مقالات

السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام المعلمة

تزخر نصوص زيارة السيّدة الزهراء عليها السلام بجملة من الصفات الخاصّة بها. ولعلّنا نتساءل: كيف تمكّنت فتاة تبلغ 18 عامّاً فقط أن تكون سيّدة لنساء العالمين وأنموذجاً لهنّ؟
أحد جوانب هذه الشخصيّة الجليلة، هو دورها المؤثّر في مجتمعها، وتعليمها ونشاطها وتبليغها… هي شذرات من دوائر نورها، لعلّ هذا المقال يأتي منها بقبس.

* معلّمة لنساء عصرها
كانت عليها السلام معلّمة للناس في عصرها، خاصّة النساء، فقد كنّ يقصدنها ويسألنها عمّا بدا لهنّ من الأحكام الشرعيّة وتفسير القرآن الكريم، وحلّ النزاعات وترسيخ العقائد وغيرها. وكانت الزهراء عليها السلام تجيب عن كل الأسئلة الموجّهة إليها بكل رحابة صدر، وهي بذلك تؤصّل العديد من القيم والأصول الأخلاقيّة والفقهيّة، لتكون بيد كلّ الأجيال. ونذكر على سبيل المثال نماذج من ذلك:

1. سلي ما بدا لكِ:
جاءت امرأة إلى السيدة الزهراء عليها السلام وسألتها العديد من الأسئلة الشرعيّة حتى خجلت المرأة والسيدة فاطمة عليها السلام تجيب بكل رحابة صدر دون ملل أو سأم.
وروي عن الإمام العسكري عليه السلام أنّه قال: “… وحضرت امرأة عند الصدّيقة فاطمة الزهراء عليها السلام فقالت: إنّ لي والدة ضعيفة، وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة عليها السلام عن ذلك، ثمّ ثنّت، فأجابت، ثمّ ثلّثت [فأجابت] إلى أن عشّرت، فأجابت، ثم خجلت من الكثرة،
فقالت: لا أشقّ عليك يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
قالت فاطمة عليها السلام: “هاتي وسلي عمّا بدا لك، أرأيتِ مَن اكترى يوماً يصعد إلى سطح بحمل ثقيل، وكراؤه مائة ألف دينار، أيثقل عليه؟”،
فقالت: لا،
فقالت: “اكتريت أنا لكلّ مسألة بأكثر من ملء ما بين الثرى إلى العرش لؤلؤاً، فأحرى أنْ لا يثقُل عليّ. سمعت أبي [رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] يقول: إنّ علماء شيعتنا يُحشرون، فيُخلع عليهم من خلع الكرامات على قدر كثرة علومهم وجِدِّهم في إرشاد عباد الله، حتى يُخلع على الواحد منهم ألف ألف خِلعة من نور. ثم ينادي منادي ربّنا عزّ وجلّ: أيّها الكافلون لأيتام آل محمد، الناعشون لهم عند انقطاعهم عن آبائهم الذين هم أئمّتهم، هؤلاء تلامذتكم والأيتام الذين كفلتموهم ونعشتموهم فاخلعوا عليهم [كما خلعتموهم] خلع العلوم في الدنيا. فيخلعون على كل واحد من أولئك الأيتام على قدر ما أخذوا عنهم من العلوم، حتى إنّ فيهم (الأيتام) لمن يخلع عليه مائة ألف خلعة، وكذلك يخلع هؤلاء الأيتام على من تعلّم منهم”.
وقالت فاطمة عليها السلام: “يا أمَة الله إنّ سِلكاً من تلك الخلع لأفضل ممّا طلعت عليه الشمس ألف ألف مرة، وما فَضُل فإنّه مشوبٌ بالتنغيص والكدر“(1). وكان هذا دأبها طيلة حياتها الشريفة.

2.  حلّ نزاع بين امرأتين:
كانت السيّدة فاطمة عليها السلام قاضيةً بين النساء، تحِلُّ النزاعات والخلافات، سواء الأسريّة أو العقائدية وغيرها، ومن جملتها القصّة المعروفة عندما: “اختصم إليها امرأتان، فتنازعتا في شيء من أمْر الدين، إحداهما معاندة، والأخرى مؤمنة، ففتحت على المؤمنة حجّتها، فاستظهرت على المعاندة، ففرحت فرحاً شديداً، فقالت فاطمة عليها السلام: “إنّ فرح الملائكة باستظهارك عليها أشدّ من فرحك، وإنّ حزن الشيطان ومَردته بحزنها أشدُّ من حزنها”.
“وإنّ الله عز وجل قال للملائكة: أوجبوا لفاطمة بما فتحت على هذه المسكينة الأسيرة من الجنان ألف ألف ضعف ما كنت أعددتُ لها، واجعلوا هذه سنّةً في كلّ مَن يفتح على أسير مسكين، فيغلب معانداً مثل ألف ألف ما كان له معدّاً من الجنان“(2).
أي أنّها بيّنـت عليها السلام حجّــة ودليــل المرأة الموالية، وأدحضت كلام المرأة المعاندة وغلبتها ببيانها عليها السلام.

3. شيعتنا في الجنّة:
في النموذج الثالث تشـيـــر عليها السلام إلــى كيـفـيــــّة الاتّـصــــاف بالتـشيّـــع. ورد عــن الإمام العسكري عليه السلام أنّه قال: “قال رجل لامرأته: اذهبي إلى فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسليها عنّي: أنا من شيعتكم، أوَلستُ من شيعتكم!؟”، فسألتها، فقالت عليها السلام: قولي له: “إنْ كنتَ تعمل بما أمرناك، وتنتهي عمّا زجرناك عنه، فأنتَ من شيعتنا، وإلّا فلا”.
فرجعت، فأخبرته، فقال: يا ويلي! ومَن ينفكّ من الذنوب والخطايا؟!.
فرجعت المرأة فقالت لفاطمة عليها السلام ما قال لها زوجها.
فقالت فاطمة عليها السلام: قولي له: “ليس هكذا [فإنّ] شيعتنا من خيار أهل الجنة، وكلّ محبّينا وموالي أوليائنا، ومعادي أعدائنا، والمسلم بقلبه ولسانه لنا ليسوا من شيعتنا إذا خالفوا أوامرنا ونواهينا في سائر الموبقات، وهم مع ذلك في الجنّة، ولكن بعدما يطهّرون من ذنوبهم بالبلايا والرزايا، أو في عَرصات القيامة بأنواع شدائدها، أو في الطبق الأعلى من جهنم بعذابها إلى أن نستنقذهم -بحبّنا- منها، وننقلهم إلى حضْرَتنا“(3).
ويتبيّن من هذا الحديث أنّ السيدة فاطمة عليها السلام كانت تُقصَد من قبل النساء والرجال وكان الجميع يستفيد من علمها ويسألها ما يحتاج إليه لأمر الدنيا والآخرة.

* العالِمة المُعلمة
تعلّمت السيّدة الزهراء عليها السلام من العلوم الإلهيّة عبر جبرائيل عليه السلام ما جُمع في مصحف عُرف بـ”مصحف فاطمة عليها السلام”، وأيضاً تعلّمت من علوم أبيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
كما كانت عليها السلام راوية لحديث أبيها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وروى عنها الإمام علي عليه السلام والأئمة عليهم السلام، وكان ابن عباس يفتخر بنقل الرواية عنها عليها السلام، أيضاً.

1. مصحف فاطمة:
يُعتبر مصحف فاطمة عليها السلام إحدى الكرامات الإلهيّة التي إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على عظمة علم السيدة الزهراء عليها السلام المتصل بعالم الملكوت. ويعتبر هذا المصحف مصدراً من مصادر علوم الأئمّة عليهم السلام. فقد ورد كثير من الروايات التي تشير إلى المصحف وأهميّته، منها: ما ورد في الكافي بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال: “إنّ فاطمة عليها السلام مكثتْ بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً، وكان قد دخلها حزن شديد على أبيها، فكان يأتيها جبرائيل عليه السلام يُحسن عزاءها على أبيها، ويطيّب نفسها، ويخبرها عن أبيها ومكانه، ويخبرها بما يكون بعدها في ذريّتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة عليها السلام“(4).
وفي رواية أخرى قال عليه السلام: “أما إنّه ليس من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون“(5).
وورد في بعض الأحاديث التأكيد على أنّه ليس بقرآن بل مجموعة إخبارات غيبيّة، وكان الأئمّة يتناقلونه إماماً بعد إمام وهو الآن في يد مولانا الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

2. حجّة على الأئمّة:
ورد عن الإمام العسكري عليه السلام أنّه قال: “نحن حُجج الله على خلقه، وجدّتنا فاطمة عليها السلام حجّة علينا”(6).
كما ورد عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: “ولقد كانت عليها السلام مفروضة الطاعة على جميع مَن خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة”(7).

* تجسيد العلم بشكل عمليّ
انعكست عبادتها عليها السلام وإخلاصها لله تعالى على كلّ جوارحها، الأمر الذي دعاها إلى بيان الرابط الربوبيّ وتجسيد التوحيد الأفعاليّ على سلوك الإنسان، وذلك من خلال الإخلاص لله تعالى في الأفعال والعبادات، تقول عليها السلام: “مَن أصعد إلى الله خالص عبادته، أهبط الله إليه أفضل مصلحته”(8).

1. التركيز على العفاف لدى المرأة:
أشارت عليها السلام إلى ضرورة وجوب الستر على المرأة، وظهر ذلك في سلوكها وسترها طوال حياتها، بل ووصيّتها بذلك بعد موتها. فقد ورد عن أسماء بنت عُميس أنّ فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت لها: “إنّي قد استقبحت ما يُصنع بالنساء أنّه يُطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى”، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله أنا أريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة، فدعت بجريدة [سعف النخل] رطبة فحسّنتها ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة عليها السلام: “ما أحسن هذا وأجمله! لا تُعرف به المرأة من الرجل“(9).

2. أيّ شيء خير للنساء؟
وقد أكّدت عليها السلام على خير ما يمكن أن تصل إليه المرأة لتصل إلى الكمال، وذلك من خلال تجنّب الاختلاط بالرجال. وقد مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الضابطة، وكأنّها عبرت عن مكنونه صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك عبّر بأنّها “بضعة منّي”.
ورُوي عنها قولها عليها السلام: “خير للنساء أن لا يَريْن الرجال ولا يراهنّ الرجال. فأعجب ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: إنّ فاطمة بضعة منّي“(10).
لقد كانت السيدة الزهراء عليها السلام معطاءة ومعلّمة وهادية، وقد قدّمت كل شيء من أجل ترسيخ القيم والمبادئ ليبقى ويستمر الدين الإلهيّ ويصل إلى كلّ الأجيال.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1.التفسير المنسوب إلى الإمام العسكري عليه السلام، ص 341.
2.المصدر نفسه، ص 347.
3.المصدر نفسه، ص 308.
4.بحار الأنوار، المجلسي، ج26، ص 41.
5.المصدر نفسه، ج43، ص 80.
6.تفسير أطيب البيان، ج13، ص 226.
7.دلائل الإمامة، أبو جعفر محمد بن جرير بن رستم الطبري الصغير، ص28.
8.المصدر نفسه، ص 327.
9.بحار الأنوار، ج 43، ص 189.
10.المصدر نفسه، ج43، ص 54.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى