مقالات

المبعث النبوي ونظرة الإمام الخميني (قدس سره) الى الإسلام كرسالة

شهر رجب الحرام أحد مواسم الخير وأزمنة العبادة ومجال القرب الى الله تعالى، وفيه مناسبات مهمة وأحداث ما زال التاريخ يعيش آثارها ويتغنى بأمجادها وأمجاد الذين ارتبطت بهم، لا سيما ولادة سيد الوصيين الإنسان الذي شكّل بصفاته النموذج لكل إنسانٍ في سبيل السعي لكماله، ولولاه لانعدمت إمكانية الكمال مع انعدام المثال. وفيه أيضاً العيد الأول للمسلمين، ذكرى المبعث النبوي الشريف، ذكرى ظهور الإسلام وولادته، وهل أعظم من الإسلام رسالة ومن محمد (ص) رسولاً! وبالتالي فإن المبعث أعظم عيد لأعظم مناسبة لا تخص المسلمين فحسب، بل هي ممتدة على عالم الإنسان. كيف لا والإسلام بُعث للناس كافة، والنبي الأكرم (ص) بُعث رحمة للعالمين. يقول الإمام الخميني (قده) في هذا المضمون وهو المتمحص بهذه الرسالة الإلهية الإنسانية فكراً وسلوكاً: “جاء الإسلام من أجل البشرية جمعاء”. وفي الهدف الذي من أجله بُعث النبي (ص) وكان الإسلام في شموله وكماليته يقول الإمام الخميني (قده): “ان الإسلام رسالة بناء الإنسان”، و”ان العقيدة الإسلامية هي عقيدة صياغة الإنسان”.. وهذه الأقوال يمكن سوقها في الاتجاه عينه الذي رسمته المقولة الشهيرة لرسول الإسلام محمد (ص)، الذي أعلن أنه بُعث ليتمم مكارم الأخلاق. إن الهدف المرسوم يقتضي امتلاك عقيدة الإسلام وكذلك أحكامه لمنظومة في المعقول والمنهج والآداب ما هو قادر على سبر غور هذا المخلوق ـ الإنسان ـ في بعديه المادي والإلهي، وفي ملكاته الظاهرة والباطنة، وفي حاجاته الدنيوية والآخروية، وفي جميع مقاماته، بحيث لا يمكن افتراض هدفية صوغ الإنسان من دون امتلاك الوسائل الكفيلة بذلك، ولا سيما الأحكام التطبيقية ذات المردود النفسي والذهني يسراً أو عسراً، إطلاقاً أو تقييداً، ضبطاً أو حرية، بحيث ان الناتج لكل الأحكام على اختلافها يكون لمصلحة الإنسان، وتكون الصورة المكونة من تطبيق الأحكام هي اليسر والسهولة والرخاء.. “يريد الله بكم اليسر”. وفي موضوع الوسائل الضرورية لصياغة الإنسان يقول الإمام الخميني (قده): “ان لدى الإسلام كل شيء لهذا الإنسان، أي ان لديه أطروحة له في كل مراتبه، بدءاً من مرتبة الطبيعة الى ما وراء الطبيعة.. بل حتى عالم الألوهية”. ويقول أيضاً: “ان الإسلام يشتمل ـ من الناحية الحقوقية ـ على قوانين متطورة ومتكاملة وشاملة”. وعلى هذا الأساس فإذا كانت الحضارة تعني الرؤية والتجربة اللتين تتكاملان في طريق إغناء حياة الإنسان، فإن الإسلام يكون طليعياً في ميدان التحضر الإنساني. وفي هذا المعنى يقول الإمام الخميني (قده): “إن الإسلام يقف على رأس هرم التحضر، ومراجع الإسلام العظام يمثلون أعلى مرتبة من مراتب التحضر”. وإذا كان الإسلام كذلك، أفلا يعني هذا الأمر أن خلاص البشرية وأملها وسبيل إنقاذها من الاهتزازات التي تعيشها هو الإسلام؟! ألا يعني أن محجة الصواب والجادة الوسطى والعروة التامة الوثقى هي الإسلام الذي أخرجه الله تعالى الى حيز الوجود ليكون منهج الفلاح، لا ليكون رسالة يتغنى بها أصحابها عن بُعد، فتكون خير رسالة وإنما لأمة ضعيفة، فيبهت ذلك المشهد النوراني المتلألئ بفعل سلوكٍ لأفراد أو جماعات تنتمي ظاهراً الى الإسلام.. في حين أن الإمام الخميني (قده) يعتبر أن مشكلة المسلمين تكمن في ابتعادهم عن الإسلام لا في التزامهم بهذا الدين. ومن جملة الحقائق التاريخية التي يجب الإلفات إليها، هي ذلك الوعد الإلهي بأن يظهر الإسلام في يوم من الأيام على هذا العالم. وهذا الوعد مرتبط بسنّة تاريخية قوامها أن الزبد الذي يعلو سطح مسيرة الإنسان يذهب جفاءً، وأن ما ينفع الناس ويكون أقرب الى فطرتهم وجوهرهم فإنه يمكث في الأرض، وأن أقرب منهج نظري وعملي الى جبلة الإنسان بل مرآته هو الإسلام الذي عبّر عنه القرآن بأنه فطرة الله التي فطر الناس عليها، والذي قال عنه الرسول الأكرم (ص) إنه الحقيقة التي يولد عليها كل مولود: كل مولود يولد على الفطرة ، أي على الإسلام، وأبواه يهوّدانه أو يمجّسانه. ولأن الإسلام كذلك فإن مسيرة الإنسان سوف تشهد تحولات تفضي الى أن يشق الإسلام طريقه ليملأ الفراغ الذي سوف ينشأ من اضمحلال الباطل وانكسار الأفكار المنتمية الى ذلك الباطل، ولا يبقى مجال في الأرض لغير الإسلام: “هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله..”. والحمد لله رب العالمين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى