مقالات

السيدة الزهراء المشكاة (عليها السلام )

«اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ اللْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ»
وصف الله نفسه بالنور؛
– لأن النور لا ظُلمة فيه، والظلمة تمثّل العدم والنقص، والله تعالى وجود كامل مطلق في كماله لا تقص فيه.
– ولأن النور ظاهر بنفسه مظهر لغيره، فهو الدال على الغير، وليس الغير دالاً عليه، والله تعالى ظاهراً بنفسه مُظهر لغيره، وكما يقول الإمام الحسين(ع): “كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتى يكون هو المظهر لك، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ومتى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك، عميت عين لا تراك، ولا تزال عليها رقيباً، وخسرت صفقة عبد لم تجعل له من حبك نصيباً“.
– ولأنّ النور هو الهادي عند ضلالة الطريق كنور النجوم، والله تعالى هو هادي الإنسان كي لا يضلّ عن طريق الكمال.
– ولأنّ النور هو المؤنس كاستئناس الإنسان بنور القمر، والله تعالى هو أنيس المؤمنين الذين يعيشون الوحشة في ظلمات الدنيا، وبتعبير أمير المؤمنين(ع) في دعاء كميل: “يا نور المستوحشين في الظلم“.
ولأنّ الله تعالى كمال مطلق يفيض كماله في عالم الإمكان، فهو نور ينبعث منه نور، فهو النور، ومنه النور، وكما ورد عن النبي “ص” باسم الله النور، باسم الله نور النور، باسم الله نور على نور، باسم الله الذي هو مدبّر النور، باسم الله الذي خلق النور من النور… .
لذا انتقل الله تعالى من وصف نفسه بالنور إلى حديثه عن نوره ا لمنبثق منه، وهو الحامل لكمالات إلهيّة فقال ” مَثَلُ نُورِهِ“، أي مثل نور الله وليس مثل الله النور، إنه حديث عن النور الممكن المنبثق من النور الواجب، عن النور المخلوق المنبعث من النور الخالق، إن هذه الآية تريد أن تقرّب لنا نوراً كمالياً خلقه الله تعالى وضع فيه من كمالاته، فأراد أن يقرّب لنا هذا النور الممكن المخلوق الممتلئ نوراً من الله عز وجل بحيث لا يكون فيه ظلمة عالم الإمكان، كما أنَّ الله تعالى ليس فيه ظلمة عالم الوجوب، وهو نور لا يمكن للآخرين مهما فعلوا أن يطفئوه؛ لأنه منبعث من نور الله سبحانه، ولأنّ تمامه من فيض الله (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ).
أراد الله تعالى أن يعرّفنا بنوره هذا بواسطة تقديم تشبيهي في أروع قالب بلاغي اعجازي فقال عز وجل (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ).
– التفسير اللغوي لما مر هو:
– المشكاة هي الكوّة التي تكون في الحائط بلا منفذ، فمثل نور الله تعالى كمشكاة في داخلها سراج، وهذا السراج موضوع في زجاجة، لأن الزجاجة تزيد من نوره وإشعاعه أكثر، ومن الواضح أن نوعية الزجاجة وصفاءها تلعب دوراً مهماً في مستوى انعكاس الإضاءة والنور المنبعث، من هنا بيّن الله تعالى النوعية العجيبة لهذه الزجاجة بحيث وصفها وكأنها كوكب من درّ الذي هو بطبيعته صافياً جداً إضافة إلى جماله وحسنه.
ولعلنا نقارب هذا التوصيف حينما نتصور القمر الذي له إضاءة عالية جميلة هادية مؤنسة مع أنه حجر مظلم كثيف معتم في نفسه، فكيف لو كان القمر مكوّناً من درّ ! ترى كيف تكون إنارته وضوؤه وإشعاعه، إن الزجاجة التي تحضنها المشكاة وتحيط بالمصباح هي زجاجة نقيّة صافية كأنها كوكب دريّ.
ومن الواضح أيضاً أن الوقود له دور كبير في صفاء النور ومستوى انبعاثه واستمراره، لذا نعرّض الله تعالى حينما مثل به إلى وقود المصباح، بأنه يوقد من شجرة مباركة زيتونة، إنها شجرة كثيرة البركة في جمالها ومنافعها من حيث الزيتون إلى الزيت إلى النواة وغير ذلك، وهذه الشجرة الزيتونية التي سيستقي منها المصباح وقوده متميزة من ناحية نورها هي: فالزيتونة التي نعهدها في أراضينا نلاحظ أنها حينما تشرق الشمس عليها يتوهّج قسمها الشرقي بخلاف قسمها الغربي، وأثناء انتقال الشمس إلى الغروب يتوهج قسمها الغربي بخلاف قسمها الشرقي، أما الشجرة الزيتونة المباركة في آية النور فهي “زيتونة” لا شرقية ولا غربية” فهي دائماً متوهجة بنورها دون أن يقع عليها ظلّ شرق أو ظلّ غرب. وإضافة إلى ذلك فإن الضياء ينبعث عادة من النار التي تأخذ وقودها من الزيت، إلا أن زيت هذه الشجرة من صفائه ونقائه وشفافيته يكاد يضيء ولو لم تمسسه نار.
فالمشكاة نور والمصباح نور والزجاجة نور والشجرة نور والزيت نور، نور على نور. وتتابع الآية الكريمة ” يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ”.
إنّه تصريح بأنّ كل ما ذكر هو تمثيل لحقائق أراد الله تعالى أن نعرفها ونهتدي بعون منه تعالى إليها. ترى ما المراد بتلك الأنوار التي ضرب الله تعالى بها مثلاً؟
ما المراد بالمصباح، والزجاجة، والشجرة الزيتونة؟ وما المراد بالمشكاة التي صدّر الله بها التمثيل بالنور “مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ” والتي هي منطلق النور ومركز إشعاعه؟
الإمام الصادق “ع” يجيب: “المصباح الحسن “ع” والزجاجة الحسين “ع”.
فالإمام الحسن”ع” هو المصباح المنير، إلا أن الذي ينشر نوره وضياءه وصفاءه هو الإمام الحسين “ع”.
ويكمل الإمام الصادق “ع” حديثه عن تأويل الشجرة المباركة الزيتونة التي توقد ذلك المصباح، فيتحدث عن جذور الإمام الحسن والحسين من الإمام علي “ع” إلى خاتم الأنبياء “ص” إلى آبائهما في السلسلة الطاهرة التي يرجعان بواسطتها إلى جدهما خليل الله إبراهيم “ع” فيقول “ع” “والشجرة المباركة إبراهيم “ع” لا شرقية ولا غربية ما كان يهودياً ولا نصرانياً” ويكمل تأويل النور على النور فيقول “ع”: “ونور على نور إمام بعد إمام ويهدي الله لنوره من يشاء “يهدي الله للأئمة “ع” من يشاء”.
بقي تأويل المشكاة التي هي بيت النور ومصدر انبعاثه، ومنطلق ضيائه فما المراد بالمشكاة يقول عليه السلام: “المشكاة فاطمة”.
وورد عن علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن قول الله عز وجل كمشكاة فيها مصباح قال: “المشكاة فاطمة، والمصباح الحسن، والحسين الزجاجة كأنها كوكب دري قال: كانت فاطمة كوكباً درياً من نساء العالمين يوقد من شجرة مباركة الشجرة المباركة إبراهيم لا شرقية ولا غربية لا يهودية ولا نصرانية، يكاد زيتها يضيء قال: يكاد العلم أن ينطق منها ولو لم تمسسه نار، نور على نور قال: ابنها إمام بعد إمام يهدي الله لنوره من يشاء قال: يهدي لولايتهم من يشاء“.
وورد عن الكابلي: سألت أبا جعفر(ع) عن قول الله عز وجل [فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاوَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا]  فقال: “يا أبا خالد, النور والله الأئمة من آل محمد “ص” إلى يوم القيامة، وهم, والله, نور الله الذي أنزل. وهم والله نور الله في السماوات وفي الأرض. والله يا أبا خالد, لنور الإمام في قلوب المؤمنين أنور من الشمس المضيئة بالنهار. وهم والله ينورّون قلوب المؤمنين، ويحجب الله عز وجل نورهم عمن يشاء, فتضللهم قلوبهم. والله يا أبا خالد, لا بحبنا ويتولانا حتى يطهر الله قلبه, ولا يطهر الله قلب عبد حتى يسلّم لنا, ويكون سلماً لنا, فإذا كان سلماً لنا سلّمه الله من شديد الحساب وآمنه من فزع يوم القيامة الأكبر”.
وورد في الزيارة الجامعة: “خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرضه محدقين”، وورد في زيارة الإمام الحسين: “أشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة”، وورد في زيارة الإمام الكاظم(ع): “السلام عليك يا نور الله في ظلمات الأرض”، 
قال الشاعر: 
هم النور نور الله جل جلاله        هم التين والزيتون والشفع والوتر
لقد تلازم وجود السيدة فاطمة “ع” مع وجود النور لسبب عبّر عنه النبي “ص”: “إنّ نور ابنتي فاطمة من نور الله” لذا حينما ولدت في العشرين من جمادى الثانية ورد أن نوراً ظهر في مكة، وأن نوراً ظهر في عالم التجرد الملائكي لم تره الملائكة من قبل فعلمت أن النور هو نور فاطمة “ع”.
كيف لا وهي من تلك الأنوار التي رآها خليل الله إبراهيم “ع” كما في حديث الإمام الصادق “ع” “إن الله سبحانه لما خلق إبراهيم كشف له عن بصره فنظر فرأى نوراً إلى جنب العرش فقال: الهي ما هذا النور؟ فقيل له: هذا نور علي بن أبي طالب عليه السلام ناصر ديني. ورأى إلى جنبه ثلاثة أنوار، فقال: الهي، وما هذه الأنوار؟ فقيل له: هذا نور فاطمة فطمتُ محبَّها من النار ونور ولديها الحسن والحسين عليهما السلام. فقال: الهي، وأرى تسعة أنوار قد حفّوا بهم، قيل: يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولد علي وفاطمة “.
إنّ فطم الله تعالى شيعة السيدة فاطمة “ع” هو بسبب حبّهم لها، الذي يكون حقيقياً حينما يتجلى في سلوك الإنسان المهتدي بنور فاطمة “ع” فيكون المودة التي أمر الله تعالى بها في قوله تعالى، “قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى”، وهذا السلوك يتحقق من خلال التأسي بخصال الزهراء “ع”، وكما قال الإمام الخميني “قده”، “إن على النساء أن يتأسين بالزهراء في مجال الزهد، والتقوى، والعفة، وتحصيل العلم، ومجاهدة النفس، والدفاع عن الإسلام”.
– فهي “ع” كانت الزاهدة التي أعطت فقيرة فستان عرسها ليلة زفافها.
– وهي التقية المجاهدة الجهاد الأكبر التي قال عنها الحسن البصري: ما كان في هذه الأمة أعبد من فاطمة، كانت تقوم حتى تورّم قدماها.
– وهي العفيفة التي لم يجد زوجها أمير المؤمنين “ع” في منزلها شيئاً ليأكله فقال لها: ألا كنت أعلمتيني فأبقيكم شيئاً، فقالت: يا أبا الحسن، إني لأستحي من إلهي أن أكلّف نفسك ما لا تقدر عليه.
– وهي العالمة التي كانت تعلّم نساء المسلمين أحكام الدين بتوجيه من رسول الله وهي صاحبة كتاب الأخلاق وكتاب التشريع ولوح فاطمة وكتاب الوصية ومصحف فاطمة الذي فيه أخبار المخطّط الإلهي لقافلة الوجود من دون أن يحتوي آية من القرآن الكريم.
– وهي المدافعة عن الإسلام دفاعاً قدمت فيه حياتها لأجله.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى