالية السامية الواردة في قوله سبحانه: ﴿وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحاً * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحاً﴾(العاديات:1-3). 

فاللازم في البحث عن فصاحة القرآن، التركيز على أمرين:

1ـ مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
2ـ سمو المعاني وعلو المضامين. 

الأمرالأول: مطابقة الكلام لمقتضى الحال
إنّ استقصاء جميع الأحوال الّتي يقع الكلام مطابقاً لها، راجع إلى علم المعاني، من علمي الفصاحة والبلاغة فذكروا مقتضيات الأحوال في أبواب الإسناد الخبري، والمسند إليه، والمسند، ومتعلقات الفعل، والإنشاء، والفصل والوصل، والإيجاز، والإطناب والمساواة، فذكروا الأحوال الطارئة على الكلام ومقتضياتها، من ذكر المسند إليه وحذفه، وتنكيره، وتقديمه وتأخيره، وتوصيفه وتأكيده، إلى غير ذلك من الأحوال الطارئة على المسند إليه، وبشكل على المسند، ولكل مقام. كما أنّ لكل من الإيجاز والإطناب والمساواة مقام.

ثم إنّ دراسة القرآن من حيث كونه مطابقاً للأحوال المقتضية، يحتاج إلى تفسير حافل، يفسّر القرآن من هذا الجانب، ولعلّ “الكشاف” أحسن ما كتب في هذا الموضوع، فقد ذكر الزمخشري فيه، النكات البلاغية، في تفسير الآيات، وبذلك أثبت للقرآن إعجازاً بيانياً خاصاً، وأنّ كل آية بل كلّ كلمة واردة موردها.

ولما كانت الإحالة على مثل هذا الكتاب وغيره، عن المحذورغير خالية، نأتي بنماذج تثبت بلاغة القرآن، وورود آياته وفق مقتضى الحال، ونختار لذلك سورتين قصيرتين، من السور المكية، النازلة في أوائل البعثة.

1ـ بلاغة سورة الكوثر
روى المفسرون أنّ العاص بن وائل السهمي رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج من المسجد، فالتقيا عند باب بني سهم، وتحدّثا، وأُناس من صناديد قريش جلوس في المسجد، فقالوا: من الّذي كنت تتحدث معه. قال: ذلك الأبتر، وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله بن رسول الله وهو من خديجة، وكانوا يسمون من ليس له ابن أبتر، فسمته قريش عند موت ابنه أبتر، ومبتوراً2، فأنزل الله سبحانه هذه الآيات: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾(سورة الكوثر).

قال الزمخشري، في رسالته حول إعجاز سورة الكوثر: “أُنظر، كيف نُظمت النظم الأَنيق، ورُتِّبت الترتيب الرشيق، حيث قدّم منها ما يدفع الدعوى ويرفعها، وما يقطع الشبهة ويقلعها ﴿إنّا أعطيناك الكوثر)، ثم لِما يَجبُ أَنّ يكون عنه مسبَّباً وعليه مترتباً ﴿فصل لربك وانحر)، ثم ما هو تتمة الغرض من وقوع العدو في مُغَوّاتِه3 الّتي حفر، وصَلْيه بحرف ناره الّتي سَعَر (إنّ شانئك هو الأبتر)”.

وإليك بيان نكات آياته الثلاث
(إِنّا)

تأَمَّل كيف من أُسند إليه إسداء هذه العطية والموهبة السنية (الكوثر)، هو ملك السموات والأرض، ومالك البسط والقبض. فدلّ بذلك على عظمة المعطي والمُعْطَى، المعلوم أنّه إذا كان المعطي كبيراً، كان العطاء كثيراً. 

وجمع ضمير المتكلم، فأعلم بذلك عظم الربوبية.

(أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ)

استعمل لفظ الماضي مكان المستقبل، مع أنّ الكوثر كما يتناول عطاء العاجلة، يتناول عطاء الآجلة، وذلك لأنّ المُتوقَّع من سيب الكريم، تحققه على وجه القطع والبت. 

وجاء بالكوثر محذوف الموصوف، لأنّ المثبت ليس فيه ما في المحذوف من فرط الإبهام والشياع. 

واختار الصفة المؤذنة بإفراط الكثرة، المُبِينة عن المعطيات الوافرة، وصدّرها باللام لتكون كاملة في إعطاء معنى الكثرة. 

والمراد من الكوثر، أولاده حسماً للشبهة، وقطعاً لدعوى الخصم. 

(فَصَلّ)

عَقَّب إبهامه الكوثر، بالفاء، ليكون دليلاً لمعنى التسبيب، فالعطاء الأكثر، يستلزم الشكر الأوفر.

(لِرَبِّكَ)

وقصد بذلك، التعريفَ بدين “العاصي” وأشباهه، ممّن كانت عبادته ونحره لغير إلهه، وبالتالي لتثبيت قدمي رسول الله على صراطه المستقيم وإخلاصه العبادة لوجهه الكريم. 

وقال: “لربك” ولم يقل “لن”، فصرف الكلام عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر، إظهاراً لكبرياء شأنه، وإنافةً لعزّ سلطانه. ومنه أخذ الخلفاء قولهم: يأمرك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة، وينهاك أمير المؤمنين عن مخالفة الجماعة. 

وعلّم، بالأمر بالصلاة للرب، أنّ مِنْ حَقِّ العبادة أن يَخُصَّ بها العبادُ ربَّهم ومالكهم، ومن يتولى معايشهم ومهالكهم. وعرّض بخطأ من سفّه نفسه، ونقض لبّه، وعبد مربوباً، وترك عبادة ربّه.

(وانْحَرْ)

أشار بالأمر بالنحر، بعد الأمر بالصلاة، إلى قسمين من العبادات، فالقسم الأول عمل بدني، والصلاة إمامها. والثاني عمل مالي، ونحر البدن سنامُها. 

ونبّه على ما لرسول الله من الإختصاص بالصلاة الّتي جعلت لعينه قُرّة، وبنحر البدن الّتي كانت همته متطاولة إليها. 

قال: “وانحر“، ولم يقل “وانحر له”، رعايةً لفواصل الآيات، وهو أمر مطلوب إذا سيق المتكلم، إليه، بلا تكلّف.

(إنّ شانِئَكَ)

عنى بالشانئ: “السهمي”. وإنمّا ذكره بوصفه لاباسمه، ليتناول كلّ من كان مثل حاله. وأعرب بذلك عن أنّ عدوه لم يقصد بوصفه بالأبتر، الإفصاح بالحق، ولم ينطق إلاّ عن الشنآن الّذي هو توأم البغي والحسد، وعن البغضاء الّتي هي نتيجة الغيظ، فبذلك وسمه بما ينبئ عن المقت الأشدّ، ويدلّ على حنق الخصم الألدّ.

(هُوَ)

أقحم الفصل لبيان أنّه المُعَيَّن لهذه النقيصة (الأبتر)، وأنّه المُشَخَّص لهذه الغميصة4

(الأَبْتَر)

عرّف الخبر، ليتمّ له البتر. 

فسبحان من أعجز فصحاء العرب والعجم، عن الإتيان بمثل هذه السورة على وجازة ألفاظها، مع تحدّيه إيّاهم بذلك، وحرصهم على بطلان أمره، منذ بعث النبي إلى يومنا هذا. 

وسبحان من لو أَنزل هذه الواحدة وحدها، ولم ينزل ما قبلها وما بعدها، لكفى بها آية تغمر الأذعان. ومعجزة توجب الإذهان، فكيف بما أنزل من السبع الطوال5.

 بلاغة سورة “والضحى”
جرت حكمته سبحانه على نزول الوحي تدريجياً، لحكمة صرّح بها سبحانه في قوله: ﴿وَ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَ رَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾(الفرقان:32). 

ولأجل وقوع الفترة بين نزول الوحي، عابه المشركون على النبي الأكرم، فقالوا: إنّ محمداً قد ودعه ربُّه وَقَلاه، ولو كان أمره من الله لتتابع عليه، فنزلت السورة التالية:

﴿وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَ مَا قَلَى* وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى* وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى* أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيًما فَآوَى* وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى* وَ وَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنى* فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَر* وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَر* وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث﴾(الضحى وآياتها11). 

إنّ في هذه السورة من أنواع البلاغة ما يَبْهَرُ العقول، وفي الدراسة التالية نشير إلى بعض منها. 

(وَالضُّحَى* وَ اللَّيْلِ إِذَا سَجَى)

الواو في الموضعين للقسم. والضحى، والليل حال السجي، هو المقسم به. وقوله سبحانه فيما يأتي: (مَا وَدَّعَكَ) هو المقسم له، بمعنى جواب القسم. 

وقد ورد في القرآن الكريم، ثمان وثلاثون قَسَماً، أفردها إبن القيم بالتصنيف في كتاب أسماه “التبيان في أسماء القرآن”. وقد وقع القَسَم فيها على أشياء مختلفة كالملائكة والنبي الأكرم والقرآن والقيامة، والنفس الإنسانية، والقلم، والكتاب والشمس، وضوئها، والليل وغير ذلك. واهتمّ المفسرّون ببيان سرّ القسم بهذه الأُمور، ولكنهم غفلوا عن مهمة أُخرى في هذه الأقسام، وهي المناسبة بين المقسم به والمُقْسَم له، أي بيان الصلة بين الشيء الّذي وقع الحلف عليه، كالنَّهار والليل، وما رتب عليه من الجواب. وهذا من الأُمور المهمة الّتي إذا كشفها المُفَسر، لأدرك أنّ تخصيص شيء معين بالقَسَم في هذا المجال دون غيره، ليس إلاّ لرابطة بينه وبين جوابه، وليس هو أمراً إعتباطياً فاقداً للمناسبة. وإليك البيان في المقام.

إنّ المُقْسَم به في آيتي “والضحى”، صورة مادية، وواقع حسيّ يشهد به الناس تألّق الضوء في صحوة النهار، ثم يشهدون من بعده فتور الليل إذا سجى وَسَكَن، يشهدون الحالين معاً في اليوم الواحد دون أن يختل نظام الكون أو يكون في توارد الحالين عليه ما يبعث على إنكار. بل دون أن يخطر على بال أحد، أنّ السماء قد تخلّت عن الأرض، وأسلمتها إلى الظلمة، والوحشة بعد تألّق الضوء في ضحى النهار. 

فإذا كان هذا حال الفيض المحسوس، الّذي به حياة البشر، فهكذا حال الفيض المعنوي، فينزل الوحي ويغرق المجتمع في بهاء نوره، ثم يسكن، فلا عجب في أن يجي بعد أُنس الوحي، وتَجَلّي نوره على النبي الأكرم فترة سكون يفتر فيها الوحي على نحو ما نشهد من الليل الساجي، يوافي بعد الضحى المتألق.

فإذن، القَسَم بالضحى، وباليل إذا سجى، بيان لصورة حسيّة، وواقع مشهود، يمهّد لموقف مماثل لكن غير حسّي ولا مشهود، وهو فتور الوحي بعد إشراقه وتجلّيه.

فعند ذلك، يتجلّى تخصيصهما بالقسم دون غيرهما ممّا ورد في القرآن من الأمور المقسم بها. كما يتّضح أنّ نزول الوحي تدريجاً، ليس دليلاً على أنّه سبحانه ترك نَبِيَّه أو قَلاه. وذلك لأنّ فتور الوحي، كنزول الليل بعد الضحى، فكما هو ليس دليلاً على تخلّي السماء عن الأرض، وتسليمها إلى الظلمة، فهكذا نزول الوحي نجوماً، ليس دليلاً على أنّه سبحانه تخلّى عن رسوله، وتركه بين أعدائه أو قلاه. 

وبذلك يظهر إتّقان جواب القسم أعني قوله سبحانه:

(مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى)

ومن لطائف ما ورد في الجواب هو أنّه حذف المفعول من قوله: (وما قلى)، ولم يقل: “قَلاَكَ”. وليس ذلك رعاية للفاصلة، لأنّه عَدَلَ عن رعايتها في آخر سورة الضحى، حيث قال: (فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)إذ ليس في السورة، حرف الثاء على الإطلاق، وكان بوسعه أن يقول مكان حَدِّث، فَخَبِّر، لتتفق الفواصل على مذهب أصحاب الصنعة. فهذا دليل على أنْ الحذف لوجه آخر، كما أنّ العناية بذكر بلفظة “حدّث”، مكان “خَبَر”، لنكتة موجودة في الأولى دون الثانية.

والظاهرة أنّ حذف المفعول هو لتحاشي خطابه تعالى حبيبه المصطفى في مقام الإيناس، بقوله: “ما قلاك”، لما في القلي من الطرد، والإبعاد وشدّة البغض وهو في الوقت نفسه أَظهر المفعول في “وَدّعك”، إذ ليس فيه شيء يُكْرَه، بل هو يؤذن بالفراق على كُرْه، مع رجاء العود.

(وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى)

إنّ الآخرة إذا قرنت بالأولى، يراد منها اليوم الآخر، كما في قوله سبحانه: ﴿فَللهِ الآخِرَةُ وَالأُولَى﴾(النجم:25). وقوله سبحانه: ﴿فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَ الأُولَى﴾(النازعات:25)6

ولكن يرجح أن يكون المراد من الأخرة في الآية، هو الغد المرجو من أيام بعثته، لتخصيص كونها خيراً في الآية بالنبي الأكرم، حيث قال: (خَيْرٌ لَكَ) فالآية تبشّر بالمستقبل الزاهر للنبي الأكرم، وبهذا يتمّ تأكيد نفي التوديع والقلي، ليذهب عن الأذهان أثر فتور الوحي. 

والصلة بين هذه الآية وبين ما تقدمها، واضح على هذا البيان، والكلّ كسبيكة واحدة.

(وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)

اللام لتأكيد لزوم العطاء، وأنّه أمر محقَّق. (وسوف) للتراضي. والجمع بين التوكيد مع التسويف الصريح، لبيان أنّه موضع عناية ربّه في أمسه وغده، وأُولاه، وأُخراه. 

وأمّا العطاء الّذي يحصل به رضا النبي، فغير محدّد بشيء. وليس وراء الرضا مطمح، ولا بعده غاية، ولا حاجة لتحديد هذا الّذي يُررضي الرسول، حتى تقلّل من روعة ذاك البيان المعجز الّذي يتجلى سرّه في إطلاقه العام وانتهائه إلى الرضا.

(أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنى)

هذه الآيات تبث في نفس الرسول الطمأنينة، وتثبت قلبه، بإلفاته إلى ما أسبغه الله عليه في أولاه، من نِعَم: كان يتيماً، فآواه، ووقاه مسكنة الُيتْم، وكان ضالاًّ، فهداه تعالى إلى دين الحقوكان عائلاً فأغناه الله بفضله وكرمه. أفما يكفي هذا ليطمئن كلُّ أحد إلى أنّ الله غير تاركه ولا قاليه؟ وهل تَرَكَه حين كان صبياً يتيماً متعرضاً لما يتعرض له اليتامى من قهر وضياع؟ وهل قلاه حين كان ذا عيلة؟ كلا، لا.

واليتيم مظنة الضياع والقهر، قال سبحانه: ﴿وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ﴾(النساء:9). وقد وجد الله محمداً يتيماً عائلاً، فأعفاه سبحانه من تلك الآثار البغيضة، وحفظ جوهره من الآفات الّتي كان معرَّضاً لها بحكم يتمه وعيلته، وبذلك تمّ فيه الإستعداد النفسي لتلقّي الرسالة الكبرى، الّتي بعث بها ليقي الناس من المذلَّة والضلال.

﴿فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلاَ تَقْهَرْ * وَأَمَّا السَّائِلَ فَلاَ تَنْهَرْ * وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ.

أتى بكلمة: “فلا تقهر“، مع أنّ في وسعه أن يستخدم كلمة أُخرى، نحو: “فلا تظلم“، “فلا تمنع حقه” وغيرهما، وذلك لأنّ في عبارة: “فلا تقهر“، معنى أعمق وأدق ممّا يفيده ذانك اللفظان ومشابههما، إذ يجوز أن يقع القهر مع إنصاف اليتيم وإعطائه ماله، وعدم التسلّط عليه بالأذى، لأنّ حساسية اليتيم إلى حدّ أنّه يتأثّر بالكلمة العابرة، واللفتة الجارحة من غير قصد. والنبرة المؤلمة بلا تنبه، وإن لم يصحبها تسلّط بالأذى، أو غلبة عل مالِه وحقِّه. 

ويحتمل أن يكون المراد من النعمة هو الرسالة الّتي أكرمه الله تعالى بها، وتفضل بها عليه، وعند ذلك يكون المراد من التحدّث بها هو إبلاغ رسالة ربّه. 

ثم في الآيات الثلاث الأخيرة نكتة بديعة، فإنّا نرى أنّه سبحانه قَدّم النهي عن قهر اليتيم ونهر السائل، على التحدّث بنعمته تعالى، فأخَّر حَقَّ نفسه وهو التحدث بالنعمة، وقدّم حقّ اليتيم والسائل. وما هذا إلاّ لأنّه غنيّ وهما محتاجان، وتقديم حَقِّ المحتاج أُولى.

وهناك نكتة أُخرى، وهي أنّه تعالى لم يرض في حقهما إلاّ بالفعل، ورضى في نفسه بالقول8

فهاتان السورتان المتقدمتان أوقفتانا على نموذج من بلاغة القرآن بمعنى المطابقة لمقتضى الحال وزيادة في بيان هذا الجانب البلاغي، نأتي بنماذج أخرى من آياته، حصل فيها تقديم وتأخير وعكس في العبارات، ممّا قد يتخيل معه أنّه تنويع وتفنن في الكلام، ولكن بالتأمّل فيها يتّضح أنّه ليس كذلك، وإنمّا اختلاف التعبير نشأ من اختلاف المقتضيات.

1ـ يقول سبحانه في سورة الأنعام: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ مِنْ إِمْلاَق نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيَّاهُمْ﴾(الأنعام:151).

ويقول سبحانه في سورة الإسراء: ﴿وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاَق نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم﴾(الإسراء:31). 

والنهي في كلتا الآيتين متوجه إلى الوالدين. ووجه الإختلاف بينهما أنّ الداعي إلى القتل في الآية الأُولى هو الفَقْرُ المُحَقَّق، السائد في حياة الوالدين، بدلالة قَوْله: (من إملاق). وفي الثانية هو الفَقْر المتوقع، بدلالة قوله: (خشية إملاق). فاختلفت حال الوالدين. 

ففي الآية الأُولى، الخطاب متوجه إلى الوالدين الفقيرين، حال الخطاب، فناسب أن يبدأ وعده بالرزق بهما ثم بأولادهما.

وهذا بخلاف الآية الثانية، فإنّ الخطاب فيها متوجه إلى الوالدين الميسورين المرزوقين بالفعل، ويخافان العيلة والعجز عن رزق أولادهم ولأجل ذلك كانوا يرتكبون ذلك العمل الأسود الوبيل (قتل أولادهم)، فناسب أن يبدأ وعده بالرزق، بالأولاد أوّلاً، وبالوالدين ثانياً.

2ـ يقول سبحانه في عرض مشهد من مشاهد يوم القيامة وما يكون الناس عليه من فزع وكرب: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَ أَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِىء مِنْهُمْ يَوْمَئِذ شَأْنٌ يُغْنِيهِ﴾(عبس:34-37). 

وفي سورة أُخرى، في عرض مشهد من هذا اليوم، يقول: ﴿يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذ بِبَنِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ * وَفَصِيلَتِهِ التي تُؤْوِيهِ * وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ﴾(المعارج:11-14).

ففي الآيتين ألفاظ مشتركة، مثل “بنيه” و “صاحبته” و “أخيه”. لكن قَدّم في الأُولى الأخ، فالأُم، فالأَب، فالصاحبة، فالبَنين، مبتدءً بالعزيز فالأَعز.

وفي الثانية عَكَس فقَدَّم البنين، فالصاحب، فالأَخ، فالفصيلة، فسائر الناس، مقدّماً الأعزّ فالعزيز. فما هو الوجه في هذا التقديم والتأخير؟

الجواب: إنّ الآية الأُولى تصُوّر مشهد الفرار من العذاب والبلاء، والآية الثانية تمثّل مشهد دفع العذاب عن النفس.

ففي المقام الأول يتخلّى الإنسان عن العزيز فالأَعزّ، حتى لا يبقى معه شيء يمكنه أن ينخلع عنه لينجو بنفسه. فلأجل ذلك بدأ في الآية الأُولى بالأخ، فالأُم، فالأَب، فالصاحبة، فالبنين.

وأمّا في المقام الثاني، فالإنسان فيه حالة الإفتداء من العذاب الشديد الرهيب، ففي هذا الحال يفدي بعض جوارحه ببعض ليدفع عنه لهيب جهنم. فإن لم ينجع، يتناول للوقاية أَقرب شيء وأحبّه إليه لعلّه ينجو، وهم البنون، فالصاحبة، فالأخ.

فصار الموقفان مختلفين متباينين، فالحالة الأُولى تمثّل حركة فرار، والثانية تمثّل حركة دفاع من خطر داهم. وهذه النكتة، أوجبت اختلاف النظم بين الآيتين، وعليها جرى قول الشاعر: 

ألقى الصحيفةَ كي يُخَفِّفَ رَحْلَهُ    والزادَ حتى نَعْلَهُ أَلقاها 

فإنّ النعل للمسافر الراجل في الصحراء، أعز الأشياء. وبما أنّ الموقف موقف حركة فرار، إبتدأَ بالقاء العزيز فالأعز حتى وصل إلى النعلين.

3ـ يقول سبحانه: ﴿لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيما﴾(النساء:95). فَقَدَّمَ الجهادَ بالأَموالِ على الجهادِ بالأنفس في مَوْردين من هذه الآية. 

ويقول سبحانه في آية أخرى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ﴾(التوبة:111). فقدم هنا الأنُفسَ على الأموال، مع أنّها واردة أيضاً في مجال الجهاد.

فهل هذا للتفنن في العبارة؟ أو أنّ الحال يقتضي في الآية الأُولى ونظائرها، تقديم الجهاد بالأموال على الأنفس، وفي الآية الثانية العكس. 

التحقيق هو الثاني، بل هو المتعين، لأنّ الآية الأُولى بصدد بيان جهاد المؤمنين بالأموال والأنفس، ومن المعلوم أنّ الإنسان يبتديء في الجهاد بالعزيز فالأعز، فيجاهد بماله أولاً ثم بنفسه. وأمّا الآية الثانية فهي بصدد بيان شراء الله سبحانه من المؤمنين، ومن المعلوم أنّ المشتري يبتغي الأعزّ فالعزيز، ويختار لنفسه الأغلى فالغالي. والنفوس أغلى من الأموال. 

والعجب أنّ القرآن راعى هذه النكتة في جميع الموارد الّتي ذكر فيها الجهاد بهما9.

4ـ يقول سبحانه حاكياً عن لسان إبراهيم عليه السَّلام: ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾(البقرة:125) فقدم فيها التعليم على التزكية.

ولكن في موضع آخر عكس وقدم التزكية على التعليم، فقال: ﴿هُوَ الذِي بَعَثَ فِي الأُمِّييِّنَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَل مُبِين﴾(الجمعة:2). فعكس في هذه الآية وقَدّم فيها التزكية على التعليم. 

ونحن نترك للباحث الكريم استكشاف وجه الإختلاف بين الآيتين، ليستنبطه على ضوء ما ذكرنا. وكم لهذا من نظير في كتاب الله المجيد.

الأمر الثاني: سمو المعاني 
إنّ التالي لآيات الذكر الحكيم إذا كان ممعناً في تلاوته يرى في كل سورة وآية عظة وتنبيهاً، وإعلاماً وتذكيراً، وترغيباً وترهيباً، وتشريعاً وتقنيناً وقصصاً، وعبراً، وبراهين وحُجج، ترقى بروح الإنسان وتحلّق بها في سماء المعنويات. فهذه المعاني العالية السامية الدقيقة، إذا حَمَلَتْها ألفاظ فصيحة، وصِيغَتْ في نُظُم رصينة، وَرُصِّعْت بأُسلوب بديع، وأُلقيت على مقتضى الحال، بهرت العقول، وخَلَبَتْ النفوس، وسَلَّمَتْ بعجزها عن معارضته والإتيان بمثله. 

وقد ركّز النبي الأعظم في حديثه عن القرآن، على هذا الأمر، حيث قال: “وباطنه عميق”. كما اعترف به عدوّه اللدود، الوليد بن المغيرة، حيث قال: “إنّ أعلاه لمثمر، وإنّ أسفله لَمُغْدق”. 

إنّ النظرة الفاحصة، في آثار الكُتّاب والمؤلفين، تدفعنا إلى القول بأنّهم لا يخرجون عن طائفتين: طائفة تهتم بتزيين الألفاظ دون العناية بسمو المعنى. 

وطائفة أُخرى تهتم بإبداع المعاني من دون عناية بتحسين اللفظ. وقلما يتّفق من يراعي كلا الأمرين، والجمع بينهما مشكل. لأنّ الألفاظ والجمّل الخلاّبة لا تطابق الموضوعية والواقعية. فالذين يرغبون في إفهام المعاني لا يفتشون عن الألفاظ والعبارات الخلاّبة. فالجمع بين الجمالين، رهن عبقرية ونُبوغ قادرين على تحمّل عبئهما.

والقرآن الكريم أَبْرَزُ نَموذّج للقسم الثالث. فألفاظه في منتهى العُذوبة، ومقاطع الآيات وفواصلها في غاية الأناقة، والأُسلوب في منتهى البداعة، وقد ضمّ إلى هذا الجمال الظاهر، عمقاً في المعنى، لا تجد له مثيلاً في زبر الأولين وكتب الآخرين. 

إن التصوير الدقيق لسمو معاني القرآن لا يتأتى إلاّ بذكر نماذج من الآيات في مجالات مختلفة.

1ـ المعارف العُلْيا
يتجلى سمو معاني القرآن في مجال المعارف بشكل واضح. فقد جاء هذا الكتاب بأسمى المطالب، وأغزر المضامين، في الدعوة إلى التوحيد ورفض الأصنام، ونفي الشرك والإثنينيّة، بل في باب إثبات الصانع، وصفاته. مضافاً إلى ما جاء من المضامين الدقيقة الفلسفية في الدعوة إلى عالم الغيب، وبقاء الروح بعد فناء البدن، وحشر الإنسان وعوده إلى الحياة، إلى غير ذلك ممّا ذكرنا بعضاً منه في الجزء الأول، ونذكر بعضاً آخر فيما يأتي من المباحث. ولكن لأجل عرض نموذج منه نأتي في هذا المقام بآيات:

أـ يقول سبحانه: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيء أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضَ بَلْ لاَ يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُون﴾(الطور:35-37). 

أُنظر إلى هذا البيان الجزل، كيف يشير إلى برهان الإمكان بصورة موجزة مستحكمة لم يكن العرب ولا حكماؤهم عارفين به. وتّتضح حقيقة سمو المعنى إذا أمعنت النظر في كل شقّ من هذه الشقوق الأربعة.

ب ـ يقول سبحانه: ﴿مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَد وَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَه إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَه بِمَا خَلَقَ وَ لَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾(المؤمنون:91). 

ويقول سبحانه: ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾(الأنبياء:21-22). 

فترى أنّه يستدلّ في هذه الآيات على التوحيد في التدبير، وأنّ النظام الجُمَلي يدار بمدبّر واحد لا غير.

ج ـ إنّ القرآن يستدلّ على إمكان المعاد وعود الإنسان إلى الحياة ثانياً بطرق مختلفة، بشكل يقنع المتحري للحقيقة، المتجرّد عن العناد. وإليك نظرة عابرة عليها. 

فتارة يستدلّ عن طريق عموم القدرة على كل شيء، على إمكان المعاد، ويقول: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَ الأَرْضَ وَ لَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِر عَلَى أَنْ يُحْيِ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِيرٌ﴾(الأحقاف:33). 

وأخرى عن طريق قياس الإعادة على الحياة الأولى، ويقول: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْق نُعِيدُه﴾(الأنبياء:104). 

وثالثة عن طريق قياس إمكان إحياء الموتى بإحياء الأرض بعد موتها بالمطر والنبات، ويقول: ﴿وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾(الروم:19).

ورابعة عن طريق قياس قدرة الإعادة، على القدرة على إخراج النار من الشجر الأخضر، ويقول: ﴿قُلْ يُحْيِيهَا الذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ * الذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ﴾(يس:79-80). 

وخامسة عن طريق الإستدلال بالوقوع على إمكان العود. فإن أدلّ دليل على إمكان الشيء وقوعه، ولأجل ذلك نقل سبحانه قصة بقرة بني إسرائيل10 وحديث عُزَيْر11.

وسادسة عن طريق الإستدلال بالنَّوْمات الطويلة الّتي امتدت أكثر من ثلاثماءة سنة، فإنّ النوم أخو الموت، ولا سيما الطويل منه، والإستيقاظ منه يشبه تطور الحياة وتجددها12.

فهذا النوع من البرهنة على عقيدة هي كالعمود الفقري في باب العقائد، ممّا لاترى له مثيلاً في كتب الأقدمين، فإنّ هذه المعاني البديعة إذا انظمّ إليها الإستحكام في البيان، تبهر العقول وتدهش النفوس. 

وهذا النوع من العمق وافر في الآيات الواردة حول المعارف والعقائد، وقد اكتفينا بما ذكرناه.

2ـ سطوع براهينه 
إنّ القرآن الكريم كتاب الهداية، نزل للناس أجمعين، ليبقى خالداً على جبين الدهر يرجع إليه كل من تحرّى الحقيقة، وارتاد الواقع، ولأجل ذلك اعتمد على البراهين اللامعة، لا على الأساليب المعقّدة الّتي كانت ولم تزل، رائجة بين الفلاسفة. فأخذ من المسلّمات برهاناً على النظريات، ومن المشاهدات دليلاً على الحقائق غير المحسوسة، كل ذلك ببيان واضح، لا يقبل الخدش والشك. ويستلذّ به الذوق، وتستسلم له العقول. وإليك نماذج من هذه البراهين:

1ـ قال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ﴾(الزخرف:81). 

فلاحظ ما أحلى استدلاله على نَفْي الولد، بأنّه لو كان له وَلَدٌ كما يقول هؤلاء، فاللائق للاتخاذ ولداً، هم الأنبياء والمرسلون، الذين عبدوه، وخضعوا له، وائتمروا بأمره.

2ـ وقال تعالى: ﴿وَهُوَ الذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾(الروم:27). إذا كان الخصم معترفاً بأنّ الله هو الّذي بدأ الخلق… إذن فالإعادة أهون من البدأة لأنّها من شيء، وتلك لا من شيء.

3ـ وقال تعالى: ﴿وَلاَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ﴾(الأعراف:40). فقد رتّب دخولهم الجنة على ولوج الجمل في خرم الأبرة. ولما كان ذلك أمراً ممتنعاً، كان ذاك أيضاً مثله. فقد أبدى امتناع دخولهم الجنة بهذا الشكل القياسي بكناية بديعة.

4ـ وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَ انْحَرْ﴾(الكوثر:1-2). فقد رتّب النتيجة على صغرى القياس مع حذف الكبرى لظهورها، وهي: أنّ من أعطاه الله الكوثر ـ وهي مجموعة المكرّمات ـ فينبغي له أن يؤدّي شكره الواجب، بالإبتهال إلى الله والمثول لديه بكل الوجود.

5ـ وقال تعالى: ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَ لَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ﴾(الأعراف:176). قياس استثنائي مركّب من قضيّة شرطية مضمونها: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَ سَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾(الإسراء:19). وأُخرى حملية استثنائية مضمونها: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْري فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَني أَعْمَى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَ كَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى﴾(طه:124-126).

6ـ وقال تعالى: ﴿فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لاَ أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾(الأنعام:76). الكبرى مطوية، أي وَكُلُّ آفل غير مستحق للعبادة.

3ـ بداعة التصوير والتعبير
إنّ للقرآن طريقة موحدة في التعبير يتّخذها في أداء جميع الأغراض على السواء، حتى أغراض البرهنة والجدل، وتلك طريقة صوغ المعاني العالية في قالب التجسيم والتمثيل. ونحبّ أن نزيد المسألة إيضاحاً بالنماذج، وأنّه كيف يصوّر المعاني السامية والحالات النفسية ويبرزها في صور حسيّة، من غير فَرْق بين المشاهد الطبيعية، والحوادث الماضية والقصص المروية، ومشاهد القيامة، وصور النعيم والعذاب، فيعبّر عن الكلّ كأنّها حاضرة شاخصة، ولا شكّ أنّ هذه الطريقة تتفوق على نقل المعاني والحالات النفسية في صورها الذهنية التجريدية، ونقل الحوادث والقصص أخباراً مروية، والتعبير عن المشاهد والمناظر تعبيراً لفظياً لا تصويراً خيالياً. وإليك الأمثلة.

1ـ معنى النفور الشديد من دعوة الإيمان، يعّبر عنه بوجهين: أحدهما تجريدي، والآخر تصويري. 

فيقال في الأول: “إِنَّهُمْ لَيَنْفِرونَ أَشَدَّ النِّفْرَةِ مِنْ دَعْوَةِ الإِيمان“. فيتملَّى الذهن وحده معنى النفور في برود وسكون. 

ويقال في الثاني: ﴿فَمَالَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَ﴾(المدثّر:49-51) فتشترك مع الذهن حاسة النظر، وملكة الخيال، وانفعال السخرية من هؤلاء الذين يفرون، كما تَفر حُمُر الوحش من الأسد، لا لشيء إلاّ لأنّهم يدعون إلى الإيمان. فتأخذ النفس روعة الجمال الّذي يرتسم فيه صورة شرود هذه الحمر يتبعها ق المرهوب.

2ـ معنى عجز الآلهة الّتي يعبدها المشركون من دون الله يُعَبَّر عنه بوجهين: أحدهما ذهني مجرّد، والآخر تصويري. 

ففي الأول يقال: “إنَّ ما تَعْبُدونَ مِنْ دُونِ الله لأَعْجَزُ عَنْ خَلْقِ أَحْقَرِ الأَشْياء”. فَيَصِلُ المعنى إلى الذهن مجرّداً باهتاً. 

وفي الثاني يقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئاً لاَ يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾(الحج:73). 

ففي الثاني أُبرز هذا المعنى بِصُوَر متحركة متعاقبة.

“لن يَخْلُقُوا ذُباب”، هذه درجة. 

وَلَوْ اجْتَمعوا له”، هذه أُخرى. 

“وإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقذُوهُ مِنْهُ”، وهذه الثالثة. 

ففيها تصوير للضعف المُزري، والتدرّج في تصويره بما يثير في النفس السخرية اللاذعة والإحتقار المهيب.

3ـ يُعَبَّر عن حالة تخلي الأولياء عن تابعيهم أمام هول القيامة بصورتين، كالسابقتين. في إحداهما، يقال: “لا لَقَدْ تَناكَرَ الأصْفياءُ وتَخَلّى المَتْبوعونَ عن التابِعينَ حينما شاهدوا الهَوْل يَوْمَ الدِّين”. 

وفي ثانيتهما، يقال: ﴿وَبَرَزُوا للهِ جَمِيعاً فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللهِ مِنْ شَيء قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيص﴾(إبراهيم:21).

ففي هذا الإستعراض يتجسم للخيال مشهدان: 

الضعفاء الذين كانوا ذيولاً للأقوياء، وهم ما يزالون في ضعفهم يلجأون إلى الذين استكبروا في الدنيا، يسألونهم الخلاص من هذا الموقف، ويعتبون عليهم إغواءهم في الحياة، متمشين في هذا مع طبيعتهم الهزيلة، وضعفهم المعروف. 

والذين استكبروا، وقد ذلّت كبرياؤهم وواجهوا مصيرهم، وهم لا يملكون لذات أنفسهم خلاصاً، فضلاً عن تابعيهم، فما يزيدون على أن يقولوا لهم: “لَوْ هدانا الله لَهَدَيْناكُمْ“.

4ـ يُعَبَّر عن بطلان أعمال الكافرين بأنّها: “لا وَزْنَ لَها ولا تَنْفَعْ”. كما يعبر عن ضلالتهم الدائمة، بأنّهم: “لا مَخْرَجَ لهم منها ولا هاديَ لهم فيه”. ولكن في هذا التعبير ركود وسكون لا تَنْتَعش النفس به أبداً. 

وأين هو من التعبير القرآني في كلا الموردين (بطلان أعمالهم، وإحاطه الضلالة بهم) الّذي تحيا فيه النفس وتتحرك، وينتعش فيه الحسّ والخيال: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَاب بِقِيعَة يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَ اللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾(النور:39). 

ويقول: ﴿أَوْ كَظُلُمَات فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْض إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُور﴾(النور:40).

ففي التعبير الثاني في كلا الموردين صور متينة ساحرة فيها روح القصة، والخيال العميق. 

وأين للريشة في ترسيم هذه لو أريد تصويرها بالألوان، وإلى أين للعدسة لو أريد تصويرها بالحركات. 

بل اين هي الريشة، وأين هي العدسة، الّتي تستطيع أن تبرز هذه الظلمات: (فِي بَحْر لُجِّيّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْض إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا)؟. أو تصوّر الظمآن يسير وراء السراب: (حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً)، ووجد مفاجأة عجيبةً لم تكد تخطر له على بال، وجد الله عنده، وفي سرعة خاطفة تناوله، فوفّاه حسابه.

5ـ وَمِنْ هذا الوادي تصوير معنى الضلال بعد الهدى. وضياع الجهد معه سدى، تلك الصور المتتابعة الّتي يجيش بها الحسّ والخيال، وتحيى بها النفس، يقول سبحانه: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَ مَا كَانُوا مُهْتَدِينَ * مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَات لاَ يُبْصِرُونَ * صُمٌّ بُكْمٌ عُمْىٌ فَهُمْ لاَ يَرْجِعُونَ * أَوْ كَصَيِّب مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَ رَعْدٌ وَ بَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَ اللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ * يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهِمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَ إِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَ لَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَ أَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيء قَدِير﴾(البقرة:16-20).

إنّ هنا مشهداً من الصور المتتابعة في شرائط متحركة; هؤلاء هم قد أوقدوا النار فأضاءت، وفَجأة يذهب الله بنورهم ويُخَيِّم حولهم الظلام. أو ها هي ذي العاصفة صَيّبٌ من السماءِ فيه ظلمات ورعد وبرق، وهؤلاء هم مذعورون يتوقعون الصاعقة، ويخافون الموت، فيجعلون أصابعهم في آذانهم، وما تغني الأصابع في الآذان، ولكنها حركة الغريزة في هذا الأَوان. وها هو ذا البرق يخطف الأبصار ولكنه ينير الطريق لحظة، فهم يخطون على ضوئه خطوة، وها هوذا ينقطع فيظلّون واقفين لا يدرون كيف يَخْطون.

لون آخر من التصوير الفني
هذه نماذج من التصوير الفني في القرآن الكريم وهناك لون آخر من التصوير يضفي على المعاني الذهنية والحالات المعنوية صوراً حسيّة. مثلاً:

1ـ الصبح مشهدٌ مألوف متكرر، ولكنه في تعبير القرآن حيٌّ لم تشهده من قبل عينان، وأنَه ﴿وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّس﴾(التكوير:18).

2ـ والليل آن من الزمان معهود، ولكنه في تعبير القرآن، حي جديد، ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ﴾(الفجر:4)، وهو يطلب النهار في سباق جبّار ﴿يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثا﴾(الأعراف:54).

3ـ والظلّ ظاهرة تُشهد وتُعرف، ولكنه في تعبير القرآن نَفْسٌ تَحُسُّ وتَتَصَرّف، ﴿وَظِلّ مِنْ يَحْمُوم * لاَ بَارِد وَلاَ كَرِيم﴾(الواقعة:43-44).

4ـ والجدار بُنْيَةٌ جامدة كالجلمود، ولكنه في تعبير القرآن يحسّ ويريد: ﴿فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ﴾(الكهف:77).
5ـ والطَّير أبنية حية، ولكنها مألوفة لا تلفت الإنسان، أمّا في تعبير القرآن فمشهد رائعٌ، يثير الجَنان: ﴿أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّات وَ يَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرَّحْمَن﴾(المُلك:19).

6ـ والأرض والسماءُ والشَّمْسُ والقَمَرُ، والجبال والوديان، والدُور العامرة، والآثار الداثرة، والنبات والأشجار والأفنان، أمواتٌ عند الناس، لكنها في القرآن أحياء، أو مشاهد تخاطب الأحياء، فليس هناك جامد ولا ميت بين الجوامد والأشياء13.

 الأمثال
يشتمل القرآن الكريم على أكثر من خمسين مثلاً في مجال هداية الناس. وهذه الأمثال مع بسطاتها غزيرة المعاني، عالية المضامين. ونحن نذكر في المقام نموذجاً منها يتبلور فيه عمق المعنى بشكل آخر.

الصراع بين الحق والباطل
يصوّر القرآن الكريم الصراع القائم بين الحق والباطل بصورة مثل بديع، يشتمل على نكات بعيدة الأغوار، عميقة الإشارات، في ألفاظ قليلة، وعبارات متناسقة، ويقول: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَ مِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَة أَوْ مَتَاع زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَ الْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَ أَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَال﴾(الرعد:17). 

إنّ هذه الآية من أعمق الآيات القرآنية، فهي بلباس المثل تطرح معاني سامية تبين فيها مكانه الباطل من الحق. ففي هذا المثال، تشبّه الآية كلا من الحق والباطل بأمرين: 

الأول: إنّ الحق كالماء النازل من السماء، المجتمع في أعماق الأرض، أو الجاري جداول وأنهاراً، بعد انحداره من سفوح الجبال إلى الأودية والسهول.  والباطل كالزبد والرغوة الّتي تعلو وجه الماء حال سيلانه واندفاعه، الّتي لا تلبث أن تتلاشى كأنّ لم تكن شيئاً مذكوراً.

الثاني: إنّ الحق كرواسب الأتربة المعدنية في المذابة الأفران، فإنّها خالص المعادن والفلزات. 

والباطل كالزبد والفقاعات الّتي تعلو هذه الأتربة حال غليانها، الّتي سرعان ما تنفجر وتتبخر. 

فالصورة العامة الّتي يعطيها هذا المثل، ترسيم ثبات الحق ودوامه بتشبيهه، بالماء النازل من السماء، الجاري في الأودية والوهاد، الغائر في أعماق الأرض، ثم الظاهر، بصورة العيون والينابيع، الّتي تستفيد المخلوقات منها في دوام حياتها. وبالمعادن المذابة، الراسبِ خالصها في أعماق الأفران، الّتي يستفيد منها الناس في زينتهم وأمتعتهم.

وكذلك ترسيم سرعة أفول الباطل بعد نجومه بتشبيهه بالزبد الّذي يرغو فوق الماء، والمعادن المنصهرة، الّذي يتصوره الجاهل شيئاً ثابتاً قائماً، ولكن ما أسرع اختفاءه وزواله، فلا يرى منه عين ولا أثر. 

وعلى ذلك فللحق ثبات ودوام، وللباطل جولة زوال. 

ومع هذا، ففي هذا المثل معان عميقة، وإشارات دقيقة إلى مكانة كل من الحق والباطل، نشير إلى بعضها:

1ـ إنّ الحق والباطل يتمثّلان في مجال العقيدة، في الإيمان والكُفر، والعدْل والظُلم. 

فبالإيمان بالله تبارك وتعالى تحيا القيم الأخلاقية، كما أنّ بالكفر موت المُثل والفضائل وانعدام الكمالات الإنسانية. 

ومثل ذلك العدل والظلم، ففي ظِلّ العدل تتفجّر الطاقات وتترقى المجتمعات، وينال كل إنسان الغاية الّتي يليق بها، كما أنّ في الظُلم كبت الإستعدادات، وتقديم المفضول وتأخير الفاضل، ولن يزال المجتمع الظالم يتدهور إلى أن لا يرى له أثر.

فأشبه الإيمان والعدل، الماء الّذي به حياة كل شيء، وخالص المعادن المترسب في قعر أفران الصَّهْر، إذ عليها تعتمد حياة الإنسان الدنيوية، وتترتب المنافع الكثيرة، قال سبحانه: ﴿وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنَافِعُ لِلنَّاسِ﴾(الحديد:25). فالحديد وأضرابه، هو الّذي يدير عجلة الحضارة، وبفقدانه شللها التام. 

وأشبه الكفر والظلم، الزبد الّذي يرغو على وجه الماء والمعادن المنصهرة، لا يستفاد منه ولا يعتمد عليه في شيء.

2ـ إنّ الباطل ربما يصير حجاباً عن الحق، فيكون مانعاً بينه وبين طالبه ولكن هذا الحجاب سرعان ما يزول ويتجلى وجه الحقيقة بصورته الواقعية، تماماً كما أنّ الزبد يعلو وجه الماء ويوجب برغوته حدوث غشاوة ساترة لما تحته، والإنسان الجاهل يحسب أن لا شيء تحته سوى العفن والطين والتراب، ولكن سرعان ما تخمد رغوته، وتنقشع غشاوته، ويتجلى الماء صافياً زلالاً، أو الأتربة المنصهرة، معادن وفلزات نفيسة ونافعة.

فالأفكار الإلحادية ربما تستر وجه الحق، وتحول بينه وبين طالبه، لكن تعلقت مشيئته سبحانه على إحقاق الحق ومحو الباطل. 

قال سبحانه: ﴿وَيَمْحُ اللهُ الْبَاطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ﴾(الشورى:24). 

وقال سبحانه: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾(الإسراء:81).

3ـ إنّ الوجود النازل من عنده تعالى على الموجودات، خال في نفسه عن الصور والأقدار، وإنّما يَتَقَدَّر من ناحية الأشياء، أنفسها، كماء المطر النازل من السحاب على ساحة الأرض، خال في نفسه عن الصور والأقدار، وإنّما يحتمل من القدر والصورة ما يطرء عليه من ناحية قوالب الأودية، ومجاري الأنهار، والسواقي، والأحواض والبرك والسمتنقعات، المختلفة في الأقدار والصور.

فالحق فيض إلهي، يأخذ منه كل إنسان بحسب لياقته وسعة ذهنه. فمن الناس من يكون واسع الصدر، كامل الإستعداد فيأخذ منه القسط الأكبر، ومنهم من لا يزيدون عن معشار ذلك. 

ويُلَوّح إلى ما ذكرنا آيات كثيرة، منها قوله سبحانه: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيء إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَ مَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَر مَعْلُوم)(الحجر:21).

وقال أمير المؤمنين عليه السَّلام: “إنّ هذه القلوب أوعيةٌ، فخيرها أوعاها14.

4ـ إنّ الباطل في ثورانه وجولانه في أمده القصير، فرع اعتماده على الحق، واتّخاذه واجهة لأعماله. فلو تجرّد عن الحق بالكلية، لما كان له حتى هذا السهم القصير، كالزبد لا يتجلى إلاّ بركوبه الماء، كما أشار إليه سبحانه بقوله: (فاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً)15.

5ـ إنّ الباطل لا يظهر إلاّ في الأجواء الصاخبة والمجتمعات المتضاربة. كالزبد الّذي لا يظهر إلاّ عند تدفق المياه واجتياحها القنوات الضيقة، فإذا انتهت إلى السهول الفسيحة، زال الزبد شيئاً فشيئاً، ولا يبقى بعده إلاّ الماء الزلال. وكذلك الزبد الناجم عند عملية الصهر، فطالما أنّ المعادن في حالة الغلي والفَوَران يكون الزبد على وجهها، فإذا هدأت النار وتوقف الغليان لم يبق إلاّ المعادن الخالصة.

فهذه بعض التصويرات للمفاهيم القيمة العميقة الّتي جاءت بها هذه الآية المباركة على وجازتها، وكلما تعمّق الإنسان فيها انفتحت له أبواب من المعارف العُلْيا، والحقائق السامية، وأقَرَّ بأنّ هذا القرآن: “باطنه عميق”، وأنّ “أعلاه لمثمر، وأسفله لمُغْدق”.

5ـ آية تحتمل مليوناً وماءتين وستين ألف احتمال
هناك نمط آخر من عمق المعنى، يغاير النمط السابق منه. وهو أنّه يوجد في القرآن آيات يتردد المقصود منها بين احتمالات تدهش العقول وتحيّر الألباب، وهي بَعْدُ معتمدة على أريكة حسنها، متجملة في أجمل جمالها، متحلية بحليِّ بلاغتها وفصاحتها. ونذكر من هذا النمط نموذجاً واحداً، ونشير في آخر الكلام إلى نموذج آخر:

قال سبحانه: ﴿وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيَْمانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيَْمانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَد حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ وَ مَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَد إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ وَ يَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَ لاَ يَنْفَعُهُمْ وَ لَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَق وَ لَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ * وَ لَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾(البقرة:102-103).

إنّ هذه الآية تحتمل من المعاني الكثيرة ما يدهش الإنسان ويثير إعجابه، وهي ناشئة من كيفية تبيين مفرداتها وجملها. وهذه الإحتمالات يراها المتتبع في كتب التفاسير، وهي:

1ـ ما هو المراد من الضمير في قوله: “اتّبعو”، أهم اليهود الذين كانوا في عهد سليمان، أو الذين في عهد رسول الله، أو الجميع؟.
2ـ ما هو المراد من قوله (تتلوا)، فهل هو بمعنى تتبع، أو بمعنى تقرأ، أو بمعنى تكذب؟.
3ـ ما هو المراد من الشياطين: فهل هم شياطين الجن أو شياطين الإنس أو كلاهما؟.
4ـ ماذا يراد من قوله: (على ملك سليمان)، فهل هو بمعنى: “في ملك سليمان”، أو: “في عهد ملك سليمان”، أو: “على ملك سليمان”، بحفظ ظاهر الإستعلاء الموجود في معنى على، أو بمعنى: “على عهد ملك سليمان”، كذلك؟.
5ـ ما هو المراد من قوله: (ولكن الشياطين كفروا). أهو بمعنى: “كفروا بما أخرجوه من السحر إلى الناس”، أو بمعنى: “إنّهم كفروا بما نسبوه إلى سليمان من السحر”، أو بمعنى: “إنّهم سحرو” فعبر عن السحر بالكفر؟.
6ـ ماذا يراد من قوله (يعلّمون الناس السحر)، فهل هو بمعنى: “ألقوا السحر إليهم فتعلموه”، أو بمعنى: “إنّهم دلّوا الناس على استخراج السحر”، وكان مدفوناً تحت كرسي سليمان فاستخرجوه وتعلّموه؟.
7ـ ما هو المراد من “م” في قوله: (ما تتلوا). فهل هي موصولة عطفت على قوله: “السحر”، أي “يعلمونهم ما أنزل على الملكين”. أو نافية، والواو استئنافية، أي “ولم ينزل على الملكين سحرٌ كما يدّعيه اليهود”؟.
8ـ ماذا يراد من قوله: (أُنزل). فهل المراد “إنزال من السماء”، أو: “من نجود الأرض وأعاليه”؟.
9ـ ماذا يراد من قوله: (الملكين). فهل كانا من ملائكة السماء، أو كانا إنسانين ملِكَين (بكسر اللام)، كما في بعض القراءات، أو مَلَكَيِْنِ (بفتح اللام) أي صالحين، أو متظاهِرَيْن بالصلاح؟.
10ـ ما هو المراد من قوله (ببابل)، فهل هي بابل العراق،، أو بابل دماوند، أو نصيبين إلى رأس العين؟.
11ـ ماذا يراد من قوله: (وما يعلمان). فهل “علم” بمعناه الظاهر، أو بمعنى “أعلم”؟.
12ـ ماذا يراد من قوله: (فلا تكفر). فهل المراد: “لا تكفر بالعمل والسحر”، أو المراد: “لا تكفر بتعلمه”، أو كلاهما؟.
13ـ ماذا يراد من قوله: (فيتعلمون منهما)، فهل المراد: “يتعلمون من هاروت وماروت”، أو المراد: (يتعلمون من السحر والكفر)، أو المراد النهي إلى فعله؟.
14ـ ما هو المراد من قوله: (يفرّقون به بين المرء وزوجه)فهل أُريد منه أنّهم يوجِدون به حبّاً وبُغضاً بينهما، أو أنّهم يغرون أحد الزوجين ويحملونه على الكفر والشرك فَيفرِّق بينهما اختلاف الملة والنحلة. أو أنّهم يسعون بينهما بالنميمة والوشاية فيؤول إلى الفرقة؟16.

فهذه احتمالات تحتملها الآية. وأنت إذا ضربت عدد الإحتمالات الّتي ذكرناها في بعضها ارتقى عدد الإحتمالات إلى كمية عجيبة تقرب من مليون وماءتين وستين ألف احتمال17

وليست هذه الاّية وحيدة في بابها، وإن كانت قليلة النظير، بل لها نظائر منها قوله سبحانه:﴿أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَ رَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَة مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُون﴾(هود:17). 

فإنّك لو تفحصت الإحتمالات الّتي ذكرها المفسّرون لمفرداتها وجملها، لوقفت على أنّ الآية تحتمل من المعاني ما يدهش العقول. 

قال العلاّمة الطباطبائي: “وأَمْرُ الآية فيما يحتمله مفردات ألفاظها وضمائرها عجيب، فلو ضرب بعضها في بعض يرقى عدد الإحتمالات إلى أُلوف منها، بعضُها صحيح وبعضها غير صحيح”18

وقد ذكر هو قدس سرّه أُصول الإحتمالات في تفسيره، فمن أراده فليرجع إليه.

*الإلهيات.آية الله جعفر السبحاني،مؤسسة الامام الصادق عليه السلام،ج3،ص275-306


1- ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، الرسالة الأولى للخطابي، ص 21.
2- مجمع البيان، ج 5 ص 549.
3- حفرة كالزبية، تحفر للذئب، ويجعل فيها جدي إذا نظر إليه سقط عليه يريده. ومنه قيل لكل مهلكة مغوَّاة. لاحظ النهاية، ج 3، ص 398، مادة غوي.
4- يقال اغتمصت فلاناً اغتماصاً: احتقرته، لسان العرب، مادة غمص، ج 7، ص 61.
5- ما ذكرنا من النكات البيانية ل الكوثر مقتبسة من رسالة الزمخشري، في إعجازها، الّتي طبعت في مجلة «تراثنا»، ومع ذلك كله، لم يأت بجميع النكات الموجودة في هذه الآيات الثلاث.
6- ولاحظ سورة القصص:70، وسورة الليل:13.
7- المراد من الضلال، هو الضلال الطبيعي العام، فكل إنسان ضال بالطبع، ويخرج منه بهداية من الله سبحانه، فليست الآية دليلاً على أنّه صلى الله عليه وآله وسلم كان ضالاًّ غير عارف بالله في فترات من عمره، ثم هداه الله سبحانه. وليس الضلال مرادفاً للكفر. بل هو بمعنى عدم الإهتداء إلى الصواب. وقد رموا يعقوب بالضلال كما في قوله سبحانه: ﴿تَاللهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ الْقَدِيم﴾(يوسف:95). وليس الضلال هناك كفراً، وإنمّا هو الشغف بيوسف. وقالت النسوة في إمرأة العزيز ويوسف ﴿قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَل مُبِين﴾(يوسف:30). 
8- ما ذكرناه في هذا العرض، اقتبسناه من كتاب «التفسير البياني للقرآن الكريم»، ج 1، ص 23 ـ 55. بتلخيص وتصرّف.
9- لاحظ الآيات التاليات: الأنفال:72، التوبة:20-41-44-81-88، الحجرات:15، الصف:11.
10- البقرة: 67-73.
11- البقرة:259.
12- الكهف:9-29.
13- ما ذكرناه اقتبسناه من «التصوير الفني في القرآن»، لسيد قطب، ص 193-203.
14- نهج البلاغة، قصار الكلم، رقم 147.
15- خذ على ذلك شاهداً ما يستتر به الرأسماليون في نهبهم لثروات بلدانهم من الأقنعة الحقة، كإنشاء النقابات لعمّالهم، والضمان الإجتماعي وضمان الشيخوخة والتقاعد، وغير ذلك الكثير. وما تتستر به الحكومات الإستعمارية من عناوين حقة، كرعاية حقوق الإنسان، ونبذ التمييز العنصري، ومكافحة الإرهاب، وحرية الرأي والتعبير، وغير ذلك، وكله لتغطية الوجه القبيح لإرهابهم وامتصاصهم لثروات الشعوب المستضعفة، وتضعيف عقائدهم، والمسّ بمقدساتهم….
16- لاحظ الميزان، ج 1، ص 233-234.
17- وهو حاصل ضرب الإحتمالات المذكورة وصورتها الرياضية 24×39×4 = 1259712 احتمالاً. والمراد من 24، 2 مضروب في نفسها أربع مرات و39، 3 مضروب في نفسها تسع مرات. نعم الكثير من الإحتملات ربما لا تتناسق مع بعضها، فينخفض عدد احتمالات التفسير الصحيحة.
18- الميزان، ج 12، ص 142، طبعة طهران.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى