تفسير آيات من القرآن الكريم (72-74)
قال تعالى : {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [آل عمران : 72 – 74] .
لما ذكر تعالى صدرا من كياد القوم ، عقبه بذكر هذه المكيدة الشديدة فقال : (وقالت طائفة) أي : جماعة {من أهل الكتاب} أي : بعضهم لبعض {آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا} يعنون النبي وأصحابه {وجه النهار واكفروا آخره} واختلف في معناه على أقوال أحدها : أظهروا الإيمان لهم أول النهار ، وارجعوا إلى قبلتكم في آخره ، فإنه أحرى أن ينقلبوا عن دينهم ، عن الحسن وجماعة . وثانيها : آمنوا بصلاتهم إلى الكعبة أول النهار ، واكفروا آخره ، ليرجعوا بذلك عن دينهم ، عن مجاهد . وثالثها : أظهروا الإيمان في صدر النهار بما سلف لكم من الإقرار بصفة محمد ” صلى الله عليه وآله وسلم ” ، ثم ارجعوا في آخره ، لتوهموهم أنه كان قد وقع غلط في صفته .
{لعلهم يرجعون} عن دينهم الاسلام ، عن ابن عباس وجماعة {ولا تؤمنوا} أي : ولا تصدقوا {إلا لمن تبع دينكم} اليهودية ، وقام بشرائعكم ، وهو عطف على ما مضى . واختلف في معنى الآية على أقوال أحدها : إن معناه ولا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والحكمة ، والبيان والحجة ، ولا لمن تبع دينكم من أهل الكتاب . وقيل : إنما قال ذلك يهود خيبر ، ليهود المدينة ، لئلا يعترفوا به ، فيلومونهم (2) به ، لإقرارهم بصحته . وقيل : معناه لا تعترفوا بالحق إلا لمن تبع دينكم .
وقوله : – أو يحاجوكم عند ربكم} لأنكم أصح دينا منهم ، فلا تكون لهم الحجة عليكم عند الله ، فيكون هذا كله من كلام اليهود . وقوله : {قل إن الهدى هدى الله} ، و {قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء} كلام الله جوابا لليهود ، وردا عليهم أي : قل يا محمد! إن الهدى هدى الله ، وقل : إن الفضل بيد الله ، فلا ينبغي لهم أن ينكروا أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا ، وهذا معنى الحسن (3) ، وأبي علي الفارسي .
وثانيها : أن يكون قوله : {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} كلام اليهود وما بعده من الله ، ويكون المعنى : قل إن الهدى هدى الله يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أيها المسلمون ، كقوله : {يبين الله لكم أن تضلوا} أي : أن لا تضلوا وان لا يحاجوكم عند ربكم ، لأنه لا حجة لهم . ويكون {هدى الله} بدلا من الهدى . والخبر : أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وهذا قول السدي ، وابن جريج .
وقال أبو العباس المبرد : إن (لا) ليست مما تحذف هاهنا ، ولكن الإضافة هنا معلومة ، فحذفت الأول ، وأقيمت الثانية مقامه . والمعنى : {قل إن الهدى هدى الله} كراهة {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} أي : مما خالف دين الله ، لأن الله لا يهدي من هو كاذب كفار . فهدى الله بعيد من غير المؤمنين ، وكذلك تقدير قوله يبين الله لكم كراهة أن تضلوا .
وقال قوم : إن تقديره قل يا محمد إن الهدى إلى الخير هدى الله ، فلا تجحدوا أيها اليهود ، أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من النبوة {أو} أن {يحاجوكم} بذلك {عند ربكم} إن لم تقبلوا ذلك منهم ، عن قتادة والربيع والجبائي .
وقيل : إن الهدى هدى الله معناه : إن الحق ما أمر الله به ، ثم فسر الهدى فقال : {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم} . فالمؤتى هو الشرع ، وما يحاج به هو العقل . وتقدير الكلام : إن هدى الله ما شرع ، أو ما عهد به في العقل . فهذه أربعة أقوال .
وثالثها : أن يكون الكلام من أول الآية إلى آخرها لله تعالى ، وتقديره ولا تؤمنوا أيها المؤمنون إلا لمن تبع دينكم وهو دين الاسلام ، ولا تصدقوا بان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من الدين ، فلا نبي بعد نبيكم ، ولا شريعة بعد شريعتكم ، إلى يوم القيامة ، ولا تصدقوا بان يكون لاحد حجة عليكم عند ربكم ، لان دينكم خير الأديان ، وان الهدى هدى الله ، وان الفضل بيد الله ، فتكون الآية كلها خطابا للمؤمنين من الله تعالى عند تلبس اليهود عليهم ، لئلا يزلوا . ويدل عليه ما قاله الضحاك : ان اليهود قالوا : إنا نجاح عند ربنا من خالفنا في ديننا . فبين الله تعالى أنهم هم المدحضون المغلبون ، وان المؤمنين هم الغالبون .
وقوله {قل إن الفضل بيد الله} قيل : يريد به النبوة . وقيل : الحجج التي أوتيها محمد صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه . وقيل : نعم الدين والدنيا . وقوله : بيد الله أي في ملكه ، وهو القادر عليه ، العالم بمحله . {يؤتيه من يشاء} وفي هذه دلالة على أن النبوة ليست بمستحقة وكذلك الإمامة ، لان الله سبحانه علقه بالمشية . {والله واسع} الرحمة جواد . وقيل : واسع المقدور ، يفعل ما يشاء {عليم} بمصالح الخلق . وقيل : يعلم حيث يجعل رسالته .
__________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج2 ، ص320-324 .
2- وفي نسخة مخطوطة : ” فيلزمهم العمل به ” بدل ” فيلومونهم به ” .
3- [عطف على أن يؤتى أي : ولا تصدقوا بأن يحاجوكم] .
آمَنُوا وَجْهً النَّهارِ واكْفُرُوا آخِرَهُ :
{ وقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهً النَّهارِ واكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } . أي يرجع المسلمون عن الإسلام ، وتشير الآية إلى خدعة تواطأ عليها جماعة من رؤساء أهل الكتاب ، وخلاصتها أن يظهروا الإسلام أول النهار ، ويرتدوا عنه في آخره عسى أن يقع بعض ضعاف النفوس والعقول من المسلمين في الشك والبلبلة ، ويقول لولا ما ظهر لهم من عدم صدق محمد ( صلى الله عليه واله ) لم يكفروا بعد أن آمنوا به . .
وتسأل : هل نفذوا هذه الحيلة التي تواطئوا عليها ، أو ان اللَّه سبحانه أخبر نبيه وفضحهم قبل أن يقدموا على التنفيذ ؟
الجواب : ان كل ما دلت عليه الآية انهم قالوا ، أما وقوفهم عند حد القول ، أو تجاوزهم عنه إلى الفعل فقد سكتت عنه ، ونحن أيضا نسكت عما سكت اللَّه عنه . . وعليه فلا وجه لما جاء في كثير من التفاسير انهم صلوا مع النبي صلاة الصبح ، ثم رجعوا آخر النهار ، وصلوا صلاتهم ، ليرى الناس انه قد بدت لهم ضلالة الدين . اللهم الا أن يصح النقل بذلك .
{ ولا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ } . كثيرا ما يساء فهم هذه الآية ، ويستشهد بها على انها من كلام اللَّه سبحانه ، لا من كلام اليهود ، بل سمعت أكثر من واحد يلفظ بها ( ولا تأمنوا ) معتقدا ان اللَّه سبحانه أراد بهذه الآية أن لا نأتمن إلا من كان على ديننا .
والصحيح ان الآية بقية من كلام المعاندين الماكرين من أهل الكتاب . . وقد نقلها اللَّه تعالى حكاية لكلامهم ، أي ان بعض أهل الكتاب قالوا لبعضهم الآخر :
آمنوا أول النهار ، واكفروا في آخره ، وقالوا أيضا : { لا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ } . والمراد من لا تؤمنوا ، الاطمئنان ، لا الأمانة ولا الاعتقاد ، وإلا تعدت بالباء لا باللام ، والمعنى ان بعض أهل الكتاب قال لبعض : لا تطمئنوا لأحد إلا لمن اتبع دينكم ، تماما كقوله تعالى : ويُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ، أي يطمئن لهم .
{ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللَّهِ } . هذه جملة معترضة خاطب اللَّه بها نبيه قبل أن ينتهي من حكاية أقوال أهل الكتاب ، والقصد من قوله : {الْهُدى هُدَى اللَّهِ }
الرد على محاولة أهل الكتاب المجرمة ، وخديعتهم بإظهار الإسلام ، ثم اظهار الارتداد عنه ، ليشككوا بذلك ضعاف العقول من أتباع الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله ) ، القصد الرد عليهم بأن هذه الخديعة لا تجديهم شيئا ، لأن الإسلام هداية من اللَّه لا تزيله ولا تزعزعه المكائد والمصائد . . قال تعالى : « ومَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ – 37 الزمر » .
{ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ } . هذا آخر ما حكاه هنا من كلام أهل الكتاب . وخلاصة المعنى ان رؤوس أهل الكتاب كانوا يعتقدون بينهم وبين أنفسهم بأنه يجوز أن يرسل اللَّه نبيا من غير بني إسرائيل ، وان النبوة ليست وقفا عليهم . . ولكنهم بعد ان جاء محمد ( صلى الله عليه واله ) أظهروا أمام الناس ، حسدا وبغيا ، ان كتبهم وديانتهم تحتم أن يكون النبي من بني إسرائيل وحدهم ، دون غيرهم ، أظهروا هذا ، وهم يعلمون بأنهم كاذبون ومعاقبون ، ومحجوجون غدا عند اللَّه ، وخافوا أن يصل علمهم بأنهم كاذبون محجوجون عند اللَّه ، أن يصل إلى المسلمين ، فيزدادوا تمسكا بالإسلام ، لذلك قال بعضهم لبعض : إياكم أن تقولوا أمام المسلمين : انّا نحن أهل الكتاب نعتقد بأنه يجوز أن يؤتي اللَّه النبوة لغير إسرائيلي ، أو تقولوا أمام المسلمين : انّا محجوجون غدا ومغلوبون ، لكتماننا الحق ومعاندته .
وبتعبير ثان ان أهل الكتاب ، وبخاصة اليهود ، قد علموا علما أكيدا انهم على ضلال بتكذيبهم محمدا ( صلى الله عليه واله ) ، وخافوا أن يخبر المسلمين مخبر منهم بهذه الحقيقة ، فتواصوا بالتستر على ضلالهم ، واظهار ان النبي لا يكون ولن يكون عربيا .
هذا هو خلق اليهود منذ وجدوا ، حتى اليوم ، والى آخر يوم . . يكذبون ويعلمون انهم يكذبون ، ويتخذون ستارا واهيا من التلبيس والتمويه ، ولكن سرعان ما يفتضحون . . وليس القرآن الكتاب الوحيد الذي سجل رذائلهم وجرائمهم فإن كتب الأديان ، وبخاصة الإنجيل ، وكتب التاريخ والصحف والإذاعات كلها تردد وتكرر تاريخهم المجرم الآثم . . وهذا هو السر في اضطهاد الأمم لهم ، والتنكيل بهم من عهد فرعون إلى عهد هتلر . . وما استطاعت أمة على وجه الأرض قديما وحديثا ان تحتملهم الا الولايات المتحدة . . لأن شبه الشيء منجذب إليه .
{ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ واللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ } .
قال المفسرون : المراد بالفضل هنا خصوص النبوة والرسالة ، وانها بيد اللَّه تعالى يختار لها من هو جدير بها ، وكفؤ لها ، سواء أكان إسرائيليا ، أو عربيا ، وانه سبحانه قد رد بذلك على اليهود الذين أعلنوا بأن اللَّه لا يبعث نبيا الا منهم .
هذا ما قاله أهل التفسير ، واستدلوا بأن السياق يدل عليه ، لأنه بصدد الحديث عن أهل الكتاب ومزاعمهم الكاذبة ، وخدعهم الباطلة .
والذي نراه ان الفضل في الآية باق على عمومه ، وانه يشمل النبوة والحكمة والهداية والإسلام ، وغيره من الفضائل ، وكما يتحقق الرد على اليهود مع إرادة خصوص النبوة من الفضل كذلك يتحقق مع إرادة العموم ، لأن النبوة من جملة أفراد الفضل والفضيلة .
___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج2 ، ص86-89 .
قوله تعالى : {وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل} إلى آخر الآية ، المراد بوجه النهار بقرينة مقابلته بآخره هو أوله فإن وجه الشيء ما يبدو ويظهر به لغيره وهو في النهار أوله ، وسياق قولهم يكشف عن نزول وحي على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في وجه النهار يوافق ما عليه أهل الكتاب وآخر في آخره يخالف ما هم عليه فإنما هو الذي دعاهم إلى أن يقولوا هذا القول .
وعلى هذا فقوله : {بالذي أنزل على الذين آمنوا} أريد به شيء خاص من وحي القرآن يوافق ما عند أهل الكتاب ، وقوله : وجه النهار منصوب على الظرفية ومتعلق بقوله : أنزل ، لا بقوله : آمنوا صيغة الأمر لأنه أقرب ، وقوله : {واكفروا آخره} في معنى واكفروا بما أنزل في آخره فيكون من وضع الظرف موضع المظروف بالمجاز العقلي نظير قوله تعالى : {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} [سبأ : 33] .
وبذلك يتأيد ما ورد في سبب النزول عن أئمة أهل البيت : أن هذه كلمة قالتها اليهود حين تغيير القبلة حيث صلى رسول الله صلاة الصبح إلى بيت المقدس وهو قبلة اليهود ، ثم حولت القبلة في صلاة الظهر نحو الكعبة فقالت طائفة من اليهود : {آمنوا بما أنزل على الذين آمنوا وجه النهار} يريدون استقبال بيت المقدس ، { واكفروا آخره }يريدون استقبال الكعبة .
ويؤيده قولهم بعده على ما حكاه الله : {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} ، أي لا تثقوا بمن لا يتبع دينكم بالإيمان به فتفشوا عنده شيئا من أسراركم والبشارات التي عندكم وكان من علائم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه يحول القبلة إلى الكعبة .
وذكر بعضهم أن قوله : {وجه النهار} متعلق بقوله : { آمنوا} بصيغة الأمر والمراد به أول النهار ، وقوله : {آخره }ظرف بتقدير في ، ومتعلق بقوله {واكفروا} ، والمراد بقولهم : {آمنوا بالذي أنزل} “الخ” أن يظهر عدة منهم الإيمان بالقرآن ويلحقوا بجماعة المؤمنين ثم يرتدوا في آخر النهار بإظهار أنهم إنما آمنوا أول النهار لما كاد يلوح لهم من أمارات الصدق والحق من ظاهر الدعوة الإسلامية ، وإنما ارتدوا آخر النهار لما تبين لهم من شواهد البطلان وعدم انطباق ما عندهم من بشارات النبوة وعلائم الحقانية على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيكون ذلك مكيدة تكاد بها المؤمنون فيرتابون في دينهم ، ويهنون في عزيمتهم فينكسر بذلك سورتهم وتبطل أحدوثتهم .
وهذا المعنى في نفسه غير بعيد وخاصة من اليهود الذين لم يألوا جهدا في الكرة على الإسلام لإطفاء نوره من أي طريق ممكن غير أن لفظ الآية لا ينطبق عليه ، وسيأتي للكلام تتمة نتعرض لها في البحث الروائي التالي إن شاء الله العزيز .
وقال بعضهم : إن المراد {آمنوا} بصلاتهم إلى الكعبة أول النهار واكفروا به آخره لعلهم يرجعون وقال آخرون : المعنى أظهروا الإيمان في صدر النهار بما أقررتم به من صفة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم){ واكفروا آخره} بإبداء أن ما وصف به النبي الموعود لا ينطبق عليه لعلهم يرتابون بذلك فيرجعوا عن دينهم ، وهذان الوجهان لا شاهد عليهما .
و كيف كان المراد ، لا إجمال في الآية .
قوله تعالى : {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} “الخ” ، الذي يعطيه السياق هو أن تكون هذه الجملة من قول أهل الكتاب تتمة لقولهم : آمنوا بما أنزل على الذين آمنوا ، وكذا قوله تعالى : {أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم} ، ويكون قوله : “{قل إن الهدى هدى الله}” جملة معترضة هو جواب الله سبحانه عن مجموع ما تقدم من كلامهم أعني قولهم : { آمنوا بما أنزل} إلى قوله {دينكم} ، على ما يفيده تغيير السياق ، وكذا قوله تعالى قل إن الفضل بيد الله جوابه تعالى عن قولهم : {أن يؤتى أحد} إلى آخره ، هذا هو الذي يقتضيه ارتباط أجزاء الكلام واتساق المعاني في الآيتين أولا ، وما تناظر الآيتين من الآيات الحاكية لأقوال اليهود في الجدال والكيد ثانيا .
و المعنى – والله أعلم – أن طائفة من أهل الكتاب – وهم اليهود – قالت أي قال بعضهم لبعض : صدقوا النبي والمؤمنين في صلاتهم وجه النهار إلى بيت المقدس ولا تصدقوهم في صلاتهم إلى الكعبة آخر النهار ، ولا تثقوا في الحديث بغيركم فيخبروا المؤمنين أن من شواهد نبوة النبي الموعود تحويل القبلة إلى الكعبة فإن في تصديقكم أمر الكعبة وإفشائكم ما تعلمونه من كونها من أمارات صدق الدعوة محذور أن يؤتى المؤمنون مثل ما أوتيتم من القبلة فيذهب به سوددكم ويبطل تقدمكم في أمر القبلة ، ومحذور أن يقيموا عليكم الحجة عند ربكم أنكم كنتم عالمين بأمر القلبة الجديدة شاهدين على حقيته ثم لم تؤمنوا .
فأجاب الله تعالى عن قولهم في الإيمان بما في وجه النهار والكفر في آخره وأمرهم بكتمان أمر القبلة لئلا يهتدي المؤمنون إلى الحق بأن الهدى الذي يحتاج إليه المؤمنون الذي هو حق الهدى إنما هو هدى الله دون هداكم ، فالمؤمنون في غنى عن ذلك فإن شئتم فاتبعوا وإن شئتم فاكفروا وإن شئتم فأفشوا وإن شئتم فاكتموا .
وأجاب تعالى عما ذكروه من مخافة أن يؤتى أحد مثل ما أوتوا أو يحاجوهم عند ربهم بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء لا بيدكم حتى تحبسوه لأنفسكم وتمنعوا منه غيركم ، وأما حديث الكتمان مخافة المحاجة فقد أعرض عن جوابه لظهور بطلانه كما فعل كذلك في قوله تعالى في هذا المعنى بعينه : {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (76) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } [البقرة : 76 ، 77] ، فقوله : {أولا يعلمون} ، إيذان بأن هذا القول بعد ما علموا أن الله لا يتفاوت فيه السر والعلانية كلام منهم لا يستوي على تعقل صحيح ، وليس جوابا لمكان الواو في قوله : أ ولا يعلمون .
وعلى ما مر من المعنى فقوله تعالى : ولا تؤمنوا معناه ، لا تثقوا ولا تصدقوا لهم الوثاقة وحفظ السر على حد قوله تعالى : {وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ} [التوبة : 61] ، والمراد بقوله لمن تبع ، اليهود .
والمراد بالجملة النهي عن إفشاء ما كان عندهم من حقية تحويل القبلة إلى الكعبة كما مر في قوله تعالى : “فول وجهك شطر المسجد الحرام – إلى أن قال : {وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ } – إلى أن قال : {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة : 144 ، 146] .
وفي معنى الآية أقوال شتى دائرة بين المفسرين كقول بعضهم : إن قوله تعالى : { ولا تؤمنوا} إلى آخر الآية كلام لله تعالى لا لليهود ، وخطاب الجمع في قوله : {ولا تؤمنوا }وقوله : {ما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم} جميعا للمؤمنين ، وخطاب الإفراد في قوله : قل ، في الموضعين للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وقول آخرين بمثله إلا أن خطاب الجمع في قوله : {أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم} ، لليهود في الكلام عتاب وتقريع .
و قول آخرين إن قوله : {ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم} من كلام اليهود ، وقوله : {قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد} “الخ” كلام لله تعالى جوابا عما قالته اليهود ، وكذا الخلاف في معنى الفضل أن المراد به الدين أو النعمة الدنيوية أو الغلبة أو غير ذلك .
وهذه الأقوال على كثرتها بعيدة عما يعطيه السياق كما قدمنا الإشارة إليه ولذا لم نشتغل بها فضل اشتغال .
قوله تعالى : {قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم} ، الفضل هو الزائد عن الاقتصاد ، ويستعمل في المحمود كما أن الفضول يستعمل في المذموم ، قال الراغب : وكل عطية لا تلزم من يعطي يقال لها فضل نحو قوله : واسألوا الله من فضله – ذلك فضل الله – ذو الفضل العظيم ، وعلى هذا قوله : قل بفضل الله – ولو لا فضل الله انتهى .
و على هذا فقوله : {إن الفضل بيد الله} ، من قبيل الإيجاز بالقناعة بكبرى البيان القياسي ، والتقدير : قل إن هذا الإنزال والإيتاء الإلهي الذي تحتالون في تخصيصه بأنفسكم بالتظاهر على الإيمان والكفر ، والإيصاء بالكتمان أمر لا نستوجبه معاشر الناس على الله تعالى بل هو من الفضل ، والفضل بيد الله الذي له الملك وله الحكم فله أن يؤتيه من يشاء والله واسع عليم .
ففي الكلام نفي ما يدل عليه قولهم وفعلهم من تخصيص النعمة الإلهية بأنفسهم بجميع جهاته المحتملة فإن تنعم بعض الناس بفضل الله تعالى دون البعض كتنعم اليهود بنعمة الدين والقبلة ، وحرمان غيرهم إما أن يكون لأن الفضل منه تعالى يمكن أن يقع تحت تأثير الغير فيزاحم المشية الإلهية ، ويحبس فضله عن جانب ، ويصرفه إلى آخر ، وليس كذلك فإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء .
وإما أن يكون لأن الفضل قليل غير واف والمفضل عليهم كثيرون فيكون إيتاؤه على البعض دون البعض يحتاج إلى انضمام مرجح فيحتال إلى إقامة مرجح لتخصيص البعض الذي ينعم عليه ، وليس كذلك فإن الله سبحانه واسع الفضل والمقدرة .
وإما أن يكون لأن الفضل وإن كان واسعا وبيد الله لكن يمكن أن يحتجب المفضل عليه عنه تعالى بجهل منه فلا ينال الفضل فيحتال في حجبه وستر حاله عنه تعالى حتى يحرم من فضله ، وليس كذلك فإن الله سبحانه عليم لا يطرأ عليه جهل .
قوله تعالى : {يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم} ، فلما كان الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء وكان واسعا عليما أمكن أن يختص بعض عباده ببعض نعمه فإن له أن يتصرف في ملكه كيف يشاء ، وليس إذا لم يكن ممنوع التصرف في فضله وإيتائه عباده أن يجب عليه أن يؤتي كل فضله كل أحد فإن هذا أيضا نوع ممنوعية في التصرف بل له أن يختص بفضله من يشاء .
وقد ختم الكلام بقوله : {والله ذو الفضل العظيم} وهو بمنزلة التعليل لجميع المعاني السابقة فإن لازم عظمة الفضل على الإطلاق أن يكون بيده يؤتيه من يشاء ، وأن يكون واسعا في فضله ، وأن يكون عليما بحال عباده وما هو اللائق بحالهم من الفضل ، وأن يكون له أن يختص بفضله من يشاء .
وفي تبديل الفضل بالرحمة في قوله : {يختص برحمته من يشاء} ، دلالة على أن الفضل وهو العطية غير الواجبة من شعب الرحمة ، قال تعالى : {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف : 156] ، وقال : {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ } [النور : 21] ، وقال تعالى : {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} [الإسراء : 100] .
___________________
1 . تفسير الميزان ، ج3 ، ص ، ص223-227 .
مؤامرة خطيرة :
تكشف هذه الآية عن خطّة هدّامة أُخرى من خطط اليهود ، وتقول إنّ هؤلاء لكي يزلزلوا بُنية الإيمان الإسلامي توسّلوا بكلّ وسيلة ممكنة . من ذلك أنّ {طائفة من أهل الكتاب} اتّفقوا أن يؤمنوا بما أنزل على المسلمين في أوّل النهار ويرتدّوا عنه في آخره {ءامنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره} .
لعلّ المقصود من أوّل النهار وآخره قصر المدة بين إيمانهم وارتدادهم ، سواء أكان ذلك في أوّل النهار حقّاً أم في أيّ وقت آخر . إنّما قصر هذه المدّة يوحي إلى الآخرين أن يظنّوا أنّ هؤلاء كانوا يرون الإسلام شيئاً عظيماً قبل الدخول فيه ، ولكنّهم بعد أن أسلموا وجدوه شيئاً آخر قد خيّب آمالهم ، فارتدّوا عنه .
لاشكّ أن مثل هذه المؤامرة كانت ستؤثّر في نفوس ضعفاء الإيمان ، خاصّة وأنّ أُولئك اليهود كانوا من الأحبار العلماء ، وكان الجميع يعرفون عنهم أنّهم عالمون بالكتب السماوية وبعلائم خاتم الأنبياء . فإيمانهم ثمّ كفرهم كان قادراً على أن يزلزل إيمان المسلمين الجديد . لذلك كانوا يعتمدون كثيراً على خطّتهم الماهرة هذه ، وقوله : {لعلهم يرجعون} دليل على أملهم هذا .
وكانت خطّتهم تقتضي أن يكون إيمانهم بالإسلام ظاهرياً ، وأن يبقى إرتباطهم باتّباع دينهم .
{ولا تؤمنوا إلاَّ لمن تبع دينكم} .
ويستفاد من بعض التفاسير أنّ يهود خيبر أوصوا يهود المدينة بذلك لئلاّ يقع القريبون من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحت تأثيره فيؤمنوا به حقّاً ، لأنّهم كانوا يعتقدون أنّ النبوّة يجب أن تكون في العنصر اليهودي ، فإذا ظهر نبيّ فلابدّ أن يكون يهودياً .
يرى بعض المفسّرين أنّ جملة {لاتؤمنوا) من الإيمان الذي يعني «الوثوق والإطمئنان» كما هو أصل الكلمة اللغوي . وبناءً على ذلك يكون المعنى : هذه المؤامرة يجب أن تبقى مكتومة وسرّية ، وأن لا يعلم بها أحد من غير اليهود ، حتّى المشركين ، لئلاّ تنكشف وتحبط ، ففضح الله هذه المؤامرة في هذه الآيات وفضحهم ، ليكون ذلك درس عبرة للمؤمنين ، ودرس هداية للمعاندين .
{قل إنّ الهُدى هُدى الله} .
هذه جملة معترضة جاءت ضمن كلام على لسان اليهود في ما قبلها وما بعدها من الآيات .
في هذه الآية التي تقع بين كلام اليهود ، يردّ الله عليهم ردّاً قصيراً ولكنه عميق المعنى . فأوّلاً : الهداية مصدرها الله ، ولا تختصّ بعنصر أو قوم بذاته ، فلا ضرورة في أن يجيء النبيّ من اليهود فقط . وثانياً : إنّ الذين شملهم الله بهدايته الواسعة لا تزعزعهم هذه المؤامرات ولا تؤثّر فيهم هذه الخطط .
{أن يؤتى أحدٌ مثل ما أُوتيتم أو يحاجّوكم عند ربّكم}(2) .
هذه الآية استمرار لأقوال اليهود ، بتقدير عبارة {ولا تصدّقوا} قبلها .
وعلى ذلك يصبح معنى الآية هكذا : «لا تصدّقوا أن ينال أحد ما نلتم من الفخر وما نزل عليكم من الكتب السماوية ، وكذلك لا تصدّقوا أن يستطيع أحد أن يجادلكم يوم القيامة أمام الله ويدينكم ، لأنكم خير عنصر وقوم في العالم ، وأنتم أصحاب النبوّة والعقل والعلم والمنطق والاستدلال !» .
بهذا المنطق الواهي كان اليهود يسعون لنيل ميزة يتميّزون بها ، من حيث علاقتهم بالله ، ومن حيث العلم والمنطق والاستدلال ، على الأقوام الأخرى . لذلك يردّهم الله في الآية التالية بقوله : {قل إنّ الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسعٌ عليم} .
أي : قل لهم إنّ المواهب والنعم ، سواء أكانت النبوّة والاستدلالات العقلية المنطقية ، أم المفاخر الأُخرى ، هي جميعاً من الله ، يسبغها على من يشاء من المؤهّلين اللائقين الجديرين بها . إنّ أحداً لم يأخذ عليه عهداً ووعداً ، ولا لأحد قرابة معه . إنّ جوده وعفوه واسعان ، وهو عليم بمن يستحقّهما .
{يختصّ برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم}(3) .
هذا توكيد لما سبق أيضاً : إنّ الله يخصّ من عباده من يراه جديراً برحمته ـ بما في ذلك مقام النبوّة والقيادة ـ دون أن يستطيع أحد تحديده فهو صاحب الأفضال والنِعم العظيمة .
ويستفاد ضمناً من هذه الآية الكريمة أن الفضل الإلهي اذا شمل بعض الناس دون بعض ، فليس ذلك لمحدودية الفضل الإلهي ، بل بسبب تفاوت القابليات فيهم .
خطط قديمة :
تعتبر هذه الآيات ، في الواقع ، من آيات إعجاز القرآن ، لأنّها تكشف أسرار اليهود وأعداء الإسلام وتفضح خططهم لزعزعة مسلمي الصدر الأوّل ، فتيقّظ المسلمون ببركتها ، ووعوا وساوس الأعداء المغرية . ولكنّنا لو دقّقنا النظر لأدركنا أنّ تلك الخطط تجري في عصرنا الحاضر أيضاً بطرق مختلفة . إنّ وسائل إعلام الأعداء القوية المتطوّرة مستخدمة الآن للغرض نفسه ، فهم يحاولون هدم أركان العقيدة الإسلامية في عقول المسلمين ، وبخاصة الجيل الشاب . وهم في هذا السبيل لا يتورّعون عن كلّ فرية ، ويلجأون إلى كلّ السبل ويتلبّسون بلبوس العالم والمستشرق والمؤرّخ وعالم الطبيعيات والصحفي ، بل حتّى الممثّل السينمائي .
إنّهم يصرّحون أنّ هدفهم ليس التبشير بالمسيحية وحمل المسلمين على اعتناقها ، ولا اعتناق اليهودية ، بل هدفهم هو هدم أُسس المعتقدات الإسلامية في أفكار الشباب ، وجعلهم غير مهتمّين بدينهم وتراثهم . إنّ القرآن اليوم يحذّر المسلمين من هذه الخطط كما حذّرهم في القديم .
____________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج2 ، ص326-328 .
2 ـ جملة «ولاتؤمنوا» تعني انكم لا تصدقوا ان ينزل كتاب سماوي على احد كما نزل عليكم .
3 ـ «فضل» بمعنى كل شيء زاد عن المقدار اللازم من المواهب والنعم ، وهو معنىً إيجابي وممدوح . ولكن تارة يستبطن معنىً مذموماً وسلبياً ، وذلك عندما يأتي بمعنى الخروج عن حدّ الاعتدال . والميل إلى الإفراط ، ويأتي غالباً بصيغة (فضول) جمع (فضل) كما في قولهم «فضول الكلام) .