مقالات

شمَّ النبي تربة كربلاء، وقبّلها، وقلّبها واستودعها أم سلمة

دعوة الأمة إلى حسن الإقتداء:
استفاض في المصادر الإسلامية شيعيةً وسنيةً أن جبرائيل(ع) لمّا نزل على رسول الله (ص) بخبر قتل الحسين(ع)، أتى بقبضة من تراب مصرعه (أي مكان استشهاده) صلوات الله عليه، وكذا غير جبرائيل(ع) من الملائكة _كملك القَطَر_ أيضاً لما جاء إلى الرسول (ص) بهذا الخبر المؤلم، أتى إليه بقبضة من تراب كربلاء*.
ويرى الإمامي أنّ التربة التي أهداها الجليل إلى رسوله الأقدس (ص) هدية غالية، عالية ثمينة، جديرة بأن يحترمها ويكرِّمها إتّباعاً لسنّة الله تعالى، وأنّ الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عندما تسلّمها من جبرائيل (ع)، قبّلها فيُقبِّلها.
قالت أم سلمة أم المؤمنين رضي الله عنها: “ثم اضطجع _رسول الله (ص)_ فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يُقبّلها، فقلت: ما هذه التربة يا رسول الله؟ قال: أخبرني جبرائيل أن ابني هذا _يعني الحسين(ع)_ يُقتل بأرض العراق، فقلتُ لجبرائيل: أرني تربة الأرض التي يقتل بها، فهذه تربتها“.
وكانت واقعة خروج الحسين إلى أرض العراق وقتله هناك من دلائل النبوّة، وشواهد صدقها حقاً، وقد استفاضت بذلك الأخبار. وقد أورد كثيراً من هذه الأخبار البيهقي في (دلائل النبوّة) وكذلك أبو نعيم في (دلائل النبوّة) وهما مطبوعان متداولان.
ومما نقله ابن عساكر (في موسوعته “تاريخ دمشق”):
 عن علي (ع) قال: “دخلت على رسول الله (ص) وعيناه تفيضان فقلت: يا نبي الله، أغضبكَ أحد؟ ما شأن عينيك تفيضان؟ قال: بل قام من عندي جبرائيل قبلُ، فحدّثني أن الحسين يقتل بشطّ الفرات“.
 وزار ملك القَطْر (الماء) رسول الله (ص)، فدخل الحسين يتوثب على رسول الله، فقال المَلك: “أما إنّ أمتك ستقتله“.
وقد روى هذه الأنباء عن رسول الله (ص): علي أمير المؤمنين(ع)، وأم سلمة أم المؤمنين، وزينب أم المؤمنين، وأم الفضل مرضعة الحسين، وعائشة [أم المؤمنين] ابنة أبي بكر، ومن الصحابة: أنس بن مالك، وأبو أمامة، وفي حديثه، قال رسول الله (ص) لنسائه: لا تُبكوا هذا الصّبيّ _يعني حسيناً_ فكان يوم أم سلمة، فنزل جبرائيل، فدخل رسول الله (ص) وقال لأم سلمة: لا تدعي أحداً يدخل عليّ. فجاء الحسين وأراد أن يدخل، فأخذته أم سلمة فاحتضنته وجعلت تُناغيه وتُسكته، فلما اشتدّ في البكاء خلّت عنه، فدخل حتى جلس في حجر رسول الله (ص). فقال جبرائيل للنبي: إن أمتك ستقتل ابنك هذا، فخرج رسول الله (ص) قد احتضن حسيناً، كاسف البال مهموماً. فخرج إلى أصحابه وهم جلوسٌ فقال لهم: إن أمتي يقتلون هذا.
“…” وبذلك يكون الحسين(ع) ومقتله من شواهد النبوّة والرسالة ودلائلها الواضحة، وبهذا تتحقق مصداقية قول رسول (ص): “….وأنا من حسين“.
 وبعد حيث الغيب (من رسول الله(ص))، كان إحضار عيّنة من تربة كربلاء، التي تكرّر الحديث عنها، دعماً من الرسول (ص)،لكل ذلك الحديث بمصداق، ونموذج من تربتها، ليكون دليلاً عينيّاً من دلائل النبوّة ومعجزاتها. ففي حديث علي(ع)، عن النبي (ص): “قال جبرائيل: هل أُشِمُّك من تربته؟” “…” فمدّ يده فقبض قبضةً من تراب، فأعطانيها“.
 وفي حديث أنس: فجاءه بسهلة، أو تراب أحمر، فأخذته أم سلمة فجعلته في ثوبها.
 وفي حديث أبي أمامة: فخرج على أصحابه وهم جلوس….قال: هذه تربته فأراهم إياها.
 ولأم سلمة _أم المؤمنين_ شأن أكبر مع هذه التربة، فقد روت حديثه بشيء من التفصيل: “..فاستيقظ وفي يده تربة حمراء وقال: أخبرني جبرائيل: أنّ ابني هذا _الحسين_ يُقتل بأرض العراق، فهذه تربتها، أهل هذه المدرة يقتلونه“؟ بل زادها رسول (ص) شرفاً بأن استودعها تلك التربة، وكانت تحتفظ بها.
وفي ما روته _أم سلمة_ قالت: “كان الحسن والحسين يلعبان ين يدي النبي (ص) في بيتي، فنزل جبرائيل فقال: يا محمد، إن أمتك تقتل ابنك هذا من بعدك، وأومأ بيده إلى الحسين. فبكى رسول الله (ص)، وضمّه إلى صدره، ثم قال: وديعةٌ عندك هذه التربة، فشمّها رسول الله (ص)، وقال ويح كرب وبلاء. وقال، يا أم سلمة، إذا تحوّلت هذه التربة دماً فاعلمي أن ابني قد قتل. فجعلتها أم سلمة في قارورة، ثم جعلت تنظر إليها كل يوم وتقول: إن يوماً تحوّلين دماً ليومٌ عظيم“.
وهذه التفاصيل اختصت بها أم سلمة من بين زوجات النبي (ص).
أما حديث التربة فقد رواه غيرها من النساء أيضاً:
 فعائشة [أم المؤمنين] قالت: “فأشار له جبرائيل إلى الطّفّ بالعراق، وأخذ تربة حمراء، فأراه إياها فقال: هذه تربة مصرعه“.
 وزينب أم المؤمنين روت: “فأراني تربة حمراء“.
 وأم الفضل _مرضعة الحسين_ قالت: “وأتاني بتربة حمراء من تربته حمراء“.
والعجيب في أحاديثهنّ، كلهنّ، وأحاديث من غيرهنّ، أنها تحتوي على جامع مشترك هو الحمرة لون الدم، إلا أن أحاديث أم سلمة احتوى على تحول التربة إلى دمٍ في يوم عاشوراء.

الهوامش:

*وإن شئت الوقوف على ما ورد عن الرسول وأهل البيت -فعليك لا على سبيل الحصر- بمراجعة المصادر الآتية:
البحار: ج44، ص229، عن آمالي الشيخ الطوسي رحمه الله؛ وكامل الزيارة لابن قولويه وج1، ص118/127/135، عن الأمالي؛ والكامل والمصباح والمعجم الكبير للطبراني: ص144/145؛ وذخائر العقبى: ص174؛ وسير أعلام النبلاء: ج3، ص194/195؛ وكنز العمّال: ج13، ص111/112/108؛ وتلخيص المستدرك للذهبي: ج4، ص176/398؛ والخصائص للسيوطي:ج2، ص125؛ والمناقب للمغازلي: ص314؛ ومنتخب كنز العمال:ج5، ص110/111؛ ومفتاح النجاة: ص135/134؛ ووسيلة المآل، ص182، والعقد الفريد: ج2، ص219؛ وميزان الاعتدال: ج1، ص8؛ وتاريخ الرّقة: ص75؛ والفصول المهمة لابن الصباغ: ص154؛ ونور الأبصار: ص116؛ ومجمع الزوائد للهيثمي: ج9، ص188/189/191؛ والغنية لطالبي طريق الحق: ج2، ص56؛ ومقتل الحسين للخوارزمي: ج1، ص159/158؛ والنهاية لابن الأثير: ج6، ص230؛ والصواعق المحرقة: ص191/190؛ والينابيع: ص318/ 319؛ ومسند أحمد: ج6، ص294؛ وتاريخ الإسلام للذهبي: ج3، ص10؛ وطرح التثريب:ج1، ص41؛ وأخبار الحبائك للسيوطي: ص44؛ والمطالب العالية والمستدرك للحاكم: ج3، ص167؛ والبداية والنهاية: ج6، ص230؛ وأخبار الدول: ص107؛ والفتح الكبير للنّبهاني: ج1، ص22؛ وتاريخ الإسلام للدمشقي: ج3، ص176؛ وتاريخ الإسلام للدمشقي: ج3، ص11؛ “..” والبيان للعلامة الخوئي: ص561 عن أبي يعلى في مسنده، وابن أبي شيبة وسعيد عن منصور في سننه عن مسند علي؛ والطبراني في الكتاب الكبير عن أم سلمة، ولم نأت بألفاظها لطولها وخروجها عن شرط الرسالة، فمن أراد فليراجع المصادر المذكورة أو هامش (إحقاق الحق).
المصدر: مجلة شعائر،العدد20، العلامة المحقق السيد محمد الجلالي والشيخ علي الأحمدي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى