الامام علي بن أبي طالب (عليه السلام ) معجزة الأزمان الخالدة
عاش الإمام علي مع النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) اثنتي عشرة سنة قبل النبوة وثلاث عشرة سنة بعد النبوة في مكة وهاجر للمدينة المنورة وبقي فيها عشر سنين ، ثم عاش ثلاثين سنة بعد وفاة النبي الأكرم ، وهي سيرة طويلة كان دائما فيها ملاصقا للنبي (صلى الله عليه وآله) منذ الطفولة التي يصفها بقوله (عليه السلام):”وضعني في حجره وأنا ولد صغير يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ويمسني جسده ويشمني عرقه ،وكان يمضغ الشي ثم يلقمنيه، وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلة في فعل ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر أمه ، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به ولقد كان يجاور في كل سنه بحرا فاراه ولا يراه غيري ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الإسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما أرى نور الوحي والرسالة واشم ريح النبوة”[1].
في الوقت نفسه اتّفق المؤرّخون على أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) منذ الصغر امتاز بالإيمان والفطنة وثقة النفس والتفتح الواعي، ولذا فهو أول من اسلم في الاسلام فيقول:
“ كنت أول الناس إسلاما بعثَ (صلى الله عليه وآله) يوم الاثنين وصليت معه يوم الثلاثاء، وبقيت معه أصلي سبع سنين حتى دخل نفر في الاسلام، وأيد الله تعالى دينه من بعد…” [2]، وعندما جمع (صلى الله عليه وآله)عشيرته ليدعوهم الى الإسلام الحنيف لم يبايعه سوى الإمام علي على صغر سنه، وحينما آخا النبي الأكرم بين المهاجرين والأنصار على الحقّ والمواساة بعد هجرته إلى المدينة المنوّرة كان الامام علي أخاه في تلك المؤاخاة مؤكدا ذلك بقوله(صلى الله عليه وآله) :”يا علي أنت أخي في الدنيا والآخرة” ، ويبدو من ذلك ان الإمام علي وريثاً للنبي الأكرم محمد (صلى اله عليه وآله) وقد أعلن النبي الأكرم ذلك قائلا :” لكل نبي وصي ووارث وان عليا وصيي ووارثي”، يتضح ان النبي الاعظم كان يعمل بالخطوات العلمية والعملية والتفكير للإعداد للمستقبل الإسلامي بخطوات من اجل تهيئة الإمام للقيادة الاجتماعية والسياسية ،خاصة وان ملامح شخصية الإمام علي (عليه السلام) تتمثل في انه شخصية ربانية أخلاقية أولا وعلمية فكرية ثانيا ثم قيادية سياسية ثالثا، وعلى هذا الأساس تعددت اوجه شخصية أمير المؤمنين فهو تارة مفكر وقاض وزاهد وواعظ ومبتكر وعامل ومجاهد ولعل من أسرار تهيئة الإمام للقيادة ان النبي الأكرم زوجه من السيدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) والتي أنجبت له الإمامين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة.
شارك الامام علي (عليه السلام) في كل المعارك والغزوات مع النبي الاعظم سوى غزوة تبوك فقد استخلفه النبي الأكرم على المدينة قائلا له:” يا علي إنما خلفتك على أهلي، أما ترضى ان تكون مني بمنزلة هــارون من موسى إلا أنه لا ليس نبي بعدي” وقد أعطاه (صلى الله عليه وآله) الراية يوم خيبر وبها فتح الحصن الشهير، وقاتل في بدر واحد والخندق وكان لواء النبي الاعظم بيده في مواقع كثيرة، ومن شجاعته وجهاده انه ما ضرب ضربة قط فاحتاج إلى ثانية وكانت العرب تفتخر بوقوفها في مقابلته في الحرب، ويذكر أمير المؤمنين تلك الشجاعة بقوله:” أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر” [3]، وقد ترجم (عليه السلام) تلك الشجاعــــــــــة قائلا :” والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها”، ولذلك لم يكن الموت ليخيفه وهو القائل :” فو الله ما أبالي أدخلت إلى الموت او خرج الموت إلي” [4].
وعليه كان من الطبيعي ان يدخل أمير المؤمنين كل تلك الحروب فلقد كانت الدولة الاسلامية دولة الفتية تحتاج الى السيف ، وكان ذلك السيف قد استمر حتى بعد وفاة النبي الأكرم لذا قاتل أمير المؤمنين الناكثين “أصحاب الجمل” والمارقين “الخوارج” والقاسطين “أهل الشام” ولم يكن أمير المؤمنين ليترك الصلاة حتى في اشد حالات الحرب قسوة كما في ليلة الهرير في صفين، رافضاً فكرة ان الوقت غير مناسب ليقول إنما نقاتلهم على الصلاة[5].
اما زهده (عليه السلام) فكان مأكله الأساسي خبز الشعير ويعمل بيده ويرقع ملابسه ويخصف نعله ويجالس الأيتام والفقراء المسلمين وهذا الزهد يقابله قدرته على امتلاك الأموال الكثيرة والرخاء، ومع ذلك فهو يقول (عليه السلام) :” لو شئت لاهتديت إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز ولكن هيهات ان يغلبني هواي ويقودني جشعي الى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطانا وحولي بطونا غرثى وأكبادا حرى”، يمكن القول لم يكن زهد أمير المؤمنين زهد المتخوف الهارب من الدنيا، بل الزاهد من اجل رضى الله تعالى، فلم تكن له مطامع دنيوية فهو يقول:” والله لان أبيت على حسك السعدان مسهدا واجر في الأغلال مصفدا ، احب إلي من ان ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد وغاصبا لشي من الحطام”.
وكذلك من زهده (عليه السلام) ما ترك عند استشهاده إلا دراهم معدودات ولم يبن القصور ولا ملك الأراضي، ولقد خرج لبيع سيفه لحاجته الى إزار قائلا:” ان هذا السيف لطالما كشف الكرب عن رسول الله ولو كان عندي ثمن إزار ما بعته”، وجمع (عليه السلام) الكرم والصبر والزهد عندما نذر صوماً مع الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (عليهما السلام)، لشفاء الحسنين وقد استقرض دقيقاً من يهودي ثم لثلاث أيام متوالية في وقت الإفطار يسألهم مسكين ويتيم واسير فيهبوه إفطارهم وفيهم نزلت الآية( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا)، بالإضافة الى ذلك يصف ضرار بن ضمرة زهد أمير المؤمنين عندما سأله معاوية ابن ابي سفيان ذلك بقوله :” اشهد لقد رايته وقد أرخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا يا دنيا إليك عني أبي تعرضت أم ألي تشوقت لا حان حينك هيهات غري غيري لا حاجة لي فيك طلقتك ثلاثا لا رجعة لي فيها فعيشك قصير وخطرك يسير واملك حقير ،آه من قلة الزاد وطول الطريق وبعد السفر وعظيم المورد”.
وقد استشهد أمير المؤمنين (عليه السلام) سنة40 هـ يوم الأحد في الحادي والعشرين من رمضان عندما كان يصلي صلاة الصبح وقد قتله الخارجي عبد الرحمن بن ملجم بضربة من سيف مسموم على رأسه أثناء الصلاة، فيكون (عليه السلام) قد ولد واستشهد في بيت الله.
رحمك الله يا أبا الحسن كنت أول القوم إسلاما وأخلصهم إيمانا ، وأشدهم يقينا ، وأخوفهم لله ، وأعظمهم عناء وأحوطهم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وآمنهم على أصحابه ، وأفضلهم مناقب ، وأكرمهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأشرفهم منزلة ، وأكرمهم عليه ، فجزاك الله عن الاسلام ، وعن رسوله وعن المسلمين خيرا .
جعفر رمضان
[1]للمزيد من التفاصيل ينظر: صبحي الصالح ،شرح نهج البلاغة، (قم: مؤسسة دار الهجرة، 1422)،ص300. [2]محمد باقر بن محمد تقي المجلسي ، بحار الأنوار الجامعة لدرر أخبار الأئمة الأطهار ، (بيروت :مطبعة مؤسسة الوفاء ، 1403هـ)، ج ١٧ ،ص [3]صبحي الصالح، المصدر السابق،ص300 . [4] محمد عبده ،شرح نهج البلاغة، (بيروت: دار المعرفة ، 1982) ،1/104. [5] العلامة الحسن بن يوسف بن المطهر الحلي، كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين، تحقيق :حسن الدركاني، (طهران: 1991م) ،ص122