مقالات

لماذا قد يتمنى المؤمن الموت؟؟

تمني الموت قد يكون نقيضا للتشبث بالحياة وهي الآفة التي تصيب الغالبية العظمى من بني الإنسان.

(قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآَخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ* وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ) البقرة 94-96.

نقول –قد- لأن البعض قد يقدم على التخلص من الحياة يأسا من رحمة الله تعالى، أعاذنا الله من هذا.

يقول سبحانه ردا على بني إسرائيل عندما زعموا أنهم أولياء لله من دون الناس (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ* وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ* قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

لم تكن حياة البشر كل البشر يوما ما حياة سعيدة يستمتعون فيها بالعدل والأمان، كذا المسلمين الذين قبض الأمويون على رقابهم منذ البداية فكانوا كما وصفهم الإمام علي عليه السلام:

وَاللَّهِ لَا يَزَالُونَ حَتَّى لَا يَدَعُوا لِلَّهِ مُحَرَّماً إِلَّا اسْتَحَلُّوهُ وَلَا عَقْداً إِلَّا حَلُّوهُ وَحَتَّى لَا يَبْقَى بَيْتُ مَدَرٍ وَلَا وَبَرٍ إِلَّا دَخَلَهُ ظُلْمُهُمْ وَنَبَا بِهِ سُوءُ رَعْيِهِمْ وَحَتَّى يَقُومَ الْبَاكِيَانِ يَبْكِيَانِ بَاكٍ يَبْكِي لِدِينِهِ وَبَاكٍ يَبْكِي لِدُنْيَاهُ.

كان حال الأمة من يومها بهذه الدرجة من السوء والهوان حيث لم يجد إمام الحق من ينصره ويعينه على أداء واجبه إلا أقل القليل.

يقول أمير المؤمنين علي ع في آخر أيامه إنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكوت إليه، وقلت: ما لقيت من أمتك من الاود واللدد! فقال ادع الله عليهم فقلت: (اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِي وَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي)

هكذا تفعل الأمم الساقطة بقادتها ومصلحيها قبل أن تتخلص منهم كما فعلت هذه الأمة برسولها وإمامها علي بن أبي طالب.

ولذا لا نستغرب أن يقول الإمام علي ع(إِنَّ أَحَبَّ مَا أَنَا لَاقٍ إِلَيَّ الْمَوْتُ).

وَاللَّهِ مَا فَجَأَنِي مِنَ الْمَوْتِ وَارِدٌ كَرِهْتُهُ وَلَا طَالِعٌ أَنْكَرْتُهُ وَمَاكُنْتُ إِلَّا كَقَارِبٍ وَرَدَ وَطَالِبٍ وَجَدَ وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرارِ.

فَمَا يَنْجُو مِنَ الْمَوْتِ مَنْ خَافَهُ وَلَا يُعْطَى الْبَقَاءَ مَنْ أَحَبَّهُ.

أن يتمنى المرء الموت ضجرا من الطغيان والفساد وغيرها من أنواع الفساد والانحطاط، رغم أنها ليست اختراعا معاصرا فهذا لا يعني أنه يفكر في الانتحار فهناك الصبر وهو أيضا منحة إلهية يسبغها الله خاصة على من أحب من عباده.

المعنى أليس في هذه الدنيا ما يستحق أن يبيع المرء آخرته من أجله مهما عظم ولو كانت أموال مصر التي منحها ابن آكلة الأكباد طعمة لابن النابغة.

ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ومهما نال المرء من غنائم في هذه الدنيا فهي مكاسب زائلة تزول لذتها وتبقى تبعتها:(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).

يقول ابْنُ عَبَّاسِ دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عليه السلام) بِذِي قَارٍ وَ هُوَ يَخْصِفُ نَعْلَهُ فَقَالَ لِي مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ فَقُلْتُ لَا قِيمَةَ لَهَا فَقَالَ (عليه السلام) وَاللَّهِ لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا.

دكتور أحمد راسم النفيس

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى