رحيل عقيلة بني هاشم عليها السلام
بعد عمر عاشته بالآلام والأحزان.. مِن فقدها لجدّها المصطفى صلّى الله عليه وآله، إلى وفاة أمها الزهراء عليها السّلام بعد الرزايا، إلى شهادة أمير المؤمنين عليه السّلام بعد ضربه في محرابه، إلى شهادة الإمام الحسن عليه السّلام بالسمّ، إلى شهادة أخيها الحسين وأطفاله وشهادة إخوتها الأربعة: العباس وإخوته، وشهادة وَلَديها وبني عمومتها، وما جرى من المصيبة العظمى في كربلاء وما بعد كربلاء من السبي والأسر وعناء الطريق إلى الكوفة ثمّ إلى الشام، ومنها إلى كربلاء في زيارة قبور الشهداء في العشرين من صفر، ثمّ إلى المدينة.. فجائع متلاحقة، ونكبات وآلام متصلة، لكنها ـ كما ذكر النسابة العُبَيدلي ـ « كانت وهي بالمدينة تؤلّب الناس على القيام بأخذ ثأر الحسين عليه السّلام وخلع يزيد.
فبلغ ذلك أهلَ المدينة، فخطبت فيهم تؤلّبهم، فبلغ ذلك عمرَو بن سعيد فكتب إلى يزيد يُعلمه بالخبر، فكتب يزيد إلى أن فرِّق بينها وبين الناس، فأمر أن يُنادى عليها بالخروج من المدينة، فقالت: قد علم الله ما صار إلينا، قُتل خيرُنا، وحُملنا على الأقتاب، فوالله لاخَرَجْنا وإن أُهريقت دماؤنا. فقالت زينب بنت عقيل: طيبي نفساً وقَرّي عيناً، وسيجزي الله الظالمين، أتريدين بعد هذا هَواناً ؟ إرحلي إلى بلد آمن. ثمّ اجتمع عليها نساء بني هاشم وتلطفن معها في الكلام وواسينها ».
وقيل: « إنها أُرغمت على الخروج فذهبت إلى الشام، ومرّت بشجرة عُلّق عليها رأس الإمام الحسين عليه السّلام، فتذكرت أيّام الأسر وعادت إليها لواعج الأسى والحزن، فحُمّت وتُوفّيت بالقرب من دمشق في قرية تُّسمى ( راوية )، في الخامس عشر من شهر رجب عام 62 هـ ، أي بعد شهادة أخيها الحسين عليه السّلام بعام ونصف تقريباً. فسلام على مَن ناصرت الحسين في جهاده، ولم تضعف عزيمتها بعد استشهاده، سلامٌ على من تضافرت عليها المصائب والكروب، وذاقت من النوائب ما تذوب منها القلوب، سلام على من شاطرت أمَّها الزهراء، في ضروب المِحَن والأرزاء، ودارت عليها رحى الكوارث والبلاء، يوم كربلاء