مقالات

امتحان أنبياء الله وأوليائه

لقد اختبر الله سبحانه وتعالى الأنبياء باختبارات خاصّة.

فجميع البشر يُمتحنون ولا يُستثنى من هذه القاعدة أحد، لكنَّ الامتحانات الأهم التي يذكرها القرآن الكريم، والتي قد يندر نظيرها في التاريخ، هي تلك التي تعرّض لها إبراهيم الخليل عليه السلام والتي تتضمن تفاصيل جمة يطول الحديث فيها؛ كقذفه في النار، وذبح إسماعيل ، وغيرها من الشدائد المنقطعة النظير.

فقصة القذف بالمنجنيق في النّار هي من مختصاته ؛ إذْ على الأقل لم يردْ في القرآن الكريم ولم يحدّثنا التاريخ عن أنَّ أناسا أشعلوا نارًا عظيمة لا يستطيع الإنسان الاقتراب منها من شدّة حرارتها ومن ثم استخدم المنجنيق لرمي شخص في داخلها. فسقوط إبراهيم في النار وصبره على ذلك هي من القصص العجيبة للغاية.
فقد جاءه جبرئيل أثناء تحليقه من المنجنيق إلى النار وقال له: «هل لكَ من حاجة»؟ فقال: «أما إليكَ فلا، فلا أحتاج شيئًا منك أنت.
فقال جبرئیل: “فاسأل الله”
فقال: «حسبي من سؤالي عِلمُه بحالي، فهو يرى حالي ولا يحتاج إلى سؤالي”!
لكن النطق بهذه الكلمات أسهل من تطبيقها؛ فالمرء قد لا يصبر على صداع بسيط، فما بالك بإبراهيم الذي كان على وشك أن يُلقى به في النار لكنّه لم يطلب حاجة حتى من جبرئيل!
فحقا إنه لو خلق الكون برمته من أجل إبراهيم الخليل فقط لم يكن خلقه عبثًا فحينما بلغ إبراهيم سن الشيخوخة واقترب عمره من مائة عام وكانت امرأته عاقرًا، مَنَّ الله عليه بولد. وأي ولد؟ هو ولد قل نظيره في العالم.
فلولا أننا على اطلاع على أوصاف علي الأكبر فلعلّنا كنا سنعتقد أنه ليس في العالم شاب بجمال و کمال إسماعيل عليه السلام. فعندما بلغ إسماعيل ريعان الشباب جاء الأمر الإلهي إلى إبراهيم بذبح ولده إسماعيل! فلم يتردّد إبراهيم في الامتثال هذا الأمر لحظة واحدة؛ فبمجرد أنْ علم بأنّه مکلَّف بفعل ذلك استعدّ له على جناح السرعة.

وكل هذه الامتحانات كانت مقدّمة لنيل نبي الله إبراهيم مقام الإمامة:
“وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا”

فلو عرفنا أنَّ نبي الله إبراهيم بكل ما يتمتع به من الحالات لابَّد أن يقف موقف الخشوع أمام سيد الشهداء أبي عبد الله الحسين لأدركنا أنه من المناسب جدًا أن يقدّم العالم بأسره فداء للحسين. فإذا تطاول أحد وتجاسر على شخصية سيد الشهداء فسيمهّد ذلك لامتحان يشملنا نحن جميعا لتتبيّن ماهيّة الموقف الذي سنتخذه و أسلوب ردّة الفعل التي سنبديها تجاه ذلك. فهل سنلتزم الصمت على خلفية بعض المآرب السياسية أو حبّ الرئاسة أو ما شابه ذلك ولا نجشّم أنفسنا حتى عناء شجب هذا العمل وإدانته بالقول: لقد أساءوا التصرف❓❗ ومن هنا نلاحظ إلى أي مدى يمكن أن يتسافل ابن آدم.

من كتاب #أمواج_الفتن_وسفينة_النجاة

الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى