اختلاف الأمة .. متى يكون اختلاف الأمة رحمة لها لا نقمة عليها؟
طلب مني أستاذنا الفاضل، وأخانا ومهيارنا السبتي الشاعر الكبير، بحثا مختصرا عن اختلاف الأمة، وهل هو رحمة، أو نقمة؟
فالظاهر، والوقائع التي نراها ونشاهدها بل ونعيشها يوميا في بلداننا منذ عقود من الزمن، تقول: بأن الاختلاف نقمة، بل وكارثة ومأساة الأمة العربية والإسلامية، فكيف نفهم هذا الحديث الوارد عن الرسول الأعظم (ص)؟
أستاذنا الفاضل؛ أننا نعيش أزمة فكرية حقيقية، بل نعيش نوعا من التغريب عن لغتنا وتاريخنا، ادى ذلك لغربتنا عن أنفسنا وثقافتنا، فنحن أمة لا تقرأ، في عصر الحضارة الرقمية العملاقة نحن نعيش ثقافة الصورة، والتسطيح الفكري، لأننا نأخذ ما يلقيه علينا أعداؤنا..
فهناك فرق بين كلمتين متقاربتين جدا ومتداخلتي أيضا هما؛
الخلاف.. بمعنى الشقاق، والخصام، والمنازعة..
والاختلاف.. بمعنى التردد الى المكان والتزاور بين المؤمنين.
وقد بيّن الإمام الصادق(عليه السلام) المراد من مضمون هذا الحديث النبوي في عصره بحديث نرويه.
فقد روى الصدوق في (علل الشرائع 1: 85) بسنده عن عبد المؤمن الأنصاري، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إن قوماً يروون أن رسول الله(ص) قال: (اختلاف أمتي رحمة).
فقال: صدقوا.
فقلت: إن كان اختلافهم رحمة فاجتماعهم عذاب؟ (إذ فهم الاختلاف ضد الاجتماع وهي التفرق والتشرزم والشقاق)..
قال: ليس حيث تذهب وذهبوا، إنما أراد قول الله عز وجل: (فَلَوْلا نَفَرَ منْ كلّ فرْقَة منْهمْ طَائفَةٌ ليَتَفَقَّهوا في الدّين وَلينْذروا قَوْمَهمْ إذَا رَجَعوا إلَيْهمْ لَعَلَّهمْ يَحْذَرونَ) (التوبة:122)
فأمرهم أن ينفروا إلى رسول الله(ص) ويختلفوا إليه، فيتعلموا، ثم يرجعوا إلى قومهم فيعلموهم، إنما أراد اختلافهم من البلدان، وليس اختلافاً في دين الله، إنما الدين واحد).
فالمراد بالاختلاف في الحديث النبوي المذكور هو التردد، والذهاب والمجيء إلى حلقات العلم، كما في قوله تعالى من معنى الأختلاف أي الذهاب والمجيء ( وله أختلاف الليل والنهار )(المؤمنون: 80).
فالرحمة بالتلاقي، والتزاور، والاجتماع في طلب العلم، فتتلاقح الأفكار ويكون الابداع الفكري والعلمي والتفتح الثقافي في الأمة وهي الرحمة لها لأنه يبني لها حضارتها ويرفع من شأنها بين الأمم والشعوب، حيث تقوى شوكتها وتشتد ريحها، فتكون مهابة الجانب عزيزة قوية..
وجميل ما جاء في المستدرك للحاكم كتاب معرفه الصحابة مناقب اهل رسول الله (صل الله عليه واله) حديث 4715 : عن إبن عباس، قال: قال رسول الله (صل الله عليه واله): النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الإختلاف فإذا خالفتها قبيلة من العرب إختلفوا فصاروا حزب إبليس). هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
اذا؛ الاختلاف نوعان:
- نوع ممدوح؛ وهو التزاور، والتردد الى حلقات العلم.. وهذا الاختلاف الذي يبني الأمة ويرفع شأنها..
- ونوع مذموم؛ وهو التنازع، والشقاق، والتقاتل.. وهذا هو قاصم الأمة، ومدمرها، وهادم عزها وحضارتها..
وفي رواية الحاكم في المستدرك تصريح واضح بان ترك مذهب ومنهاج وطريق أهل البيت(عليهم السلام) والاختلاف معهم، وليس الاختلاف إليهم، هوالضلال بعينه، والخروج من الدين الحنيف، ومفارقة حزب الرحمن الى حزب الشيطان، وهذا الاختلاف مع اهل البيت (ع) من الاختلاف المذموم بل المحرم..
ولكن للأسف تجد الأمة اختلفت مع أهل البيت الأطهار(ع)، وحاربتهم مع بني أمية الطلقاء، فصارت حزب الشيطان معاوية بن أبي سفيان..
وهي الى اليوم تخالف أهل البيت، وتحالف بني أمية، وما نراه نتيجة طبيعية لأفعالهم الباطلة..
الحسين كريمو