مقالات

محورية القران الكريم في الفكر الامامي

اقرأ في هذا المقال
  • قد إهتمت الشيعه الإمامية بالقرآن الكريم كإهتمامها بالسنة المعصومية
  • نعم القرآن تبيان لكل شئ ولكن ليس تبياناً لكل شئ بوجوده المادي،

﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ صدق الله العلي العظيم

من الأبعاد المشرقة في الفكر الإمامي محورية القرآن الكريم وحديثنا في هذه النقطة في محاور ثلاثه:

  • بيان الإهتمام الإمامي بالقرآن الكريم.
  • كيف نعرف الرواية مخالف للقرآن أم غير مخالفة للقرآن؟
  • محورية المحكم للمتشابه.

المحور الأول: بيان الإهتمام الإمامي بالقرآن الكريم.

قد إهتمت الشيعه الإمامية بالقرآن الكريم كإهتمامها بالسنة المعصومية وذلك في عدة شئون من شئون القرآن الكريم.

الشأن الأول: حُجية ظواهر القرآن الكريم.

ذكر علماء الإمامية أن ظاهر القرآن يُأخذ به وهذا ما يعني أن نتحدث عن الأمرين:

الأمر الأول: ماهو الدليل على الأخذ بظاهر القرآن؟

الأمر الثاني: مامعنى الظاهر الذي يُعد دليلاً وحُجةً؟

أما الأمر الأول: فالدليل هو بناء العُقلاء، بناء العُقلاء قام على أن كل مُتكلم يُأخذ ظاهرُ كلامه، ويُرتب الأثر على ظاهرِ كلامه وإذا كان المتكلم قد قصد التعميم من كلامه، أي قصد تعميم كلامه لما وراء زمانه فيُؤخذ بعموم كلامه.

مثلاً: إذا جائنا كتاب يتحدث عن الأدب أو كتاب يتحدث عن الفلسفة أو كتاب يتحدث عن القانون، وإن كان هذا الكتاب قبل سبعمائة سنة أو قبل ألف سنة، العُقلاء يأخذون بظاهر الكتاب ويُرتبون الأثر على ظاهر الكتاب، لأن من كَتب الكتاب لم يقصد أهل زمانه فقط، وإنما قصد بالكتاب أنه لكل من يصل إليه ولكلِ من يقرأه، فبما أن كاتب الكتاب والمُتكلم بهذه الأفكار قد قصد تعميم كلامه لغير زمانه فكل من يصل إليه الكتاب يستطيع أن يأخذ بظاهره ويُرتب الأثر عليه.

من هنا ما يذكره بعض الحداثيين من أن قوانين القرآن وخِطابات القرآن هي خاصه بزمان القرآن ولا تشمل زماننا هذا يصدم مع البناء العُقلائي، البناء العُقلائي يقول ماهو الفرق بين القرآن وبين غيره من الكتب؟ كما لو وردنا كتاب فيه إقرار فيه وصيه فيه وقف نأخذ به ولو كان قبل ألف سنة، لو وردنا كتاب فيه يتحدث عن الأدب يتحدث عن الفلسفة نأخذ بظاهره ولو كان قبل ألف سنة.

فأي فرق بين القرآن وبين بقية الكتب؟

كل كتابٍ قصد مؤلفه تعميم كلامه لغير زمانه يُأخذ يظاهر كلامه حتى لو كان بعد ألف سنة هكذا بناء العقلاء، فمقتضى بناء العُقلاء أن نأخذ بخطابات القرآن حتى في زماننا، لأن من أنزل هذا القرآن ومن كتبه ومن تكلم به قصد تعميم كلامه لكل زمن ولكل جيل لإطلاق هذه الآيات.

مثلاً: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ عامه ما قُصد تقييدها بزمان القرآن أو قوله تعالى ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ عامه ما قصد تقييدها بزمان القرآن، فبناء العُقلائي على الأخذ بظاهر كلام أي متكلم قصد تعميم كلامه لكل من يصل إليه الكتاب، وهذه السيرة وهذا البناء العقلائي أكده الأئمه الطاهرون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين في إستدلالاتهم.

مثلاً: في صحيحة زراره في أوائل تلمذته على الإمام الصادق  «في الوسائل الجزء الأول صفحة 412» دخل زراره على الإمام الصادق «قال: من أين علمت أن المسح ببعض الرأس، قال: من بيان رسول الله ومن الكتاب، قال: من أين من الكتاب، قال: لأن الله تعالى يقول ﴿إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ﴾ فعرفنا أن الوجه يُغسل كله، ثم قال ﴿وَأَيْدِيَكُمْ﴾ ولو لم يقل إلى المرافق لغسلنا اليد كلها، ثم فصّل فقال ﴿وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ﴾ ولم يقل امسحوا رؤوسكم، فاستفدنا من ذلك أن المسحَ ببعض الرأس لمكان الباء لأن قال برؤوسكم وإذا كان يريد الرأس كله لقال وامسحوا رؤوسكم كما قال واغسلوا وجوهكم، ثم عطف الرجلين على الرأس ﴿وَأَرْجُلَكُمْ﴾ فعرفنا أن حكم الأرجل حكم الرأس لأنه يُمسح بعضها.

إذن الإمام الصادق  يُعلم زرارة كيف يرجع لظاهر القرآن وكيف يستفيد من ظاهر القرآن، أيضاً عبد الأعلى مولى آل سام دخل على الإمام الصادق  في «الجزء الأول من الوسائل باب 79من الوضوء حديث تسعة» «قال عثرت فأنقطع ظفري فجلعتُ على إصبعي مرارة ”يعني لصقة“ كيف أصنع في الوضوء؟ قال: هذا وأشباهه يعرف من كتاب الله﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾امسح عليه، يعني بما أن إزالة هذه الجبيرة والمسح على مكان الجرح حرج عليك إذن إمسح على الجبيرة نفسها، يعني توضأ وإذا وصلت إلى المسح إمسح على الجبيرة نفسها هذا وأشباهه يُعرف من كتاب الله ﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ امسح عليه.

هذا إستدلال من الأئمة  بظواهر القرآن لتعليم الإمامية والمسلمين أن ظواهر القرآن يأخذ بها حتى بعد ألف سنة، لأن القرآن ليس خطابا لأهل زمانه وإنما قصد به الخطاب لكل من يصل إليه القرآن، ولذلك ورد عن الأئمة  الأمر بعرض الأخبار والروايات على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه، ولا يمكن للمسلمين عرض الروايات على الكتاب إلا إذا كان ظاهر الكتاب حجه يمكن الإستفادة منه وإلا لا يتمكنون من عرض الروايات على الكتاب.

الأمر الثاني: ماهو الظهور؟

نحن نقول ظاهر الكتاب حُجه يأخذ به يرتب عليه الأثر، ماهو الظاهر؟

هناك بعض الحداثيين يقول ظاهر الكتاب يتعدد بتعدد الأشخاص فيمكن أن نقرأ الآية عدة قراءات لا قراءه واحده، الفقيه يقرأ الآية بقراءه الأديب يقرأ الآية بقراءه أخرى، المثقف يقرأ الآية يقراءه ثالثة، من الممكن تعدد القراءات، لكن الصحيح أن الظاهر لا يتعدد، الظاهر ليس مسأله نسبية الظاهر مسأله حقيقية يعني قراءة الكتاب من خلال ظاهره هي قراءه واحده لا تتعدد، لماذا؟ لأن بناء العقلاء على ذلك. مثلاً: لو جاء كتاب في الطب وإستلمه العُقلاء هل يقرأونه قراءات متعدده أم يقرأونه قراءه واحدة، هل وجدت العقلاء يقولون أنت لك تفسير وأنا لي تفسير هذا كتاب للعمل وليس كتاب هوايه، هذا كتاب في الطب كتب ليعمل به، إذن ليس له إلا قراءةٌ واحده وظاهرٌ واحد، هذا كتابٌ كتب في القانون تأتي للقانون الفرنسي أو تأتي للقانون المصري تقول هذا الكتاب نقرأءه قراءات متعددة لا يمكن ذلك، هذا كتاب في القانون كتب ليعمل به إذن له قراءةٌ واحده، فبناء العقلائي قائمٌ على أن كل كتابٍ كتب لأجل العمل فله قراءةٌ واحده لا قراءات متعددة، يأتينا بعض الحداثيين مثلا، يرى هذه الآية ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ﴾ يقول هذا لا يدل على أن الخمر حرام القرآن لم يحرم الخمر، قال اجتنبوه يعني الأفضل ترك الخمر ولم يقل حرام، وهذه القراءه ليست صحيحه لم؟ الظاهر كما تحدث عنه السيد الشهيد باقر الصدر في أصوله ليس المراد بالظهور الظهور الشخصي المراد بالظهور الظهور الموضوعي والظهور الموضوعي هو الظهور الذي يتفق عليه العقلاء ولا يختلفون فيه فإذا قال شخص أنا أفهم من الآية كذا فإذا أيده العقلاء ورأوا أن فهمه مستند إلى القرائن النوعية والموضوعية، إذن هذا هو الظهور الموضوعي وهذه هي القراءه الصحيحه، أما إذا كان الفهم نسبيا يختلف بإختلاف الفئات والأشخاص فهذا الفهم ليس بحُجه ولا يُعمل به، الظهور الموضوعي هو الذي بنى المجتمع العُقلائي على حجيته وهو واحد وليس متعدد، إذا عُرضت هذه الآية على العرف العربي قيل لهم ماذا تفقهمون أنتم أيها العرب ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ﴾ يقولون رجس ومن عمل الشيطان لا يدل على الحرمه، هذا خلاف ما يستظهره أبناء العُرف العربي.

فالنتيجة أن الإمامية من خلال إهتمامها القرآني بنت على أن ظهور القرآن حُجة يُعمل به.

الشأن الثاني: من شئون القرآن الذي إهتم به الفكر الإمامي: التفسير.

حتى يتضح لنا مامعنى تفسير القرآن؟ وماهي حدود تفسير القرآن؟ نتعرض لأمور أربعة:

الأمر الأول: أن القرآن له وجودات ومراتب متعدده أولها:

الأول: الوجود العرشي:

مامعنى الوجود العرشي؟ يعني وجود القرآن في أم الكتاب ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ القرآن له وجود في أم الكتاب وهذا الوجود عليّ بمعنى لا تناله العقول ﴿وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ*فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ هذا يسمى بالوجود العرشي.

الثاني: الوجود الملكوتي:

وهو أن القرآن نزل نوراً في قلب النبي المصطفى محمد  فهذا النور القرآني الذي كان في قلبه هذا وجود آخر للقرآن وهو الوجود الملكوتي ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ*عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ﴾ وقال ﴿وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا﴾ القرآن هو الروح الأمري الذي تعطر به قلب النبي .

الثالث: الوجود المادي:

تحول القرآن إلى لفظ لم يكن القرآن لفظ كان معاني، الآن تحول إلى لفظ وكتابة وحروف، القرآن اللفظي الكتبي هذه درجه من درجات القرآن وإلا فهو موجود في أم الكتاب وجوداً معنوياً هذه صورة للقرآن مرتبةٌ من مراتب القرآن، وهذا الذي تحدث عنه القرآن الكريم في قوله ﴿حم*وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾.

الرابع: الوجود البياني:

ايعني مابينه النبي من تفسيره ومضامينه قال تعالى ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾هذا هو الوجود البياني.

الأمر الثاني: هل علاقه المعصوم بالقرآن علاقه ماديه؟ بمعنى في عالم المادة عندما جاء القرآن إلى عالم المادة صار لفظ وحروف صار المعصوم له علاقه وقبل ليس له علاقه بهذا القرآن، لا لم يمر زمن على القرآن إلا والمعصوم معه، حتى عندما كان القرآن في الوجود العرشي كان المعصوم معه حتى عندما كان القرآن في أم الكتاب كان المعصوم معه، ما مر زمن ولا مرت مرحله إلا والمعصوم معه.

مثلا: عندما كان القرآن في أم الكتاب كان المعصوم أيضاً في أم الكتاب، القرآن الكريم يقول ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ يعني عندما كان هذا القرآن في الكتاب المكنون كان لا يمسه أحد لا يناله أحد إلا فئه معينه كانت تناله وهو في الكتاب المكنون، كانت تراه وهو في الوجود العرشي ﴿لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ﴾ ﴿إِنَّمَا يريدُ اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُم الرِّجْس أَهْلَ الْبَيْت وَيطَهِّرَكُم تَطْهِيراً﴾ وعندما تحول القرآن إلى الوجود الملكوتي صار نور في قلب النبي، هل هذا إختص بالنبي؟ بقية المعصومين نفترض الإمام علي في ذلك الوقت، هل المعصوم خالي قلبه من القرآن وتعامله مع القرآن تعامل حسي مثل تعاملنا نحن تعامل حسي هذا القرآن المادي نقرأه ونتلوه ونتدبر فيه، هل هكذا المعصوم؟ أم أن القرآن في قلب المعصوم كما هو في قلب النبي ؟ نعم القرآن في قلب كل معصوم، الآية المباركة تقول ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ القرآن موجود في صدورهم غير هذا الوجود المادي هو موجود في صدورهم وهو حقيقة القرآن ﴿بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾.

ولما تحول القرآن إلى الوجود المادي صار المعصوم هو الحافظ للقرآن ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ هم أهل الذكر.

ولما وصل القرآن إلى الوجود البياني كان أهل البيت بياناً للقرآن كما كان النبي  بياناً للقرآن ولذلك قال الله تبارك وتعالى ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ * ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ الكتاب ليس مختص برسول الله، فكما كان عُلقة الرسول عُلقة البيان والتعليم هذه العُلقة انتقلت إلى المصطفين من عبادنا ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾.

فأهل البيت  بالنسبة للكتاب هم حملته وهو في أم الكتاب، هم حملته وهو نور في القلوب، هم حملته وهو وجود مادي، هم حملته وهو وجود بياني، فعندما يردُ عن النبي  ”إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي وقد أنبأني اللطيف الخبير بأنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض“ لماذا لن يفترقا؟ لأنهم أساسا غير مفترقين إنما لن يفترقا في المستقبل لأنهما لم يفترقا في الماضي، لأنهما لم يفترقا في الماضي لن يفترقا في المستقبل، بل هما شئ واحد.

الأمر الثالث: أن تفسير القرآن يعني تحديد المراد الواقعي من القرآن لا يتم إلا عن طريق حملة القرآن أهل بيت النبي ، فهناك فرق بين الظهور، الظهور حجة لكل عربي ولكل مسلم يستطيع أن يتدبر فيه يتذكر به، لكن الظهور شئ والتفسير شئ آخر، الظهور: عباره عن الفهم الذي يستفيد منه الإنسان العظة والعبرة والحكمة، لكن التفسير هو تحديد المراد الإلهي من الآية وتحديد المراد الإلهي لا يتمُ إلا عن طريق من هُم حملة القرآن منذ أن كان في الوجودِ العرشي إلى أن وصل إلى الوجودِ البياني ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾.

نعم إذا لم تأتنا روايه معتبره إما لصحة سندها أو لقيام القرائن على صدورها أخذنا بها في تفسير الكتاب، وأما إذا لم تردنا روايه نرجع إلى الظهور وهذا تنزل من مرحلة التفسير إلى مرحلة الظهور إذا لم تكن بيدنا الرواية المفسره لكتاب الله عزوجل، ولذلك نرى القرآن جميل جدا في تقسيم الناس الذين يتعاملون معه، عندما يتحدث عن الناس بصفة عامه، يقول ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ يعني علاقة الناس بالقرآن علاقة التذكر أو يقول ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾ يعني وظيفتك أن تكون علاقتك مع القرآن علاقة تدبر، بمعنى أنك تقرأ ظواهر القرآن لتستفيد المضامين التي تبث فيك العظة والعبرة والحكمة والإقدام والإرادة والصبر وما شاكل من ألوان الهداية.

وأما تفسير القرآن فلا يمكن لك أن تصل إليه إلا عبر أهله، لذلك عندما يتحدث عن التأويل لا يقول للناس كلهم، يقول ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ۖ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ۗ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ ۗ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾ الناس وظيفتها التدبر والتذكر أما الراسخون في العلم لهم دور أعمق في التدبر والتذكر ألا وهو دور التأويل.

ربما الإنسان يتسائل إذا نحن دورنا التدبر والتذكر لماذ القرآن يقول ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ فإذا كان القرآن تبياناً لكل شئ فكيف لا يكون تبياناً لنفسه.

إذن هذه الآية دليل واضح على أن القرآن واضح ويمكن لأي شخص أن يصل إلى تفسيره، وأن يحدد المراد منه لأنه تبيانٌ لكل شئ، هنا جوابان على هذا السؤال؟

الجواب الأول:

ماطرحه السيد صاحب الميزان أعلى الله مقامه السيد الطباطبائي، قال «المقصود تبياناً لكل شئ يعني من عالم الهداية» لأن القرآن كتاب هداية وليس كتاب رياضيات حتى أقرأ فيه معادلات رياضية، ولا كتاب في الفلك حتى أقرأ فيه القوانين الفلكيه، هو كتاب هدايه هو القرآن نفسه يقول ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾وهو يقول عن نفسه ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ فإذا كان القرآن كتاب هداية فالمقصود ﴿تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ﴾ يعني لكل شئ يرتبط بالهداية، لا أنه تبيان لكل شئ من قوانين الرياضيات والفلك والكون، تبيانٌ لكل شئ في عالم الهدايه مما يرتبط بالهدايه هذا هو المقصود.

إذن لا يستطيع الإنسان من غير أهل البيت أن يصل إلى المرادات الواقعيه الحقيقية للقرآن، يستطيع أن يصل لكل ما يوصله إلى الهدايه، لكل ما يقربه إلى الهدايه من خلال التدبر في آيات القرآن، أما الوصول المرادي الواقعي من كل آيه فلا يمكن أن يصل إليه إلا عن طريق أهل البيت.

الجواب الثاني:

نعم القرآن تبيان لكل شئ ولكن ليس تبياناً لكل شئ بوجوده المادي، ذكرنا أن القرآن له وجودات: وجود عرشي، وجود ملكوتي، وجود مادي، القرآن تبيانٌ لكل شئ بوجوده المادي اللفظي، لا؟ لكن القرآن بوجوده العرشي وبوجوده الملكوتي يضم كل الأسرار، وكل المعاني الكونيه، لذلك لا يطلع على القرآن بواقعه وبما فيه من أسرار ومعاني إلا من حمل القرآن في تمام مراحله وتمام وجوداته وهم أهل بيت محمد .

فإذن نسلم القرآن تبياناً لكل شئ، لكن تبيان لكل شئ في عالم الماده، لا؟ ليس لفظ القرآن الذي بين الدفتين وبين أيدينا هو تبيانٌ لكل شئ وإنما معاني القرآن التي كانت مختزنه في أم الكتاب وكانت مختزنه في قلب النبي ، هي تبيانٌ لكل شئ ولذلك الآية نفسها هي فرقت بين النبي وبين الناس، الآية دقيقه في التعبير تقول ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ يعني بالنسبة للنبي تبياناً لكل شئ، لكن بالنسبة لبقية المسلمين ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾الآية قالت هناك صنفان: أنت والصنف الثاني بقية المسلمين بالنسبة لك أنت أيها الرسول لأنك حامل القرآن، القرآن بالنسبة إليك تبيانٌ لكل شئ، لكن بالنسبة للصنف الثاني ليس تبيان لكل شئ وهو بقية المسلمين ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾ ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ﴾.

وقد إهتم الفكرُ الإمامي بتفسير القرآن الكريم، بعض الباحثين من أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى، يقولون الشيعة لا يهتمون بالقرآن، الشيعة يهتمون بالروايات بالأحاديث ولا يهتمون بالقرآن الكريم ولذلك لا نجد لهم باعاً ولا نجد لهم قدماً في تفسير القرآن وهذا خطأ واضح، لماذا؟

ماكتبه الإمامية من تفسير للقرآن أكثر من ما كتبه أبناء المذاهب الإسلامية الأخرى بأجمعها، راجع كتاب آغا بزرك الطهراني كتابه «الذريعه إلى تصانيف الشيعة» جمع فيه كل مؤلفات الشيعه أكثر من عشرين جزء، في جزء واحد ذكر فيه 362 تفسير شيعي، ولذلك بعض الباحثين أحصى كتب التفسير التي صدرت من أقلام إمامية أكثر من 800 تفسير للقرآن صدرعن الأقلام الإمامية.

على مستوى القراءة كثيرٌ يقول أن الإمامية لا يهتمون بقراءة القرآن هذا غير صحيح، لا حظ الجمهورية الإسلامية في إيران مئات المدارس وفي كل محافظه، وفي كل منطقة مئات المدارس تتكفل بتخريج أطفال صغار لم يبلغوا العاشرة من العمر يحفظون القرآن كله، ويحفظون تفاصيل الأعداد، أعداد السور والآيات وأين مكان كل آية، بل بعضهم يحفظ القرآن ويحفظ تفسير القرآن.

والآن في منطقتنا والحمد لله في القطيف والأحساء بدأت هذه الظاهرة تتحول إلى وجود، هناك مراكز ومدارس كثيره قام بها الإمامية في هذه المنطقة لتعليم أطفالنا حفظ القرآن وتلاوة القرآن، نلاحظ في البيت القرآني المشترك في القطيف والدمام يضم 17 لجنة مسؤولة عن مراكز تلاوة القرآن وتحفيظ القرآن، وهذه اللجان موجوده في صفوى في سيهات والعوامية في كثير من مناطق القطيف والدمام، ترتبت عليها ثمرات كثيره، شاركت في عدة مسابقات في الدمام في الجبيل وأماكن أخرى، فازت بشهادات فخريه من العراق وإيران وهذا وجودٌ نوراني علينا أن ندعمه، وعلينا أن نقف معه بالتشجيع وتشجيع هذا الوجود بأن نشجع أطفالنا وصغارنا أن ينظموا لهذه المراكز من أجل أن يتحملوا نور القرآن منذ صغر سنهم حفظاً وتلاوة، ورد عن النبي  ”من قرأ عشرة آيات من القرآن لم يكتب من الغافلين، من قرأ خمسين آيه كُتب من الذاكرين، من قرأ مئة آيه كُتب من القانتين، من قرأ مئتي آيه كُتب من الخاشعين“، وورد عن الصادق  ”ما يمنع التاجر المشغول منكم بسوقه إذا رجع إلى بيته أن لا ينام حتى يقرأ بضعاً من آيات القرآن فيُعطى بكل آية حسنه وتمحى عنه سيئه“، وورد عن النبي  ”إن درجات الجنة بآيات القرآن فكلما قرأ المؤمن آيه رقى درجة“، وورد عنه  ”إن البيت الذي يُقرأ فيه القرآن تكثُر بركته، وتهجره الشياطين، وتحضره الملائكة، ويضئ لأهل السماء كما يُضئ الكوكب الدريُ لأهل الأرض، وإن البيت الذي لا يُقرأ فيه القرآن تهجره الملائكة، وتحضرهُ الشياطين، وتقل بركته“.

الشأن الثالث: من الشئون القرآنية التي اهتم بها الفكر الإمامي:

عرض الروايات على القرآن: وهذا ما تسالم عليه جميع علماء الإمامية أن حجية الروايه منوطه بعدم مخالفتها للكتاب، وهذا ما استفاده علماء الإمامية منها، صحيحة أيوب ابن الحر سمعت أبا عبد الله يقول ”كل حديث مردود إلى الكتاب والسنة، وكل شئ لا يوافق كتاب الله فهو زخرف“.

وفي صحيحة يونس الوسائل جزء 27 صفحة 111، وفي صحيحة يونس البحار الجزء2 صفحه 249 عن أبي عبد الله الصادق  ”لا تقبلوا علينا حديثاً إلا ماوافق القرآن والسنه، أو تجدون معه شاهداً من أحاديثنا المتقدمه فإن المَغيرة ابن سعيد لعنه الله دس في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدث بها أبي فاتقوا الله ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا تعالى وسنة نبينا  فإنا إذا حدثنا قلنا قال الله عزوجل وقال رسول الله “.

الشأن الرابع: هو حل التعارض بين الروايات بمرجعية كتاب الله «مايعبر عنه بدفع المانع».

إذا وجدنا روايتين متعارضتين نرجح إحداهما على الآخرى بالموافقه لكتاب الله.

مثلا: لدينا آيه ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ يعني الربا كله حرام، لو جائتنا روايه أن الربا بين الوالد وولده جائز، يعني يجوز للأب أن يأخذ ربا على ولده، وجائتنا روايه تعارض هذه الروايه تقول لا يجوز الربا بين الوالد وولده، الروايتان تعارضتا أيهما يقدم؟ تقدم الروايه الموافقة لعموم الكتاب، يعني الروايه الثانيه هي التي تقدم لموافقتها لعموم قوله﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾وهذا ما نستفيده من عدة روايات منها صحيحة عبد الرحمن بن ابي عبد الله في الوسائل الجزء 27 صفحة 118 عن الصادق  ”إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فأعرضوهما على كتاب الله فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فردوه“.

إذن الإمامية إهتموا بالقرآن إهتمامهم بسنة رسول الله، إهتموا بالقرآن بمقدار إهتمامهم بالحديث الوارد عن الإئمة المعصومين  في الشئون الأربعه التي تعرضنا عليها تفصيلاً.

المحور الثاني:

ذكرنا أن الميزان في قبول الروايه ورفضها موافقتها للقرآن أو مخالفتها للقرآن، ماهو المقصود بالمخالفه؟ كيف نعرف الروايه مخالفه للقرآن أم غير مخالفه للقرآن؟ لدى علمائنا إتجاهان:

الإتجاه الأول: وهو الإتجاه الغالب على علمائنا ومنهم سيدنا الخوئي قدس سره، أن المراد بالمخالفة أن يكون بين الحديث وبين القرآن نسبة التباين، مامعنى نسبة التباين؟

النسب أربع:

– نسبة التساوي.

– نسبة الخصوص.

– نسبة عموم من وجه.

– نسبة التباين.

الصورة الأولى: مثلا، الآية تقول ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً﴾ و روايه تقول ”من كان صحيحاً في بدنه، مُخلى سربه، له زادٌ وراحله، وجب عليه الحج“ فالروايه مساويه للآيه بينهما نسبة التساوي هنا نأخذ بالروايه.

الصورة الثانية: نسبة الخصوص يعني القرآن عام وتأتي لنا روايه تخصص القرآن قوله عزوجل ﴿أَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ﴾ يعني كل بيع حلال، بينما تأتينا روايه عن النبي ”نهى النبي عن بيع الغرر“ هذه الروايه أخص من القرآن، ”نهى النبي عن بيع الغرر“ ليس كل بيع حلال بيع الغرر باطل، مامعنى بيع الغرر؟ معناه الذي لا يتحدد فيه ثمن أو لا يتحدد فيه المثمن.

مثلا: لديك أرض بعدها لم يتم تخطيطها فيأتي ويقول لك أبيعك أرض من هذه الأرض، هذه الأرض نفترض فيها متر9000، 10000 أنا أبيعك من هذه الأرض 1000 متر، أين هذه الأرض يمين شمال هذا يسمى بيع غرري، لا بد أن تحدد حدود كامله.

أو مثلا: أبيعك هذه الأرض التي أنت تراها محدده واضحه 400 ألف إذا أتيت بالثمن اليوم، و500ألف إذا أتيت بالثمن بعد شهر، و600ألف إذا أتيت بالثمن بعد شهرين هذا أيضا بيع باطل.

إذن لا بد في البيع تحديد الثمن والمثمن، هنا الآية تقول ﴿أَحَلَّ اللَّهُ البَيْعَ﴾ الرواية تقول ”نهى النبي عن بيع الغرر“ هل تطرح الروايه؟، يقال لا، الرواية الخاصة نسبتها للآيه نسبة القرينه لذي القرينه والقرينه لا تُعد مخالفه بنظر العُرف لذلك يأخذ بالروايه ويخصص لها الآية.

الصورة الثالثة: أن يكون بين الآية والروايه عمومٌ من وجه، مامعنى عمومٌ من وجه؟ يعني يلتقيان ويفترقان.

مثال على ذلك: عندنا آيه تقول ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ﴾ الغنيمه يعني الربح، كل شئ يربحه الإنسان فيه خمس، كل ربح ففيه خمس، سواءاً كان صاحب الربح صبي أو بالغ، الآية تقول كل ربح فيه خمس سواءاً كان صاحبُ الربح صبياً أو كان صاحبُ الربح بالغاً، نأتي للروايه ورد عن النبي  ”رُفع القلم عن ثلاثه: عن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ“ الصبي لا تكليف عليه لا في الخُمس ولا في غير الخُمس، إذن النسبه بين الآية والروايه عموم من وجه يلتقيان في خمس الصبي ويفترقان في البالغ، والروايه تفترق عن الآية في غير الخمس من تكاليف الصبي، يسمى عموم من وجه، هل الروايه هنا تعد مخالفه للقرآن فتطرح أم لا؟ هذا بحث بين علمائنا مذكور في علم الأصول.

الصورة الرابعة: أن تكون النسبه نسبة التباين، يعني الروايه مخالفه للآيه تماماً، يذكر السيد الخوئي في بحثه يقول لا يوجد في روايتنا روايه تخالف القرآن تماما بحيث تعد مباينه ليس لدينا، وإذا موجود قليل لا يُعتد به.

مثلا: القرآن يقول ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ﴾ عندنا روايات وضعها الخطابيون وهي فرقه صارت في زمان الإمام الصادق وضعوا روايه من رواياتهم، الصلاة رجل فمن عرفه إستغنى، إذا عرفت هذا الرجل من هو يعني صليت الصلاة، إذن هذه الروايه منافيه للقرآن منافره مباينه هنا تطرح هذه الروايه.

فهؤلاء الأعلام ومنها سيدنا الخوئي قدس سره «المقصود بمخالفه الروايه للكتاب أن تكون مباينة للكتاب وهذا شئ لا يوجد في الروايات أو وجوده قليل جداً».

الإتجاه الثاني: المقصود بالمخالفه، المخالفه الروحيه مامعناه؟ هذا الإتجاه ذهب إليه العَلمان السيد محمد باقر الصدر قدس سره والسيد الأستاذ السيد السستاني دام ظله، المقصود بمخالفة الكتاب يعني المخالفه الروحيه للكتاب، مامعنى المخالفه الروحيه؟ يعني إذا أردنا أن نقارن بين روايه وبين القرآن علينا أن نقرأ مجموع الآيات فنقارن بين الروايه وبين المجموع لا بين الروايه وبين آيه معينه.

أصحاب الإتجاه الأول قرائتهم تجزيئية نلاحظ النسبة بين هذه الروايه وبين هذه الآية هل هي تساوي، هل هي خصوص، هل هي عموم من وجه، هل هي تباين، فدائماً تلاحظ الروايه مع آيه معينه.

أصحاب الإتجاه الثاني يقولون لا، نحن لا نلاحظ الروايه مع آيه معينه، نحن نلاحظ الروايه مع مجموع الآيات، كل آيات تتعلق بمجموع معين نجمعها نقرأها قراءة موضوعيه، ثم نلاحظ نسبة الروايه إلى مجموع الآيات، فإن خالفة المجموع طرحنا الروايه وإلا فلا.

فالمراد بالمخالفه الروحيه: هي ما يستفاد من مجموع الآيات القرآنيه من أسرار للتشريع أو مِلاكات للأحكام هو الميزان في قَبول الروايه أو رفضها.

السيد السستاني يطرح هذا المثال في بحوثه: عندنا روايه موجوده وهي عن الرسول  ”إذا رأيتم أهل البدع من بعدي فباهتوهم“ يقول هذه الروايه إما مؤوله أو نطرحها، كيف يعني إما مؤوله أو مطروحه؟

مامعنى باهتوهم؟ إذا فسرنا المباهته يعني سبق الهجوم مثل ﴿فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ﴾أحياناً عندما يكون مناقشه مع شخص تهجم عليه قبل أن يهجم عليك، سبق الهجوم يكسر شوكته، إذا كان شخص أنت معه في جدل مناقشة حتى تكسر شوكته إسبقه بالهجوم سبقه بالهجوم يُضعف هويته ونشاطه في مجال النقاش ”فباهتوهم“ يعني إسبقوهم بالهجوم لأنهم أهل البدع حتى تنكسر شوكتهم، إذا هذا المراد بالحديث هذا المعنى صحيح نقبل الروايه، أما إذا كان معنى باهتوهم يعني إكذبوا من البهتان، ماداموا من أهل البدع كل شئ قولوا عنهم حتى لو كذب، هل من المعقول أن يأمرنا النبي بأن نكذب عليهم، يقول هذه الروايه تتنافى مع القرآن منافات روحيه، مامعنى تتنافى مع القرآن منافات روحيه؟ يعني تتنافى مثلا مع قوله ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ حتى لو كان عدوك كن معه عادلاً، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ فمجموع الآيات الذي يشكل الظهور المجموعي بحسب تعبيرالأصوليين، إذا شكل ظهور الآيات ظهوراً مجموعياً فالروايه المخالفه بهذا الظهور المجموعي تطرح، وهذا هو المقصود بالمخالفه الروحيه، إذن لدينا إتجاهان في هذا الميدان وفي هذه الجهه.

المحور الثالث: يرتبط بمحورية المحكم للمتشابه.

في المحور الأول والثاني، أن الكتاب محور يعني القرآن هو محور، الحديث المخالف للقرآن يطرح ولا يعمل به، لانقول كذب أو مدسوس تم تفسيره سابقاً، ليس كل مخالف للكتاب فهو مدسوس شئ والضعيف شئ آخر، نحن نقول الكتاب محور ما خالف الكتاب لا يُأخذ به هذا ضعيف لا يُأخذ به، هل للكتاب خصوصية والسنة لا يحتاج لها؟ لا.

ليس المحور هو الكتاب فقط حتى السنه محور، صحيحة أيوب بن الحرعن الصادق  ”كل حديث مردودٌ إلى الكتاب والسنه“ كما أن الكتاب محور، السنه أيضاً محور.

صحيحة يونس ”ولا تقبلوا علينا ماخالف قول ربنا وسنة نبينا“ فليس الكتاب فقط هو المحور السنه هو المحور، لأجل ذلك ما هو المقصود بالسنه؟. لدينا رأيان:

الرأي الأول: أن المراد بالسنه الخبر القطعي، كل روايه قطعية صدوراً، قطعيةٌ جهة، يعني لم تصدر على سبيل التقيه وإنما صدرت لبيان الحُكم الواقعي، كل روايه قطعيه صدوراً وجهة تعتبر سنه، سواءا كانت من كلام النبي  أو كانت من كلام المعصومين  إذا هي روايه قطعيه صدورا وجهة فهي سنه.

فالسنه لا تختص بكلام النبي صدورا وجهة سواءا كانت من كلام النبي أو من كلام الأئمة، فكلام الأئمه كلام رسول الله ”إنا إذا حدثنا قلنا قال الله وقال رسول الله“ ”لو كنا نفتي الناس برأينا وهوانا لكنا من الهالكين إنما هي أصول علم نتوارثها كابرعن كابرٍ عن رسول الله“.

الرأي الأول وهو رأي سيدنا الخوئي قدس سره، السنة هو الخبر القطعي فكأن هذه الروايات تقول ”كل حديث مردود إلى الكتاب والسنه“ كأنها قالت كل حديث مردود إلى القطعي، لأن الكتاب قطعي فإذا كانت السنه قطعيه إذن لا يوجد خصوصيه لا للكتاب ولا السنه، المحور هو الأمر القطعي، المحور في قبول أي روايه أو رفضها وجود أمر قطعي سواءاً كان الأمر القطعي كتاباً أو كان الأمر القطعي سنةً، سواءاً كان الأمر القطعي خبر النبي أو كان ذلك الأمر القطعي خبر الإمام المعصوم، حُكومة القطعي على الظن.

الرأي الثاني: ماذهب إليه السيد الإمام الخميني قدس سره، من أن المراد بالسنه خصوص سنة النبي  فإن لسنة النبي خصوصيه وموضوعيه وبالتالي ما كان من سنة النبي هو محور للكتاب سواءاً كان هذا الخبر الوارد عن النبي قطعياً أو كان ظنياً المهم هوعن النبي، ما كان عن النبي له خصوصيه وموضوعيه سواءاً خبراً ظنياً أو خبراً قطعياً فلو تعارض خبر عن أحد الأئمه مع خبرعن النبي نقدم خبر النبي وإن كان خبر النبي ظنياً وخبر الإمام قطعياً.

إذن هناك رأيان في هذه المسألة.

المهم أننا نرى أن سيرة أهل البيت صلوات الله وسلامهم عليهم أجمعين جرت على تحكيم الكتاب وسنة النبي وإرجاع الناس إليهما، ولذلك قرأنا عن الصادق  قال ”لا تقبلوا علينا ما خالف قول ربنا وسنة نبينا“ ونلاحظ أن الأئمه يُرجعون أمورهم إلى الكتاب والسنه، حتى الحسين  يوم عاشوراء عندما إحتج على القوم إحتج عليهم بالكتاب والسنه قال ”على ما تقاتلونني، أتقاتلونني على سنةٍ بدلتها أو شريعةٍ غيرتها، ألست إبن بنت نبيكم“.

لم   أنسه   إذ   قام   فيهم  خاطبا

يدعوألست   أنا   ابن  بنت  نبيكم

هل  جئت  في  دين  النبي  ببدعة

إن   لم   تدينوا  بالمعاد  فراجعوا

فغدوا  حيارى  لا  يرون  لوعضه

حتى    إذا   أسفة   علوج   أمية

صلت على جسم الحسين سيوفهم

فإذا    هم    لا    يملكون   جوابا

وملاذكم   إن   صرف   دهر  نابا

أم    كنت    في   أحكامه   مرتابا

أحسابكم     إن     كنتم    أعرابا

إلا     الأسنة    والرماح    جوابا

أن   لا   ترى  قلب  النبي  مصابا

فغدا    لساجدة    الضبا    محرابا

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى