الإخلاص المنقطع النظير من صفات الانبياء
قال تعالى : {وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولًا نَبِيّاً} (مريم/ 51).
وصف «المخلص» ورد ذكره في القرآن مرّة واحدة فقط، وذلك في حقّ موسى بن عمران عليه السلام فقد وصفه بالإخلاص قبل وصفه بالرسالة والنبوّة، يقول تعالى : {وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رَسُولًا نَبِيّاً}.
لكن نظراً لما ورد على لسان الشيطان في آيتين من القرآن : {وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ* إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الُمخْلَصِينَ} (الحجر/ 39- 40) (ص/ 82- 83).
ولبداهة كون الأنبياء عليهم السلام من الذين يعجز الشيطان عن إغوائهم بأي حال من الأحوال فيمكن استنتاج شمولية هذا الوصف لكلّ الأنبياء سواءً موسى عليه السلام أو غيره.
فما هو «الإخلاص»؟ إنّ الإخلاص منزلة رفيعة جدّاً يؤكّد عليها علماء الأخلاق والعرفان كثيراً وهو أن يعتبر الإنسان ذات الباري جلّت قدرته هي المؤثّر الحقيقي في عالم الوجود لا غير، وهذا نابع من المعرفة التامّة لتوحيد اللَّه تعالى، فيتوجّه العارف إلى اللَّه تعالى بخالص نيّته ويعتبر كلّ البواعث غير الإلهيّة عبثاً، ويضع كلّ وجوده رهن من يملك كلّ شيء، وأخيراً يرى كلّ ما سواه باطلًا فانياً.
إنّ عمليّة تهذيب الإنسان من شوائب الشرك والهوى والبواعث الوهمية، لها مرحلتان :
المرحلة الاولى : عن طريق تربية النفس على قدر طاقة الإنسان أي أنّه يرى نفسه بعد اجتيازه هذا الطريق بالجدّ والسعي الحثيثين في زمرة «المخلصين» (الذين قاموا بتنقية أنفسهم).
المرحلة الثانية : مرحلة تصفية الوجود الإنساني من الشوائب التي تخفى عليه لدقّتها، وهنا يأتي دور العنايات الإلهيّة لمساعدة العبد في التخلّص من تلك الشوائب والأخذ بيده إلى مرتبة المخلصين وهذه هي المنزلة الرفيعة لأنبياء اللَّه تعالى عليهم السلام وأوليائه وخاصّة عباده.
ولا يخفى أنّ آثار هذا الإخلاص تتجلّى بكلّ وضوح في أعمالهم كما يمكن إدراك بلوغهم لهذه المنزلة من خلال حسن أقوالهم وتصرّفاتهم بكلّ سهولة، وعلى أيّة حال فالإخلاص أحد الصفات البارزة لأنبياء اللَّه تعالى عليهم السلام.