مقالات

عيد الغدير: خليفة رسول الله أمر إلهي

بسم الله الرحمن الرحيم

أبارك هذا العيد السعيد وهذا اليوم الكبير وهذا الحدث التاريخي العظيم لكم جميعًا أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، ولكلّ الشعب الإيراني، ولكلّ الشيعة ولجميع المسلمين في العالم.

عيد الغدير: خليفة رسول الله أمر إلهي

أُطلق على عيد الغدير اسم “عيد الله الأكبر”؛ إنّه عيد أكبر من كلّ الأعياد الموجودة في التقويم الإسلامي، وأعمقها معنى، وتأثيره أكبر من كلّ هذه الأعياد. لماذا؟ لأنّ حادثة الغدير هذه قد حدّدت تكليف الأمّة الإسلاميّة من ناحية التوجيه ومن ناحية الحكومة. لا كلام في أنّه لم يجرِ العمل بوصيّة الرسول الأعظم (ص) في الغدير- وطبقًا لبعض الروايات كان الرسول قد أخبر أنّه لن يجري العمل بها- بيد أنّ قضيّة الغدير قضيّة إيجاد مؤشّر ومعيار وميزان يستطيع المسلمون حتى آخر الدنيا أن يضعوا هذا المؤشّر والمعيار نصب أعينهم ويحدّدوا وفقه وظيفة الأمّة ومسارها العام. حينما اختار الرسول الأكرم (ص) أكثر الأزمنة حساسيّة لإعلان قضيّة الولاية لم يكن هذا اختيار الرسول نفسه بل اختيار الله تعالى. جاء الوحي من الله أن: {بلِّغ ما أنزل إليكَ من ربّك}1. لا أنّ الرسول لم يكن يعلم قضيّة الإمامة والولاية من خالقه قبل هذا. بلى، كانت هذه القضيّة واضحة له وجليّة منذ بداية البعثة. ثمّ كشفت الأحداث المختلفة طوال هذه الأعوام الثلاثة والعشرين الحقيقة وأجلتها بحيث لم يبقَ أيّ موضع للشك. لكنّ الإعلان الرسمي يجب أن يتمّ في أكثر الأزمنة حساسيّة وبأمرٍ من الله: {بلِّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته}2. أي إنّ هذه رسالة إلهيّة يجب أن تُلقها إلى الناس. ثمّ حين أوقف النبي المكرَّم الناس في غدير خم بالقرب من الجحفة، وجمع قوافل الحجّاج وأعلن عن هذه المسألة، نزلت الآية الشريفة: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}3، اكتملت النعمة واكتمل الدين. في سورة المائدة المباركة وقبل آية { اليوم أكملت} هناك الآية المباركة: {اليوم يئس الذين كفروا من دينكم فلا تخشوهم واخشون}4؛ اليوم هو يوم يأس الأعداء وقنوطهم، أي إنّ المعيار والمؤشّر قد اتّضح، ومتى ما أرادت الأمّة ومتى ما فتحت عينها على الحقيقة سوف ترى المؤشّر والمعيار ولن يبقى لديها أي شك؛ هنا تكمن أهميّة الغدير. إنّ قضيّة الإمامة والولاية كما جاءت في التاريخ الإسلامي، واضحة ومشخّصة، هي قضيّة إلهيّة. لا أنّ الرسول الأكرم (ص) انتخب الإمام عليًا بحساباته الشخصيّة. مع أنّ الحسابات الشخصيّة أيضًا ترشد أيّ إنسان إلى أنّ الإمام عليًا هو خليفة الرسول، إلّا أنّ خطوة الرسول كانت خطوة إلهيّة.

منذ بداية البعثة حينما عرض الرسول الأكرم (ص) رسالته على قبائل العرب المختلفة في مكّة وعرض عليها الإسلام- وهذه قصة طويلة في تاريخ بدايات البعثة وما قبل الهجرة– حيث توجّه إلى هذه القبيلة وإلى تلك القبيلة. مثال زعيم إحدى القبائل المذكور في التاريخ5 قال للرسول: إنّنا على استعداد للإيمان بالإسلام بصفة جماعيّة ولكن هناك شرط، والشرط هو أن يكون هذا الأمر لنا من بعدك. أي يجب أن يكون رئيس قبيلتنا خليفة من بعدك. وقد ورد في التاريخ أنّ الرسول قال في جواب هذا الشخص: لا “هذا أمر سماوي”. هذه مسألة ليست بيدي، إنّما هي قضيّة سماويّة وبيد الله؛ فلم تؤمن تلك القبيلة وانصرفت. إذًا، تقوم مسألة خلافة الرسول على أساس الوحي الإلهي، وعلى أساس إرادة الخالق، وليست بيد الرسول.

الإمام علي: مقام شامخ ونموذج كامل

ولكن إذا أراد الرسول الأكرم أن ينتخب فمن كان يجب أن يختار؟ الشخص الذي كان سيختاره النبي الأكرم طبعًا هو من تجتمع فيه كافّة المعايير الأساسيّة للإسلام بحدودها الكاملة. ويمكن للمسلمين في العالم أن يحسبوا ويقيّموا شخصيّة الإمام علي6، وينظروا في المعايير، ويضعوها بجوار بعضها، ويقارنوا على أساس القرآن والسنة، ويروا من الذي كان سيُنتخب.

علم الإمام علي، والعلم أحد المعايير. وفقًا لروايات جميع المسلمين -الشيعة والسنة- يقول الرسول الأكرم (ص) حول الإمام علي: “أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها”7. فأيّ شهادة فوق هذه؟ وحول جهاد الإمام علي يقول الله تعالى: {ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله}8. آية قرآنيّة نزلت في جهاد الإمام علي وإيثاره، ولم تنـزل هذه الآية في غيره. وحول إنفاق الإمام علي: {ويطعمون الطعام على حبّه مسكينًا ويتيمًا وأسيرًا}9. والإمام علي وآله المكرمون المقرّبون مشمولون بالآية الكريمة: {إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}10. وقد قال الجميع أنّها نزلت في أمير المؤمنين. وهذه المعايير- المعايير المتعدّدة للتفوق والتميّز في الإسلام – من علم، وتقوى، وإنفاق، وإيثار، وجهاد، وباقي المعايير الواردة في الإسلام تنطبق كلّها على الإمام علي واحدًا واحدًا. من الذي بوسعه إنكار هذه الأمور في علي بن أبي طالب (عليه السلام)؟

دعوتنا لجميع مسلمي العالم هي أن يتأمّلوا في هذه الحقائق. إنّنا في عالم وحدة الأمّة الإسلاميّة لا نصرّ أبدًا على أن تقبل إحدى الفرق عقائد فرقة أخرى. لا، ليست الوحدة بهذا المعنى. تعني الوحدة التركيز على المشتركات على الرغم من العقائد المختلفة والشعب المتفاوتة، وعدم جعل مواطن الاختلاف سببًا للاقتتال والحرب والعداء بين الإخوة؛ هذه هي قضيّة الوحدة.

ولكن بعنوان التعبير عن الحقيقة وطلب الحقيقة فمن المنطقيّ الطلب من جميع المسلمين: أن يبحثوا ويحقّقوا ويلاحظوا ما كتبه باحثو الشيعة، وما جمعه علماء الشيعة الكبار في زماننا وكتبوه وحقّقوه وعرضوه في العالم الإسلامي، وقد حظيت كتاباتهم بتقدير علماء الإسلام ومثقّفي الإسلام والشخصيّات الإسلاميّة البارزة. فليلاحظوا هذه الأعمال، ولا يحرموا أنفسهم منها ولا يقيّدوها: كتب المرحوم السيد شرف الدين العاملي (رضوان الله عليه) وكتاب الغدير للعلامة الأميني. هذه كلّها حقائق جُمعت ودُوّنت. قضيّة الغدير قضيّة تاريخيّة مسلّم بها في عشرات الكتب. يروي المرحوم الأميني عشرات الطرق من طرق أهل السنّة تروي حادثة الغدير بالشكل الذي نرويه نحن. وهذا ليس موجودًا في كتبنا نحن فقط. قد يناقش البعض في معنى كلمة “مولى” وقد لا يناقش بعضهم الآخر. الحادثة حادثة حقيقيّة وواقعيّة وهي مبيِّنة للمعايير. واضح أنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه آلاف التحية والثناء) هو قمّة شامخة؛ سواء كحاكم إسلامي وحكومة إسلاميّة، أو كفرد مسلم.

“شباب” هذا الإنسان الكبير هي نموذج لشباب الأمّة الإسلاميّة. أن يرى الحقيقة بكلّ ذلك الصفاء والصدق والبصيرة، ويعرفها ويجري وراءها ويدافع عنها بكلّ كيانه، ويجوب ميادين الخطر، ولا يرى الأخطار ولا يكترث لها، ولا ينحرف عن طريق الصواب قيد أنملة، ويتبع خطى الرسول {يحذو حذو الرسول}11، ويسير خلف النبي خطوة خطوة، ويسلّم ويُذعن للأوامر الإلهيّة وأوامر الرسول الأكرم (ص) تسليمًا محضًا، وفي الوقت ذاته كان يضيف على علمه لحظة بعد لحظة، ويطبّق عمله على علمه في كلّ لحظات حياته؛ هذا عن فترة شباب الإمام علي.

وكذلك فترة كهولته وشيخوخته (عليه السلام) هي محفوفة بالامتحانات العسيرة والاختبارات العجيبة الغريبة. وقد أبدى في جميعها الصبر العظيم الجميل، وقدّم مصلحة الإسلام -حينما كانت مصلحة الإسلام في خطر- على كلّ شيء حتى على حقّه المفروغ منه. كان بإمكان الإمام علي حينما شعر أنّ حقّه يُضيّع، أن يثور، فهو لا يخاف من أحد. كان شخصًا إذا تقدّم إلى الميدان فهناك من سيتبعه بلا شك ولكن “فأمسكتُ يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام يدعون إلى محق دين محمد صلّى الله عليه وآله”12. يقول: وجدت أنّ هناك دوافع تعارضُ أصل الدين وهي تتغلغل في القلوب وتنمو، وأنّ ثمّة أعداءَ ومعارضين يريدون انتهاز الظرف؛ لذلك نزلتُ إلى الساحة ودافعتُ عن أساس الدين وتنازلت عن حقي وتجاوزت.

هكذا يراعي مصلحة الإسلام بكلّ كيانه. وعندما حان دوره للحكم والسياسة بحسب التقدير الإلهي، ينهال عليه الناس ويصرّون عليه أن يمسك زمام السلطة، فينـزل إلى الساحة بكلّ اقتدار {لا يخاف في الله لومة لائم}.لا يخاف أيّ شيء، ولا تثنيه أيّة لومة عن مواصلة هذا الطريق. إنّ أمير المؤمنين نموذجٌ كامل؛ هذا هو ذلك الإنسان الشامخ السامق الذي ترى له الشيعة كلّ ذلك المقام والعظمة. من المناسب أن تلتفت الأمّة الإسلاميّة جميعها إلى ذلك.

حادثة الغدير سبيلٌ إلى وحدة الأمة الإسلامية

إنّ حادثة الغدير، برأي المرحوم العلامة الأميني (رضوان الله تعالى عليه) صاحب كتاب الغدير، ومن ثمّ في رأي المرحوم الشهيد مطهري (رضوان الله عليه) هي وسيلة لوحدة الأمّة الإسلاميّة. لا يظننّ البعض أنّ حادثة الغدير هي سبب شقاق واختلاف. لا؛ لاحظوا: فهؤلاء يتّهمون الشيعة اليوم أكثرَ من أي وقتٍ مضى رغم أنّ هذه التهم كانت موجودة في السابق أيضًا. ليعرف هؤلاء أنّ التشيّع نابع من عقيدة صحيحة سليمة خالصة تجاه الوحي الإلهيّ. هذا هو معنى التشيّع: الاعتقاد بالقيم وبالمعايير، ملاك جعل المعايير المتّبعة تلك التي اعتبرها القرآن الكريم معايير وملاكات.

سياسة الإستكبار تفريق المسلمين والإحتراب فيما بينهم

وهناك حفنة من المهرّجين هنا وهناك في العالم الإسلامي يتّهمون الشيعة بما هم بعيدون عنه فراسخ. كالحديث عن مسألة التزييف والجعل، والظهور المتأخّر، والطابع السياسي وما إلى ذلك من كلام. لا، إنّ حادثة الغدير تشطب بخطّ البطلان على كلّ هذا.

ما الذي يستفيده أولئك الذين يحاولون إخراج هذه الجماعة وهذا التيّار الإسلامي العظيم عن دائرة الإسلام؟ حيث إنّ السياسات اليوم تقف وراءهم. فاليوم تروِّج السياسات لهذه الأفكار. لماذا؟ لأنّ الشيعة استطاعوا ببركة روح الولاية أن يفعلوا ما يتمنّاه كلّ المسلمين. فجميع المسلمين الخيّرين والمخلصين والطيّبين كانوا يتمنّون أن يأتي اليوم الذي يتربّع الإسلام بما له من كمالٍ وحقانيّة على كرسيّ السلطة. فقد بقي المثقّفون المسلمون في القرن أو القرنين الماضيين، يتحسّرون على مشاهدة مثل هذا اليوم، وقد رحلوا عن الدنيا والحسرة في قلوبهم. وقد أوجد الشيعة اليوم هذا الشيء وحقّقوه: حاكميّة الإسلام وهذه العظمة الإسلاميّة وهذه العزّة الإسلاميّة؛ وكانت هذه بفضل روح الولاية. يرى العدو هذا، ويريد أن يبقى الشيعة لوحدهم ويبقى أهل البيت لوحدهم ويعدموهم دورهم. لذلك فالاتّهامات الموجّهة للتشيّع اليوم أكثر من أي وقت آخر. كان هناك طوال التاريخ أشخاص منحرفو الفهم ومنحرفو المسير يتحدّثون ضدّ الشيعة ويوجّهون لهم التهم، ويختلقون الأكاذيب ضدّهم. بيد أنّ حجم الاتّهامات اليوم أكبر من كلّ تلك التهم، وهذا من صنع السياسات13 وتأثيرها، فلماذا لا يفهمون ذلك؟!

نحن أيضًا يجب أن نفهم؛ نحن الشيعة يجب أن نفهم وأن نعلم أنّ: سياسة الاستكبار اليوم هي فصل الشيعة عن غير الشيعة، وفصل الجماعات المسلمة بعضها عن بعض وتأجيج الاحتراب فيما بينها. يجب أن لا نساعد على هذا الهدف، ينبغي أن لا نسمح للعدو بالوصول إلى هذا الهدف. هذا من واجبنا، ومن واجب غير الشيعة أي المسلمين في المذاهب والفرق والجماعات غير الشيعيّة.

الخوف من إتحاد المسلمين وراء مؤامرات الإستكبار لعزل إيران الإسلام

ليعلم الجميع هذا: إنّ الشيعة اليوم هم الذين يرفعون في إيران الإسلاميّة راية الاقتدار الإسلامي والعزّة الإسلاميّة، ويشعر الاستكبار بالعجز أمامها. هذا واقع؛ نعم هذا واقع. فهذه المؤامرات التي حيكت طوال الأعوام الثلاثين المنصرمة ضدّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة من قبل شتّى الأعداء- على رأسهم أمريكا وأخبثهم بريطانيا بالطبع- إنّما هي بسبب خوفهم من التحرّك الإسلاميّ ومن الصحوة الإسلاميّة ومن عودة العالم الإسلامي إلى رشده ووعيه. يعلمون أنّه إذا استعاد العالم الإسلاميّ وعيه ويقظته وشعر بالاستقلال وشعر بالهويّة والعزّة فسوف تخرج هذه المنطقة الحسّاسة من العالم التي يسكنها المسلمون- وهي من أكثر مناطق العالم حساسيّة- من تحت سيطرة الاستكبار. إنّهم يخافون هذا. ولأنّهم يخافون لذلك يتآمرون ويستخدمون وسائل وأدوات مختلفة. لقد عبّأ زعماء السياسات الاستكباريّة -أمريكا والصهيونيّة وباقي المستكبرين- اليوم كلّ قدراتهم لعلّهم يستطيعوا عزل الشعب الإيراني وعزل نظام الجمهوريّة الإسلاميّة واحتواء تأثيره، لكنّهم لم يفلحوا ولن يفلحوا في المستقبل أيضًا بتوفيق من الله وبفضله وحوله وقوّته.

العلوم النوويّة ضمانة مستقبلنا وبث الأكاذيب لن تجدي الإستكبار نفعا

في القضيّة النوويّة؛ لاحظوا أنّ الأمر قد وصل بهم إلى بثّ الأكاذيب وترويجها واختلاقها وتضليل الرأي العام العالمي. ليست القضيّة قضيّة الإذاعة الفلانيّة أو الجهاز الإعلامي الفلاني، إنّما مجموع الساسة الغربيّين للأسف -أي هذه المجموعة المؤثّرة الخاضعة غالبًا لتأثير الصهاينة- أصبحت مهمّتهم تضليل الرأي العام العالمي ونشر الأكاذيب، واصطناع الشعارات الكاذبة. إنّنا نطلب من رؤساء البلدان هؤلاء أن لا يكذبوا كلّ هذا الكذب. ونطلب من هذه الدول الغربيّة ــ الدولة الأمريكيّة، والدولة البريطانيّة، وبعض الدول الأوروبيّة الأخرى ــ أن لا تضلّل الرأي العالم العالمي كلّ هذا التضليل. هذه الأكاذيب سترتدّ عليهم بالضرر. لقد اختبروا ذلك وشاهدوا النتائج. حينما يكذبون ويتحدّثون بخلاف الواقع ثم تتّضح الحقيقة تذهب سمعتهم ويُراق ماء وجههم. وقد حدث هذا في بعض الحالات حيث كذبوا وضلّلوا الرأي العام، ومارسوا بعض الأفعال على أساس ذلك، ثمّ اتّضحت الحقيقة. وعندئذ سوف تمسك شعوبهم بتلابيبهم نتيجة كذبهم وتضليلهم.

ما تريده إيران في إطار الملف النووي، هو العلوم التي تحتاجها. العلم الذي إنْ لم يطلبه الشعبُ الإيراني اليوم، سيفوت أوانه غدًا؛ وغدًا حينما لا يكون ثمّة نفط وتتحرّك جميع عجلات الاقتصاد في العالم على أساس الطاقة الذريّة، سيبقى الشعب الإيراني خالي اليدين ينتظر أن يساعده الآخرون. هذا ما يريدونه. هذه هي قضيّتنا النووية، وقد ذكرتها مرارًا.

إنّنا اليوم نعمل من أجل علمنا النووي. المهم بالنسبة إلينا لكي لا تمتدّ أيدي أبنائنا وشبابنا وجيلنا القادم وشعبنا الإيراني الكبير نحو الغربيّين بعد عشرين سنة أو بعد ثلاثين سنة. يفرض الغربيّون علينا اليوم منطق القوّة بسبب النفط الذي هو ملكنا ويُستخرج من أرضنا ويُعطى لهم. إنّ ربح النفط الذي يُستخرج حاليًّا من آبار هذه المنطقة ونفعه للدول الغربيّة أكثر من نفعه للبلدان النفطيّة. النفط الذي هو اليوم ملكنا وفي يدنا، مع ذلك نراهم يمارسون الضغط بسببه معنا! غدًا إذا أردنا أن نستورد منهم الطاقة النوويّة سترون ما الذي سينـزل بشعبنا. إنّ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة يفكّر بذلك اليوم، لذلك يصرّ اليوم بأن يكسب هذا العلم وهذه التقنيّة وهذه المعرفة وهذه القدرة والإمكانيّة. لكنّهم يثيرون الضجيج في العالم: لماذا تريدون اكتساب هذا العلم؟ ويوجّهون التهم ويضلّلون الرأي العام ويقولون له إنّهم يريدون الحصول على القنبلة النوويّة14.

الإستكبار يواجه الشعب بأساليب المكر بعدما استنفد أساليب التهديد

انتبهوا، من الواضح أنّ هذا حق مسلّم به للشعب الإيراني. بيد أنّ القضيّة هي أنّ مستكبري العالم يعملون بشتّى صنوف الحيل والخدع والإعلام من أجل أن يسلبوا الشعب الإيراني هذا الحق المسلَّم. ينبغي التحلّي بالبصيرة والوعي واليقظة. على الشعوب في مسيرتها وفي المواطن الحسّاسة أن تفهم ماذا يفعل أعداؤها. حينما يرى الأعداء أنّهم لا يستطيعون دحر شعب بالمواجهة العسكريّة وأساليب التهديد والتخويف، عندها يشرعون باستخدام طرقٍ أخرى للإخلال. يجب أن نعي هذه الحقيقة؛ طرق زرع الخلافات والعداوات والذرائع.

من الأمور التي يركّز عليها إعلام الاستكبار العالمي اليوم وجود الخلافات داخل البلاد. على البعض أن يجيبوا أمام الله على ما فعلوه حين فعلوا أشياء يفهم منها العدو وجود التفرقة داخل البلاد فتزداد جرأته. القضيّة هي أن نعرف العدو، ونفهم أحابيله، وندرك ما نقوله وكيف يمكن للعدو أن يستفيد من كلّ كلمة نقولها فتزداد جرأته ويتشجّع وترتفع معنويّاته، ويفتح الطرق لتدخله ونفوذه؛ هذه أمور يجب التنبّه لها.

إنّ شعبنا والحمد لله شعبٌ صبور غيور صاحب استقامة ولقد أثبت هذا. أثبت شعبنا هذا طوال هذه الأعوام الثلاثين وقبل انتصار الثورة. نحن صابرون لكن زعماء الاستكبار والناطقين باسمهم يقولون باستمرار إنّ صبرَنا يكاد ينفد، وطاقتنا تكاد تنتهي، هذا ما يقولونه مقابل إيران. إنّكم لم تصبروا مقابل الشعب الإيراني؛ متى صبرتم أنتم؟ لقد نفّذتم كلّ ما تستطيعونه في كلّ مكان ضدّ شعب إيران. متى صبرتم أنتم؟ ألم تتآمروا؟ ألم تشنّوا الهجمات الإعلاميّة؟ ألم تفرضوا الحظر الاقتصادي؟ ألم تشنّوا الهجوم العسكري؟ ألم تطلقوا كلابكم المسعورة في المنطقة -أعني إسرائيل الغاصبة- ضد نظام الجمهوريّة الإسلاميّة؟ متى صبرتم حتى تقولوا إنّ صبرنا يكاد ينفد؟! الصبور هو الشعب الإيراني. نحن الذين صبرنا ووقفنا وصمدنا، نحن الذين غضضنا الطرف عن مؤامراتكم وإعلامكم وضجيجكم وواصلنا طريقنا. وسوف يواصل الشعب بكلّ كيانه وبهمم شبابه هذا الطريق الذي أشار إليه إمامنا الراحل الكبير ودلّنا عليه، وسيبلغ القمّة النهائيّة إن شاء الله.

لا تتركوا الجِدّ أيّها الشباب الأعزّاء!

لا تتركوا العمل، ولا تتركوا البصيرة. الإمام علي هو نموذجكم أيّها الشباب. علم الإمام علي وتقواه وطهره نموذج لكم فلا تتركوه. لا تتركوا الجهاد والسعي في سبيل الله -كلّ ميدانٍ من الميادين له جهاده الخاص به- واعلموا أنّ غد هذا البلد سيكون أفضل بكثيرٍ من حاضره إن شاء الله. وهذا الغد هو لكم. وسوف تعينكم روح الإمام علي (عليه آلاف التحية والثناء) وأدعية سيّدنا بقيّة الله (أرواحنا فداه) إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


1- سورة المائدة، الآية: 67.
2- سورة المائدة، الآية: 67.
3- سورة المائدة، الآية: 3.
4- سورة المائدة، الآية: 3.
5- استطراد القائد هذه من مسلمات التاريخ ولا دور لقضايا التشيع والتسنن في طرح هذه الوقائع، بل إنّ أخوتنا أهل السنة أنفسهم يروونها وينقلونه
6- استطراد القائد: صحيح أنه تروى أحاديث مختلفة في فضيلة بعض الصحابة
7- الاحتجاج، ج1، ص78.
8- سورة البقرة، الآية: 207.
9- سورة الإنسان، الآية: 8.
10- سورة المائدة، الآية: 55.
11-  مفاتيح الجنان، دعاء الندبة
12- نهج البلاغة، ص451، الكتاب رقم 62.
13- المقصود: سياسات الأعداء المستكبرين وخططهم
14- شعار الحضور: الطاقة النووية حقّنا المسلَّم به

المصدر : شبكة المعارف الاسلامية  .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى