مقالات

في الإمامة

تعيين الإمام حق للحق أم للخلق ؟

 

بقلم/ منير عوض

الحلقة/ (18)

 

يتفق علماء المسلمين ـ من كافة الطوائف والفرق ـ على وجوب وجود طريق شرعي للمستخلف بعد رسول الله؛ لكي يكون على الأمة لزاما إطاعته و مع أن الشيعة الإمامية تكتفي بالنص كطريق وحيد لإثبات الإمامة؛ نجد ـ بالمقابل ـ الفرق الإسلامية الأخرى تضع شروطا أخرى بعيدة كل البعد عن الشروط الإلهية التي تحفظ هذا العهد الإلهي من أن يناله الظلمة والطغاة.

والرازي ـ في هذا الصدد ـ يقول:
“اتفقت الأمة على أن لا مقتضى لثبوتها إلا أحد الأمور الثلاثة: النص، الاختيار، الدعوة”.
و ما يمكن للعقل هنا الحكم به هو :
إن كان النصب من الحق فلا طريق إلى ذلك إلا النص، و إن كان من الخلق فالطريق إذن لا يمكن أن تكون محصورة في البيعة والاختيار مما يفترض وجود طرق متعددة ومما يستدعي اختلاف الصحابة بينهم وهذا هو ما حصل يوم السقيفة وبعدها حتى وصل الأمر بالحاضرين إلى حد الاقتتال فكل يرى هو وأصحابه أنه أولى بخلافة النبي صلى الله عليه وآله ولديهم مسوغاتهم ومبرراتهم لإثبات هذا الحق الذي يزعمونه.

عودا على مقولة الرازي يمكن إيجاز ما يعتمد عليه علماء السنة لإثبات الإمامة في طرق ثلاث تمثل أهم وأبرز طرق تعيين الإمام في نظر المخالفين للشيعة الإمامية وهي :
1ـ البيعة والاختيار : استنادا إلى أحداث السقيفة وما حصل فيها من مبايعة عمر لأبي بكر .
نتيجة عدم انحصار طرائق تنصيب الخليفة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله من المؤكد أنها ستكون كارثية ومأساوية لينتهي الأمر إلى ما هو أشد كارثية ومأساوية من فرض الخليفة بالقوة وإرغام الناس على القبول به كإمام لهم.

ثم كيف تكون الإمامة استخلاف لله ولرسوله ومن المفترض وفق هذا أن يكون من حق الله ورسوله صلى الله عليه وآله وحدهما اختيار وتنصيب الخليفة لهما، أما الخليفة الثابت باختيار الأمة له فمن اليقيني أنه لن يكون خليفة من الله ورسوله ولكن خليفة من الأمة و للأمة؟!

وينبغي هنا الإشارة ـ لئلا يحدث لبس ويفهم قولنا فيما سبق بشكل خاطئ ـ إلى أن حق تنصيب خليفة النبي صلى الله عليه وآله حق لله لا يشركه فيه أحد حتى النبي محمد صلى الله عليه وآله فشأنه في هذا كشأن النبوة فكما أن الله هو من يختار رسله وأنبياءه كذا أيضا لله وحده حق اختيار الوصي للنبي صلى الله عليه وآله.

وهل من المعقول القبول بما قيل من أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله غادر الدنيا ولم يستخلف أحدا بعده ؟!
كيف والنبي صلى الله عليه وآله لم يكن ليترك الاستخلاف على المدينة وغيرها من البلاد عند غيابه لوقت قصير فكيف يترك الاستخلاف في الغياب الذي لا عودة بعده؟
أليس الرسول صلى الله عليه وآله لهذه الأمة بمنزلة الأب الشفيق على أولاده فكيف يتركها دون أن يوصي إلى أحد جدير برعايتها ورعاية مصالحها؟!
هل من المعقول أن يغادر الرسول الدنيا دون أن يوصي مع أن الله أمر عباده في محكم كتابه بكتابة الوصية لكل من يحضره منهم الموت و الوصية هنا التي يأمر الله بها عباده هنا لا تقاس من حيث أهميتها بل وضرورتها بتلك التي تحدد مصير الإسلام والمسلمين بأسرهم؟!

 

هذه التساؤلات وغيرها هي مما احتج به السيد الميلاني حفظه الله في كتابه: (الأصول العامة لمسائل الإمامة) ووضحها وبينها فيه وفي غيرها من كتبه.
2ـ الوصية: بنص الإمام السابق على إمامة اللاحق كما نص أبو بكر على إمامة عمر بعده .
ولا دليل لديهم إلا تعيين عمر من قبل أبي بكر مع أن القول بالوصية طريقة لتعيين الخليفة في الثاني يسقط مشروعية الأول الذي عين عن طريق الاختيار والبيعة وبسقوط المشروعية عن الأول تسقط المشروعية عن الثاني فهذا أمر بدهي ومنطقي وقطعي لاشك فيه ولا التباس.
ولعل إحساس بعض علماء السنة بوقوعهم في هذا المأزق هو ما دفعهم إلى ادعاء أن أبو بكر نصب بالنص عليه من قبل الرسول الأكرم فمن قائل بالنص عليه نصا خفيا ومن قائل بالنص عليه نصا جليا.
وهكذا يتضح الاختلاف بينهم أنفسهم والاضطراب في أقوالهم حتى في طريقة تعيين الخليفة الأول وما هذا إلا لإعراضهم عن الحق ولمحاولاتهم التبرير للباطل والتسويغ له ولو أنهم أقروا به وأذعنوا له لهونوا على أنفسهم مشقة العناء في البحث عن مخارج لهم و هدر أوقاتهم وجهودهم في المجيء بمغالطات أوصلتهم للحد الذي لم يستطيعوا التوقف عند آخر لها .

 

3ـ الشورى: تماما كما فعل عمر حينما عين مجلسا شورويا مهمته تنصيب خليفة من بعده مكونا من ستة أشخاص.
اشترط البعض أشخاص لتعيين الخليفة كما تم تعيين عثمان عبر أشخاص حددهم عمر وعلى هذا الأساس تسقط إمامة أبي بكر إذ إنها لم تتم إلا ببيعة شخص واحد.
كما هو معلوم أن السقيفة لم تشهد أي مشاورة أو مشورة ولم يكن هناك شورى أصلا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى