الالتزام بالعهود والمواثيق من صفات الانبياء
قال تعالى : {وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيّاً} (مريم/ 54).
الكلام في الآية عن الصدق أيضاً لكن لا في القول بل في العهود والمواثيق، واللطيف هنا أيضاً هو ورود هذه الخصلة قبل الوصف بالرسالة والنبوّة والتي تشير إلى صنعها الأرضية المناسبة لمنزلة النبوّة، لأنّ القسم الأعظم من دعوة الأنبياء عليهم السلام إنّما يرتكز على أساس الوعود التي تعطى للمستقبل، ولو لم يكن النبي الأكرم صلى الله عليه و آله صادقاً في وعوده لانهارت أُسس دعوته، قال تعالى في ذلك : {وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيّاً}، وبديهي إنّ من كان كاذباً في كلّ شيء حتّى في وعوده لا يمكن أن يبلغ مقام الرسالة الشامخ وذلك لأنّ الشرط الأوّل لهذه المنزلة هو إيمان الناس بأقواله ووعوده واختبارهم لصدقه في كافّة الميادين.
ولذا فحتّى الأفراد المعدودون الذين لا يعتبرون مكانة «العصمة» شرطاً أساسيّاً للنبوّة في كافّة المجالات نراهم يعتبرون الصدق من بين الشروط.
وفيما يتعلّق بكون «إسماعيل عليه السلام» صادق الوعد، فقد جاء في الكثير من كتب التفسير والروايات أنّ اللَّه تعالى قد اعتبره «صادق الوعد» نظراً لعزمه على الوفاء بالوعد حتّى إنّه انتظر شخصاً كان قد وعده في مكان ما، لمدّة سنة كاملة وحينما جاء ذلك الشخص قال له إسماعيل : لقد كنت في انتظارك طيلة هذه المدّة! «1».
ولا يبعد أن يكون المراد من الإنتظار لمدّة سنة هو التردّد على ذلك المكان ومراقبته بين الحين والآخر لعودة ذلك الشخص لا المكوث هناك سنة كاملة تاركاً كلّ أعماله ومشاغله الحياتية.
لكن هل يا ترى إنّ إسماعيل هذا هو نفس «إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام» المعروف أم «إسماعيل بن حزقيل» الذي هو من أنبياء بني إسرائيل، فهذا محلّ بحث، وقد اختار الكثير الإحتمال الأوّل، لكن تمّ التصريح بالإحتمال الثاني في البعض من الروايات الواردة في مصادر أهل البيت عليهم السلام، وذلك لوفاة إسماعيل في حياة أبيه إبراهيم طبقاً لبعض الروايات، وهذا لا يتلاءم والتعبير بالرسالة في حقّه، في حين أنّ القرآن يقول في الآية الآنفة الذكر :
{وكان رسولًا نبيّاً}، وما قيل : إنّه كان يمتلك رسالة من قبل أبيه لهداية قبيلة «جرهم» من سكنة مكّة لا يبدو مناسباً أيضاً لأنّ ظاهر الآية هو أنّ «إسماعيل» المذكور هنا كانت له رسالة إلهيّة لا رسالة من قبل إبراهيم عليه السلام.
علاوة على ذلك فلو كان المراد هو إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام لكان من المناسب ذكره بعد إبراهيم عليه السلام في الآيات السابقة لا بعد موسى عليه السلام.
________________________
(1) اصول الكافي، ج 2، ص 105، ح 7.