سيرة وتاريخ

حصن حب بعدان

فوق قمة جبلية عالية في مديرية بعدان إلى الشرق من محافظة إب يتربع حصن حب التاريخي الذي يوصف بأنه واحد من أعرق الحصون العسكرية في اليمن وأكثرها منعة وقوة . ولا يعرف سبب لتسمية الحصن حب بفتح الحاء وتشديد الباء غير أنه كان قديماً متنفساً للملوك خصوصاً ويطل على رياض غناء من جميع جهاته تزينها المدرجات الزراعية الخضراء طيلة العام .

كان الحصن الذي يرتفع عن سطح البحر بحوالي 3300 متر، موضع صراع عسكري محموم بين حكام الدويلات المتعاقبة على اليمن ودمرت أسواره مرات عدة لحين الغزو العثماني الأول حيث أعاد الأتراك بناءه وفق الطراز اليمني القديم لاستخدامه حصناً عسكرياً للقوات الغازية .

الوصول إلى الحصن شاق، إذ يتعين على الزائر اجتياز طريق متعرجة في سلسلة جبلية تمتد لمسافة 27 كيلومتراً، ولذلك استخدم الحصن لقرون كمركز آمن لخزن الحبوب والغذاء في مخازن صخرية لا تزال باقية حتى اليوم كما استخدم كقلعة حصينة لصد غارات الغزاة .

يمكن القول إن الحصن يمثل اليوم متحفاً تاريخياً معلقاً، فهو بطرازه المعماري معجزة في البناء والتشييد، كما يحوي آثاراً تاريخية تعود إلى العصر الحميري .

ويعتقد أن الحصن كان مقراً لملك حميري يدعى يريم بن ذو رعين ويقال إنه دفن في هذا الحصن كما عثر الآثاريون على جثمان أحد التبابعة الحميريين يعتقد أنه التبع يريم بن أيمن ذو رعين .

منذ ما قبل الإسلام، حرص كثير من الملوك والأمراء على الاستحواذ على الحصن نظراً لمميزاته العسكرية الدفاعية وكثير منهم كان يعده واحداً من رموز القوة وتماماً كما هو رمز للمقاومة الوطنية في كثير من محطات الغزو الأجنبي لليمن في التاريخ القديم الوسيط .

وزاد من ذلك موقعه الاستراتيجي الفريد، فهو يطل من أعلى على مساحات شاسعة من الوديان والقرى الزراعية، ناهيك عن أنه كان قديماً يقع على طريق القوافل التجارية وأنشأ الملوك الذين تعاقبوا على الحصن فيه العديد من مخازن الحبوب المحفورة في عمق الجبل وكانت حتى وقت قريب تستخدم لخزن كميات كبيرة للغاية من الحبوب تأمن احتياجات الدول من الغذاء خصوصاً أن هذا الموقع كان آمناً من اللصوص وغارات قطاع الطرق والعزاة .

تشير كتب التاريخ إلى أن الملك المظفر يوسف بن عمر بن رسول كان أول من اكتشف خصائص الحصن العسكرية واستخدمه في القرن السابع الهجري نقطة انطلاق للسيطرة على المناطق الجبلية الوسطى في اليمن بعد مقتل والده .

ولاحقاً تحكم في الحصن العديد من الملوك والأمراء في عهد الدولة الصليحية وصولاً إلى دولة بني رسول ثم الزريعيين ثم خضع لسيطرة الأيوبيين الذين فرضوا على الحصن حصاراً في عهد القائد طفطكين الذي خاض حروباً مع الزريعيين من أجل السيطرة على الحصن الذي اتخده تالياً نقطة انطلاق للتوسع العسكري في اليمن .

وبعد رحيل الأتراك من اليمن سيطر عليه الأئمة من آل حميد الدين ويعتقد أنهم ساهموا في ترميمه لاستخدامه حصناً عسكرياً .

ينظر الآثاريون إلى حصن حب باعتباره من أهم معالم التاريخ الإسلامي في هذه المنطقة، وفي التاريخ الحديث حول إلى مزار سياحي خصوصاً أنه من أهم المعالم التاريخية في محافظة إب اليمنية لما يتسم به من تصميم هندسي فريد جمع خصائص فن العمارة اليمنية بعمارة المعاقل العسكرية المنيعة .

وتشير بعض المصادر إلى أن الحصن كان محاطاً بثلاثة أسوار اندثرت بفعل عوامل الطبيعة والإهمال بحيث لم يبق سوى السور الداخلي وهو يلتف حول قمة الجبل بشكل متعرج من الجهة الأمامية وينتهي إلى شكل هندسي نصف دائري .

تتمتع الجهة الخلفية للحصن بتحصين طبيعي إذ يطل على مرتفع جبلي شاهق يصعب تسلقه وفي داخله لا يزال هناك أطلال مبان ربما كانت مساكن للأمراء أو قوات الجيش التي كانت ترابط في الحصن، كما توجد بقايا اصطبل للخيول وحوض مياه إلى جوار مخزن صخري للحبوب يمتد في باطن الجبل وهو عبارة عن مجموعة حفر كبيرة متقاربة تقع تحت سقف واحد شيد باستخدام الأحجار الصلبة جداً ولا يزال صالحاً للاستخدام .

الهيكل القائم للحصن حالياً يحوي سوراً بني من الحجارة الصلدة من جهتيه الشرقية والجنوبية وتتناثر عليه أبراج نصف دائرية للحراسة وهي مبنية من الحجارة ومصممة بطريقة تصعب السيطرة عليها من قبل الغزاة، أما الجهتان الشمالية والغربية فتطلان على حافة صخرية شاهقة ومنيعة يصعب اختراقها أو تسلقها واتخذت عند تشييد السور تحصيناً طبيعياً مؤمناً ضد الاختراق .

يصف المؤرخون حصن حب بأنه من المعاقل اليمنية الآمنة والصعبة المرتقى والأبعد صيتاً وشهرة لكثرة ما يدور حوله من أحداث التاريخ ولخطورته وهو منتصب فرداً في سرة جبل بعدان كأنه خطيب قوم التفت حوله القرى الزاهية التي لا حصر لها والهضاب النضرة المكسوة بالأشجار والثمار اليانعة .

ويشير هؤلاء إلى أن الحصن كان بمثابة قلعة عسكرية مهمة لحسم المعركة إذا توفرت التأمينات التموينية والعتاد والسلاح والرجال، ولذلك كان مطمعاً للمتصارعين المتحاربين وهدفاً عسكرياً للغزاة وقاعدة إدارية للدولة في حالات السلم، أما اليوم فأصبح معلماً تاريخياً أثرياً ينبغي الاهتمام به وتأكيد أهميته مع ضرورة البحث في حقيقته التاريخية .

ويرتبط سور الحصن ببوابة كبيرة تؤدي إلى فنائه الذي يضم مباني عتيقة وأحواضاً لتجميع مياه الأمطار، فضلاً عن أطلال حدائق وجامع وحمامات ومعصرة للزيوت ربما كانت تستخدم قديماً لعصر الحبوب في حال وجود كميات فائضة منها .

صمم اليمنيون القدامى الطريق إلى الحصن بشكل هندسي فريد امتصت إلى حد كبير صعوبة الوصول إليه كما وفرت للحصن الحماية من الاختراق وغزو الجيوش .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى