مقالات

علامات بدء القيامة

عند قيام الساعة تقع حوادث عظيمة، فكما أنّ الدنيا تنتهي بوقوع حوادث عظيمة، كذلك تقترن بداية القيامة بحوادث عظيمة أيضاً، وقد ورد هذا المعنى‏ في آيات مختلفة من القرآن الكريم.

1- قال تعالى‏ : في سورة إبراهيم : {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرضِ وَالسَّمواتُ وَبَرَزُوا للَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}. (إبراهيم/ 48)

هذا التبديل هو إشارة واضحة إلى‏ المرحلة الثالثة وذلك لأنّه تعالى‏ يقول في ذيل الآية {وَبَرَزُوا للَّهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ}.

وهذه النكتة جديرة بالاهتمام، فليس المراد من تبديل الأرض بأرض اخرى‏ هو تبديل لذات الأرض كما يتصور البعض بل إنّ المقصود هو تبدل صفاتها مثل ازالة الجبال أو استوائها وصيرورتها قاعاً صفصفاً كما يذكر القرآن الكريم أو زيادة مساحتها وغير ذلك من دون تبديل ذاتها.

ودليل هذا الكلام آيات عديدة عن نشور الأموات من قبورهم وبالخصوص منها : {مِنْهَا خَلَقنَاكُم وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تارَةً اخَرَى‏} (طه/ 55).

على‏ كل حال ذكر المفسرون آراء عديدة حول هذه الآية ولا يوجد لديهم أي‏ دليل إلّا بعض الروايات المرسلة، أو الاستناد إلى‏ بعض أقوال الآخرين، فأحيانا يقولون إنّ الأرض تبدل بالفضة والسماء بالذهب وأحياناً اخرى‏ يقولون إنّ الأرض تبدل بالنار والسماء بالجنان أو كل قطعة من الأرض تبدل إمّا إلى‏ فضة أو إلى‏ نار حسب ما يناسب وضعها مع المؤمنين والكفّار.

وكل ما نستفيده من هذه الآية بشكل عام : إنّ هناك تغيرات عظيمة لم تتضح تفاصيلها لنا.

2- قال تعالى‏ في موضع آخر : {اذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا* وَاخرَجَتِ الْأَرْضُ اثْقَالَهَا} (الزلزال/ 1- 2).

وهنا يطرح هذا السؤال هل أنّ هذه الزلزلة هي نفس الزلزلة التي تعمّ جميع أنحاء الكرة الأرضية عند نهاية الكون وتؤدّي إلى‏ تدمير العالم بأسره؟ أم أنّها هي التي تقع أثناء يوم القيامة؟ هناك اختلاف بين المفسرين بصدد هذه الآية ولقد نقل الفخر الرازي في تفسيره كلا التفسيرين‏ «1» ولكن إذا تأملنا الآية الثانية من هذه السورة : {وَاخرَجَتِ الْأَرْضُ اثْقَالَهَا} لكان المعنى‏ الثاني هو الأنسب مع سياق الآية، وذلك لأنّ‏ (الاثقال) جمع‏ (ثَقَل) أي ‏يخرج كل ما دفن في الأرض، وهناك احتمال قوي أنّ المراد بالأثقال الموتى‏ حيث يخرجون من قبورهم كما ورد في قوله تعالى‏ : {وَالْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} (الانشقاق/ 4).

وبهذا المعنى‏ تحدث الزلزلة الثانية قبل إحياء الأموات وشروع القيامة، وهذه الزلزلة تعمّ كل الكون على‏ خلاف سائر الزلازل التي تتحدد بمنطقة صغيرة، فإنّ تعبير : {اذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ} يفيد الاطلاق وتعبير زلزالها يؤكد هذا المعنى‏.

ولقد ورد ما يشابه هذا التعبير بل وبصورة أوضح في قوله تعالى : {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} «2». (ق/ 44)

ويتضح من الآيات أعلاه أنّ انشقاق الأرض بأسرها وخروج الناس دفعة واحدة من قبورهم يكون متزامناً مع وقوع زلزلة عنيفة تشمل كل أرجاء العالم.

إنّ هذه الزلزلة تقع قبيل إحياء الأموات وليس في نهاية العالم خاصة، وقد ورد في الآية تعبير (حشر) بدلًا من إحياء الأموات، والحشر يعني (اجتماع الناس بعد إحيائهم أو جمع أجزاء الأبدان المتفرقة أو جمع الأرواح والأجساد).

إنّ هذه الزلزلة وعلى‏ خلاف سائر أنواع الزلازل زلزلة بناء وإعمار، فهي ليست مدمرة أو مميتة بل إنّها تأتي لإخراج الناس من قبورهم ليستأنفوا حياة جديدة. وقد ورد نظير هذا المعنى‏ في الآية : {يَومَ تَرجُفُ الرَّاجِفَةُ* تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ} (النازعات/ 6- 7).

ويرى‏ الكثير من المفسرين أنّ الآية الاولى‏ هي إشارة إلى‏ نفخة الصور الاولى‏ (وهي الصيحة العظمى‏ التي تنهي العالم) أمّا الآية الثانية فهي إشارة إلى‏ النفخة الثانية (صيحة الاحياء) وهي الصيحة التي تبدأ بها القيامة، وهذا المعنى‏ على‏ خلاف ظاهر الآية وذلك لأنّ الراجفة مشتقة من رجف وهي على‏ ما ذكره صاحب مقاييس اللغة، تعني الاضطراب.

وقد ذكر الراغب في مفرداته‏ (الرجفة) بمعنى‏ الاضطراب الشديد، ويقال للبحر الهائج (بحر رجاف)، و (أراجيف) هي الأخبار التي تزلزل الأفكار العامة للمجتمع، صحيح أنّ الصيحات العظيمة تقرن عادة مع الزلازل ولكن لا توجد هناك ضرورة لترك المعنى‏ الحقيقي للزلزلة الاولى‏ والثانية واختيار الكناية أو المعنى‏ اللازم.

3- إِنّ تبدل سطح الكرة الأرضية من احدى‏ علامات شروع القيامة فتصبح الأرض مسطحة ملساء تماماً ويبرز جميع الناس بوضوح على‏ سطح الكرة الأرضية : {يَومَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأرضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُم فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ احَداً}. (الكهف/ 47)

إنّ حركة الجبال هي مقدّمة لتدمير الأرض، وعلى‏ أثر هذا التدمير الذي ذكرته الآية التي نحن بصددها والآيات الاخرى‏ أيضاً تصبح الأرض قاعاً صفصفاً : أي مسطحة ومستوية لا يعلوها شي‏ء ويظهر جميع الناس عليها بشكل واضح.

ولو تأملنا في هذه الآيات : {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّى نَسفاً* فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفصَفاً* لّا تَرَى‏ فِيهَا عِوَجاً وَلَا أَمْتاً* يَومَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِىَ لَاعِوَجَ لَهُ}. (طه‏/ 105- 108)

لاتّضح لنا أنّ هذه الآيات تعرض لنا مشاهد من حوادث نهاية العالم ومشاهد اخرى‏ من حوادث قيام الساعة.

هذه خلاصة للبحوث المتعلقة ب (أشراط الساعة) وإِمارات القيامة ولقد عرضناها في ثلاثة فصول وذلك بالاستفادة من الآيات القرآنية وكذلك عرضنا مشاهد من التغيرات العظيمة التي تقع في نهاية العالم وبداية القيامة.

_______________________
(1). التفسير الكبير، ج 32، ص 58.

(2). «تُشقق»، كانت في الأصل تتشقق فحذفت احدى‏ التائين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى