مقالات

تفسير آيات من القرآن الكريم(90-91)

قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ } [آل عمران: 90، 91].

تفسير مجمع البيان
– ذكر الطبرسي في تفسير هاتين الآيتين (1) :

لما تقدم ذكر التوبة المقبولة، عقبه الله بما لا يقبل منها، فقال: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا} قد ذكرنا الاختلاف في سبب نزوله، وعلى ذلك يدور معناه. وقيل: كلما نزلت آية كفروا بها، فازدادوا كفرا إلى كفرهم {لن تقبل توبتهم} لأنها لم تقع على وجه الإخلاص، ويدل عليه قوله {وأولئك هم الضالون}. ولو حققوا في التوبة لكانوا مهتدين. وقيل: لن تقبل توبتهم عند رؤية البأس، لأنها تكون في حال الإلجاء، ومعنا

ه: إنهم لا يتوبون إلا عند حضور الموت والمعاينة، عن الحسن وقتادة والجبائي. وقيل: لأنها أظهرت الاسلام تورية، فأطلع الله تعالى رسوله على سرائرهم، عن ابن عباس. وقد دل السمع على وجوب قبول التوبة إذا حصلت شرائطها، عليه إجماع الأمة {وأولئك هم الضالون} عن الحق والصواب. وقيل: الهالكون المعذبون.

__________________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2، ص339-340.

تفسير الكاشف
– ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هاتين الآيتين (1) :

ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً :

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } . معنى الكفر بعد الايمان واضح ، أما ازدياد الكفر فيكون بكثرة الذنوب التي يصيبها المذنب ، وأعظمها العمل على بث الكفر وانتشاره ، ومحاربة المؤمنين ، لا لشيء إلا لأنهم مؤمنون .

وتسأل : ان اللَّه حكم في الآية السابقة بقبول توبة من كفر بعد الإيمان ، ثم حكم في هذه الآية بعدم قبولها ، فما هو وجه الجمع ؟ .

وأجاب المفسرون بأجوبة أرجحها ان الكافر بعد الايمان على ثلاثة أقسام :

أحدها من تاب توبة نصوحة ، وهو الذي ذكره اللَّه في قوله : { إِلَّا الَّذِينَ تابُوا } . ثانيها : من تاب توبة زائفة ، وهو الذي ذكره تعالى بقوله : { لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ ) . ثالثها : من مات على الكفر ، وهو المذكور بقوله : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وماتُوا وهُمْ كُفَّارٌ ) .

والذي نراه في الجواب ان الإنسان قد يشعر بصحة شيء ، أو فساده ، ثم تعرض بعض الملابسات تخيل إليه ان شعوره قد تغير من الصحة إلى الفساد ، أو من الفساد إلى الصحة ، مع ان شعوره في واقعه هو هو لم يتغير فيه شيء ، أما اعتقاد التغيير فمجرد وهم وخيال ، وكذلك الحب والبغض ، فقد يسيء ولدك إليك ، فيلوح لك انه أبغض الناس إلى قلبك ، وانك تود هلاكه ، ولكن عاطفة الأبوة تكمن في قرارة نفسك دون أن تشعر . . وكم شاهدنا من يفعل ويترك بوحي من المحاكاة والتقليد ، أو العاطفة والعادة ، وهو يعتقد ان ذلك بوحي من الدين والعقل .

وكذلك يلوح لكثير من التائبين من ذنوبهم انهم تابوا توبة نصوحة ، وهم في الواقع باقون على ما كانوا ، وهؤلاء التائبون هم المعنيون بقوله تعالى : {لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ } . أما المعنيون بالآية السابقة ، وهي قوله سبحانه : { إِلَّا الَّذِينَ تابُوا } فهم التائبون حقا وصدقا .

{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وماتُوا وهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الأَرْضِ ذَهَباً ولَوِ افْتَدى بِهِ } . ليس من شك ان من ختم حياته بالكفر ، ومات عليه حوسب حساب الكافرين .

ولك أن تسأل : انه لا ذهب يوم القيامة ، ولا وسيلة لامتلاكه ، ولا إنفاقه ، فما هي الفائدة من ذكره ؟

الجواب : القصد انه لا طريق للافتداء بحال من الأحوال ، وبديهة ان فرض المحال ليس بمحال . . ومما قاله الإمام علي ( عليه السلام ) في وصف جهنم : « لا يظعن مقيمها ، ولا يفادى أسيرها » .

___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج2 ، ص105-107.

تفسير الميزان
– ذكر الطباطبائي في تفسير هاتين الآيتين (1)  :

قوله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا} إلى آخر الآيتين تعليل لما يشتمل عليه قوله أولا.

كيف يهدي الله قوما كفروا “الخ” وهو من قبيل التعليل بتطبيق الكلي العام على الفرد الخاص، والمعنى أن الذي يكفر بعد ظهور الحق وتمام الحجة عليه، ولا يتوب بعده توبة مصلحة إنما هو أحد رجلين إما كافر يكفر ثم يزيد كفرا فيطغى، ولا سبيل للصلاح إليه فهذا لا يهديه الله ولا يقبل توبته لأنه لا يرجع بالحقيقة بل هو منغمر في الضلال، ولا مطمع في اهتدائه.

وإما كافر يموت على كفره وعناده من غير توبة يتوبها فلا يهديه الله في الآخرة بأن يدخله الجنة إذ لم يرجع إلى ربه ولا بدل لذلك حتى يفتدي به، ولا شفيع ولا ناصر حتى يشفع له أو ينصره.

ومن هنا يظهر أن قوله:{ وأولئك هم الضالون} باشتماله على اسمية الجملة، والإشارة البعيدة في أولئك، وضمير الفصل، والاسمية واللام في الخبر يدل على تأكد الضلال فيهم بحيث لا ترجى هدايتهم.

وكذا يظهر أن المراد بقوله:{ وما لهم من ناصرين} نفي انتفاعهم بالشفعاء الذين هم الناصرون يوم القيامة فإن الإتيان بصيغة الجمع يدل على تحقق ناصرين يوم القيامة كما مر نظيره في الاستدلال على الشفاعة بقوله تعالى: {فما لنا من شافعين} الآية في مبحث الشفاعة آية 48 من سورة البقرة فارجع إليه.

و قد اشتملت الآية الثانية على ذكر نفي الفداء والناصرين لكونهما كالبدل، والبدل إنما يكون من فائت يفوت الإنسان وقد فاتتهم التوبة في الدنيا ولا بدل لها يحل محلها في الآخرة.

ومن هنا يظهر أن قوله: {وماتوا وهم كفار} في معنى: وفاتتهم التوبة فلا ينتقض هذا البيان الظاهر في الحصر بما ذكره الله تعالى في قوله: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 18] فإن المراد بحضور الموت ظهور آثار الآخرة وانقطاع الدنيا وتفوت عند ذلك التوبة.

والملء في قوله: ملء الأرض ذهبا مقدار ما يسعه الإناء من شيء فاعتبر الأرض إناء يملؤه الذهب فالجملة من قبيل الاستعارة التخييلية والاستعارة بالكناية.

____________________

1. تفسير الميزان ، ج3 ، ص 294-295.

تفسير الامثل
– ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هاتين الآيتين  (1)

التوبة الباطلة :

{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ}.

كان الكلام في الآيات السابقة يدور حول الذين يندمون حقّاً على إنحرافهم عن طريق الحقّ فيتوبون توبةً صادقة. في هذه الآية يدور الكلام على الذين لن تُقبل توبتهم، وهم الذين آمنوا أوّلاً، ثمّ إرتدّوا وكفروا، وأصرّوا على كفرهم، ورفضوا الإنصياع لأوامر الله، حتّى إذا اشتدّ عليهم الأمر اضطرّوا إلى العودة للإسلام. إنّ الله لن يقبل توبة هؤلاء، لأنّهم لن يتّخذوا بإختيارهم خطوة في سبيل الله، بل هم مجبرون على إظهار الندم والتوبة بعد رؤيتهم إنتصار المسلمين. لذلك فتوبتهم ظاهرية ولن تُقبل.

وثمّة إحتمال آخر في تفسير هذه الآية هو : أنّ أمثال هؤلاء الأشخاص عندما يرون أنفسهم على أعتاب الموت ونهاية العمر قد يندمون ويتوبون حقّاً. غير أنّ توبتهم لن تُقبل، لأنّ وقت التوبة يكون قد إنتهى، كما سيأتي شرحه. وهذا نظير قوله تعالى في الآية 18 من سورة النساء : {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتّى إذا حضر أحدهم الموت قال اني تبت الآن}.

وقيل : من المحتمل أن يكون معنى الآية : إنّ التوبة عن الذنوب العادية في حال الكفر لن تقبل. أي إذا أصرّ أحدهم على المضي في طريق الكفر، ثمّ تاب عن ذنوب معيّنة كالظلم والغيبة وأمثالهما، فإنّ توبته هذه لا طائل وراءها ولن تُقبل، وذلك لأنّ غسل التلوّث الظاهر عن الروح والنفس، مع بقاء التلوّث الأعمق في الباطن، لا فائدة منه.

لابدّ أن نضيف هنا أنّ التفاسير المذكورة آنفاً لا تعارض بينها، وقد تشملها الآية جميعاً، وإن يكن التفسير الأوّل أقرب إلى الآيات السابقة وإلى سبب نزول هذه الآية.

وفي الآية الثانية يقول تعالى :

{إنّ الذين كفروا وماتوا وهم كفّار فلن يُقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به}.

تخصّ الآية أُولئك الذين يقضون أعمارهم كافرين في هذه الدنيا، ثمّ يموتون وهم على تلك الحال. يقول القرآن، بعد أن اتّضح لهؤلاء طريق الحقّ، يسيرون في طريق الطغيان والعصيان، وهم في الحقيقة ليسوا مسلمين، ولن يُقبل منهم كلّ ما ينفقونه، وليس أمامهم أيّ طريق للخلاص، حتّى وإن أنفقوا ملء الأرض ذهباً في سبيل الله.

من الواضح أنّ القصد من القول بإنفاق هذا القدر الكبير من الذهب إنّما هو إشارة إلى بطلان إنفاقهم مهما كثر، لأنّه مقرون بتلوّث القلب والروح بالعداء لله، وإلاَّ فمن الواضح أنّ ملء الأرض ذهباً يوم القيامة لا يختلف عن ملئها تراباً. إنّما قصد الآية هو الكناية عن أهميّة الموضوع.

أمّا بشأن مكان هذا الإنفاق، أفي الدنيا أم في الآخرة ؟ فقد ذكر المفسّرون لذلك إحتمالين إثنين، ولكن ظاهر الآية يدلّ على العالم الآخر، أي كانوا كافرين {وماتوا وهم كفّار}، فلو كانوا يملكون ملء الأرض ذهباً، وظنّوا أنّهم بالإستفاده من هذا المال، كما هي الحال في الدنيا، يستطيعون أن يدرأوا العقاب عن أنفسهم، فهم على خطأ فاحش، إذ أنّ هذه الغرامة المالية والفدية ليست قادرة على التأثير في ما سيواجههم من عقاب. وفي الواقع فان مضمون هذه الآية يشبه قوله تعالى في الآية 15 من سورة الحديد : {فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا}.

وفي الختام يشير إلى نكتة اُخرى في المقام ويقول : {أُولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين}.

لاشكّ في أنّهم سينالون عقاباً شديداً مؤلماً، ولن يكون باستطاعة أحد أن ينتصر أو يشفع لهم. لأن الشفاعة لها شرائط، وأهمها الإيمان بالله، ولهذا السبب فلو أن جميع الشفعاء اجتمعوا لإنقاذ أحد الكفّار من عذاب النار لم تقبل شفاعتهم. وأساساً، بما أن الشفاعة بإذن الله، فإن الشفعاء لا يشفعون أبداً لمثل هؤلاء الأفراد غير اللائقين للشفاعة، لأن الشفاعة تحتاج إلى قابلية المحل، والإذن الإلهي لا يشمل الأفراد غير اللائقين.

____________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2، ص353-355.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى