مقالات

الامام المهدي “عجل الله فرجه ” وفلسفة الغيبة

ارتبط مفهوم الغيبة ارتباطاً وثيقا بالتاريخ الاسلامي، اذ لم تكن هذه الفكرة وليدة ظرفها بل كانت متأصلة ومتجذرة ابتداءاً من عصر الرسالة، فقد وردت الكثير من دلالاتها في القرآن الكريم والسنة المطهرة. وعليه يجب على كل مؤمن بولاية أهل البيت “عليهم السلام” أن يهيأ نفسه لأنتظار صاحب الامر”عجل الله فرجه” .

ففي القرآن الكريم جاءت آيات بينات لاريب فيها ولا شك تنص على الغيبة([1]):﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾([2])، قد اكد الطبرسي في كتابه مجمع البيان ما تحمله هذه الآية من بعد زمني لكون الارض تلك المساحة الواسعة مهما خضعت لحكم الاقوياء، فان دولة الظالم لا تدوم وسرعان ما يتحقق الوعد الالهي بوجود دولة يحكمها الصالحون([3]) .

كما وردت آية قرآنية صريحة ومبشرة بظهور الامام المهدي “عجل الله فرجه “([4]) ومنها في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ﴿ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ﴾[5]، بالإضافة الى ذلك فقد ذكرت الكثير من المصادر الاسلامية الاحاديث الشريفة التي اكدت مضامينها على ظهور المصلح من قريش وخصوصية انتسابه الى ذرية فاطمة الزهراء “سلام الله عليها” فيملأ الارض عدلاً وقسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً بقول النبي الاعظم محمد “صلى الله عليه واله”:  ” ابشركم بالمهدي يبعث في امتي على اختلاف من الناس وزلازل، فيملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً” ([6]). كما صرح رسول الله “صلى الله عليه واله” على قيام دولة الحق بعد مضي دولة الظلم والجور بقوله” لو لم يبق من الدنيا الا يوم لبعث الله رجلاً منا يملأها عدلاً كما ملئت جوراً”([7]) .

كان النبي الاعظم “صلى الله عليه واله” يعمل  على تهيئة الاجواء النفسية لعصر الغيبة وما يرافقها من الجور والظلم وبظهوره يسطع نور الهدى والايمان وتقام دولة الحق والعدل على يديه ،اذ يروي ابن حجر في كتابه الصواعق المحرقة ومسند احمد عن سعيد الخدري قال: قال رسول الله  :” لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً مني او من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي  يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً”([8]). يبدو ان الادلة والاحاديث التي وردت من النبي واهل بيته “عليهم السلام” التي وصلت الى حد التواتر من المسلمين اي بمعنى ان التواتر هو اجتماع جماعة على امر يستحيل اجتماعهم على الكذب، ثم ان العلماء في التواتر لا يشترطون صحة السند بل يكفي التواتر دليلا على اثبات اصل موضوع في القضايا الخلافية ، وعليه فان حديث الامام المنتظر “عليه السلام”متواتر في كتب السنة بل ان الذين الفوا وكتبوا في الامام المنتظر من اهل العامة هم اكثر من الشيعة.

قد لقيت فكرة محمد المهدي صدى كبير طيلة المدة التاريخية، حيث ان بعض الشخصيات استغلت فكرة المنقذ لتحقيق مصالحها بمعنى اخر ارادت الاستفادة من الاثر الغيبي والنفسي ذي الاثر الكبير في المجتمع دعماً وتأثيرا لبعض الثورات على سبيل المثال لا الحصر ثورة عبد الله بن الحسن الذي بايع ولده محمد النفس الزكية ولقبه بالمهدي، بالإضافة الى ذلك ان المنصور العباسي ايضا استخدم اسم المهدي كوسيلة لدحض معارضيه، فاطلق على ولده اسم محمد المهدي على الرغم انه يعلم ليس بالمهدي الموعود بل مجرد فكرة تمكنه من استقطاب الرأي العالم لصالحه([9]).

ومن الفرق الاسلامية التي استغلت هذه الفكرة هي الاسماعيلية التي ادعت بان اسماعيل ابن الامام جعفر الصادق “عليه السلام” لم يمت وانه مهدي هذه الامة، مع ان اسماعيل توفي في زمن والده الامام الصادق، فعمل الامام “عليه السلام” على جمع اصحابه للشهادة على موت ابنه اسماعيل وليس كما ادعى البعض انه غائب([10]) .

اما اسباب الغيبة لاشكّ أنّ الغيبة هي من أسرار الله، التي لم يطّلع عليها أحد من الخلق وهو اعرف بأسبابها وفوائدها الحقيقية ، فقد ورد عن النبيّ ” صلى الله عليه وآله ” أنّه قال:” إنّما مثله كمثل الساعة، ثقلت في السماوات والأرض، لا تأتيكم إلاّ بغتة”( ([11]، ولكنّ هناك مجموعة من الاسباب  التي صرحت بها الأحاديث منها على سبيل المثال لا الحصر كانت حياة الإمام المهدي “عجل الله فرجه” مهدّدة بالقتل من قبل الحكام العباسيين، فكانوا يبحثون عنه في كل مكان حتى فتّشوا دار الإمام العسكري “عليه السلام”، ولذا كان الإمام العسكري يحاول إخفاء ولادة الإمام “عجل الله تعالى فرجه”، عن عامة الناس، تحفّظاً على حياة ولده، فعن زرارة قال سمعت أبا جعفر ” عليه السلام ” يقول:” إنّ للقائم غيبة قبل ظهور” ، قلت: ولَمِ ؟ فقال ” عليه السلام”:” يخاف” ، وأومئ بيده إلى بطنه، قال رزارة : يعني القتل([12]). اذ يؤكد الشيخ الطوسي لا علّة تمنع من ظهوره ” عليه السلام ” إلاّ خوفه على نفسه من القتل، لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار([13]) .

اما السبب الثاني هو امتحان الناس واختبارهم، وتمحيصهم وتفرقهم بسبب ظروف الغيبة الغامضة وكتمان امر ولادته فكان عاملاً مساعداً ساهم بشكل مباشر في اثارة الشكوك في النفوس وقد عزز هذا المفهوم  ما ذكره الامام العسكري “عليه السلام” من انقسام الشيعة على انفسهم بقوله ” تفترق شيعته وأنصاره، فمنهم من انتمى الى جعفر ومنهم من تاه، ومنهم من شك، ومنهم من وقف على حيره، ومنهم من ثبت على دينه …”([14]).

جعفر رمضان

([1] ) للمزيد من التفاصيل  ينظر : محمد بن جرير الطبري، جامع البيان عن تأويل القرآن، تحقيق صدقي جميل،( بيروت، دار الفكر، 1995)، ج10، ص138؛ جلال الدين عبد الرحمن بن ابي بكر السيوطي ، الدر المنثور في تفسير المأثور،(بيروت: دار الفكر ،1993)، ج5، ص686؛ شرف الدين علي الحسيني ، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة،( قم: مؤسسة النشر الاسلامي،1988)، ص326.

([2] ) سورة الانبياء: الآية 105.

([3] ) ابو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن القرآن،(بيروت: دار الفكر، 1994)، ج7، ص105.

([4] )ابو الحسن علي بن ابراهيم بن هاشم القمي، تفسير القمي،(قم: مؤسسة دار الكتاب، 1983)، ج1، ص289؛ محمود شريعة زادة الخرساني، الحكومة العالمية للإمام المهدي في القرآن والسنة،(قم: مجمع احياء الثقافة الاسلامية )، ص51.

([5] ) سورة التوبة: الآية 33.

([6] ) محمد بن جرير الطبري، دلائل الامامة،( قم: دار الذخائر للمطبوعات)، ص252؛ ابن طاووس الحلي ، الملاحم والفتن في ظهور الغائب المنتظر،(طهران: جمهورية الاسلامية الايرانية، 2004)، ص151.

([7] ) ابو عبد الله احمد بن محمد الشيباني ابن حنبل ، المسند، تحقيق صدقي جميل العطار،(بيروت: دار الفكر، 1991)، ج1، ص213.

([8] ) ابن طاووس الحلي، المصدر السابق، ص126؛علاء الدين علي الملتقي ، كنز العمال في سنن الاقوال والافعال، حققه بكري الحياني ، (بيروت: مؤسسة الرسالة، 1985)، ج6، ص29-28.

([9] ) ابو القاسم علي بن الحسين الموسوي الشريف الرضي، امال المرتضى غرر الفوائد ودرر القلائد، تحقيق محمد ابو الفضل ابراهيم،(قم: منشورات ذوي القربي)، ج1، ص186؛ ابو الحسن علي بن الحسين المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد،(مصر: مطبعة السعادة 1958)، ج3، ص313-314.

([10])ابو علي الفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي، اعلام الورى، (دار الكتب الاسلامية، 1970)، ص292؛ محمد ابو زهره، تاريخ المذاهب الاسلامية في تاريخ المذاهب الفقهية،( القاهرة: دار الفكر العربي)، ج2، ص51.

([11] (الخزاز القمي ، كفاية الأثر، تحقيق: السيد عبد اللطيف الحسيني الكوهكمري الخوئي، (قم : انتشارات بيدار، 1401)، ص168 و250.

([12] )  محمد بن علي بن بابويه الصدوق، علل الشرائع،( قم: مكتبة الداوري)، ج1، ص246.

([13] ) محمد بن الحسن الطوسي، الغيبة ، (قم:، مؤسسة المعارف الاسلامية، 1411 هـ)، ص329.

([14] ) محمد بن علي بن بابويه الصدوق ، كمال الدين وتمام النعمة،(قم: دار الكتب الاسلامية،1975) ، ج2، ص408-409.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى