مقالات

▪️زينب -عليها السلام -.. وتحديات المواجهة..الحلقة الثالثة

هذا ولما أُدخل بنات رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – كسبايا ومعهن علي بن الحسين، إلى قصر ابن زياد انحازت السيدة زينب وهي متنكرة ومعها بنات رسول الله إلى زاوية من زوايا القصر ، فسأل ابن زياد الحاضرين: من هذه؟ – مشيراً – إلى زينب ؛ وذلك احتقاراً لها، وكي يقوم بإذلالها، مع أنه يعلم أنها زينب؛ لأن التقارير قد وصلت إليه قبل مجيء الركب، لكنها لم ترد عليه رغم أنه كرر سؤاله، وبصمتها هذا تحدته وأسقطت من قدره بين شخصيات الكوفة، فاستشاظ غضباً وقال : ” الحمدلله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم ” (1)..

لكنها في هذه المرة ردت عليه كي تفضحه أمام الملأ، فقالت له : ” الحمدلله الذي أكرمنا بنبيه محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – وطهرنا من الرجس تطهيراً، إنما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا يابن مرجانة “(2)..
وقد مثّل ردها هذا صفعةً قوية وهزيمةً مدوية لابن زياد الذي كان منتشياً بانتصاره المزيف ، جعلته لا يدري مايقول ، فانبرى شامتاً لها حيث قال : ” فكيف رأيتِ صنع الله بأهل بيتك ! “(3)
فردت عليه رداً جعلته يفقد صوابه حيث قالت له : ” (لم أر إلا جميلاً )(4) ، قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم ، فتحاجون إليه ، وتخاصمون عنده …. “(5)
وهنا وقفة لابد منها :
قولها ” لم أر إلا جميلاً ” هذه العبارة لم يذكرها كثير من المؤرخين -خاصة القريبين إلى عصر بني أمية وبني العباس فقد حذفوا هذه العبارة تبعاً لرغبات الأهواء الأموية؛ إما خوفاً أو تقرباً
لأن بقاءها يبين عظمة ومعرفة هذه العقيلة الهاشمية وموقفها الصلب وبالتالي يسري مفعول هذه العبارة في تأثيره على مجرى الأحداث في تأريخ الأمة الأسلامية وهذا مالايرضاه بنو أمية لأنه يتنافى مع سياستهم لهذا عمد المؤرخون إلى حذفها ..
إن عبارة” لم أر إلا جميلاً ” قد اختزلت معاني المأساة بكاملها، وهذا يدل على كمالها في معرفتها بالله تعالى، فهي لا ترى كل مايظهر من عنصر القدرة إلا جميلاً، وذلك لتفانيها بمحبة الله تعالى، فهي لا تنظر إلا إليه، ولا تتكلم إلا عنه، ولا تسمع إلا منه ، فالمحن والمصائب
وإن كانت من جملة البلايا، إلا أن باطنها التحف والهدايا..
فما أعظم قولها: ” لم أر إلا جميلاً ” !!لقد حولت ذلك الانكسار وتلك الهزيمة العسكرية -بحسب المنظور الأموي- إلى جمال يكمن في ثمرته ونتائجه المتمثلة بالانتصار المستقبلي..
وكأنها استشرفت إلى أبعاد هذه الثورة وثمرة هذه المأساة وما سيكون لها من دور في صحوة الشعوب وتحريرهم من الطواغيت والمستكبرين، وستصبح شعارات الحسين وكلمات زينب منهاجاً يسير على دربه أحرار العالم …
إن الجواب الزينبي كان بمثابة سهام قاتلة على ابن زياد وعلى مكانته، فاهتزّ عرشه، وسقط ملكه سقوطاً معنوياً، ولا أدلّ من ذلك أنه بعد جوابها وردها الساحق عليه أراد أن يقتلها ويلحقها بأخيها، لكن أحد جلسائه وهو عمرو بن حريث هدأه وقال له: ” أصلح الله الأمير ! إنما هي امرأة ، وهل تؤاخذ المرأة بشيئ من منطقها ! إنها لا تؤاخذ بقول ولاتلام على خطل “(6) ،
فما كان من ابن زياد إلا أن أمر بترحيلها ومن معها إلى الشام حيث يزيد بن معاوية..
……..الهامش……
(1) ” تأريخ الطبري ” [ الجزء الخامس ص 456-457] ، و”مقتل الحسين (ع)” للخوارزمي [الجزء الثاني ص46-48]، و”بلاغات النساء “ص25 لابن طيفور أحمد بن أبي طاهر ، و” اللهوف في قتلى الطفوف ” ص 92-93 للسيد علي بن موسى المعروف ب السيد ابن طاووس و”لواعج الأشجان” للسيد الأمين:ص 206 و” مناقب آل أبي طالب (ع)” لابن شهر آشوب محمد بن علي [116/4] وغيرها من المصادر التي ذكرت المحاورة التي جرت بين ابن زياد وبين السيدة زينب
(2) انظر المصادر السابقة
(3) تأريخ الطبري ” [ الجزء الخامس ص 456-457] ” و الكامل في التأريخ ” لابن الأثير [367/3] (4) ذكر هذه العبارة السيد ابن طاووس في كتابه” اللهوف في قتلى الطفوف ” ص 92-93
(5)انظر مصادر هامش رقم (1) فإنهم ذكروا الحوار الذي دار بين ابن زياد وبين سليلة بيت النبوة السيدة زينب لكنهم أغفلوا ذكر عبارة ” لم أر إلا جميلا ” باستثناء السيد ابن طاووس..
(6) تأريخ الطبري ” [ الجزء الخامس ص 456-457]

▪️عدنان الجنيد
▪️الحلقة الثالثة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى