مقالات

تفسير آيات من القرآن الكريم (النساء 2)

قال تعالى : {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا} [النساء : 2] .

تفسير مجمع البيان
– ذكر الطبرسي في تفسير  هذه الآية (1) :

لما أمر الله سبحانه بالتقوى ، وصلة الأرحام ، عقبه بباب آخر من التقوى ، وهو توفير حقوق اليتامى ، فقال {وآتوا اليتامى أموالهم} ، وهذا خطاب لأوصياء اليتامى : أي أعطوهم أموالهم بالإنفاق عليهم في حالة الصغر ، وبالتسليم إليهم عند البلوغ ، إذا أونس منهم الرشد وسماهم يتامى بعد البلوغ مجازا لأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال : ” لا يُتم بعد احتلام ”  كما قالوا للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) : يتيم أبي طالب بعد كبره ، يعنون أنه رباه ، وكقوله سبحانه {وألقي السحرة ساجدين} : أي الذين كانوا سحرة .

{ولا تتبدلوا الخبيث بالطيب} ، معناه : لا تستبدلوا ما حرمه الله تعالى عليكم من أموال اليتامى ، بما أحله الله لكم من أموالكم . واختلف في صفة التبديل ، فقيل كان أوصياء اليتامى يأخذون الجيد من مال اليتيم والرفيع منه ويجعلون مكانه الخسيس والرديء عن إبراهيم النخعي والسدي وسعيد بن المسيب والزهري والربيع والضحاك وقيل معناه لا تتبدلوا الخبيث بالطيب بأن تتعجلوا الحرام قبل أن يأتيكم الرزق الحلال الذي قدر لكم عن أبي صالح ومجاهد وقيل معناه ما كان أهل الجاهلية يفعلونه من أنهم لم يكونوا يورثون النساء ولا الصغار بل يأخذه الكبار عن ابن زيد وأقوى الوجوه الأول لأنه إنما ذكر عقيب أموال اليتامى فيكون معناه لا تأخذوا السمين والجيد من أموالهم وتضعوا مكانهما المهزول والرديء فتحفظون عليهم عدد أموالهم ومقاديرها وتجحفون بهم في صفاتها ومعانيها .

وقوله {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} : أي مع أموالكم . ومعناه : ولا تضيفوا أموالهم إلى أموالكم فتأكلوهما جميعا . ويحتمل أن يكون معناه : ولا تخلطوا الجيد من أموالهم بالرديء من أموالكم ، فتأكلوها ، فإن في ذلك إجحافا وإضرارا بهم فأما إذا لم يكن في ذلك أضرار ولا ظلم فلا بأس بخلط مال اليتيم بماله فقد روي أنه لما نزلت هذه الآية كرهوا مخالطة اليتامى فشق ذلك عليهم فشكوا ذلك إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فأنزل الله سبحانه : {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم في الدين} الآية . عن الحسن ، وهو المروي عن السيدين الباقر (عليه السلام) ، والصادق (عليه السلام) .

{إنه كان حوبا كبيرا} : أي إثما عظيما.

____________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 9-10 .

تفسير الكاشف
– ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير  هذه الآية (1) :

{وآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ} . لا بد لليتيم من عاقل أمين يرعاه في تربيته ، ويدبر أمواله لمصلحته إلى أن يصبح أهلا للاستقلال في نفسه ، ومعرفة ما يصلحها ويفسدها ، وهذه الآية تتعلق بأموال الأيتام ، فتأمر أوصياءهم أن يحافظوا عليها ، ولا يتعرضوا لها بسوء ، وأن يوصلوها إليهم بالإنفاق عليهم ما داموا صغارا ، ويسلموها لهم عند البلوغ والاستقلال .

{ولا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} . المراد بالخبيث هنا المال الحرام ، وبالطيب المال الحلال ، والمعنى لا تأكلوا وتتمتعوا بأموال اليتيم ، وتحتفظوا بأموالكم ، وإذا فعلتم ذلك فقد استبدلتم الخبيث الذي حرمه عليكم من أموال اليتامى بالطيب الذي أحله اللَّه لكم من أموالكم . فهو نظير قوله تعالى : {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} [البقرة – 61] .

{ولا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً} . المراد بلا تأكلوا هنا لا تتصرفوا ، والمعنى لا تتسلطوا على أموال اليتامى بالأكل والانتفاع ، كما تفعلون في أموالكم ، لأن مهمتكم تنحصر في حدود صيانتها ، واستثمارها لصالح الأيتام ، فإذا تجاوزتم هذه الحدود كنتم آثمين مجرمين .

______________________

1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 246 .

تفسير الميزان
– ذكر الطباطبائي في تفسير  هذه الآية(1) :

قوله تعالى : { وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ } إلى آخر الآية ، أمر بإيتاء اليتامى أموالهم وهو توطئة للجملتين اللاحقتين : { وَلا تَتَبَدَّلُوا } « إلخ » أو الجملتان كالمفسر لهذه الجملة غير أن التعليل الذي في آخر الآية لكونه راجعا إلى الجملتين أو الجملة الأخيرة يؤيد أن الجملة الأولى موضوعة في الكلام تمهيدا للنهي الذي في الجملتين اللاحقتين.

وأصل النهي عن التصرف المضار في أموال اليتامى كما تقدم بيانه توطئة وتمهيد لما سيذكر من أحكام الإرث ، ولما سيذكر في الآية التالية من حكم التزوج.

وأما قوله تعالى : { وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ } أي لا تتبدلوا الخبيث من أموالكم من الطيب من أموالهم بأن يكون لهم عندكم مال طيب فتعزلوه لأنفسكم وتردوا إليهم ما يعادله من ردي أموالكم. ويمكن أن يكون المراد : لا تتبدلوا أكل الحرام من أكل الحلال ـ كما قيل ـ لكن المعنى الأول أظهر فإن الظاهر أن كلا من الجملتين أعني قوله : { وَلا تَتَبَدَّلُوا } إلخ وقوله : { وَلا تَأْكُلُوا } إلخ بيان لنوع خاص من التصرف غير الجائز وقوله : { وَآتُوا الْيَتامى } إلخ تمهيد لبيانهما معا ، وأما قوله : { إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً الحوب الإثم مصدر واسم مصدر.

________________________

1. تفسير الميزان ، ج4 ، ص 141-142 .

تفسير الأمثل
– ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير  هذه الآية (1) :

لا … للخيانة في أموال اليتامى :

كثيراً ما يحدث في المجتمعات البشرية أن يفقد أطفال صغار أباءهم بسبب الحوادث والنكبات والكوارث ، فتلك حالة كثيراً ما تقع ، فإِن المجتمعات المريضة التي تعاني من صراعات وحروب ونزاعات داخلية مستمرة مثل المجتمع الجاهلي العربي يقع فيها هذا الأمر بنسبة أكبر ، ولذلك يكثر فيها عدد الأيتام ، وهو ما يجب أن تهتمّ به الحكومة الإِسلامية ، بل ويهتمّ به كل المسلمين ، فيتكفّلوا أمر اليتامى وشؤونهم.

وفي هذه الآية ثلاثة تعاليم بشأن أموال اليتامى .

1 ـ (وآتوا اليتامى أموالهم) أي يجب أن تعطوا اليتامى عند رشدهم أموالهم المودعة عندكم ، ويكون تصرفكم في هذه الأموال على نحو تصرف الأمين والنّاظر والوكيل لا على نحو تصرّف المالك.

2 ـ (ولا تتبدلوا الخبيث بالطّيب) أي لا تأخذوا أموالهم الطّيبة وثرواتهم الجيدة وتضعوا بدلها من أموالكم الخبيثة والمغشوشة وهذا التعليم ـ في الحقيقة ـ يهدف إِلى المنع ممّا قد يرتكبه بعض القيمين على أموال اليتامى من أخذ الجيد من مال اليتيم والرفيع منه وجعل الخسيس والرديء مكانه ، بحجّة أن هذا التبديل يضمن مصلحة اليتيم ، أو لأنّه لا تفاوت بين ماله والبديل، أو لأن بقاء مال اليتيم يؤول إِلى التلف والضياع وغير ذلك من الحجج والمعاذير .

3 ـ (ولا تأكلوا أموالهم إِلى أموالكم) يعني لا تخلطوا أموال اليتامى مع أموالكم بحيث تكون نتيجتها تملك الجميع، أو أنّ المراد لا تخلطوا الجيد من أموالهم بالرديء من أموالكم بحيث تكون نتيجتها الإِضرار باليتامى وضياع حقوقهم . ولفظة «إِلى» في العبارة بمعنى (مع) في الحقيقة .

ماذا يعني الحوب ؟

ثمّ إنّه سبحانه ، لبيان أهمية هذا الموضوع والتأكيد عليه يختم الآية بقوله : (إِنّه كان حُوباً كبيراً) .

يقول الرّاغب في مفرداته : «الحوبة حقيقتها هي الحاجة التي تحمل صاحبها على ارتكاب الإِثم» وحيث أن العدوان على أموال اليتامى ينشأ ـ في الأغلب ـ من الحاجة ، أو بحجّة الحاجة استعمل القرآن الكريم مكان لفظة الإِثم في هذه الآية لفظة «الحوب» للإِشارة إِلى هذه الحقيقة .

إِنّ ملاحظة الآيات القرآنية المختلفة ـ في هذا المجال ـ تكشف عن أن الإِسلام يولي هذا الموضوع أهمية كبرى ، ويهدد الخائنين في أموال اليتامى بالعقوبات الشديدة ، ويدعو القيمين على اليتامى بكلمات صريحة وجازمة إِلى مراقبة أموالهم والمحافظة عليها مراقبة شديدة، ومحافظة بالغة، وسيأتي تفصيل كلّ هذا في نفس هذه السورة في الآيات القادمة ، وفي ذيل الآيات (152) من سورة الأنعام ، و (34) من سورة الإِسراء .

إنّ اللهجة القوية التي اتسمت بها هذه الآيات قد تركت من التأثير البالغ في نفوس المسلمين بحيث خافوا أن يخالطوا اليتامى وأن يشتركوا معهم في الطعام ، ولهذا كانوا يهيئون طعاماً خاصّاً لأنفسهم ولأولادهم ، وطعاماً مستقلا لليتامى ولا يخالطون طعام اليتامى بطعامهم خشية الإِجحاف بهم ، وقد شقّ هذا على الجميع ـ اليتامى والأولياء ـ ولهذا أمرهم سبحانه في الآية (220) من سورة البقرة قائلا (وأن تخالطوهم فإخوانكم) أي إِن كان في مخالطتهم لطعام اليتيم بطعامهم خير ومصلحة لليتيم فلا بأس .

____________________

1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 14-16 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى