مقالات

من رسائل الإمام المهدي المنتظر

رسالتان للشيخ المفيد
بعث الإمام المنتظر عليه السلام بعدة رسائل إلى ثقة الإسلام الشيخ المفيد قدس سره، ذكر رسالتين منها الشيخ الطبرسي، وهما :

الأولى:” للأخ السديد والولي الرشيد الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد النعمان أدام الله إعزازه من مستودع العهد المأخوذ على العباد .

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد: سلام عليك أيها الولي المخلص في الدين المخصوص فينا باليقين فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وآله الطاهرين ونعلمك أدام الله توفيقك لنصرة الحق وأجزل مثوبتك على نطقك عنا بالصدق أنه قد أذن لنا في تشريفك بالمكاتبة، وتكليفك ما تؤديه عنا إلى موالينا قبلك أعزهم الله بطاعته وكفاهم المهم برعايته لهم وحراسته فقف – أيدك الله بعونه – على أعدائه المارقين من دينه على ما أذكره وأعمل في تأديته إلى من تسكن إليه بما نرسمه إن شاء الله .

نحن وإن كنا ثاوين بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي أراناه الله تعالى لنا من الصلاح ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين فإنا نحيط علما بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم ومعرفتنا بالذل الذي أصابكم مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا ونبذوا العهد المأخوذ وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون على إنا غير مهملين
لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء أو اصطلمكم الأعداء، فاتقوا الله جل جلاله وظاهرونا على انتياشكم من فتنة قد أنافت عليكم يهلك فيها من حم أجله ويحمى عنها من أدرك أمله وهي أمارة الأزوف ومباثتكم بأمرنا ونهينا والله متم نوره ولو كره المشركون .

اعتصموا بالتقية من شب نار الجاهلية يحششها عصب أموية يهول بها فرقة مهدية أنا زعيم بنجاة من لم يروم فيها المواطن وسلك في الطعن منها السبل المرضية إذا حل جمادى الأولى من سنتكم هذه فاعتبروا بما يحدث فيه واستيقضوا من رقدتكم لما يكون في الذي يليه .

ستظهر لكم من السماء آية جلية ومن الأرض مثلها بالسوية ويحدث في أرض المشرق ما يحزن ويقلق ويغلب من بعد على العراق طوائف عن الإسلام مراق تضيق بسوء فعالهم على أهله الأرزاق ثم تنفرج الغمة من بعد بوار طاغوت من الأشرار ثم يستر بهلاكه المتقون الأخيار ويتفق لمريدي الحج من الآفات ما يؤملونه منه على توفير عليه منهم واتفاق ولنا في تيسير حجهمعلى الاختيار منهم والوفاق شأن يظهر على نظام واتساق فليعمل كل امرئ منكم بما يقرب من محبتنا ويتجنب ما يدنيه من كراهتنا فإن أمرنا بغتة فجاءه حين لا تنفعه توبة ولا ينجيه من عقابنا ندم على حوبة . الله يلهمكم الرشد ويلطف لكم في التوفيق برحمته . . ” .

وقد وقعه الإمام عليه السلام بيده العليا وكتب في أسفله .

” هذا كتابنا إليك أيها الأخ الولي والمخلص في ودنا الصفي والناصر لنا الوفي حرسك الله بعينه التي لا تنام فاحتفظ به، ولا تظهر على خطنا الذي سطرنا بماله ضمناه أحدا وأد ما فيه إلى من تسكن إليه وأوص جماعتهم بالعمل عليه إن شاء الله وصلى الله على محمد وآله الطاهرين . . . ” .

حوت هذه الرسالة أمورا بالغة الأهمية، وهي:

أولا: الإشادة بالشيخ المفيد الذي هو أحد دعائم الإسلام في علمه وفضله وتقواه وشدة تحرجه  في الدين وأنه قد سمح له في مكاتبة الإمام عليه السلام والاتصال به وتحمله شرف السفارة بينه وبين الشيعة .

ثانيا: إن الإمام عليه السلام قد أشار إلى المكان الذي يقيم به في حال غيبته وأنه بعيد عن  مساكن الظالمين وأن إقامته فيه محجوب عن أعين الناس يستند إلى إرادة الله تعالى ومشيئته التي قضت بعدم ظهوره ما دامت دولة للفاسقين والظالمين على وجه الأرض.

ثالثا: من بنود هذه الرسالة أن الإمام عليه السلام يتتبع بكل دقة جميع شؤون شيعته ولا يعزب  عنه أي أمر من أمورهم فهو ساهر على رعايتهم ودفع البلاء عنهم ولولا عنايته بهم لأخذهم الظالمون من كل جانب ومكان وقد أخبرهم عن فتنة وكارثة مدمرة تحل بهم يهلك فيها الكثيرون .

رابعا: أنه أخبر عن بعض الملاحم ستظهر وتتحقق قبل ظهوره عليه السلام من حدوث آية في السماء وغير ذلك مما سنذكره في فصول أخرى من هذا الكتاب.

الرسالة الثانية:

وردت على الشيخ الأعظم الشيخ المفيد نضر الله مثواه رسالة ثانية من الإمام عليه السلام بتاريخ 23 ذي الحجة سنة 412هـ، وهذا نصها بعد البسملة: ” سلام الله عليك أيها الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصدق فإنا نحمد الله إليك الذي لا إله إلا هو إلهنا وإله آبائنا الأولين ونسأله الصلاة على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين وعلى أهل بيته الطاهرين.

وبعد: فقد كنا نظرنا مناجاتك عصمك الله بالسبب الذي وهبه الله لك من أوليائك وحرسك به من كيد أعدائك وشفعنا ذلك الآن من مستقر لنا ينصب في شمراخ من بهماء صرنا إليه آنفا من غماليل ألجأنا إليه السباريت من الإيمان ويوشك أن يكون هبوطنا إلى صحصح من غير بعد من الدهر ولا تطاول من الزمان ويأتيك نبأ ما يتجدد لنا من حال فتعرف بذلك ما نعتمده من الزلفة إلينا بالأعمال والله موفقك لذلك برحمته فلتكن حرسك الله بعينه التي لا تنام أن تقابل لذلك فتنة تسبل نفوس قوم حرثت باطلا لاسترهاب المبطلين يبتهج لذمارها المؤمنون ويحزن لذلك المجرمون.

وآية حركتنا من هذه اللوثة حادثة بالحرم المعظم من رجس منافق مذمم مستحل للدم المحرم يعمد بكيده أهل الإيمان ولا يبلغ غرضه من الظلم والعدوان لأننا من وراء حفظهم بالدعاء الذي لا يحجب عن ملك الأرض والسماء فلتطمئن بذلك من أوليائنا القلوب وليثقوا بالكفاية منه وإن راعتهم بها الخطوب والعاقبة بجميل صنع الله سبحانه تكون حميدة لهم ما اجتنبوا المنهى عن الذنوب.

ونحن نعهد إليك أيها الولي المخلص المجاهد فينا الظالمين أيدك الله بنصره الذي أيد به السلف من أوليائنا الصالحين إنه من اتقى ربه من إخوانك في الدين وأخرج مما عليه إلى مستحقيه كان آمنا من الفتنة المبطلة ومحنها المظلمة المظلة ومن بخل منهم بما أعاره الله من نعمته على من أمر بصلته فإنه يكون خاسرا لذلك لأولاده وآخرته ولو أن أشياعنا وفقهم الله لطاعته علىاجتماع من القلوب في الوفاء بالعهد عليهم لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا على حق المعرفة وصدقها منهم بنا، فما يحسبنا عنهم إلا ما يتصل بنا مما نكرهه ولا نؤثره منم والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلاته على سيدنا البشير النذير محمد وآله الطاهرين وسلم . . “.

كتب في غرة شوال من سنة اثني عشر وأربعمائة وقع الكتاب بخطه الشريف وأضاف إليه:

” هذا كتابنا إليك أيها الولي الملهم للحق العلى بإملائنا وخط ثقتنا فاخفه عن كل أحد واطوه واجعل له نسخة يطلع عليها من تسكن إلى أمانته من أوليائنا شملهم الله ببركتنا إن شاء الله الحمد لله والصلاة على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين.

وحفلت هذه الرسالة بالآتي:

1 – الإشادة بالشيخ المفيد علم الإسلام ونبراسه المضئ فقد نعته الإمام عليه السلام الناصر للحق والداعي إليه بكلمة الصدق، وهما من أسمى الصفات التي يتحلى بها الصالحون والمتقون من عباد الله.

2 – أشار الإمام عليه في هذه الرسالة إلى عدو ماكر للشيعة وللشيخ المفيد يكيد لهم في وضح النهار وفي غلس الليل ويبغي لهم الغوائل ويثير ضدهم الفتن ولا يبلغ بذلك غرضه من الظلم والعدوان عليهم .

3 – أحاط الإمام عليه السلام شيعته علما بأنهم مشمولين بدعائه لهم بالتأييد والتسديد والسلامة من أعدائهم والنجاة من ظلم الظالمين ودعاءه عليه السلام لا يحجب عن الله تعالى .

4 – أمر الإمام عليه السلام شيعته – بهذه الرسالة – بتقوى الله تعالى والاجتناب عن معاصيه وإخراج ما عليهم من الحقوق الشرعية ولو أنهم اتقوا وأطاعوا الله تعالى إطاعة حقيقية لما حجب الإمام عنهم ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدته ولكن ذنوبهم هي التي حالت بينهم وبين الالتقاء بإمامهم المفدى سلام الله عليه.
* حياة الإمام المنتظر المصلح الأعظم-دراسة وتحليل-، الشيخ باقر شريف القرشي، دار جواد الأئمة، ط1، بيروت/لبنان، 1429هـ / 2008 م، ص 88-95.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى