مقالات

في الإمامة

بقلم: أبو علي عوض

 

الحلقة الرابعة

مفهوم الخلافة:

تطرقنا في الحلقة السابقة للإمامة لغة واصطلاحا، و وقفنا على تعريفات عند أهل السنة والشيعة الإمامية واليوم إن شاء الله وفي الحلقة نحاول وبشكل مختصر أن نقف على مفهوم  شديد الارتباط و وثيق الصلة بمفهوم الإمامة حيث يرد في كثير من الأبحاث والكتابات كمرادف لها.

في هذه المقالة سنحاول التعرض لتعريف الخلافة لغة و اصطلاحا ولتقسيماتها ولمعانيها ولما جرى عليها من تحريف وتبديل و أخيرا لشرائطها الخاصة بها.

لغةً: في معجم العين للخليل الفراهيدي (ت170ه)، نجده يقول: “والخليفة من استخلف مكان من قبله، ويقوم مقامه، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ([1]) أي مستخلفين في الأرض والخالفة الأمة الباقية بعد السالفة([2])

وجاء في معجم مقاييس اللغة لابن فارس (ت395ه) “الخاء واللام والفاء أصول ثلاثة أحدها أن يجيء شيء بعد شيء، والثاني خلاف قدام، والثالث التغيّر والخلف ما جاء بعد والخلّيفى: الخلافة وإنما سميت خلافة، لأن الثاني يجيء بعد الأول قائما مقامه”([3]) وورد في معجم الصحاح “الخليفى بتشديد اللام: الخلافة والخليفة السلطان الأعظم”([4]) وقال الزمخشري (ت 538ه): “خلفه جاء بعده خلافة، وخلفه على أهله فأحسن الخلافة، ومات عنها زوجها فخلف عليها فلان إذا تزوجها بعده”([5]).

أما في معجم لسان العرب لابن منظور (ت711ه)، فنجده يقول: “الخليفة الذي يستخلف ممن قبله، والخلافة الإمارة وهي الخلّيفى”([6]) وفي مفردات القرآن للراغب الأصفهاني (ت 425ه) يقول: “والخلافة النيابة عن الغير إما لموته وإما لعجزه وإما لتشريف المستخلف”([7])

اصطلاحًا: هي رئاسة عامة في أمور الدين والدنيا نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

وهذا المفهوم مختص بالخلفاء الأوصياء من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين.

ويبدو أن التعريف الشائع لدى بعض متكلمي الشيعة ليس بجامع مانع لأنه أغفل الخلفاء من الأنبياء والرسل السابقين ولم يدخلهم ضمن هذا التعريف.

ويمكن تقسيمها ـ إن كان لا مانع من هذا التقسيم ـ إلى أقسام ثلاثة: خلافة عن الله، خلافة عن رسول الله صلوات الله عليه وآله، خلافة عن خليفة رسول الله.

وللخلافة معنيان:

المعنى الأول: الرئاسة العامة لإقامة الدين نيابة عن النبي صلى الله عليه وآله وهو الشائع لدى عموم متكلمي الشيعة وغالبية متكلمي السنة حيث يكون الخليفة عن النبي منصّبا من قبل النبي صلى الله عليه وآله بنص منه وفق أمر من الله لأنها نيابة عنه في جميع شؤونه وبالتالي تكون خلافة عن الله تعالى.

والمعنى الثاني: وهو الشائع لدى عامة الناس جراء الجهود المبذولة من أبواق السلاطين عبر مراحل زمنية متفاوتة ويرى أن الخلافة هي الرئاسة الظاهرية والإمارة حيث تثبت لمن يقوم مقام النبي صلى الله عليه وآله وإن لم ينصبه النبي صلى الله عليه وآله .

واصطلاح علماء السلطة المأجورين وتواضعوا هذا جاء تلبية لرغبات طغاة عصورهم من ملوك وأمراء أدركوا مبكرا أهمية منح ملكهم مسحة مقدسة وربطه بالسماء؛ ليكون الحاكم بهذا خليفة للنبي صلى الله عليه وآله مؤيدا من الله واجب على الناس سمعه إطاعته.

لقد فصّلوا للخلافة مفهوما يليق بمدعي الاستخلاف ومغتصبي الخلافة: من اشتراط الظهور في الحكم، ومن عدم اشتراط إظهار الرسول له.

إن الانحراف عن المعنى الأول الذي هو سنة الله في كافة الرسل والأنبياء والأوصياء

المستخلفين في الأرض حيث ينص كل سابق منهم على لاحقه كخلفاء لله في الأرض من نبي إلى وصي ومن وصي إلى وصي…

هذا الانحراف إلى المعنى الثاني المذكور آنفا لم يكن إلا محاولة منهم لتصحيح موقف الثلاثة الأوائل وتسويغ وتبرير اغتصابهم للخلافة وسلبهم لها؛ حيث إن اشتراط كون الخليفة للنبي صلى الله عليه وآله منصبا من قبل النبي صلى الله عليه وآله نفسه بأمر من الله لا ينسجم مع واقع ما آل إليه أمر الخلافة ولا مع واقع من آلت إليهم دون إيصاء النبي صلى الله عليه وآله لهم، ودون سيرهم على نهجه.

كما أن لفظة خليفة تدل على تضمنها للإيصاء وتنصيب النائب من ينوب عنه مما يفترض وجود مستخلف يعين من يخلفه لأن هذا الحق من شأنه هو لا من شأن غيره.

وفي الأخير يمكننا إيجاز شروط الخليفة في التالي:

1ـ أن يكون الثاني على درجة من القرب من الأول تؤهله بأن يكون خليفة له، فيكون ملازما له وقريبا منه كما كان علي عليه السلام مثلا ملازما للنبي صلوات الله عليه وآله.

2ـ التمكين الإلهي .

3ـ الاتصاف بكل صفات المستخلف وبكل خصائصه و كمالاته وأبعاده الوجودية، ليكون

قادرا بهذا أن يحل محل الأول ويسد مسده بالقيام بكل وظائفه وأعماله .

 

مفردة الخلافة في القرآن الكريم:

لم ترد مفردة “الخلافة” في القرآن الكريم، وإنّما وردت مشتقات أخرى من جذرها اللغوي خلف، ويمكن تصنيف الصيغ التي وردت في القرآن الكريم في ست صيغ لغوية:

(أ) جاءت في صيغة استخلف في أربعة مواضع:

1- ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آَخَرِينَ(133)﴾([8])

2- ﴿قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ(129)﴾([9])

3- ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ(57)﴾([10])

4- ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ(55)﴾([11])

(ب) استخدم القرآن الكريم كلمة خليفة في موضعين:

1- ﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُون (30)﴾([12])

2- ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ(26)﴾([13])

(ج) جاءت بصيغة الجمع في أربعة مواضع بلفظ خلائف، وموضعين بلفظ خلفاء

– ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ(165)﴾([14])

2- ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)﴾ ([15])

3- ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ(73)﴾ ([16])

4- ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا (39)﴾ ([17])

5- ﴿أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (69)﴾ ([18])

6- ﴿وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آَلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ(74)﴾ ([19])

(د) جاءت بلفظ خَلْفٌ في ثلاثة مواضع:

1- ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآَخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(169)﴾ ([20])

2- ﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا(59)﴾ ([21])

(هـ) جاءت بصيغة خلْف بمعنى وراء في أربعة مواضع مثل قوله تعالى: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آَيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آَيَاتِنَا لَغَافِلُونَ(92)﴾([22])

(و) جاءت بصيغة خلْف جزءاً من تركيب لغوي مقابل لـ «بين يديه» أو «بين أيديهم» في عشرة مواضع، مثل قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17)﴾ ([23])

إنّ الخلافة في القرآن الكريم قد ذكرت لتعبّر عن مفهوم الاصطفاء والنيابة، سواء أكان من خلال استخلاف النوع الإنساني لتمييزه عن باقي المخلوقات، أو من خلال استخلاف جماعة بشرية معيّنة من بين الجماعات البشرية الأخرى، أو استخلاف قائد رباني عن بقية أبناء قومه ليكون خليفة لله تعالى عليهم، هذه المعاني الثلاثة موجودة في آيات القرآن الكريم، لذلك نقول: إنّ من الآيات التي ذكرت (خليفة) و(خلافة) و(خلفاء) و(خلائف) .

[1] سورة الأنعام: الآية 165.

[2] الفراهيدي، الخليل بن أحمد (791-718ھ): معجم العين، ترتيب وتحقيق عبد الحميد هنداوي، دار الكتب العلمية بيروت- لبنان الطبعة الأولى 2003م، الجزء الأول ص 437.

[3] ابن فارس، أبو الحسين أحمد(329-395ھ): معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر، 1979، الجزء الثاني ص 210

[4] الجوهري، إسماعيل بن حماد(ت393 هـ): الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق أحمد عبد الغفور عطا دار العلم للملايين بيروت- لبنان الطبعة الرابعة 1990م، المجلد الرابع ص: 1356.

[5] الزمخشري، أبو القاسم جار الله محمود بن عم بن أحمد (467-538ھ): أساس البلاغة، تحقيق محمد الباسل عيون السود، دار الكتب العلمية بيروت-لبنان الطبعة الأولى 1998، ص 263.

[6] ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الإفريقي المصري: لسان العرب، دار صادر بيروت 1997.المجلد التاسع، ص 83

[7] الراغب، الأصفهاني (ت502ھ): مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق عدنان صفوان داوودي، دار القلم دمشق، الطبعة الرابعة 2009م. ص 294.

[8] سورة الأنعام: الآية 133.

[9] سورة الأعراف: الآية 129.

[10] سورة هود: الآية 57.

[11]سورة النور: الآية 55.

[12] سورة البقرة: الآية 30.

[13] سورة ص: الآية 26.

[14] سورة الأنعام: الآية 165.

[15] سورة يونس: الآية 14.

[16] سورة يونس: الآية 73.

[17] سورة فاطر: الآية 39.

[18] سورة الأعراف: الآية 69.

[19] سورة الأعراف: الآية 74.

[20] س سورة مريم: الآية 59.

[21] سورة الأعراف: الآية169.

[22] سورة يونس: الآية 92.

[23] سورة الأعراف: الآية17.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى