الامام الحسين في وجدان الامة: مدرسة للاباء يرتادها عشاق الحرية
الإمام الحسين نهر متدفق من العطاء ترتوي منه كل الأجيال. وعاشوراء مدرسة للاباء والصمود يرتادها عشاق الحرية والعدل في كل زمان. إن الاحتفاء بذكرى استشهاد الامام الحسين يوفر للأمة أعظم الفرص لتجديد العهد بقيم رسالتها المجيدة، ولتأكيد هويتها الأصلية في نفوس أبنائها الناشئين.
من هنا يتحمل خطاب عاشوراء مسؤولية كبيرة في تفعيل رسالة هذه المناسبة. أن ذكرى سيرة الإمام الحسين ووقائع أحداث كربلاء، يجب أن يكون إطاراً لمضمون الأهداف الحسينية، والتي هي إصلاح الأمة، والأمر بكل معروف يخدم رقيها، والنهي عن كل منكر يعرقل مسيرتها. كما قال عليه السلام:”إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر”.
وحينما نقرأ التاريخ نجد أن بني أمية كانوا يريدون التعتيم على هذه الحادثة، لينسى الناس ما حصل لأهل البيت عليهم السلام في كربلاء، و من اجل ذلك كانوا يعلنون ذلك اليوم عيدا ويوح فرح وسرور، وهذا ما نجد الإشارة إليه في إحدى فقرات الزيارة الواردة عن الإمام الباقر عليه السلام، حيث يقول فيها: “.. اللهم أن هذا يوم تبركت به بنو أمية وابن آكلة الأكباد”.
وورد في كتب التاريخ ـ كما ينقل أبو الريحان البيروني في الآثار الباقية، “فأما بنو أمية، فقد لبسوا فيه ما تجدد، وتزينوا ،واكتحلوا، وعيدوا وأقاموا الولائم والضيافات، اطعموا الحلاوات والطيبات، وجرى الرسم في العامة على ذلك أيام ملكهم، وبقي فيهم بعد زواله عنهم”.
ورووا في ذلك أحاديث وروايات موضوعة ومجعولة، كما يشير ابن تميمة فيقول: “.. وإظهار الفرح والسرور يوم عاشوراء، وتوسيع النفقات فيه، هو من البدع المحدثة، المقابلة للرافضة”، وأضاف ابن تميمية “.. وقد وضعت في ذلك أحاديث مكذوبة في فضائل ما يصنع فيه، من الاغتسال والاكتحال الخ..” وقال: “.. واحدث فيه بعض الناس أشياء، مستندة إلى أحاديث موضوعة لا أصل لها، مثل: فضل الاغتسال فيه، أو التكحل، أو المصافحة”.
عاشوراء مصطلح اسلامي
يشير بعض علماء اللغة إلى أن مصطلح “عاشوراء” مصطلح إسلامي لم يكن في الجاهلية. هذا ما أكده ابن دريد في الجمهرة: عاشوراء يوم سمي في الإسلام ولم يعرف في الجاهلية.
ويقصد به اليوم العاشر من المحرم، ولا يطلق على أي يوم عاشر من أي شهر غير المحرم.
وهناك من يرى انه ـ كمصطلح ـ كان متداولا قبل الإسلام، ويروون في ذلك بعض الروايات في صحيحي البخاري ومسلم فقد جاء فيهما واللفظ للبخاري ـ عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله: قدم النبي المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء. فقال: “ما هذا؟” قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موس. قال: “فأنا أحق بموسى منكم”. فصامه وأمر بصيامه. وفي مسلم “نحن أحق بموسى منكم فأمر بصيامه”.
عظمة الموقف وبشاعة الظلم
ماذا تمثل عاشوراء في ضمير المسلمين؟
عاشوراء كواقعة من أهم الأحداث التي وقعت في تاريخ الأمة الإسلامية تمثل لنا أمرين مهمين، هما:
عظمة الموقف المبدئي الذي وقفه سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه عليهم السلام، إذ كانوا قلة قليلة، ولكنهم ضربوا أروع الأمثلة في الصمود والثبات، والالتزام بالقيم، والدفاع عن المبادئ، والاعتراض على الظلم والفساد والانحراف. ونحن حينما نتذكر عاشوراء إنما نتذكر هذه المواقف العظيمة السامية الرائعة.
بشاعة الظلم الذي وقع على أهل البيت عليهم السلام وانتهاك حرمات الله في ذلك اليوم.
فالإمام الحسين عليه السلام لم يكن رجلا عادياً، وإنما له شخصيته ومكانته وموقعيته التي لا يجهلها احد من المسلمين. كما انه لم يمض وقت طويل على وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، الذي كان المسلمون يسمعون منه ويرون مواقفه التي يعبر فيها عن حبه للحسين وانشداده له.
لقد قال رسول الله على مرأى من الصحابة ومسمع منهم: “إن الحسن والحسين هما ريحانتاي من الدنيا”، وفي صحيح البخاري في باب مناقب المهاجرين وفضلهم عن ابن عباس قال سمعت رسول الله يقول: “هما ريحانتاي من الدنيا”.
وفي موضع آخر سمعوا قوله : “الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبوهما خير منهما”1.