مقالات

صلاة الجمعة وآثارها التّربويّة

صلاة الجمعة هي إحدى أهم الاجتماعات العباديّة السيّاسية الإسلاميّة ، والتي لها تأثير قوي في التّربيّة المباشرة وغير المباشرة.
فهذه الصّلاة الرائعة ، تقام كل أسبوع مرّة ومسلموا المدينة الواحدة مكلّفون بالإشتراك في صلاة واحدة فقط (1).
ولصلاة الجمعة خطبتان قبل الصلاة ، تشتملان على مواعظ وعبر وأمرٍ بالتّقوى ، وخصوصاً على المسائل الاجتماعيّة السّياسية المهمّة للمجتمع ، فهي ‏من جهة تُلَطِّفُ الرّوح والنّفس وتغسلها من أوساخ الذنوب والمعاصي ، ومن جهة أخرى تعلم النّاس الإطلاع على المعارف الإسلاميّة والأحداث الاجتماعيّة والسّياسية المهمّة ، وكيفية اتخاذ المواقف‏ الصّحيحة قبالها ، ومن جهة ثالثة توفر الجو المناسب للعمل الجماعي لحلِّ المشاكل في إطار تجديد الروح الإيمانية والنشاط المعنوي.
والخطبتان من واجبات الصّلاة ، وورد في الرّوايات الإسلاميّة والكتب الفقهيّة أن من آداب الخطبة هو أن يرفع الخطيب صوته بحيث يسمعه كلّ النّاس ، وأن عليهم أن يصغوا لكلامه ويراعوا السكوت التام ، وأن يستقبلوا الخطيب بوجوههم.
والأفضل أن يكون الخطيب رجلًا فصيحاً بليغاً مُطّلِعاً على أوضاع وأحوال المسلمين ، خبيراً بمصالحهم ، شجاعاً ، صريح اللهجة في بيان الحقّ ، مضافاً إلى حسن سيرته وسلوكه في المجتمع فيكون ذلك سبباً لنفوذ كلامه في قلوبهم وأن يُذَكِّر سلوكه النّاس باللَّه.
ولابدّ من بيان المسائل المهمّة المرتبطة بالدِّين ودنيا المسلمين في الخطبتين ، وكذا ما يحتاجه النّاس في ‏داخل وخارج الدّول الإسلاميّة والمنطقة ، وطرح المسائل السيّاسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة المهمّة مع مراعاة الأولويات ، فيزود النّاس بالمعلومات اللازمة ويخبرهم عن مؤامرات الأعداء ، ويشير إلى البرامج القصيرة والبعيدة المدى لإفشال خُطَطِهم.
ولابدّ أن يكون الخطيب ذكيّاً جدّاً وفطناً ، مفكراً ، مطلّعاً على المسائل المعنوية والمادية في الإسلام ، وأن يستغل هذه الشعيرة العظيمة أفضل استغلال لتوعية المسلمين وتطوير الأهداف الإسلاميّة.
وفي حديث جامعٍ عن الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السلام ، يُبين فيه ضرورة خطبة الجمعة وأنّ ذلك لتعميم الفائدة وأنّ اللَّه يريد أن يفسح المجال لأمير المسلمين ليعظ النّاس ويُرغبهم في الطّاعة ويحذرهم المعصية ، إلى أن يقول الإمام الرضا عليه السلام : «وَتَوْقِيفِهُمْ عَلى ما أرادَ مِنْ مَصْلَحَةِ دينِهِمْ وَدُنْياهُمْ وَيُخبِرُهُمْ بِما وَرَدَ عَلَيْهِمْ مِن‏ الآفاقِ مِنَ الأَهْوالِ الَّتي لَهُمْ فِيها المَضَرّةُ وَالمَنْفَعَةُ».
ثُمّ يبين الإمام عليه السلام فلسفة وجود خطبتين فالأولى للحمد والثّناء والّتمجيد والتّقديس للَّه (والمسائل المعنوية والأخلاقيّة) ، والثّانية لبيان باقي متطلبات الوعي والإنذار والأدعية وغير ذلك من الأوامر والنّواهي والإرشادات المرتبطة بصلاح وفساد المجتمع‏ (2).
والدّور الّذي تلعبه اليوم صلاة الجمعة في توعية النّاس في المسائل السياسية والاجتماعيّة غير خافٍ على أحد ، وكثيراً ما يتم إفشال مخططات الأعداء التي يبثونها من خلال وسائل إعلامهم على طول الأسبوع ومع كل إمكاناتهم وتجهيزاتهم ، في خطبة واحدة من خطب الجمعة المدروسة والدقيقة ، ولو أنّ المسلمين يعون أهميّة هذا البرنامج الأسبوعي المهم ، ويقيمونه كما أراد الإسلام ، وأن لا يمسخوا هوية هذه العبادة العظيمة كبعض الدول ضعيفة الإرادة أو المأجورة من قبل الاستعمار ، فإنّهم- أي المسلمون- سيستثمرون هذه الشعيرة الإسلاميّة ويتعرفون على عمق تأثيرها الثّقافي والتّربوي.
ولصلاة العيدين (عيد الفطر وعيد الأضحى) وهما تشابهان صلاة الجمعة كثيراً وخصوصاً من جهة الخطبتين اللتين يؤتى بهما بعد الصلاة هنا ، نفس آثار وبركات صلاة الجمعة.
_______________________
(1) هذا بحسب الفقه الشّيعي التّابع لأهل البيت عليهم السلام وهناك من الفرق الإسلامية السنيّة من يجيز إقامة العديد من صلوات الجمعة في المدينة الواحدة ، كصلوات الجماعة التي تقام في مساجد متعددة (الفقه على المذاهب الأربعة ، ج 1 ، ص 385).
(2) وسائل الشّيعة ، ج 5 ، ص 39 ، ح 6.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى