مقالات

هل إرتكاب الذنوب يعجل ظهور الإمام المهدي (عج) ؟

لقد شاع بين كثير من الناس أن الإمام لن يظهر مالم تعم المعاصي جميع أرجاء المعمورة، وبالتالي ولتسريع الظهور على الفرد أن يسعى لهذا الغرض (تعميم المعاصي) حتى نسرع في ظهور الإمام المهدي (عج)، ولعل هذا الفهم الخاطئ ناشئ من فهم ما تواتر من الأخبار من أن الإمام (عج) لا يظهر مالم تمتلئ الأرض ظلماً وجوراً، وبالتالي لا يفرق بين أن تكون المعاصي تأتي من نفس المنتظر أو الشخص العاصي.

والحق أن الإتيان بالمعاصي والموبقات من أعظم المحرمات في الشريعة، ولا يجوز بحال، ونحن مأمورون في عصر الغيبة بمعرفة إمام زماننا (عليه السلام)، والتحلي بمكارم الأخلاق، والورع والاجتهاد في العبادة، والحزم في الدين، والاتصاف بكل فضيلة نفسانية مع توطين النفس على الصبر على البلاء.

فعن عمرو بن أبان، قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: «اعرف العلامة، فإذا عرفته لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخر، إن الله (عز وجل) يقول: ﴿يوم ندعوا كل أُناس بإِمامهم[1]﴾، فمن عرف إمامه كان كمن كان في فسطاط المنتظر (عليه السلام)[2]».

وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنَّه قال ذات يوم: «ألا أُخبركم بما لا يقبل الله (عز وجل) من العباد عملاً إلا به؟».

فقلت: بلى.

فقال: «شهادة أن لا إله إلَا الله، وأنَّ محمّداً عبده، والإقرار بما أمر الله، والولاية لنا، والبراءة من أعدائنا – يعني الأئمة خاصة -، والتسليم لهم، والورع والاجتهاد والطمأنينة، والانتظار للقائم (عليه السلام)».

ثمّ قال: «إن لنا دولة يجيء الله بها إذا شاء».

ثمّ قال: «من سره أن يكون من أصحاب القائم فلينتظر وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيَّتها العصابة المرحومة[3]».

وفي هذا الحديث الشريف نلاحظ أمرين:

الأول: أن لفظة الانتظار قد كررت باشتقاقات مختلفة في هذا الحديث الشريف، ففي بادئ الأمر جاءت كلمة: «والانتظار للقائم»، ثم «فلينتظر وليعمل»، ثم «بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر»، ثم «فجدوا وانتظروا»، فهنالك حث على الانتظار بحيث أن المنتظر يوطن نفسه من جميع الجهات والحيثيات للقاء الإمام (عليه السلام)، ويصبر على ما يريده أهل البيت (عليهم السلام) منه.

الثاني: أن الحصول على الأجر حال الانتظار غير مشروط بخروج الإمام (عليه السلام)؛ لأن الرواية تقول: «فإن مات وقام القائم بعده كان له من الأجر مثل أجر من أدركه».

ويدل على ذلك أيضاً ما رواه الكليني (قدّس سره):

الرواية الأولى: عن حريز، عن زرارة، قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): «اعرف إمامك فإنَّك إذا عرفت لم يضرّك تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر[4]».

الرواية الثانية: عن الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله تبارك وتعالى: ﴿يوم ندعوا كل أُناس بإمامهم[5]﴾، فقال: «يا فضيل، اعرف إمامك، فإنك إذا عرفت إمامك لم يضرك تقدم هذا الأمر أو تأخَّر، ومن عرف إمامه ثمّ مات قبل أن يقوم صاحب هذا الأمر كان بمنزلة من كان قاعداً في عسكره، لا بل بمنزلة من قعد تحت لوائه»، قال: وقال بعض أصحابه: بمنزلة من استشهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)[6].

فالمطلوب من بادئ الأمر معرفة الإمام ولو بصورة ما كما هو حال معرفتنا به (عليه السلام)، ويكفي لتحقق المعرفة أن تعرف أنه الإمام الحجة بن الحسن العسكري (عليه السلام) المفترض الطاعة الذي غيبه الله سبحانه وتعالى، والذي سيظهره في آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً.

وأما أجر المنتظرين وثوابهم فمذكور في عدة روايات، منها رواية أبي خالد الكابلي، عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «ثم تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله والأئمة بعده. يا أبا خالد، إن أهل زمان غيبته القائلين بإمامته والمنتظرين لظهوره أفضل أهل كل زمان؛ لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله بالسيف، أُولئك المخلصون حقاً وشيعتنا صدقاً، والدعاة إلى دين الله سراً وجهراً». وقال (عليه السلام): «انتظار الفرج من أعظم الفرج[7]».

وخلاصة المقال في مثل المقام: إنَّ المنتظِر بحاجة إلى إعداد نفسه لاستقبال خروج الإمام (عليه السلام)، حتى يكون مؤهلاً للدخول في دائرة أنصاره وأتباعه الذين لا ينكثون ولا يتراجعون، وهذا يوجب التحلي بجملة من الصفات والتخلي عن الرذائل كما ورد في الروايات الشريفة، فإن حقَّق ذلك كان منتظِراً حقيقياً وإلَّا فلا.


[1] الإسراء: ٧١.

[2] الكافي ١: ٣٧٢ ـ  باب أنَّه من عرف إمام لم يضره تقدَّم هذا الأمر أو تأخرـ ح ٧، الغيبة للنعماني: ٣٥٢ـ باب ٢٥ـ ح ٦.

[3] الكافي ١: ٣٧١ـ  باب أنه من عرف إمامه لم يضرّه تقدم هذا الأمر أو تأخر/ ح ١.

[4] الغيبة للنعماني: ٢٠٧ـ باب ١١ـ ح ١٦.

[5] الإسراء: ٧١.

[6] الكافي ١: ٣٧١ ـ باب أنه من عرف إمامه لم يضرّه تقدم هذا الأمر أو تأخر/ ح ٢.

[7] الاحتجاج ٢: ٥٠.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى