البعثة النبوية منهج حياة من أجل سلام البشرية ورفاهها
البعثة دين وحياة
بعثة النبي الأكرم(صلى الله عليه وآله) كانت دعوة للتوحيد قبل كل شيء. والتوحيد هذا ليس مجرد نظرية فلسفية أو فكرية، إنما هو منهج حياة للبشرية. إنه يعني تحقيق حاكمية الله على حياة الإنسان وقطع أيدي القوى المختلفة عنها.
فإن تحقق التوحيد في حياة المجتمع الإسلامي والإنساني بمعناه الحقيقي الذي أراده الإسلام ـ والذي حمل رسالته جميع الأنبياء ـ فستبلغ البشرية السعادة الحقيقية والفلاح الدنيوي والأخروي.(1)
ولكن لو أردنا أن نفسّر البعثة ومضمونها اللامتناهي تفسيراً مجملاً وفي جملة واحدة، علينا القول بأن: البعثة إنما هي من أجل الإنسان :مصير الإنسان وهداية الإنسان.(2)
البعثة حرب على “الجاهليّة”(3)
من هذا الكمّ الهائل لدروس البعثة ، هو أنّ البعثة جاءت لمواجهة الجاهليّة. والجاهليّة في النصوص والثقافة الإسلاميّة هي الحقبة التي سبقت بزوغ نبوّة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله). ولا يُتصوّرنّ أنّ الجاهليّة كانت مختصّة بالجزيرة العربيّة وبالعرب في مكة والحجاز ، بل كانت عامة وشاملة. فإنّ إيران في ذلك اليوم والإمبراطورية الرومانية آنذاك كانتا غارقتين في غياهب الجاهليّة. وقد ظهر الإسلام وجاءت البعثة لتواجه هذه الجاهليّة برمّتها. كما وأنّ معنى الجاهليّة لا يتلخّص في فقدان العلم، بل يفوق معناها ذلك بكثير [كما جاء] في التعابير والأدبيّات الإسلاميّة. وإنّ فقدان العلم يشكّل جزءًا من الجاهليّة. أما الجاهليّة بمعناها الواسع، فهي عبارة عن غلبة القوى الشهوية والغضبية الإنسانية وحاكميّتها على بيئة الحياة. وهي تعني أن المجتمعات البشريّة التي غالبًا ما تتأثر بالنزعات الشهوية والغضبية لحكامها تتبلور بطريقة تتضاءل فيها الفضائل، وتسود فيها الرذائل.
البعثة: كبحُ القوى الشهوية والغضبية
ولكم أن تلاحظوا بيئة الجزيرة العربية، وعلى غرارها سائر البيئات أيضًا، حيث كانوا غارقين في بحر الشهوات الجامحة. ومن جانب آخر، فقد بلغ نفس هؤلاء المنقادين لشهواتهم، في مقام القسوة والتدمير وسفك الدماء، حدًّا لا يخطر على قلب بشر، حيث كانوا يقتلون أولادهم: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِعِلْمٍ﴾ [الانعام/140]. إذ قد بلغت القسوة بهم أن لا يرحموا حتى أولادهم فضلًا عن أولاد الآخرين وقتل الأبرياء من النساء والأطفال الأبرياء. هذه هي الجاهليّة: الشهوة من جانب والغضب من جانب آخر. وقد وقعت بيئة الحياة أسيرة بيد هاتين القوتين الجامحتين دون رادع. فجاء الإسلام لتغيير ذلك. وقد نهض الإسلام لمواجهة كلّ هذا الواقع البشع؛ ﴿لِلْعَالَمِينَ نَذِيرً﴾ [الفرقان/1]، حيث خاطب العالم بأجمعه في هذا الإنذار.
جاهليّة معاصرة أخطر من الجاهلية الأولى
والجاهليّة لها وجودها في العالم المعاصر، وما علينا إلا أن نفتح أعيننا لنعرف الجاهليّة. فهذا المعنى نفسه موجود اليوم: الانغماس دون حدود في الشهوات؛ دون أي رادع وأي منطق. والمنطق السائد اليوم في العالم الغربي هو “الرغبة” [الميل]. فإن سألتَهم: لماذا تروّجون للشذوذ الجنسي؟ لأجابوا: هذه هي ميول بشرية. هذا هو منطقهم! وإنّ هؤلاء الذين لا يرعوون ويمضون قدمًا في الانغماس في الشهوات، ولا يقفون عند حدّ في ممارسة الشهوات الجنسية والنزوات البشرية المختلفة، عندما يصل الأمر إلى قسوة القلب تراهم يتصرّفون بنفس الطريقة، حيث يقتلون الناس، ويريقون دماء الأبرياء، ويقمعون الشعوب دون أيّ ذنب.
والفرق بينها وبين الجاهليّة في الصدر الأول ـ الجاهليّة الأولى على حدّ التعبير القرآني ـ هي أن الجاهليّة المعاصرة مسلّحة ومزوّدة بسلاح العلم والمعرفة. فهذا العلم الذي يسوق الإنسان إلى الفلاح والنجاح، أصبح أداةً لشقاء الإنسان وشقاء المجتمعات البشرية.
(1) من كلمة للإمام الخامنئي في مسؤولي النظام بمناسبة المبعث النبوي الشريف بتاريخ 24/09/2003
(2)من كلمة للإمام الخامنئي في مسؤولي النظام بمناسبة عيد المبعث النبوي السعيد بتاريخ 18/10/1998
(3) كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في مسؤولي الدولة والنظام الإسلامي وسفراء الدول الإسلامية بمناسبة يوم المبعث الشريف_16-05-2015