مقالات

قربان الإله

من أجل الوصول إلى غاية سامية وهدف نبيل لابد من الصبر والتضحية بالغالي والنفيس والتي تعتبر من أعلى المراتب وأصعبها على المرء حينما يضحي بفلذة كبده وعضواً من أعضائه وأمله في الحياة وتقديمه قرباناً من أجل الفوز بحب الله ونيل مرضاته سبحانه وتعالى.

فكيف إذا كان هذا الولد هو علي الأكبر (عليه السلام) حفيد رسول الله(صلى الله عليه وآله) وشبيهه في الخَلق والخُلُق, وابن سيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين (عليه السلام) الذي أودعه بيد المنية من أجل نصرة الدين ورفع راية العقيدة الإسلامية,

كما فعل جده النبي إبراهيم(عليه السلام) الذي دفعه حبه وإيمانه العميق بالتصديق وتلبية نداء السماء بذبح ابنه النبي إسماعيل(عليه السلام), حيث ورد في كتاب الله قوله سبحانه: ( فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى) , إن عملية ذبح الابن البار من قبل أبيه والمطيع له ليست سهلة وبسيطة لأب انتظر فترة طويلة كي يرزقه الله تعالى بهذا الولد الذي كان نسخة طبق الأصل من والده والذي تعلم في مدرسته خلال فترة عمره القصيرة الصبر والثبات والإيمان, حيث رحب بالأمر الإلهي بصدر واسع وطيبة نفس وردد بكلمات ملؤها الحكمة والشجاعة قائلاً:( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) . إنها نفس الكلمات التي قالها الأكبر لأبيه أبي عبد الله (عليه السلام) في كربلاء عند مشاهدته لتلك الخطوب والأهوال ومن المنذرات بتخاذل القوم وتدابر النفوس وإن الأعداء قادمون على أسنة مشرعة وسيوف مشحوذة وقد ملئت قلوبهم حقداً وبغضاً ووحشية وجل تفكيرهم هو القضاء على آل الرسول (صلى الله عليه وآله) وإبادتهم, حيث قال لأبيه :يا أبتِ؟ ألسنا على حق؟ فقال الإمام الحسين(عليه السلام): بلى والذي إليه مرجع العباد. قال علي الأكبر(عليه السلام):إذاً لا نبالي أن نموت محقين. فقال الإمام الحسين(عليه السلام) :جزاك الله من ولد خير ما جزا والداً عن والده . إذاً فالهدف واحد وهو التضحية وتقديم القرابين والغاية مشتركة وهي نيل رضا الله عز وجل والتسليم لأمره, لكن الفرق بينهم هو أن الله سبحانه قد فدى إسماعيل(عليه السلام) بذبح عظيم ليجازيه وأباه على صبرهم وتصديقهم إياه, قال تعالى:( قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) وقال أيضاً:(وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ) , وبهذا فقد أنجاه الله تعالى من الذبح والموت المحتم. لكن مصيبة الإمام الحسين(عليه السلام) وولده العزيز كانت أعظم وافجع عندما شاهده وهو يخطو بخطوات ثابتة إلى الحرب والقتل أمامه لا محالة ولم يثن هذا من عزمه وإصراره شيئاً, وقلب أبيه الطاهر يتفطر حزناً وألماً على سبطه الأكبر(عليه السلام) الذي كان حاوياً لصفات الجلال والجمال المحمدي, حيث رفع شيبته المقدسة نحو السماء وقال:(اللهم اشهد فقد برز إليهم أشبه الناس خَلقاً وخُلُقاً ومنطقاً برسولك محمد(صلى الله عليه وآله) وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه) , اللهم امنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقاً ومزقهم تمزيقاً واجعلهم طرايق قدداً ولا ترض الولاة عنهم أبداً فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا, وتلا:( إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) . وقد استطاع الأكبر(عليه السلام) بقوة إيمانه ونفوذ بصيرته وتفانيه دون كلمة الحق وسلوكه لمسلك أبيه الطاهر إلى غاياته الكريمة في نهضته المقدسة حيث استشهدا في سبيل نصرة هذا الدين الحنيف الذي يستهلك دونه أهم الذخائر وأثمنها وأعزها. إذن فلنتخذ من هذين الذبيحين قدوة لنا ولأجيالنا ليتفهموا معنى التضحية الحقيقية ومتى تكون هذه التضحية, ولأجل من؟ كي لا يختلط الأمر عليهم ويتبعوا الشعارات المزيفة التي تنادي بالتضحية والفداء بالنفس وقتل الأبرياء العُزَل من غير ذنب لتحقيق أهدافهم الدنيئة بالقضاء على الإسلام والمسلمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى