آداب الصيام
إنَّها الفرصة التي ينبغي أن لا تمرَّ علينا مرَّ السحاب، فلعلَّ الموت يسبقنا إلى استقبال شهر رمضان جديد، فلنتزود فيه من كلِّ ما ينفع من زاد الآخرة، ولنتأدَّب بأدب الأولياء في شهر الرحمن، ونستنَّ بسيرة النبي الأكرم صلوات الله وسلامه عليه وآله عليه السلام، فما هي الآداب والسنن التي وردت في أيَّام هذا الشهر الكريم ولياليه وأسحاره؟
هذا ما سنضيء عليه مفصَّلاً في هذا الفصل، سائلين الله تعالى التوفيق للعمل الصالح ونيل القبول لما بتقرَّب به إليه إنَّه رحيم بالعباد.
آداب شهر الله العامة
إنَّ شهر الله تعالى ولخصوصيَّته وفضله وما يكون عليه العبد فيه من حالة القدوم مكرماً على مائدة الله تعالى آداب عامة ينبغي التنبُّه لها في سائر الشهر الكريم، وسنسلِّط الضَّوء على أهمِّها:
1- توقير اسمه:
وذلك بعدم قول”رمضان” بدون نسبته إلى الشهر، فقد نهت العديد من الرِّوايات الشَّريفة عن تسمية الشهر الكريم بدون النسبة، ومن هذه الرِّوايات ما جاء عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال الراوي: نحن عنده ثمانية رجالٍ، فذكرنا رمضان فقال عليه السلام:” لا تقولوا: هذا رمضان، ولا ذهب رمضان، ولا جاء رمضان فإنَّ رمضان اسمٌ من أسماء الله تعالى، لا يجيء ولا يذهب، وإنَّما يجيء ويذهب الزائل، ولكن قولوا شهر رمضان، فالشهرُ مضافٌ إلى الاسم، والاسمُ اسمُ الله، وهوَ الشهرُ الذي أنزلَ فيهِ القرآن“1.
2- التذلُّل لله فيه:
لأنَّ حرمان النفس مما تحبُّ أثناء النهار ومنعها عن تناول المفطرات ضبط للشهوات، وكبحٌ لنزوات النفس النزَّاعة دوماً لنيل ما تهوى من طيب الملذَّات، وإنَّما جعل الله تعالى الصوم تأديباً لأنفسنا وتشذيباً لتطرُّفها وتعدِّيها في اتِّباع هواها، وبناءً على هذا ينبغي للصائم أن يشعر بالتذلُّل أمام الله تعالى من خلال التقيُّد التامِّ بما ألزمه به من واجب الصيام والتقرُّب به إليه، ففي الرواية عن أبي الحسن الرضا عليه السلام فيما كتب إليه من جواب مسائله:”علَّة الصوم لعرفان مسِّ الجوع والعطش، ليكون العبد ذليلاً مستكيناً مأجوراً محتسباً صابراً، ويكون ذلك دليلاً له على شدائدِ الآخرة مع ما فيه من الانكسار له عن الشهوات، واعظاً له في العاجل، دليلاً على الآجل، ليعلم شدّة مبلغِ ذلك من أهلِ الفقرِ والمسكنةِ في الدنيا والآخرة“2.
3- الاستعداد له قبل دخوله:
وذلك باستغلال شهرَي رجبٍ وشعبانَ بالإستغفار والتوبة والإنابة إلى الله تعالى، فيقدم شهر الله علينا ونحن نظيفو القلوب، صحيحو النية، وعلى أتمِّ الاستعداد للإخلاص لله تعالى في صيامه وقيامه، ففي الرواية عن عبد السَّلام بن صالح الهرُوِِِيَ قال:”دخلت على أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام في آخر جمعةٍ من شعبان فقال لي: يا أبا الصلت إنَّ شعبان قد مضى أكثره، وهذا آخر جمعة منه فتدارك فيما بقي منه تقصيرك فيما مضى منه، وعليك بالإقبالِ على ما يعنيك وترك ما لا يعنيك، وأكثر من الدعاء والإستغفار وتلاوة القرآن، وتب إلى الله من ذنوبك ليقبل شهر الله عليك وأنت مخلصٌ لله عزَّ وجلَّ، ولا تدعن أمانة في عنقك إلَّا أدَّيتها، ولا في قلبك حقداً على مؤمن إلَّا نزعته، ولا ذنباً أنت ترتكبه إلَّا أقلعت عنه، واتّق الله وتوكَّل عليه في سرائرك وعلانيَّتك ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا﴾3، وأكثر من أن تقول فيما بقي من هذا الشهر:”اللهمََّّ إن لم تكن غفرت لنا فيما مضى من شعبان فاغفر لنا فيما بقي منه،” فإنَّ الله تبارك وتعالى يعتق في هذا الشهر رقاباً من النَّار لحرمة شهر رمضان“4.
وقد أشارت الرواية إلى نوعين من الاستعداد له:
أ- الإستغفار لله تعالى من الذنوب المانعة من الوصول لمقام الإخلاص، والسالبة للتوفيق من الإنسان.
ب- أداء حقوق النَّاس المستوجبة، كالدَّين والأمانات، ولا يخفى ما في حق النَّاس من خطر على الإنسان في الآخرة، فحتى الشهيد يغفر له كلُّ ذنبٍ إلّا الدين عند أول قطرة دم.
4- الاستهلال:
من آداب الشهر الكريم استقباله بالإستهلال له في آخر يوم من شعبان، والإستهلال هو طلب رؤية هلاله، وله أدبٌ خاصٌ أشارت له الرواية الشَّريفة عن الإمام الصادق عليه السلام:”إذا رأيت هلال شهر رمضان، فلا تشر إليه، ولكن استقبل القبلة، وارفع يديك إلى الله عزَّ وجلَّ، وخاطب الهلال تقول: ربي وربُّك الله ربُّ العالمين، اللهمَّ أهلَّه علينا بالأمن والأمان، والسَّلامة والإسلام، والمسارعة إلى ما تحبَّ وترضى، اللهمَّ بارك لنا في شهرنا هذا، وارزقنا خيره وعونه، واصرف عنا ضرَّه وشرَّه، وبلاءه وفتنته”5.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام:”إذا رأيت الهلال فلا تبرح وقل: اللهمَّ إنِّي أسألك خير هذا الشهر وفتحه ونوره ونصره وبركته وطهوره ورزقه، أسألك خير ما فيه وخير ما بعده، وأعوذ بك من شرِّ ما فيه وشرِّ ما بعده، اللهمَّ أدخله علينا بالأمن والإيمان، والسَّلامة والإسلام، والبركة والتوفيق لما تحبُّ وترضى“6.
– ختم القرآن الكريم:
رُوِيَ عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال:”لكلِّ شيء ربيع وربيع القرآن شهر رمضان“7 ولأهميَّة تلاوة كتاب الله تعالى في شهر رمضان سمِّي الشهر بشهر القرآن، ويستحبُّ فيه ختم القرآن الكريم، فعن عليّ بن أبي حمزة قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال له أبو بصير: جعلت فداك أقرأ القرآن في شهر رمضان في ليلة ؟ فقال عليه السلام: لا، قال: ففي ليلتين ؟ قال عليه السلام: لا، قال: ففي ثلاث ؟ قال: ها وأشار بيده، ثم قال:”يا أبا محمَّد إنَّ لرمضان حقَّا وحرمةً لا يشبهه شيء من الشهور، وكان أصحاب محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ أحدهم القرآن في شهر أو أقلّ...”8 .
وفي خطبة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في استقبال الشهر الكريم:”ومن تلافيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور” 9.
6– الإعتكاف:
لا سيَّما في العشر الأواخر من الشهر المبارك، فمن سنَّة رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد، وضربت له قبة من شعر، وشمَّر الميزر، وطوى فراشه 10.
وأما فضل الإعتكاف فما رُوِيَ عن الإمام الصادق عن آبائه عليه السلام- قال:” قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:”إعتكاف عشر في شهر رمضان تعدل حجَّتين وعمرتين“11.
7- إغتنام أيام الجمعة فيه
فهي ذات فضل كبير عند الله تعالى، وتفوق سائر جمع باقي الشهور، فعن الإمام الباقر عليه السلام:”إنَّ لجمع شهر رمضان لفضلاً على جمع سائر الشهور كفضل شهر رمضان على سائر الشهور“12.
وينبغي الإجتهاد في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك، لما أوصى به رسول الله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم جابر بن عبد الله الأنصاريّ، ففي الرواية عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في آخر جمعة من شهر رمضان، فلمّا بصر بي قال لي:” يا جابر هذا آخر جمعة من شهر رمضان فودِّعه، وقل:”اللهمَّ لا تجعله آخر العهد من صيامنا إيَّاه، فإن جعلته فاجعلني مرحوماً ولا تجعلني محروماً فإنَّه من قال ذلك ظفر بإحدى الحسنيين: إمَّا ببلوغ شهر رمضان من قابل، وإمَّا بغفران الله ورحمته“13.
*اداب الصوم , سلسلة الاداب والسنن, نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1- النوري – حسين الطبرسي- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل- مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث- الطبعة الأولى- ج 7- ص 438- 439
2- الحر العاملي- محمَّد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 10 ص 8
3- الطلاق: 3
4- الحر العاملي- محمَّد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 10- ص 301- 302
5- النوري – حسين الطبرسي- مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل- مؤسسة أهل البيت لإحياء التراث- الطبعة الأولى- ج 7- ص 439
6- الحر العاملي- محمَّد بن الحسن- وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 10 ص 323
7- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية – طهران- الطبعة الخامسة- ج 2 ص 630
8- الكليني-الكافي- دار الكتب الإسلامية – طهران- الطبعة الخامسة- ج 2 ص 617
9- المجلسي-محمَّد باقر- بحار الأنوار- مؤسسة الوفاء،الطبعة الثانية المصححة- ج 93 ص 357
10- الحر العاملي- محمَّد بن الحسنئ وسائل الشيعة- مؤسسة أهل البيت- الطبعة الثانية 1414 ه.ق.- ج 10- ص 533
11- م.س- ج 10- ص 534
12- م.س- ج 10- ص 363
13- م.س- ج 10- ص 365