مقالات

تفسير آيات من القرآن الكريم (سورة الناس)

قال تعالى : {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس : 1 – 6]

تفسير مجمع البيان

– ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) 

{قل} يا محمد {أعوذ برب الناس} أي خالقهم ومدبرهم ومنشئهم {ملك الناس} أي سيدهم والقادر عليهم ولم يجز هنا إلا ملك وجاز في فاتحة الكتاب ملك ومالك وذلك لأن صفة ملك تدل على تدبير من يشعر بالتدبير وليس كذلك مالك وذلك لأنه يجوز أن يقال مالك الثوب ولا يجوز ملك الثوب فجرت اللفظة في فاتحة الكتاب على معنى الملك في يوم الجزاء وجرت في هذه السورة على ملك تدبير من يعقل التدبير فكان لفظ ملك أولى هنا وأحسن ومعناه ملك الناس كلهم وإليه مفزعهم في الحوائج .

 {إله الناس} معناه الذي يجب على الناس أن يعبدوه لأنه الذي تحق له العبادة دون غيره وإنما خص سبحانه الناس وإن كان سبحانه ربا لجميع الخلائق لأن في الناس عظماء فأخبر بأنه ربهم وإن عظموا ولأنه سبحانه أمر بالاستعاذة من شرهم فأخبر بذكرهم أنه الذي يعيذه منهم وفي الناس ملوك فذكر أنه ملكهم وفي الناس من يعبد غيره فذكر أنه إلههم ومعبودهم وأنه هو المستحق للعبادة دون غيره .

 قال جامع العلوم النحوي وليس قوله {الناس} تكرارا لأن المراد بالأول الأجنة ولهذا قال {برب الناس} لأنه يربيهم والمراد بالثاني الأطفال ولذلك قال {ملك الناس} لأنه يملكهم والمراد بالثالث البالغون المكلفون ولذلك قال {إله الناس} لأنهم يعبدونه والمراد بالرابع العلماء لأن الشيطان يوسوس إليهم ولا يريد الجهال لأن الجاهل يضل بجهله وإنما تقع الوسوسة في قلب العالم كما قال {فوسوس إليه الشيطان} .

 وقوله {من شر الوسواس الخناس} فيه أقوال (أحدها) أن معناه من شر الوسوسة الواقعة من الجنة وقد مر بيانه (وثانيها) أن معناه من شر ذي الوسواس وهو الشيطان كما جاء في الأثر أنه يوسوس فإذا ذكر العبد ربه خنس ثم وصفه الله تعالى بقوله {الذي يوسوس في صدور الناس} أي بالكلام الخفي الذي يصل مفهومه إلى قلوبهم من غير سماع ثم ذكر أن هذا الشيطان الذي يوسوس في صدور الناس {من الجنة} وهم الشياطين كما قال سبحانه إلا إبليس كان من الجن ثم عطف بقوله {والناس} على الوسواس والمعنى من شر الوسواس ومن شر الناس كأنه أمر أن يستعيذ من شر الجن والإنس (وثالثها) أن معناه من شر ذي الوسواس الخناس ثم فسره بقوله {من الجنة والناس} كما يقال نعوذ بالله من شر كل مارد من الجن والإنس وعلى هذا فيكون وسواس الجنة هو وسواس الشيطان على ما مضى وفي وسواس الإنس وجهان (أحدهما) أنه وسوسة الإنسان من نفسه (والثاني) إغواء من يغويه من الناس ويدل عليه قوله {شياطين الإنس والجن} فشيطان الجن يوسوس وشيطان الإنس يأتي علانية ويرى أنه ينصح وقصده الشر .

 قال مجاهد : الخناس الشيطان إذا ذكر اسم الله سبحانه خنس وانقبض وإذا لم يذكر الله انبسط على القلب ويؤيده ما روي عن أنس بن مالك أنه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) : ((إن الشيطان واضح خطمة على قلب ابن آدم فإذا ذكر الله سبحانه خنس وإذا نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس وقيل الخناس)) معناه الكثير الاختفاء بعد الظهور وهو المستتر المختفي من أعين الناس لأنه يوسوس من حيث لا يرى بالعين وقال إبراهيم التيمي أول ما يبدو الوسواس من قبل الوضوء وقيل إن معنى قوله {يوسوس في صدور الناس} يلقي الشغل في قلوبهم بوسواسه والمراد أن له رفقاء به يوصل الوسواس إلى المصدر وهو أقرب من خلوصه بنفسه إلى صدره وفي هذا إشارة إلى أن الضرر يلحق من جهة هؤلاء وأنهم قادرون على ذلك ولولاه لما حسن الأمر بالاستعاذة منهم وفيه دلالة على أنه لا ضرر ممن يتعوذ به وإنما الضرر كله ممن يتعوذ منه ولوكان سبحانه خالقا للقبائح لكان الضرر كله منه جل وعز وفيه إشارة أيضا إلى أنه سبحانه يراعي حال من يتعوذ به فيكفيه شرورهم ولولا ذلك لما دعاه إلى التعوذ به من شرورهم ولما وصف سبحانه نفسه بأنه الرب الإله الغني عن الخلق فإن من احتاج إلى غيره لا يكون إلها ومن كان غنيا عالما لغناه لا يختار فعل القبيح ولهذا حسنت الاستعاذة به من شر غيره .

وروى عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا قرأت قل أعوذ برب الفلق فقل في نفسك أعوذ برب الفلق وإذا قرأت قل أعوذ برب الناس قل في نفسك أعوذ برب الناس وروى العياشي بإسناده عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ((ما من مؤمن إلا ولقلبه في صدره أذنان أذن ينفث فيها الملك وأذن ينفث فيها الوسواس الخناس فيؤيد الله المؤمن بالملك وهو قوله سبحانه {وأيدهم بروح منه} .

_________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص496-498 .

تفسير الكاشف

– ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) 

{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ} . الخطاب للنبي (صلى الله عليه واله وسلم) ، والمراد به الناس لأن النبي لا يلجأ ولن يلجأ إلا إلى اللَّه وحده . وكلمة الرب تطلق على المالك والسيد والمنعم ، وكلمة الملك على المهيمن والمتصرف والقادر ويطلق الإله على الخالق والمبدع والمصور والقابض والباسط . واللَّه سبحانه خالق الناس والمنعم عليهم والمتصرف بهم والمدبر لشؤونهم ، فجدير بهم ان يعبدوه ويعتصموا به وحده .

وتسأل : أليس اللَّه خالق كل شيء ، ومالك كل شيء ، فلما ذا خص الناس بالذكر ؟

الجواب : لأن الناس هم الذين ارتابوا بخالقهم ، وكفروا بأنعمه واستعانوا بغيره ، أو كانوا أكثر طغيانا من سائر المخلوقات على وجه العموم ، فخصهم سبحانه بالذكر لعلهم يهتدون .

{مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ} . الوسواس بفتح الواو اسم مصدر بمعنى الوسوسة ، وهو الصوت الخفي الذي لا يحس ، وبكسر الواو مصدر ، والفرق بين المصدر واسم المصدر ان الأول ينظر إليه نسبة الفعل إلى فاعل ، واسم المصدر لا ينظر إلى الفاعل بل إلى الفعل فقط وبصرف النظر عن الفاعل ، وعلى أية حال فإن المراد بالوسوسة هنا ما يحاك في النفس من الأفكار السوداء التي تصد عن الحق وسبيله . . وما من أحد ينجو من حديث النفس ووسوستها إلا من عصم اللَّه ، وهو سبحانه لا يؤاخذ العباد على الوسوسة إلا إذا انعكست على قول أو فعل ، قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) : (لكل قلب وسواس ، فإذا فتق الوسواس حجاب القلب ، ونطق به اللسان أخذ به العبد ، وإذا لم يفتق الحجاب ولم ينطق به اللسان فلا حرج) . {الْخَنَّاسِ} من خنس إذا تأخر وتنحى ، والمراد بهذا الوصف هنا ان الإنسان إذا تنبه للوسوسة الشيطانية ، وتعوذ باللَّه منها مخلصا ذهبت عنه واختفت .

{الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ والنَّاسِ} . ظاهر الآية يدل بوضوح ان الموسوس إليه نوع واحد ، وهم الناس فقط ، أما الذي يوحي بالوسوسة فنوعان : أحدهما من الجن والآخر من الإنس ، ووسوسة إنسيّ لإنسيّ مثله أن يزين له الجريمة ويغريه بها ، وهذا واضح وكثير ، أما كيف يوسوس جنيّ لإنسيّ فاللَّه أعلم . . وقد يكون المراد بوسوسة الجن للإنس حديث النفس الذي ينبع من داخلها لا من أقوال الآخرين . . وأيا كان مصدر الوسوسة فإن على العبد أن يلجأ إلى ربه ويعتصم به وحده من كل شر سواء أكان من نفسه أم من غيره .

وكان الفراغ من هذا التفسير مساء 15 جمادى الآخرة من سنة 1390 ه الموافق 18 آب سنة 1970 م ، وقد استغرق حوالي أربع سنوات من العمل المتواصل ليل نهار .

___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص627-628 .

تفسير الميزان

– ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) 

أمر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعوذ بالله من شر الوسواس الخناس والسورة مدنية كسابقتها على ما يستفاد مما ورد في سبب نزولها بل المستفاد من الروايات أن السورتين نزلتا معا .

قوله تعالى : {قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس} من طبع الإنسان إذا أقبل عليه شر يحذره ويخافه على نفسه وأحسن من نفسه الضعف أن يلتجىء بمن يقوى على دفعه ويكفيه وقوعه والذي يراه صالحا للعوذ والاعتصام به أحد ثلاثة إما رب يلي أمره ويدبره ويربيه يرجع إليه في حوائجه عامة ، ومما يحتاج إليه في بقائه دفع ما يهدده من الشر ، وهذا سبب تام في نفسه ، وإما ذو قوة وسلطان بالغة قدرته نافذ حكمه يجيره إذا استجاره فيدفع عنه الشر بسلطته كملك من الملوك ، وهذا أيضا سبب تام مستقل في نفسه .

وهناك سبب ثالث وهو الإله المعبود فإن لازم معبودية الإله وخاصة إذا كان واحدا لا شريك له إخلاص العبد نفسه له فلا يدعو إلا إياه ولا يرجع في شيء من حوائجه إلا إليه فلا يريد إلا ما أراده ولا يعمل إلا ما يشاؤه .

والله سبحانه رب الناس وملك الناس وإله الناس كما جمع الصفات الثلاث لنفسه في قوله : {ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون} [الزمر : 6] وأشار تعالى إلى سببية ربوبيته وألوهيته بقوله : {رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا} [المزمل : 9] ، وإلى سببية ملكه بقوله : {له ملك السماوات والأرض وإلى الله ترجع الأمور} [الحديد : 5] فإن عاذ الإنسان من شر يهدده إلى رب فالله سبحانه هو الرب لا رب سواه وإن أراد بعوذه ملكا فالله سبحانه هو الملك الحق له الملك وله الحكم وإن أراد لذلك إلها فهو الإله لا إله غيره .

فقوله تعالى : {قل أعوذ برب الناس} إلخ أمر لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعوذ به لأنه من الناس وهو تعالى رب الناس ملك الناس إله الناس .

ومما تقدم ظهر أولا وجه تخصيص الصفات الثلاث : الرب والملك والإله من بين سائر صفاته الكريمة بالذكر وكذا وجه ما بينها من الترتيب فذكر الرب أولا لأنه أقرب من الإنسان وأخص ولاية ثم الملك لأنه أبعد منالا وأعم ولاية يقصده من لا ولي له يخصه ويكفيه ثم الإله لأنه ولي يقصده الإنسان عن إخلاصه لا عن طبعه المادي .

وثانيا وجه عدم وصل قوله : {ملك الناس إله الناس} بالعطف وذلك للإشارة إلى كون كل من الصفات سببا مستقلا في دفع الشر فهو تعالى سبب مستقل لكونه ربا لكونه ملكا لكونه إلها فله السببية بأي معنى أريد السبب وقد مر نظير الوجه في قوله {الله أحد الله الصمد} .

وبذلك يظهر أيضا وجه تكرار لفظ الناس من غير أن يقال : ربهم وإلههم فقد أشير به إلى أن كلا من الصفات الثلاث يمكن أن يتعلق بها العوذ وحدها من غير ذكر الأخريين لاستقلالها ولله الأسماء الحسنى جميعا ، وللقوم في توجيه اختصاص هذه الصفات وسائر ما مر من الخصوصيات وجوه لا تغني شيئا .

قوله تعالى : {من شر الوسواس الخناس} قال في المجمع ، : الوسواس حديث النفس بما هو كالصوت الخفي انتهى فهو مصدر كالوسوسة كما ذكره وذكروا أنه سماعي والقياس فيه كسر الواو كسائر المصادر من الرباعي المجرد وكيف كان فالظاهر كما استظهر أن المراد به المعنى الوصفي مبالغة ، وعن بعضهم أنه صفة لا مصدر .

والخناس صيغة مبالغة من الخنوس بمعنى الاختفاء بعد الظهور قيل : سمي الشيطان خناسا لأنه يوسوس للإنسان فإذا ذكر الله تعالى رجع وتأخر ثم إذا غفل عاد إلى وسوسته .

قوله تعالى : {الذي يوسوس في صدور الناس} صفة للوسواس الخناس ، والمراد بالصدور هي النفوس لأن متعلق الوسوسة هو مبدأ الإدراك من الإنسان وهو نفسه وإنما أخذت الصدور مكانا للوسواس لما أن الإدراك ينسب بحسب شيوع الاستعمال إلى القلب والقلب في الصدر كما قال تعالى : {وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ } [الحج : 46] قوله تعالى : {من الجنة والناس} بيان للوسواس الخناس وفيه إشارة إلى أن من الناس من هو ملحق بالشياطين وفي زمرتهم كما قال تعالى : {شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ} [الأنعام : 112] .

_________________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج20 ، ص370-371 .

تفسير الامثل

– ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) 

بربّ النّاس أعوذ :

في هذه السّورة يتجه الخطاب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) باعتباره الأسوة والقدوة :

{قل أعوذ بربّ النّاس ، ملك النّاس ، إله النّاس}

يلاحظ أن الآيات ركزت على ثلاث من صفات الله سبحانه هي(الربوبية والمالكية والألوهية) وترتبط كلها ارتباطاً مباشراً بتربية الإِنسان ونجاته من براثن الموسوسين .

المقصود من الإِستعاذة بالله ليس طبعاً ترديد الإِستعاذة باللسان فقط ، بل على الإِنسان أن يلجأ إليه جلَّ وعلا في الفكر والعقيدة والعمل أيضاً ، مبتعداً عن الطرق الشيطانية والأفكار المضللة الشيطانية ، والمناهج والمسالك الشيطانية والمجالس والمحافل الشيطانية ، ومتجهاً على طريق المسيرة الرحمانية ، وإلاّ فإن الإِنسان الذي أرخى عنان نفسه تجاه وساوس الشيطان لا تكفيه قراءة هذه السّورة ولا تكرار الفاظ الإِستعاذة باللسان .

على المستعيذ الحقيقي أن يقرن قوله «ربّ النّاس» بالإِعتراف بربوبية الله تعالى ، وبالإِنضواء تحت تربيته; وأن يقرن قوله «ملك النّاس» بالخضوع لمالكيته ، وبالطاعة التامة لأوامره; وأن يقرن قوله : «إله النّاس» بالسير على طريق عبوديته ، وتجنب عبادة غيره .

ومن كان مؤمناً بهذه الصفات الثلاث; وجعل سلوكه منطلقاً من هذا الإِيمان فهو دون شك سيكون في مأمن من شرّ الموسوسين .

هذه الأوصاف الثلاثة تشكل في الواقع ثلاثة دروس تربوية هامّة . . . ثلاث سبل وقاية . . . وثلاث طرق نجاة من شرّ الموسوسين ، إنّها تؤمن على مسيرة الإِنسان من الأخطار .

{من شرّ الوسواس الخناس ، الذي يوسوس في صدور النّاس} .

كلمة «الوسواس» أصلها ـ كما يقول الراغب في المفردات ـ صوت الحَلي (اصطكاك حلية بحلية) . ثمّ اطلق على أي صوت خافت . ثمّ على ما يخطر في القلب من أفكار وتصورات سيئة ، لأنّها تشبه الصوت الباهت الذي يوشوش في الأذن .

«الوسواس» : مصدر ، ويأتي بمعنى اسم الفاعل بمعنى الموسوس ، وهي في الآية بهذا المعنى .

«الخنّاس» صيغة مبالغة من الخنوس وهو التراجع ، لأنّ الشياطين تتراجع عند ذكر اسم الله; والخنوس له معنى الإِختفاء أيضاً ، لأن التراجع يعقبه الإِختفاء عادة .

فقوله سبحانه : {من شرّ الوسواس الخناس} أي أعوذ بالله من شرّ الموسوس ذي الصفة الشيطانية الذي يهرب ويختفي من ذكر اسم الله .

الشياطين يمزجون أعمالهم دائماً بالتستر . ويرمون بالقاءاتهم في الإِنسان بطريقة خفية حتى يخال الإِنسان أن هذه الإِلقاءات من بنات أفكاره ، وهذا ما يؤدي إلي ضلاله وغوايته .

عمل الشيطان هو التزيين ، واخفاء الباطل تحت طلاء الحق ، والكذب في قشر من الصداق ، والذنب في لباس العبادة ، والضلال خلف ستار الهداية .

وبإيجاز ، الموسوسون متسترون ، وطرقهم خفية ، وفي هذا تحذير لكل سالكي طريق الله أن لا يتوقعوا رؤية الشياطين في صورتهم الأصلية ، أو رؤية مسلكهم على شكله المنحرف . أبداً . . .فهم موسوسون خناسون . . . وعملهم الحيلة والمكر والخداع والتظاهر والرياء وإخفاء الحقيقة .

لو أنّ هؤلاء أماطوا اللثام عن وجههم الحقيقي ، ولم يخلطوا الحق بالباطل; لو أن هؤلاء قالوا كلمتهم صريحة واضحة «لم يُخف على المرتادين» كما يقول أمير المؤمنين علي(عليه السلام) نعم لم يُخف في هذه الحالة على روّاد طريق الحق . ولكنّهم يأخذون شيئاً من هذا وشيئاً من ذاك فيخلطونه وبذلك تنطلي حيلتهم على الآخرين أو كما يقول علي(عليه السلام) : «فهنالك يستولي الشيطان على اوليائه» .(2)

عبارة «يوسوس» وعبارة «في صدور النّاس» تأكيد على هذا المعنى .

جملة (من الجنّة والنّاس) تنبيه على حقيقة هامّة هي إن «الوسواس الخناس» لا ينحصر وجوده في مجموعة معينة ، ولا في فئة خاصّة ، بل هو موجود في الجن والإنس . . .في كل جماعة وفي كل ملبس ، فلابدّ من الحذر منه أينما كان ، والإِستعاذة بالله منه في كل أشكاله وصوره .

اصدقاء السوء ، والجلساء المنحرفون ، وأئمة الظلم والضلال ، والولاة الجبابرة الطواغيت ، والكتاب والخطباء الفاسدون ، والمدارس الإِلحادية والإِلتقاطية المخادعة ، ووسائل الإعلام المزوّرة الملفّقة ، كلها هي وأمثالها تندرج ضمن المفهوم الواسع للوسواس الخناس وتتطلب من الإَنسان أن يستعيذ بالله منها .

__________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج15 ، ص627-629 .

2 ـ نهج البلاغة ، الخطبة 50 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى