العدل في الروايات الإسلامية
أولت الروايات الإسلاميّة أهميّة كبيرة إلى معرفة العدل الإلهي ، ومسائل كثيرة اخرى تتشعّب منه ، بشكل بحيث يتضح من مجموعها أن مسألة العدل الإلهي كانت أمراً أذعن له الجميع ، وتعتبر من الامور الفطرية والضرورية في وجدان بني البشر.
1- عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : «ارتفع عن ظُلمِ عبادهِ ، وقام بالقسط في خلقه ، وعدَلَ عليهمْ في حُكمهِ» (1).
2- وقال عليه السلام في موضعٍ آخر : «واشهدُ أنّهُ عَدلٌ وحَكمٌ فَصْلٌ» (2).
3- وقال أيضاً : «الّذي عَظُمَ حِلمُهُ فعَفى ، وعَدَلَ في كلِّ ما قضى» (3).
4- وفي حديثٍ نبويٍ شهير أنّه صلى الله عليه و آله قال : «بِالعَدلِ قَامَتِ السَّمَواتِ وَالأَرضِ» (4).
ومن الواضح أنّ العدالة مستعملة هنا بمعناها الواسع وتعني : «وضع كل شيء في موضعه» ، وتشمل كلًا من العدالة مع العباد ، والعدالة والنظم في مجموعة عالم الوجود.
5- وفي حديثٍ نقله المرحوم العلّامة المجلسي قدس سره في بحار الأنوار ، حول وصف الباري ، عن الإمام الصادق عليه السلام أنّه قال : «هو نورٌ ليس فيه ظُلمة ، وصدق ليس فيه كذب ، وعدل ليس فيه جور ، وحق ليس فيه باطل» (5).
6- ورد في صحيح الترمذي : «هُو اللَّهُ … العدلُ اللّطيفُ» (6).
7- ورد في كتاب الخمس من صحيح البخاري أنّ النبي صلى الله عليه و آله ضمن ردّه على رجل جسور شكّك بعدالته ، قال : «فمَن يَعدلُ إذا لَم يَعدل اللَّهُ وَرسُولُهُ» (7).
8- ورد في الدعاء الخامس والأربعين من الصحيفة السجادية أنّ الإمام السّجاد عليه السلام كان يناجي ربّه ويقول : «وَعَفوكَ تَفضّلٌ وَعُقوبَتِكَ عَدلٌ».
9- يُلاحظ وجود تعابير في الكثير من الروايات المنقولة عن مصادر الشيعة وأهل السُّنة حول المسائل المتعلقة ببطلان الجبر ، والعقوبات الإلهيّة ، تدل على اتفاق الجميع القطعي على مسألة العدل الإلهي ، وأنّه كان مُرتَكزَ الإستدلالات ، ومن جملتها (أنّ أحد أصحاب الإمام الصادق عليه السلام سأل الإمامَ عليه السلام وقال : أيجبر اللَّه عباده على أعمالهم؟ فأجابه الإمام عليه السلام :
«اللَّه أعدل من أن يجبر عبداً على فعلٍ ثم يعذّبه عليه» (8).
10- وفي حديثٍ نبوي منقول من مسند أحمد بن حنبل أنّه صلى الله عليه و آله قال : «من أذنب في الدنيا ذنباً فعوقب عليه فاللَّه أعدل من أن يُثنّي عقوبته على عبده» (9).
11- عن الإمام الرضا عليه السلام في توضيح «أمرٌ بين أمرين» ، (نفي الجبر والتفويض) ، في إجابته عن سؤال أحد أصحابه : هل فوّض اللَّه الأمور إلى عباده؟ فقال عليه السلام : «اللَّه أعزّ من ذلك» (أي أعزّ من أن يترك تدبير أمور العالَمِ أو عباده كُليّاً ويكله إليهم) ، فسأله : فهل أجبرهم على المعاصي ؟ فقال عليه السلام : «اللَّه أعدل وأحكم من ذلك» ، (أي أنّ هذا العمل يتنافى نهائياً مع عدل اللَّه وحكمته) (10).
12- وأخيراً نختتم هذا البحث بمقتطفات من الأدعية المأثورة عن الأئمّة المعصومين عليهم السلام :
ورد في دعاءٍ يُقرأ بعد الفراغ من صلاة الليل : «وقد علمت يا إلهي أنّه ليس في نقمتك عجلة ولا في حكمك ظُلم ، وإنّما يعجل من يخاف الفوت ، وإنّما يحتاج إلى الظلم الضعيف ، وقد تعاليت يا إلهي عن ذلك علوّاً كبيراً» (11).
إنّ الروايات والأحاديث الموجودة في هذا المجال كثيرة ، وما نقلناه يُعدُّ مقتطفاً من نماذج هذه الروايات المختلفة.
_________________________
(1) نهج البلاغة ، الخطبة 185 ، ص 428.
(2) المصدر السابق ، الخطبة 214.
(3) المصدر السابق ، الخطبة 191.
(4) تفسير الصافي ، ذيل الآية 9 من سورة الرحمن.
(5) بحار الانوار ، ج 3 ، ص 306 ، الباب 13 ، ح 44.
(6) المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي ، ج 4 ، ص 155.
(7) المصدر السابق ، ص 152.
(8) بحار الأنوار ، ج 5 ، ص 51 ، ح 83.
(9) مسند أحمد بن حنبل ، ج 1 ، ص 99.
(10) اصول الكافي ، ج 1 ، ص 157 ، باب الجبر والقدر ، ح 3.
(11) مصباح المتهجد للشيخ الطوسي ، ص 173 تعقيبات صلاة الليل.