مقالات

النفس بين وساوس الشيطان وجذبات الرحمان

خلق الله تعالى البشر من مادة ثقيلة سفلية تنتسب إلى الطين, ينشأ ثقلها من احتوائها على غرائز وشهوات متأصلة في النفس لا تفارقها طيلة مسيرة الإنسان في حياته, والى حين الشيخوخة والهرم, لذا ورد في الحديث (يشيب ابن آدم وتشب فيه خصلتان الحرص وطول الأمل) ,

كما أن للشيطان الدور الأكبر في الميل نحو تحقيق ومتابعة الشهوات وما يتعلق بها من مقدمات بالإغراء والوسوسة وتزيين القبيح والدعوة إلى مخالفة الباري والتمرّد على الأوامر الإلهية مهما كان نوعها,

وهكذا فإن النفس وعلى النقيض من الجانب المادي تمتلك الجانب الروحي الشفاف الذي يمتاز بالروحانية والخفة والتجرّد عن كل الماديات الثقيلة, تتقوم بين الحين والآخر بحالات يمكن تسميتها بـ(الجذبات), تعمل على جذب الإنسان وبطرق مختلفة إلى الصراط المستقيم وإرجاعه إلى الغاية التي خلق من أجلها, منها ما يكون عن طريق الابتلاء مثلا بالمرض والفقر أو فقد الأحبة بالموت ونحوه وغير ذلك من الأساليب, كل ذلك لتذكير الإنسان بما يؤوب إليه أمره بمشهد الوقوف بين يدي الله تعالى ويوم الحساب, فيلتجئ عند ذاك العبد إلى ربّه مستغيثا به لدفع البلاء والضرّاء, يستتبع ذلك عادة الشعور بالتقصير والقصور, فيلجأ إلى الاستغفار والتوبة على ما ترك وراء ظهره من الذنوب والآثام, وهكذا نرى أن الجذبات تدعو إلى طاعة الله والتمرّد على الشهوات وعصيان أوامر الشيطان فيما بعد, والذي يبدو للنظر أن التكامل المنشود للإنسان والمخطط له من قبل الباري تعالى يكمن بل ويُصاغ من هذا المعترك, فيظهر جوهر الإنسان ومكنونه إما بتغلب الإيمان على نزعات النفس الشيطانية, فيبات صلب الإيمان معتقدا بالغيب فائزا في هذا الصراع, أو بالتمايل إلى قوى الشر ومتابعة الهوى فيصبح بعيدا عن الله وما رسم له من التكامل من خلال ممارسة العبودية, فيحظى بالخسران ويخرج من المعترك جارا أذيال الخيبة, لا ينال إلا غضب الله وعذاب الجحيم, قال تعالى (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) , ثم لا شك في أن أقوى تلك الجذبات وأفضل الوسائل للإنابة إليه تعالى هم أهل البيت (عليهم السلام) الذين من تمسّك بهم نجا, ومن تخلّف عنهم غرق وهوى, وهم الوسيلة المثلى والسبب المتصل بين الأرض والسماء, لذا نرى استقطاب أهل البيت (عليهم السلام) للعاصين والمذنبين والممتحنين بأنواع الامتحانات, فيقصدهم الناس في كل ما أهمهم ويداهمهم من المشاكل العويصة والبلاء المستعصي الذي لا حيلة فيه ولا ملجأ لأحد إلا إليهم, ولاختصاصهم بمقام الشفاعة الأعظم, ولأنهم باب الرحمة الإلهية دون من سواهم, فلا غرو أن يشفعوا لكل من يؤمّهم على اختلاف اللون والسحنة والمعتقد أيضا, ويوجد الكثير ممن ينتمي إلى المذاهب الأخرى بل والأديان الأخرى كالمسيحية وغيرها نالوا عناية الباري ونعمة استجابة الدعاء وحلّ المشاكل حينما قصدوا الله وأقسموا عليه بأحبِّ الخلق إليه محمد وعترته الطاهرة (عليهم السلام).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى