آية القربى في الروايات الإسلامية
نقلت روايات كثيرة في مصادر السنّة والشيعة في ذيل هذه الآية : {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْراً إِلَّا الْمَودَّةَ فِى الْقُربى} حيث لها تأثير كبير في تفسير وتبيين مفهوم الآية، من جملتها الروايات الآتية :
ينقل «الحاكم الحسكاني» وهو من مشاهير علماء القرن الخامس الهجري في «شواهد التنزيل» عن «سعيد بن جبير» عن «ابن عباس» ما يلي :
«لمّا نزلت قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودة في القربى، قالوا : يا رسول اللَّه من هؤلاء القربى الذين أمرنا اللَّه بمودتهم؟ قال : علي وفاطمة وولدهما» (1).
ورويت في الكتاب نفسه عدّة روايات اخرى بهذا المضمون بطرق مختلفة عن ابن عباس (2).
2- وفي رواية اخرى في الكتاب نفسه يروي عن أبي امامة الباهلي أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال :
«إنّ اللَّه خلق الأنبياء من أشجار شتى، وخلقت وعلي من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها، وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمارها وأشياعنا أوراقها فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا ومن زاغ هوى، ولو أنّ عبداً عبد اللَّه بين الصفا والمروة ألف عام، ثم ألف عام، ثم ألف عام، حتى يصير كالشنّ اليابس، ثم لم يدرك محبتنا أكبّه اللَّه على منخريه في النار. ثم قرأ : «قل لا أسألكُم عليه أجراً إلّا المودة في القربى» (3).
3- يروي «السيوطي» المفسر السنّي الشهير في الدر المنثور في ذيل آية البحث عن مجاهد عن ابن عباس أنّ النبي صلى الله عليه و آله قال في تفسير الآية : «قل لا أسألكم عليه أجراً- أنّ تحفظوني في أهل بيتي وتودوهم بي» (4).
4- يروي «أحمد بن حنبل» في «فضائل الصحابة» عن «سعيد بن جبير» : لما نزلت آية «قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودة في القربى»، سأل القوم رسول اللَّه : من هم قرباك الذين وجبت مودتهم علينا؟ قال : «علي وفاطمة وابناهما وقالها ثلاثاً» (5).
ونقل القرطبي المعنى نفسه في تفسير الآية بشيء من الاختلاف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس.
5- يروي «الحافظ أبو نعيم الاصفهاني» في «حلية الأولياء» عن «جابر» : أنّ أعرابياً جاء لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله وقال : يا محمد أعرض عليّ الإسلام، فقال : «تشهد أن لا إله إلّا اللَّه وحده لا شريك له وأنّ محمداً عبده ورسوله، قال تسألني عليه أجراً؟ قال : لا، إلّا المودة في القربى، قال : قرباي أو قرباك؟ قال : قرباي، قال : هات ابايعك، فعلى من لا يحبّك ولا يحب قرباك لعنة اللَّه، قال صلى الله عليه و آله : آمين» (6).
6- ويروي المفسر المعروف «ابن جرير الطبري» أيضاً في ذيل هذه الآية عن ابن جبير أنّه قال : «هي قربى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله».
7- يروي «الحاكم» في «مستدرك الصحيحين» عن علي بن الحسين عليه السلام لمّا قتل علي عليه السلام خطب الحسن بن علي عليه السلام : «وممّا قاله في خطبته أنّه عرف نفسه حتى بلغ هذه العبارة) : إنا من أهل البيت الذين افترض اللَّه مودتهم على كل مسلم فقال تبارك تعالى لنبيه صلى الله عليه و آله : قل لا اسألكم عليه أجراً إلّا المودة في القربى» (7).
كما نقل هذه الرواية فريقٌ من مشاهير أهل السنّة، منهم محبّ الدين الطبري في الذخائر (ص 138) وابن حجر في صواعقه الصفحة 101، والسيوطي في الدر المنثور ذيل آية البحث.
8- يروي المفسر المعروف أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في جامع البيان عن أبي الديلم :
لما جيء بعلي بن الحسين عليه السلام أسيراً إلى الشام فاوقفوه عند باب دمشق، فقام رجل من أهل الشام وقال : الحمد للَّه الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرني الفتنة، فقال له علي بن الحسين عليه السلام : أَقرأت القرآن يا شيخ؟ قال : نعم، فقال عليه السلام أقرات حم؟ قال : قرأتٌ القرآن ولكن لم أقرء آل حم، قال عليه السلام أما قرأت : «قل لا أسألكم علية أجراً إلّا المورة في القربى»، فقال : وإنّكم لأنتم هم؟ قال عليه السلام : «نعم!» (8).
9- يروي «ابن حجر» في «الصواعق المحرقة» عن علي عليه السلام أنّه قال : «فينا آل حم آية، لا يحفظ مودتنا إلّا كل مؤمن ثمّ قرأ : قل لا أسألكم عليه أجراً إلّا المودّة في القربى» (9).
وورد نظير هذا المعنى أيضاً في كنز العمال (10).
و يستفاد جيداً من هذه الرواية أنّ المراد من «القربى» في آية البحث هم قربى الرسول صلى الله عليه و آله.
والمقصود من آل حم مجموعة السور التي جاءت حم في مطلعها وهي عبارة عن السور
السبع التالية : المؤمن، فصلت، الشورى، الزخرف، الدخان، الجاثية والاحقاف، وآية البحث في واحدة منها (11).
10- نقل الزمخشري في الكشاف، وكذا الفخر الرازي في التفسير الكبير، والقرطبي في تفسيره حديثاً عن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في ذيل هذه الآية الكريمة تكشف عن أهميّة مودة آل محمد صلى الله عليه و آله بنحو مدهش، ونحن هنا ننقل نصّ الحديث عن تفسير الكشاف، إذ يقول : قال رسول اللَّه صلى الله عليه و آله : «مَنْ مات على حب آل محمّد مات شهيداً- ألا ومَنْ مات على حب آل محمّد صلى الله عليه و آله مات مغفوراً له، ألا ومَنْ مات على حبّ آل محمّدٍ مات تائباً، أَلا ومَنْ مات على حبّ آل محمّد صلى الله عليه و آله مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا وَمَنْ مات على حب آل محمّد صلى الله عليه و آله بشّرهُ مَلَك الموت بالجنّة ثم مُنكر ونكير، ألا وَمَنْ مات على حب آل محمّد صلى الله عليه و آله يزف إلى الجنّة كما تُزف العروس إلى بيت زوجها، ألا ومَنْ مات على حب آل محمّد صلى الله عليه و آله فُتح له في قبره بابان إلى الجنّة، ألا ومَنْ مات على حب آل محمّد صلى الله عليه و آله جعل اللَّه قبره مزار ملائكة الرحمة، ألا ومَنْ مات على حب آل محمّد صلى الله عليه و آله مات على السنّة والجماعة، ألا (12) ومَنْ مات على بغض آل محمّد صلى الله عليه و آله جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللَّه، ألا ومَنْ مات على بغض آل محمّد صلى الله عليه و آله مات كافراً، ألا ومَنْ مات على بغض آل محمّد لم يشم رائحة الجنة».
والمدهش أنّه جاء في بعض حواشي تفسير الكشاف التي دونت من قبل بعض المتعصبين بعد نقل هذا الحديث الشريف : وآثار الوضع عليه لائحة!.
ولكن ما الدليل على مجعوليته وفي أي موضع من هذا الحديث يلوح أثر هذا الجعل؟ لم يوضّح ذلك، سوى أنّ عظمة شأن آل محمّد صلى الله عليه و آله التي تمّ بيانها في هذا الحديث النبوي الشريف لا تتفق والحكم المسبق للبعض، ولعلهم كانوا يرون عظمة آل محمّد صلى الله عليه و آله للمرة الاولى بهذا المستوى الراقي في هذا الحديث النبوي الشريف، وقد نقل ذلك الحديث القديم ثلاثة من كبار المفسرين الذين يعتقدون به وتقبلوه بقبول حسن ولم يوردوا عليه مؤاخذه.
هذا في الوقت الذي يقول الفخر الرازي في ذيل هذا الحديث : وإن كان في معنى «آل» جدل واختلاف، ولكن «لا شك أنّ فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول اللَّه أشدّ التعلقات وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل».
ويقيم «الفخر الرازي» أيضاً شواهد وقرائن كثيرة على هذا المعنى بأنّ علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام داخلون في هذه الآية (13).
يتبيّن ممّا قيل آنفاً أنّ بعض الروايات التي نقلت في ذيل هذه الآية والتي تقول : «إنّ المخاطب فيها هم كفار قريش، والمراد هو أن لا تنسوا قرابتي منكم ولا تؤذوني لقرابتي منكم» لايمكن قبولها، ويحتمل أنّ وُضّاع الحديث قد نقلوا مثل هذا الأمر، للتقليل من أهميّة منزلة أهل البيت عليهم السلام، لأنّ مثل هذا الخطاب لكفار قريش يتعارض تماماً مع مفهوم الآية، فمن المستحيل أن يقول النبي صلى الله عليه و آله لهم لا أسألكم أجراً سوى أن لا تنسوا قرابتي منكم وهم غير موقنين أطلاقاً برسالة النبي صلى الله عليه و آله فضلًا عن رغبتهم في اعطائه الأجر.
خلاصة القول، إنّ أولئك الذين تمسكوا بهذه الرواية ولكنهم يقطعون علاقة الآية بأهل البيت عليهم السلام هم في الحقيقة ينكرون مضمون الآية لأنّ طلب أجر الرسالة من منكريها فارغ عن المعنى تماماً.
ونختتم هذا البحث بأبيات من الشعر حيث ذكرها الفخر الرازي والآلوسي في «التفسير الكبير» و «روح المعاني» في ذيل هذه الآية ليكون ختاماً مباركاً لهذا البحث ويكون «ختامه مسك».
وهذا الشعر صادر عن الإمام الشافعي المعروف باعتقاده الراسخ بأهل البيت عليهم السلام إذ يقول :
يا راكباً قف بالُمحصب من منى واهتف بساكن خيفها والناهض
سَحراً إذا فاض الحجيج إلى مِنى فيضاً كَمُلْتَطَمِ الفرات الفائضِ
إن كان رفضاً حبُّ آل محمّدٍ فليشهد الثقلان انّي رافضي (14)
جعلنا اللَّه من محبي آل محمّد صلى الله عليه و آله الذين نصلي عليهم في صلاتنا وبدون ذلك لا تقبل صلاتنا، اللّهم اجعل هذه المحبّة مقدّمة لمعرفة «مقام ولايتهم» كي لا نتصور أنّ قضية بهذه الأهميّة طرحت على أنّها مودة عادية، ثم اجعل هذه المعرفة سبيلًا لاتباع مذهبهم.
______________________________
(1) شواهد التنزيل، ج 2، ص 130.
(2) المصدر السابق، ص 131- 135.
(3) شواهد التنزيل، ص 141.
(4) تفسير در المنثور، ج 6، ص 7.
(5) احقاق الحق، ج 3، ص 2.
(6) حلية الأولياء، ج 3، ص 201.
(7) مستدرك الصحيحين، ج 3، ص 172.
(8) تفسير جامع البيان، ج 25، ص 16.
(9) الصواعق المحرقة، ص 101.
(10) كنز العمال، ج 1، ص 118.
(11) يراجع هامش تفسير مجمع البيان، ج 7 و 8، ص 512 مطلع سورة المؤمن.
(12) تفسير الكشاف، ج 4، ص 220 و 221؛ تفسير الكبير، ج 27، ص 165 و 166؛ تفسير القرطبي، ج 8، ص 5843.
(13) للمزيد من الاطلاع راجعوا تفسير الكبير، ج 27، ص 166 و 167.
(14) تفسير الكبير، ج 27، ص 166؛ و تفسير روح المعاني، ج 25، ص 32.