مقالات

جواهر الخُلق المحمدي

أغلى الجواهر وأحلاها اجتمعت بمختلف ألوانها وأشكالها, لتصطف في وعاء النبوة وتتركز في شخصية عظيمة أبهرت العقول بجمالها, وأذهلت الأبصار برؤيتها, وتهافتت القلوب حباً وشوقاً إليها, وطأطأت الهامات من هيبتها,

حتى انقاد كل حر في أسرها ورزح في ظلال فيئها. من هي تلك الشخصية؟ تلك هي شخصية خاتم الرسل النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله ) الذي اقتلع جذور الكفر والظلم والطغيان, وغيّر مفاهيم الجاهلية المقيتة وقلب صفحاتها السوداء,

ليعيد للإنسانية روحها الأصيلة وفطرتها السليمة بجواهر أخلاقه السامية التي أخذت بمجامع القلوب رغم صدأها حيث كانت مغلفة بالأحقاد والضغائن والكراهية, وهذا ما أدى إلى انحطاط المجتمع وفساده, لهذا كان أساس الرسالة المحمدية مبنياً على الأخلاق الفاضلة وعلى كافة الأصعدة سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غيرها, وهذا ما أكده النبي (صلى الله عليه وآله) في قوله: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) , إذن فإن الله سبحانه وتعالى أرسل رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله) بمثابة الدواء الشافي لعلاج الأوبئة التي كان المجتمع الجاهلي يعاني منها فكان بحاجة ماسة لهذه الخصال الفريدة التي كان يتميز بها رسولنا الكريم (صلى الله عليه وآله) عن سائر الأنبياء (عليهم السلام) ليعيد هيكلية بناء هذا المجتمع ويصلح أفراده. الأخلاق الاجتماعية وعلى الصعيد الاجتماعي كان النبي (صلى الله عليه وآله) يتزين بالحلم والعفو ونكران الذات والزهد في الدنيا والوفاء والتواضع والصبر على الأذى والحياء والشجاعة والعدل ومحبة الفقراء وغيرها من الصفات التي هي الأساس الصحيح في توطيد العلاقات الاجتماعية وتزيد من المحبة والتواد والتراحم بين الناس, وكان (صلى الله عليه وآله) يؤكد على الاتصاف بالأخلاق الحسنة وعدّها من موارد سعادة المرء في الدنيا والآخرة حتى قال (صلى الله عليه وآله): (عليكم بحسن الخلق, فإن حسن الخلق في الجنة لا محالة) , ومن وصاياه (صلى الله عليه وآله) للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) قوله: (يا عليُّ, أحسِنْ خُلُقكَ مع اهلك وجيرانك ومن تُعاشِر, وتُصاحب من الناس تُكتب عندَ الله تعالى في الدرجات العلى) , وحذر (صلى الله عليه وآله) من سوء الخلق الذي يشيع العداوة والبغضاء والحقد وبالتالي تفكك المجتمع وتهالكه, حيث قال (صلى الله عليه وآله) : (أبى الله لصاحب الخلق السيئ بالتوبة), فقيل له: كيف ذاك يا رسول الله؟ قال: ( لأنه إذا انساب في ذنب وقع في ذنب) , وقال (صلى الله عليه وآله) أيضاً: (إياكم وسوء الخلق, فإن سوء الخلق في النار) الأخلاق الاقتصادية لقد تبنى الرسول (صلى الله عليه وآله) العنصر الأخلاقي في نظام التعامل الاقتصادي, فكان (صلى الله عليه وآله) جواداً سخياً لا يرد سائلاً أبداً, ولم يقتصر جوده على الفقراء وإنما شمل الجميع, ووصفه بذلك الإمام أمير المؤمنين بقوله: ( كان أجود الناس كفاً، وأجرأ الناس صدرا، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة..) , وأيضاً كان (صلى الله عليه وآله) يؤكد على الالتزام بالعهود والمواثيق في البيع والشراء وأداء الأمانة, وينهى عن البخل والتقتير, ومن جهة ثانية عن الإسراف والتبذير والغش والغبن والاستغلال والاحتكار وغيرها من الأمور التي تؤدي إلى شل الحركة الاقتصادية وإشاعة الفقر والبؤس في البلاد, حيث قال (صلى الله عليه وآله): (إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم, فسعوهم بأخلاقكم) . الأخلاق السياسية والحربية أما على الصعيد السياسي والحربي فقد عرف النبي (صلى الله عليه وآله) بأنه أعظم شخصية عرفها التاريخ, وقائد فريد من نوعه لأنه ساس قادة الكفر والجهل والمعاندين وحتى أصحاب الديانات الأخرى فكان يناظرهم ويحاججهم إلى الدخول في دين الإسلام والتسليم لأمره (صلى الله عليه وآله) بأسلوب النصيحة والموعظة الحسنة وعدم الجدل والإعراض عن الجاهلين, وكان شعاره الرحمة حتى على أعدائه الذين قابلوه بأنواع الأذى والتنكيل, وما كان دعائه لهم إلا بالهداية والصلاح, قال تعالى : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) , وكان من قوانينه العسكرية إذا أضطر إلى حرب مع أعدائه فإنه لا يبدأهم بحرب أبداً, وكان يوصي المسلمين بقوله: (عباد الله جاهدوا في سبيل الله, واستعينوا به, ولا تمثلوا بجثث الكفار, ولا تقتلوا أطفالهم ونساءهم وعجائزهم ورهبانهم, ولا تقطعوا الأشجار إلا لضرورة, وإذا أعطيتم أماناً للمشركين فأمنوهم, وحافظوا على مواثيقكم معهم حتى يفيئوا إلى الله ويختاروا الإسلام ديناً, يا أيها المسلمون لا تحرقوا النخيل ولا تغرقوا أحداً ولا تقلعوا الأشجار ولا تحرقوا الزرع, ولا تقتلوا الحيوانات…) وغيرها من القوانين الأخلاقية التي كشفت عن حقيقة الإسلام وجوهره الأصيل وعن أحقية الداعي له وهو نبي الرحمة والإنسانية المصطفى محمد(صلى الله عليه وآله) الذي انقادت له جميع الدول والأمصار والبلدان ليكوّن أكبر دولة أسلامية عرفها العالم آنذاك. أين هم من أخلاق الإسلام؟ إن المجتمع اليوم بكافة مجالاته بحاجة ماسة إلى أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأساليبه في التعامل, لأنه فقد أغلب القيم والمبادئ الإسلامية ولم يبق من دين الإسلام إلا اسمه, فقد جاء أصحاب الضلالة والكفر والبدع بقوانينهم المنافية للخلق والدين رافعين شعاراتهم المزيفة ويناشدون الناس باسم الإسلام وما هم إلا همج رعاع, حيث اتخذوا الدين غطاء لتحركاتهم الخبيثة ليعيثوا في الأرض فساداً وقتلاً ودماراً, فلم يراعوا من قوانين الإسلام وتوصيات الرسول (صلى الله عليه وآله) أثناء الحروب قدر أنملة, فكيف يدعون إنهم مسلمون؟ فها هي النساء تستباح وتُقتل, والأطفال الأبرياء يُذبحون, والشيوخ يُبادون, وأصحاب الديانات الأخرى يُهجرون من ديارهم ويُستباح دمهم, وها هي جثث الشباب من دون رؤوس يُمثل بها من حرق وتقطيع ورمي على المزابل وفي مياه الأنهار, وها هي الأشجار والبساتين تحرق وحتى الحيوانات لم تسلم من حقدهم, ناهيكم عن عدم الالتزام بالمواثيق والعهود, وها هي مساجد الله تعالى ومقدسات الإسلام تهدم وتستباح حرمتها, وغيرها من الجرائم الوحشية التي يندى منها جبين الإنسانية, فأين هؤلاء من أخلاق رسول الله (صلى الله عليه وآله)؟ وأين هم من دينه الإسلامي الحنيف الذين شوهوا صورته المشرقة بأفعالهم الشنعاء؟ وما لنا اليوم إلا الدعاء بتعجيل فرج حفيد نبينا الكريم (صلى الله عليه وآله) الإمام المنتظر المهدي (عجل الله فرجه الشريف) الذي سوف يعيد للرسالة السماوية روحها وتعاليمها السمحاء وأخلاقها المحمدية, وينفض عنها غبار الظلم والجور والفساد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى