مقالات

السيدة الزهراء عليها السلام في كلمات أهل العصمة الشيخ تامر محمد حمزة

من أراد الكتابة عن سيدة نساء العالمين، تجتمع في قلبه الطمأنينة والحيرة في آن واحد. فأما الطمأنينة، فنبعها الأنس بذكر فاطمة عليها السلام. وأما الحيرة، فمن لم يكن قادراً على وصف بداية عالم الإمكان فضلاً عن نهايته كيف يصف من كان عالم الإمكان لأجله؟! ومما يهوّن الخطب، وقوفنا على باب خُزّان العلم، لنلتقط بعضاً من جواهر علمهم فيما يتعلق بأم أئمتنا عليهم أفضل الصلاة والسلام.

* فاطمة تحفة ربّها وتفاحة جنته:
روي أنّه بينما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالساً بالأبطح، إذ هبط عليه جبرائيل عليه السلام، فناداه: يا محمد، العلي الأعلى يقرئك السلام، وهو يأمرك أن تعتزل خديجة. وأخبرها النبي بالأمر الإلهي، وأقام صلى الله عليه وآله وسلم أربعين صباحاً يصوم نهاراً ويقوم ليلاً. فلما كان تمام الأربعين، هبط جبرائيل، فقال: يا محمد، العلي الأعلى يقرئك السلام، وهو يأمرك أن تتأهب لتحيته وتحفته. فبينما هو صلى الله عليه وآله وسلم كذلك، إذ هبط ميكائيل عليه السلام، ومعه طبق مغطى بمنديل سندس، فوضعه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وأقبل جبرائيل عليه السلام، وقال: يا محمد، يأمرك ربك أن تجعل الليلة إفطارك على هذا الطعام. فأكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم شبعاً، وشرب من الماء رياً، ثم قام ليصلي، فأقبل جبرائيل، وقال: فإن الله عزَّ وجلَّ آلى على نفسه أن يخلق من صلبك في هذه الليلة ذرية طيبة(1).

* فاطمة خير جنين:
يحدثنا القرآن الكريم عن عيسى بن مريم عليهما السلام أنه تحدث حين ولادته. ولا نعلم أن أحداً حدث والدته وهو جنين، إلا أن فاطمة حدثت أمها خديجة وهي في بطنها، في الوقت الذي كانت تحتاج فيه إلى الأنيس، سيما بعد هجران نساء قريش لها. فقد روي أنه دخل رسول الله ذات يوم على خديجة وهي تتحدث مع أحد، فقال: يا خديجة، من تكلمين؟ قالت: يا رسول الله، إنّ الجنين الذي أنا حامل به إذا أنا خلوت به في منزلي، كلّمني وحدثني من ظلمة الأحشاء، فتبسم رسول الله، ثم قال: يا خديجة، هذا أخي جبرائيل يخبرني أنها ابنتي، وأنها النسمة الطاهرة المطهرة، وأنّ الله تعالى أمرني أن أسميها فاطمة، وسيجعل الله تعالى من ذريتها أئمة يهتدي بهم المؤمنون(2).

* لِمَ سميت فاطمة؟
عن الصادق عليه السلام، عن أبيه، قال: قال رسول الله: يا فاطمة، أتدرين لِمَ سُمّيتِ فاطمة؟ فقال علي عليه السلام: لم سُمّيت؟ قال: لأنها فطمت هي وشيعتها من النار(3).

* موقع فاطمة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المستويين المادي والمعنوي.
تمثل فاطمة عليها السلام الموقع الأول من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فكما أنها قطعة من كبده الشريف، فهي كذلك التي حلّت المكان الأول في قلبه المبارك. فقد نُقل متواتراً تواتراً معنوياً أو إجمالياً بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: فاطمة بضعة مني، من سرّها فقد سرّني ومن ساءها فقد ساءني، فاطمة أعزّ الناس عليّ(4). ومن المهم جداً ما جاء في بعض الأحاديث، من أنَّ الله تعالى يغضب لغضبها ويرضى لرضاها، كما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إنّ فاطمة مني، يؤذيني ما آذاها ويسرّني ما سرّها، وإنَّ الله تبارك وتعالى ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها عليها السلام(5). إنَّ من واجب المؤمن أن يغضب لغضب الله وأن يرضى لما يرضيه، أما أن يصل الإنسان إلى مقام أن يكون غضب الله ورضاه مترتباً على غضبه ورضاه، فهذا لا يكون إلا للأوحدي من أوليائه وأهل طاعته، فكيف بمن أفنت وجودها في وجود الله سبحانه وتعالى؟!

* زواج فاطمة من علي.
لقد وهب الله لفاطمة عليها السلام عقلاً كاملاً، وذهناً وقاداً، وذكاءاً حاداً، وحُسناً وجمالاً، بالرغم من صغر سنها. وقد خطبها أكابر قريش من أهل الفضل والسابقة في الإسلام والشرف والمال من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان يردهم رداً جميلاً، ويقول لكل من جاءه: “إني أنتظر فيها أمر الله”(6). حتى تقدم لخطبتها علي عليه السلام. وحين كان في طريقه إلى داره ما كاد يصل حتى هبط جبرائيل من السماء بأمر إلهي بأن يزوج النور من النور(7).
وبعد دخوله على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد تبادلا الأحاديث، قال: يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهل أنت مزوجي؟ فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرحاً وسروراً وأتى فاطمة، فقال: إن علياً قد ذكرك وهو من عرفت، فسكتت عليه السلام، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: “الله أكبر، سكوتها رضاها” فخرج فزوجها(8). وعن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “إنما أنا بشر مثلكم، أتزوج فيكم وأزوجكم إلا فاطمة، فإن تزويجها نزل من السماء”(9).

* الزهراء عليها السلام في بيت الزوجية:
تمثل السيدة الزهراء عليها السلام قدوة على مستوى الحياة الزوجية، وكان علي عليه السلام يحترمها ويجلها احتراماً يليق بمقامها، ليس لكونها زوجته فحسب، بل لأنها أحب الخلق إلى رسول الله، ولكونها سيدة نساء العالمين، وبما تمثل من مجموعة الفضائل والقيم. وقد لخص لنا أمير المؤمنين عليه السلام عنوان زوجيتها بقوله: “ولقد كنت أنظر إليها فتنجلي عني الغموم والأحزان بنظرتي إليها”(10). وفي مقام آخر، كشف لنا عن حسن المعاشرة بقوله عليه السلام: “فوالله، ما أغضبتها ولا أكربتها من بعد ذلك، حتى قبضها الله إليه ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً”(11).

* عبادة فاطمة عليها السلام:
عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: “إنها (فاطمة) متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله، زهر نورها لملائكة السماء كما يزهر نور الكواكب لأهل الأرض، ويقول الله عزَّ وجلَّ لملائكته: يا ملائكتي، انظروا إلى أَمَتي فاطمة سيدة إمائي، قائمة بين يدي، ترتعد فرائصها من خيفتي، وقد أقبلت بقلبها على عبادتي، أشهدكم أني قد أمنت شيعتها من النار”(12).

* جهاد فاطمة عليها السلام:
لقد شاركت مولاتنا فاطمة في غزوة أحد مع النساء، إذ قامت بدور الإسعاف وتقديم الخدمات، وتولّت بنفسها مداواة جراح أبيها، عندما رأت أن الدم لا ينقطع، فأخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رماداً، ثم ذرته على الجرح فاستمسك الدم. وكذلك كان لها حضور مبارك في غزوات أخرى، حتى قال عنها أبوها صلى الله عليه وآله وسلم: “فاطمة أم أبيها”(13). وتعتبر سلام الله عليه أول مدافع عن حريم الولاية والإمامة. وهناك جوانب أخرى تتعلق بمقامها العلمي ومكارم أخلاقها وإيثارها وحنوها وشفقتها، وغير ذلك من الصفات والأخلاق التي كان لها هذا المقام، لأنها اجتمعت في فاطمة، ونالت جمالها وكمالها بسيدة نساء العالمين.

الشيخ تامر محمد حمزة

(1) بحار الأنوار، ج‏16، ص‏79 80، الذهبي في ميزان الاعتدال، ج‏3، ص‏540، الخطيب البغدادي في تاريخه، ج‏5، ص‏87، محب الدين الطبري في ذخائر العقبى، 54 55، أعلام الهداية، ص‏57 58.
(2) الناقب في المناقب للطوسي، ص‏187، سند فاطمة للتويسركاني، ص‏75.
(3) علل الشرائع، ص‏179، العوالم، ج‏11، ص‏25، ج‏4، الكلمات الغراء في فضائل الزهراء، ص‏35 36.
(4) أمالي المفيد، ص‏259، ج‏17، أمالي الطوسي، ج‏1، ص‏24، العوالم، ج‏11، ص‏53، الكلمات الغراء في فضائل الزهراء، ص‏53، ج‏12.
(5) معاني الأخبار، ص‏303، ح‏26، العوالم، ج‏11، ص‏53، ح‏5، الكلمات، ص‏57، ح‏20.
(6) تذكرة الخواص، ص‏306.
(7) معاني الأخبار، 103، الخصال، 64، أمالي الصدوق، 474، بحار الأنوار، ج‏43، ص‏111.
(8) بحار الأنوار، ج‏43، ص‏145.
(9) بحار الأنوار، ج‏43، ص‏145.
(10) المناقب للخوارزمي، 353، أعلام الهداية، ص‏98.
(11) المصدران السابقان.
(12) أمالي الصدوق، ص‏24، ج‏100، أعلام الهداية، ص‏41.
(13) أسد الغابة، 5 520، الاستيعاب 4 380، أنوار الهداية 43.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى