مقالات

معرفة أهل البيت عليهم السلام

قيمة معرفة أهل البيت عليهم السلام

في الحديث المعروف بحديث الثَّقلين، والثَّابت عند جميع المسلمين، يأمر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميع النَّاس بالتَّمسُّك بالقرآن الكريم والعترة الطَّاهرة: “يا أيُّها النَّاس إنِّي تارك فيكم الثَّقلين: الثَّقل الأكبر، والثَّقل الأصغر، إن تمسكتم بهما لا تَضِلُّوا، ولا تُبَّدلُوا*، وإنِّي سألت اللَّطيف الخبير أن لا يتفرَّقا حتَّى يردا عليَّ الحوض فأعطيت ذلك، قالوا: وما الثَّقلَ الأكبر؟ وما الثَّقلَ الأصغر؟ قال: الثَّقلُ الأكبر كتاب الله سبب طرفه بيد الله، وسبب طرفه بأيديكم والثَّقلُ الأصغر عترتي وأهل بيتي”1، في هذا الحديث الشَّريف دلالة واضحة على أهمّيَّة الخطب وعظمته، فأنْ يقرن الرَّسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم القرآن الكريم الهادي بالعترة الطَّاهرة المهديّة إلى يوم القيامة، وأن يكون كلاهما ثقل ولكن أحدهما أكبر من الثَّاني لدليل جليّ وقويّ على عُلَوُّ منزلة العترة وشرافة قدرها ودرجتها عند الله، وإلَّا لما صحّ هذا الاقتران. ومن هنا نفهم لماذا حثّت الآيات والرّوايات على أهمّيَّة معرفتهم (سلام الله عليهم أجمعين) وذمّت بشدَّة تركهم:

1- في الحثّ على معرفتهم عليهم السلام: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “من منَّ الله عليه بمَعرِفةِ أهلِ بيتي وولايتهم، فقد جمع الله له الخيرَ كُلّه”2. وقال سلمان الفارسيّ: “دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوماً، فلمّا نظر إليَّ قال: يا سلمان، إنَّ الله عزَّ وجلَّ لم يبعث نبيّاً ولا رسولاً إلَّا جعل له اثني عشر نقيباً… قُلتُ: يا رسول الله، بأبي أنتَ وأمِّي، ما لمن عرف هؤلاء؟ فقال: يا سَلمانُ، من عرَفَهم حقَّ معرفتهم واقتدى بهم، فوالى وليَّهم وتبَرّأ من عدُوّهم، فهُو والله مِنّا، يردُ حيثُ نرد، ويسكُن حيثُ نسكن”3.

وعن الإمام الباقر عليه السلام: “إنَّما يعرف الله عزّ وجلّ ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منَّا أهل البيت، ومن لا يعرف الله عزَّ وجلَّ و (لا) يعرف الإمام منَّا أهل البيت فإنَّما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا”4.

2- في ذمِّ عدم معرفتهم عليهم السلام: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: “من مات لا يَعرِف إمامَهُ ماتَ ميتةً جاهليَّة”5. وعنه أيضاً صلى الله عليه وآله وسلم قال: “من مات وليس له إمامٌ من وُلدي ماتَ مِيتةً جاهليَّة، ويُؤخذُ بما عمل في الجاهليَّة والإسلام”6.

أهم خصائص أهل البيت عليهم السلام

أهل البيت عليهم السلام أفضل الخلق وأكملهم وأزكاهم وأطهرهم، وقد ذكرت أوصافهم في عشرات الرّوايات، نذكر منها:

1– الطَّهارة والعصمة: قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً7.

وعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنَّه قال: “أنا وعليّ والحسن والحسين وتسعةٌ من ولدِ الحسين، مطهَّرون معصومون”8.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: “الأئمَّة بعدي اثنا عشر عدد نُقبَاء بني إسرائيل تسعة من صلب الحسين أعطاهم الله علمي وفهمي فالويل لمبغضيهم”9.

وقال الإمام علي عليه السلام: “إنَّما أمَر الله عزَّ وجلَّ بطاعةِ الرسول، لأنّه معصومٌ مطهرَّ، لا يأمُر بمعصيته. وإنَّما أمر بطاعة أولي الأمر، لأنَّهم معصومون مطَّهَّرون، لا يأمُرون بمعصيته”10.

2- عِدلُ* القرآن: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “كأنّي قد دُعِيت فَأجَبْتُ وإنّي تاركٌ فيكم الثّقَلَيْنِ، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السَّماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي فانظروا كيف تخلفوني فيه”11.

3- خزنة علم الله وتراجمة وحيه: عن الإمام الباقر عليه السلام قال: “نحن خزّان علم الله، ونحنُ تراجمَةُ وحي الله”12. وفي عدّة روايات أنَّهم ورثة علم الأنبياء عليهم السلام.

4- عندهم علم الكتاب: عن الإمام عليّ عليه السلام في قول الله تبارك وتعالى: ﴿قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ13 “أنا هو الذي عِندَه علم الكتاب”.

5- أفضل الخلق: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “فأنا وأهل بيتي صفوةُ الله وخيرته من خلقه”14.

6- أبواب الله: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “نحنُ باب الله الَّذي يُؤتى منه، بنا يهتدي المهتدون”15.

7- أركان العالم وأمان أهل الأرض: عن النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “النُّجوم أمانٌ لأهل السَّماء، وأهلُ بيتي أمانٌ لأهل الأرض، فإذا ذَهبَ أهلُ بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدُوّن”16.

8- خلفاء الله وأوصياء النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: عن النَّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: “أنا سيّدُ النَّبيِّين، وعليّ بن أبي طالب سيّدُ الوصيِّين، وإنّ أوصيائي بعدي اثنا عشر، أوّلُهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم القائم“17، وعن الإمام الرِّضا عليه السلام: “الأئمة خُلفاء الله عزّ وجلّ في أرضه”18.

ما يتَرتَّب على معرفة أهل البيت عليهم السلام

بعد معرفتنا لمقام أهل البيت عليهم السلام عند الله ورسوله ينبغي علينا:

1- معرفة حقوقهم عليهم السلام: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “والّذي نفسي بيده لا ينفعُ عبداً عملُه إلَّا بمعرفة حقّنا”19.

2- مودَّتهم عليهم السلام: قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ20.

3- تحبيبهم عليهم السلام إلى النَّاس: الإمام الصَّادق عليه السلام: “رحم الله عبداً حبَّبنا إلى النَّاس ولم يُبّغِّضنا إليهم”21.

4- طاعتهم عليهم السلام: قال الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ22. إنّ طاعة أولياء الله عزّ وجلّ فرض فرضه الله سبحانه وتعالى، لأنّه مفتاح وباب لطاعته. عن النَّبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم: “تمسَّكوا بطاعة أئمتكم ولا تُخالفوهم، فإنّ طاعتهم طاعة الله، وإنّ معصيتهم معصية الله”23.

وعن الإمام أبي جعفر َ عليه السلام قال: “ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرَّحمن تبارك وتعالى الطّاعة للإمام بعد معرفته، ثمَّ قال: إنّ الله تبارك وتعالى يقول: ﴿مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظً24.

ويتحدَّث الإمام الصَّادق عليه السلام في رواية أخرى عن صفات الشِّيعة الحقيقيِّين ويذكر الطَّاعة كأوَّل وأهمّ صفة يقول عليه السلام: “يا جابر أيكتفي من ينتحل التَّشيُّع أن يقول بحبّنا أهل البيت، فوالله ما شيعتنا إلّا من اتَّقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون يا جابر إلّا بالتَّواضع، والتَّخشُّع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصَّوم، والصَّلاة، والبرّ بالوالدين، والتَّعاهد للجيران، من الفقراء وأهل المسكنة والغارمين والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكفُّ الألسن عن النَّاس إلّا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء. قال جابر: فقلت: يا ابن رسول الله ما نعرف اليوم أحداً بهذه الصِّفة، فقال: يا جابر لا تذهبنّ بك المذاهب، حسب الرجل أن يقول: أحبّ عليّاً وأتولّاه ثمّ لا يكون مع ذلك فعّالاً؟ فلو قال: إنّي أحبّ رسول الله فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من عليّ َ عليه السلام ثمَّ لا يتَّبِع سيرته ولا يعمل بسنَّته ما نفعه حبّه إيّاه شيئاً، فاتَّقوا الله واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحبّ العباد إلى الله عزّ وجلّ (وأكرمهم عليه) أتقاهم وأعملهم بطاعته، يا جابر والله ما يتقرَّب إلى الله تبارك وتعالى إلّا بالطَّاعة، وما معنا براءة من النَّار، ولا على الله لأحد من حجَّة، من كان لله مطيعاً فهو لنا وليٌّ، ومن كان لله عاصياً فهو لنا عدُوّ، وما تُنال ولايتنا إلّا بالعمل والورع“25.

وتجدر الإشارة إلى أنَّه ولاية الأئمَّة لوحدها لا تكفي، بل لا بدَّ من عداوة أعدائهم أيضاً، فعن الإمام الرِّضا عليه السلام قال: “كمال الدِّين ولايَتُنا والبراءة من عدُوّنا”26.

التَّحذير من الغلُوّ في أهل البيت عليهم السلام

تعتبر حركة الغلاة من أخطر الحركات ضرراً على الإسلام والمجتمع الإسلاميّ، لأنَّها حركة عقائديَّة تستهدف ضرب الإسلام من الدَّاخل وبعناوين جذّابة، لهذا نجد أن مواجهة الأئمة عليهم السلام لها كانت شديدة وقاسية إلى حدِّ تكفير الغلاة. قال الإمام عليّ عليه السلام: “إيّاكم والغُلُوَّ فينا، قولوا: إنّا عبيدٌ مربوبون، وقولوا في فضلنا ما شئتم”27. عن الإمام الصَّادق عليه السلام: “احذروا على شبابكم الغُلاة لا يُفسدونهم، فإنّ الغلاة شرّ خلق الله، يُصغّرون عظمة الله ويدَّعون الرُّبوبيَّة لعباد الله. والله، إنّ الغُلاةَ أشرُّ من اليهود والنَّصارى والمجوس والَّذين أشرَكوا”28.

وقد تبرَّأ أهل البيت من الغلاة وحكموا بهلاكهم وكفرهم، قال الإمام عليّ عليه السلام: “لا تتجاوزوا بنا العُبوديَّة، ثمّ قولوا ما شئتم ولن تبلُغوا، وإيّاكم والغلُوّ كغلُوِّ النَّصارى، فإنَّني بريءٌ من الغالين“29، وعنه عليه السلام: “هَلَكَ فيَّ رجلان: محبّ غالٍ ومبغض قالٍ”30.

طاعة الوليّ الفقيه من طاعة الأئمّة عليهم السلام

أمَّا في عصر الغيبة، فقد نصَّب الأئمّة عليهم السلام الفقهاء من بعدهم نوّاباً لهم، هم الفقهاء الجامعون للشَّرائط، فطاعة الفقهاء هي من طاعة الأئمَّة عليهم السلام، فقد ورد في الرِّواية عن الإمام صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف: “وأمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنَّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله”31. فالإنسان الَّذي يعيش مسؤوليَّة العمل بالتَّكليف الإلهيّ، ويحمل همّ النَّجاة في يوم القيامة، عليه أن يُظهر ذلك في سلوكه بالتزامه بطاعة وليّ الأمر، وأن يعلم أنّه بذلك يصل إلى رضا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

* كتاب منار الهدى، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.


1- بحار الأنوار، م.س، ج 23، ص 140. (تحقيق: البهبوديّ) (*) (ولا تَتَبدَّلُوا أو ولا تُبَدَّلُوا أو تُبْدَلوا) أبدلهُ: غيره أبدل الشيء بغيره ومنه: اتّخذ عوضاً له. بدَّل الشيءُ شيئاً آخر: جعله مكان غيره، تبدَّل: تغيَّر، تبدَّل الشيء وبه: اتّخذ منه بدلاً، وتبدل الشيء بالشيء: أخذه بدله.
2- الشيخ الصَّدوق، الأمالي، تحقيق مؤسّسة البعثة، ط 1، قم، مؤسَّسة البعثة، 1417هـ، ص 561.
3- بحار الأنوار، ج 53، ص 142.
4- الكافي، ج 1، ص 181.
5- م.ن، ج2، ص20.
6- الشيخ الصَّدوق، عيون أخبار الرّضا عليه السلام، ج 1، تحقيق الأعلمي، لا. ط، بيروت، مؤسَّسة الأعلميّ 1404 هـ 1984م. ج 1، ص 63.
7- سورة الأحزاب، الآية: 33.
8- عيون أخبار الرّضا عليه السلام، ج 1، ص 64.
9- بحار الأنوار، ج 36، ص 347. (تحقيق: البهبوديّ)
10- وسائل ‏الشيعة، ج 27، ص 129.
11- بحار الأنوار، ج 10، ص 369. (تحقيق: الشيرازيّ) (*) العِدل: العديل، المِثل: النَّظير.
12- الكافي، ج 1، ص 192.
13- سورة الرعد، الآية: 43.
14- بصائر الدرجات، الصّفّار، تحقيق: كوجه باغي، طهران، منشوارت الأعلمي، 1404هـ 1362ش، ص 236، ج 21.
15- شرح إحقاق الحقّ، السيّد المرعشيّ، ج 9، تحقيق: السيّد شهاب الدّين المرعشي النَّجفيّ، لا. ط، قم إيران، منشورات مكتبة المرعشي النّجفيّ، ص 483.
16- الشيخ الصَّدوق، فضائل الشيعة، لا. ط، طهران، كانون انتشارات عابدي، لا. ت، ص 8، الحديث: 7.
17- القتندوزيّ، ينابيع المودَّة، ج 1، تحقيق: السيّد عليّ الحسينيّ، ط 1، لا. م، دار الأسوة، 1416هـ، ص 71، ح 2.
18- كمال الدين، ص 280، الباب: 24، الحديث: 29.
19- الكافي، ج 1، ص 193.
20- الطوسيّ، أمالي، ط 1، تحقيق مؤسَّسة البعثة، قم، دار الثقافة، 1414هـ، ص 187.
21- سورة الشورى، الآية23.
22- الكافي، ج 8، ص 229.
23- سورة النساء، الآية 59.
24- الهيثميّ، مجمع الزّوائد، ج 5، لا. ط، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1408هـ 1988م، ص 220.
25- الكافي، ج 1، ص 185-186.
26- الكافي،ج 2، ص 74-75.
27- مستطرفات السرائر، ص 640.
28- الخصال، ص 614.
29- أمالي الطوسي، ص 650.
30- الإحتجاج، ج 2، ص 233.
31- نهج البلاغة، ص 489، باب حكم أمير المؤمنين عليه السلام، الحكمة 117، (تحقيق الصَّالح).
32- وسائل الشيعة، ج 27، ص 140.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى