مقالات

البعد السياسي للولاية في القرآن الكريم د. السيد محمد الغريفي

الولاية من الألفاظ المستعملة كثيراً في القرآن على اختلاف اشتقاقاتها، حيث إنها وردت إسماً في 124 موضعاً، ووردت فعلاً في 112 موضعاً من القرآن الكريم.

يقول الراغب صاحب المفردات: كلمة (ولاية) ومواضع استعمالها إنّ (الولاية) بكسر الواو تعني النصر، و(الولاية) بفتح الواو تعني المتصدي, والمهيمن على عمل ما، ويقال إنّ المعنيين سواء، والجامع بينهما معنى التصدي والهيمنة.

قال العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان: (فالمحصل من معنى الولاية في موارد استعمالها هو نحو من القرب يوجب نوعا من حق التصرف ومالكية التدبير…. فالنبي ولى المؤمنين من حيث إن له أن يحكم فيهم ولهم وعليهم بالتشريع والقضاء. والحاكم ولى الناس بالحكم فيهم على مقدار سعة حكومته، وعلى هذا القياس سائر موارد الولاية).

يقول الشهيد مطهري: ولاية الزعامة يعني حق القيادة الاجتماعية والسياسية. أنّ المجتمع يحتاج إلى قائد. فمن يمسك بيده زمام أمور المجتمع، ويدير شؤون الناس الاجتماعية ويكون مسلطاً على مقدراتهم، هو ولي أمر المسلمين. كان رسول الله(ص) في حياته ولي أمر المسلمين، وكانت هذه الولاية قد منحت له بأمر من الله تعالى، ومن ثم إلى أهل بيته بدلائل كثيرة غير قابلة للإنكار. من ذلك الآية الكريمة: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}. وكذلك الآيات الأول من سورة المائدة، وحديث غدير خم الشريف، وعموم الآية الكريمة {إنما وليكم الله} وعموم الآية الكريمة: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ}. ليس هناك أي خلاف بين السنة والشيعة في أنه كان للنبي شأن كهذا، وأنه كان مقاماً إلهياً، أي أنه كان حقاً أعطاه الله له، ولم يكن تفويضاً من الناس. إنّ إخواننا من أهل السنة يتفقون معنا إلى هنا.

صفات الولي في القرآن الكريم:

1- تنصيب الولي من الله تعالى بشخصه أو بصفاته: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.

2- التنصيب ليس على أساس المال والوراثة وإنما على أساس اصطفاء الله وتمتعه بالعلم والقدرة والحكمة: {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.

3- الولي من صنف الأنبياء والأوصياء والفقهاء: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء}.

وظائف الولي في القرآن الكريم:

1- الزعامة الدينية: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.

2ـ الزعامة السياسية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.

3- استشارة الرعية في أمور الحكم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}.

4- التعامل بلين ورحمة مع الرعية: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ}.

5- أخذ البيعة لله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.

نظام الولاية في القرآن الكريم

القرآن الكريم استخدم مادة (الولاية) للتعبير عن نظام الحكم في الإسلام، كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا ولِيُّكُمُ اللّهُ ورَسُولُهُ﴾، وكذلك في حدث التنصيب الكبير (بيعة الغدير)، عبّر الرسول عن السلطة بـ (الولاية) «من كنت مولاه فهذا علي مولاه».

فمنصب (الولاية) – من الجانب السياسي- يمثل النظام السياسي والسلطة التنفيذية في الإسلام، الى جنب السلطة التشريعية المنزلة من قبل الله تعالى، يقول الإمام الخميني في هذا المجال:
(فنحن نعتقد بالولاية ونعتقد بلزوم تعيين النبي| لخليفة، وأنه قد عين كذلك. فهل تعيين الخليفة هو لأجل بيان الأحكام؟ فبيان الأحكام لا يحتاج لخليفة. إذ كان قد بينها الرسول| بنفسه أو كتبها جميعاً في كتاب وأعطاه للناس ليعملوا به، وكون تعيين ا

لخليفة لازماً عقلاً إنما هو لأجل الحكومة، فنحن نحتاج إلى خليفة لكي ينفذ القوانين، اذ القانون يحتاج إلى مجرٍ ومنفذ ….. فولي الامر هو المتصدي لتنفيذ القوانين أيضاً. لو لم يعين الرسول الأكرم خليفة لما كان قد بلغ رسالته ولما كان قد أكملها).

نظام الولاية في الإسلام مثل باقي الأنظمة السياسية الأخرى، ولكن يتميز عنها بعدة مميزات أشار اليها القرآن الكريم في الآيات التالية:

1- نظام الولاية هو امتداد لولاية الله: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.

2- نظام الولاية في قبال ولاية الشيطان: {إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ اللّهِ}.

3- نظام الولاية يتمتع برئاسة الأنبياء والأوصياء والفقهاء: {إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء}. والمراد من: (النبيون) الأنبياء، و(الربانيون) الأئمة، و(الأحبار) الفقهاء.

4- نظام الولاية يتمتع بالمقبولية من خلال البيعة: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}.

5- نظام الولاية يترأس فيه ولي الأمر على جميع السلطات: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}.

6- نظام الولاية يتمتع بالطاعة المطلقة من قبل الأمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}.

7- نظام الولاية يتمتع بالشورى مع الأمة: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ}.

8- نظام الولاية ترجع الأمور فيه الى أولي الأمر لاتخاذ القرارات السياسية: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وَإلى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.

ويلاحظ من هذه المميزات بأن (نظام الولاية) بسيط وقابل للتطبيق في كل زمان ومكان، لعدم اشتماله على هيكلية خاصة بالمؤسسات الحكومية؛ وذلك لأن هيكلية المؤسسات تتغير حسب الزمان والأعراف، فترك الإسلام مهمة تنظيم هيكلية المؤسسات الحكومية الى ولي الأمر (ولي الزمان) لما يرى من المصلح والحاجة الاجتماعية.


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى