تفسير سورة النصر
قال تعالى : {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر : 1 – 3]
تفسير مجمع البيان
– ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1)
{إذا جاء} يا محمد {نصر الله} على من عاداك وهم قريش {والفتح} فتح مكة وهذه بشارة من الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالنصر والفتح قبل وقوع الأمر {ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا} أي جماعة بعد جماعة وزمرة بعد زمرة والمراد بالدين الإسلام والتزام أحكامه واعتقاد صحته وتوطين النفس على العمل به قال الحسن : لما فتح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) مكة قالت العرب أما إذا ظفر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) بأهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان أي طاقة فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا أي جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون فيه واحدا واحدا أو اثنين فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام وقيل في دين الله أي في طاعة الله وطاعتك وأصل الدين الجزاء ثم يعبر به عن الطاعة التي يستحق بها الجزاء كما قال سبحانه في دين الملك أي في طاعته .
{فسبح بحمد ربك واستغفره} هذا أمر من الله سبحانه بأن ينزه عمالا يليق به من صفات النقص وأن يستغفره ووجه وجوب ذلك بالنصر والفتح أن النعمة تقتضي القيام بحقها وهو شكر المنعم وتعظيمه والائتمار بأوامره والانتهاء عن معاصيه فكأنه قال قد حدث أمر يقتضي الشكر والاستغفار وإن لم يكن ثم ذنب فإن الاستغفار قد يكون عند ذكر المعصية بما ينافي الإصرار وقد يكون على وجه التسبيح والانقطاع إلى الله عز وجل {إنه كان توابا} يقبل توبة من بقي كما قبل توبة من مضى قال مقاتل لما نزلت هذه السورة قرأها (صلى الله عليه وآله وسلّم) على أصحابه ففرحوا واستبشروا وسمعها العباس فبكى فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) : ما يبكيك يا عم فقال أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله فقال : إنه لكما تقول فعاش بعدها سنتين ما رؤي فيهما ضاحكا مستبشرا قال وهذه السورة تسمى سورة التوديع وقال ابن عباس : لما نزلت إذا جاء نصر الله قال : نعيت إلي نفسي بأنها مقبوضة في هذه السنة واختلف في أنهم من أي وجه علموا ذلك وليس في ظاهره نعي فقيل لأن التقدير فسبح بحمد ربك فإنك حينئذ لاحق بالله وذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل وعند الكمال يرقب الزوال كما قيل :
إذا تم أمر بدا نقصه *** توقع زوالا إذا قيل تم
وقيل لأنه سبحانه أمره بتجديد التوحيد واستدراك الفائت بالاستغفار وذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدار إلى دار الأبرار وعن عبد الله مسعود قال : لما نزلت السورة كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يقول كثيرا سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم وعن أم سلمة قالت : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) بالآخرة لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه فسألناه عن ذلك فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) إني أمرت بها ثم قرأ إذا جاء نصر الله والفتح وفي رواية عائشة : أنه كان يقول سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك .
__________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص466-468 .
تفسير الكاشف
– ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1)
{إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ والْفَتْحُ} . قال جمهور المفسرين : ان هذه بشارة من اللَّه سبحانه لنبيه الكريم بفتح مكة والنصر على أعداء اللَّه وأعدائه {ورَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً} . المراد بدين اللَّه الإسلام ، وأفواجا أي جماعة بعد جماعة ، وزمرة بعد زمرة ، وكان الكثير من أحياء العرب ينتظرون بإسلامهم فتح مكة ، فلما فتحها اللَّه على نبيه عظم أمر الإسلام وانتشر في الجزيرة العربية كلها في أمد قصير ، وخلق الإسلام العرب خلقا جديدا ، فوحّدهم بعد تفرقهم وأعزهم بعد مذلتهم ، وجعلهم في طليعة الأمم وقادتها إلى الخير والصلاح .
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ واسْتَغْفِرْهُ} . أمر سبحانه نبيه الأكرم بالحمد والتسبيح بعد رؤية الفتح والنصر شكرا على أنعمه تعالى ، وتنزيها للنفس عن الزهو بالنصر ، والفرحة بالظفر ، وليس من شك ان الغرض من ذلك أن نتخلق بأخلاق القرآن ، ونتعظ بآدابه . قال الإمام علي (عليه السلام) : إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكرا للقدرة عليه {إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً} . توبة اللَّه على المعصوم معناها الرحمة له والرضوان عنه ، وتوبته على غيره قبولها منه . وسبق الكلام عن ذلك عند تفسير الآية 117 من سورة التوبة ج 4 ص 113 .
وروي ان النبي قال عند نزول هذه السورة : نعيت إليّ نفسي ، وان ابنته فاطمة عند ما سمعت ذلك منه بكت . فقال لها : لا تبك ، فإنك أول أهلي لحوقا بي فضحكت . وكأنّ الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) قد أدرك من هذه السورة دنو أجله ، وانتهاء مهمته بعد حصول النصر والفتح ودخول الناس في دين اللَّه أفواجا .
______________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص 619-620 .
تفسير الميزان
– ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1)
وعد له (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنصر والفتح وأنه سيرى الناس يدخلون في الإسلام فوجا بعد فوج وأمره بالتسبيح حينئذ والتحميد والاستغفار ، والسورة مدنية نزلت بعد صلح الحديبية وقبل فتح مكة على ما سنستظهر .
قوله تعالى : {إذا جاء نصر الله والفتح} ظهور {إذا} المصدرة بها الآية في الاستقبال يستدعي أن يكون مضمون الآية إخبارا بتحقق أمر لم يتحقق بعد ، وإذا كان المخبر به هو النصر والفتح وذلك مما تقر به عين النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو وعد جميل وبشرى له (صلى الله عليه وآله وسلم) ويكون من ملاحم القرآن الكريم .
وليس المراد بالنصر والفتح جنسهما حتى يصدقا على جميع المواقف التي أيد الله فيها نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) على أعدائه وأظهر دينه على دينهم كما في حروبه ومغازيه وإيمان الأنصار وأهل اليمن كما قبل إذ لا يلائمه قوله بعد : {ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا} .
وليس المراد بذلك أيضا صلح الحديبية الذي سماه الله تعالى فتحا إذ قال {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح : 1] لعدم انطباق الآية الثانية بمضمونها عليه .
وأوضح ما يقبل الانطباق عليه النصر والفتح المذكوران في الآية هو فتح مكة الذي هو أم فتوحاته } (صلى الله عليه وآله وسلم)} في زمن حياته والنصر الباهر الذي انهدم به بنيان الشرك في جزيرة العرب .
ويؤيده وعد النصر الذي في الآيات النازلة في الحديبية {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا} [الفتح : 1 – 3] فإن من القريب جدا أن يكون ما في الآيات وعدا بنصر عزيز يرتبط بفتح الحديبية وهو نصره تعالى نبيه } (صلى الله عليه وآله وسلم)} على قريش حتى فتح مكة بعد مضي سنتين من فتح الحديبية .
وهذا الذي ذكر أقرب من حمل الآية على إجابة أهل اليمن الدعوة الحقة ودخولهم في الإسلام من غير قتال ، فالأقرب إلى الاعتبار كون المراد بالنصر والفتح نصره تعالى نبيه } (صلى الله عليه وآله وسلم)} على قريش وفتح مكة ، وأن تكون السورة نازلة بعد صلح الحديبية ونزول سورة الفتح وقبل فتح مكة .
قوله تعالى : {ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا} قال الراغب : الفوج الجماعة المارة المسرعة ، وجمعه أفواج .
انتهى .
فمعنى دخول الناس في دين الله أفواجا دخولهم فيه جماعة بعد جماعة ، والمراد بدين الله الإسلام قال تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } [آل عمران : 19] .
قوله تعالى : {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا} لما كان هذا النصر والفتح إذلالا منه تعالى للشرك وإعزازا للتوحيد وبعبارة أخرى إبطالا للباطل وإحقاقا للحق ناسب من الجهة الأولى تنزيهه تعالى وتسبيحه ، وناسب من الجهة الثانية – التي هي نعمة – الثناء عليه تعالى وحمده فلذلك أمره } (صلى الله عليه وآله وسلم)} بقوله : {فسبح بحمد ربك} .
وهاهنا وجه آخر يوجه به الأمر بالتسبيح والتحميد والاستغفار جميعا وهو أن للرب تعالى على عبده أن يذكره بصفات كماله ويذكر نفسه بما له من النقص والحاجة ولما كان في هذا الفتح فراغه } (صلى الله عليه وآله وسلم)} من جل ما كان عليه من السعي في إماطة الباطل وقطع دابر الفساد أمر أن يذكره عند ذلك بجلاله وهو التسبيح وجماله وهو التحميد وأن يذكره بنقص نفسه وحاجته إلى ربه وهو طلب المغفرة ومعناه فيه } (صلى الله عليه وآله وسلم)} – وهو مغفور – سؤال إدامة المغفرة فإن الحاجة إلى المغفرة بقاء كالحاجة إليها حدوثا فافهم ذلك ، وبذلك يتم شكره لربه تعالى وقد تقدم كلام في معنى مغفرة الذنب في الأبحاث السابقة .
وقوله : {إنه كان توابا} تعليل للأمر بالاستغفار لا يخلو من تشويق وتأكيد .
___________________
1- الميزان ، الطبطبائي ، ج20 ، ص351-352 .
تفسير الامثل
– ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1)
عند انبلاج فجر النصر :
{إذا جاء نصراللّه والفتح ، ورأيت النّاس يدخلون في دين اللّه أفواجاً ، فسبح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان تواباً} .
هذه الآيات الثلاث القصار في ألفاظها العميقة في محتواها تتضمّن مسائل دقيقة كثيرة نسلط عليها الضوء كي تساعدنا في فهم معنى السّورة .
1 ـ «النصر» : في الآية اُضيف إلى اللّه «نصر اللّه» وفي كثير من المواضع القرآنية نجد نسبة النصر إلى اللّه . يقول سبحانه { أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة : 214] ، ويقول {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران : 126] .
وهذا يعني أن النصر في أي حال لا يكون إلاّ بإرادة اللّه ، نعم ، لابدّ من إعداد القوّة للغلبة على العدو ، لكن الإنسان الموحّد يؤمن أنّ النصر من عند اللّه وحده ، ولذلك لا يغتّر بالنصر ، بل يتجه إلى شكر اللّه وحمده .
2 ـ في هذه السّورة دار الحديث عن نصرة الله ، ثمّ عن «الفتح» والإنتصار ، وبعدها عن اتساع رقعة الإسلام ودخول النّاس في دين الله زرافات ووحداناً .
وبين هذه الثلاثة ارتباط علة ومعلول . فبنصر الله زرافات يتحقق الفتح ، وبا الفتح تزال الموانع من الطريق ويدخل النّاس في دين الله أفواجاً .
بعد هذه المراحل الثلاث ـ التي يشكل كل منها نعمة كبرى ـ تحّل المرحلة الرابعة وهي مرحلة الشكر والحمد .
من جهة أُخرى نصر الله ، والفتح هدفهما النهائي دخول النّاس في دين الله وهداية البشرية .
3 ـ «الفتح» هنا مذكور بشكل مطلق ، والقرائن تشير ـ كما ذكرنا ـ أنه فتح مكّة الذي كان له ذلك الصدى الواسع المذكور في الآية .
«فتح مكّة» فتح في الواقع صفحة جديدة في تاريخ الإسلام ، لأن مركز الشرك قد تلاشى بهذا الفتح ، انهدمت الأصنام ، وتبددت آمال المشركين وأزيلت السدود والموانع من طريق إيمان النّاس بالإسلام .
من هنا ، يجب أن نعتبر فتح مكّة بداية مرحلة تثبيت أسس الإسلام واستقراره في الجزيرة العربية ثمّ في العالم أجمع . لذلك لا نرى بعد فتح مكّة مقاومة من المشركين (سوى مرّة واحدة قمعت بسرعة) وكان النّاس بعده يفدون على النّبي من كل أنحاء الجزيرة ليعلنوا إسلامهم .
4 ـ في نهاية السّورة يأمر الله سبحانه نبيّه (بل كل المؤمنين) بثلاثة أُمور ليجّسد آلاء الشكر وليتخذ الموقف الإيماني المناسب من النصر الإلهي وهي : «التسبيح» و«الحمد» و «الإستغفار» .
«التسبيح» تنزيه الله من كل عيب ونقص .
و«الحمد» لوصف الله بالصفات الكمالية .
و «الإستغفار» إزاء تقصير العبد .
هذا الإنتصار الكبير أدى إلى تطهير الساحة من أفكار الشرك ، وإلى تجلي جمال الله وكماله أكثر من ذي قبل ، وإلى اهتداء من ضلّ الطريق إلى الله .
هذا الفتح العظيم أدى إلى أن لا يظن فرد بأن الله يترك انصاره وحدهم (ولذلك جاء أمر التسبيح لتنزيهه من هذا النقص) وإلى أن يعلم المؤمنون بأن وعده الحق (موصوف بهذا الكمال) ، وإلى أن يعترف العباد بنقصهم أمام عظمة الله .
أضف إلى ما سبق ، أن الإنسان ـ عند النصر ـ قد تظهر عليه ردود فعل سلبية فيقع في الغرور والتعالي ، أو يتخذ موقف الإنتقام وتصفية الحسابات الشخصية ، وهذه الأوامر الثلاثة تعلمه أن يكون في لحظات النصر الحساسة ذاكراً لصفات جلال الله وجماله وأن يرى كل شيء منه سبحانه ، ويتجه إلى الإستغفار كي يزول عنه غرور الغفلة ويبتعد عن الإنتقام .
5 ـ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل كل الأنبياء معصوم ، فلماذا الإستغفار؟
الجواب أن هذا تعليم لكل الأمة لأنه :
أوّلا : خلال أيّام المواجهة بين الإسلام والشرك مرّت فترات عصيبة على المسلمين ، وتفاقمت في بعض المراحل مشاكل الدعوة ، وضاقت صدور بعضهم وساور بعضهم الآخر شكوك في وعد الله . كما قال سبحانه فيهم عند غزوة «الأحزاب» : {وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا } [الأحزاب : 10] .
والآن إذ تحقق الإنتصار فقد اتضح خطل تلك الظنون ، ولابدّ من «الإستغفار»
ثانياً : الإنسان لا يستطيع أن يؤدي حقّ الشكر ، مهما حمد الله وأثنى عليه .
ولذلك لا بدّ له بعد الحمد والثناء أن يتجه إلى استغفاره سبحانه .
ثالثاً : بعد الإنتصار تبدأ عادة وساوس الشيطان ، فتبرز ظاهرة الغرور تارة وظاهرة الأنتقام تارة أُخرى . ولابدّ إذن من ذكر الله واستغفاره باستمرار حتى لا تظهر هذه الحالات ، ولتزول إن ظهرت .
رابعاً : إعلام هذا النصر يعني انتهاء مهمّة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تقريباً كما ذكرنا في بداية السّورة ، وانتهاء عمره المبارك والتحاقه بالرفيق الأعلى . ولذا جاء في الرّوايات أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بعد نزول هذه السّورة كان يكثر من قول : «سبحانك اللّهم وبحمدك ، اللّهم اغفر لي إنّك أنت التواب الرحيم»(2) .
6 ـ عبارة (إنّه كان تواباً) تبيّن علّة الإستغفار . أي استغفره وتب إليه لأنّه سبحانه تواب .
وقد تكون العبارة تستهدف تعليم المسلمين العفو ، فكما إن الله تواب كذلك أنتم ينبغي أن تقبلوا توبة المذنبين بعد الإنتصار ما أمكنكم ذلك . وأن لا تطردوهم ما داموا منصرفين عن المخالفة والتآمر . ولذلك اتخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)في فتح مكّة ـ كما سنرى ـ موقف الرحمة والرأفة مقابل الأعداء الحقودين .
التسبيح والحمد والأستغفار دأب كل الأنبياء الكرام عند تحقق النصر . يوسف (عليه السلام) حين جلس على سرير الحكم في مصر وعاد إليه والداه واخوته بعد فراق طويل قال : {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف : 101] .
وعندما حضر عرش ملكة سبأ أمام سليمان (عليه السلام)قال : {هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} [النمل : 40] .
________________
1- الامثل ، ناصر مكامر الشيرازي ، ج15 ، ص579-582 .
2- تفسير مجمع البيان ، ج10 ، ص554 .