مقالات

في الإمامة

الوصاية الإلهية (2)

بقلم: منير عوض

الحلقة: (17)

بالنظر إلى عمر بعثة النبي (صلى الله عليه وآله) القصير ـ كما أشرنا في حلقة سابقة ـ  ما لا يزيد عن : ( 23 سنة ) وقد كان من الأنبياء السابقين له من بلغ عمر دعوته ألف سنة إلا خمسين عاما وهو نوح عليه السلام ولم تكن الظروف مستقرة في زمن دعوته صلوات الله عليه و آله؛ ليبين للناس أحكام الدين الإسلامي وليوضح لهم ما في كتاب الله من تعاليم إلهية، فزمن بعثته(صلى الله عليه وآله) قصير والأحكام الإلهية كثيرة جدا والظروف المحيطة بالمسلمين مضطربة وغير مساعدة على توفير الأجواء المناسبة لذلك ،كل هذا وغيره من الأسباب يستدعي امتداد عمر البعثة الشريفة لمحمد (صلى الله عليه وآله) وهو ما حصل فعلا في المصطفين من ذريته الشريفة من أئمة(عليهم السلام) اضطلعوا بمهمة الحفاظ على الدين الإسلامي وتكملة رسالة النبي(صلى الله عليه وآله) بهداية الخلق.

لعل الإمام الخامنئي (دام ظله الشريف) قد وضح هذه الفكرة في كتابه (إنسان بعمر 250 سنة) خير توضيح مبينا أن الأئمة الأطهار عليهم السلام على تعددهم ظاهرا إلا أنهم لم يكونوا حقيقة إلا واحدا عاش في عصور وأزمان مختلفة.

وهؤلاء المتعددون وهم واحد معصومون وتنصيبهم من الله كرمهم جميعا بالإمامة وهم (14معصوما) قمرا منيرا تمامه صاحب العصر وسيد الزمان(أرواحنا لتراب مقدمه الفداء) الذي يتم به الله نوره ويظهره على الدنيا ولو كره المشركون والذي وصفه القرآن بالفجر في قوله تعالى:

( والفجر وليال عشر والشفع والوتر).

(14 معصوما) يكون بهم تمام الدين وكمال النعمة وقيام الحجة على الخلق.

 

وكما كان محمد النبي (صلى الله عليه وآله) هو الخاتم لزمن فيه أتم الله نوره في رسول النبوات فكذا محمد الوصي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)الخاتم لزمن الوصايات و به يتم الله نوره في ولي.

ومحمد(صلى الله عليه وآله) هو الخليفة الذي جعله الله على الأرض فخلافة الله هي مقامه وخلقه الله من أجل هذه المنزلة ولاستخلافه على العباد والأنبياء والرسل بدءاً بآدم والأنبياء والرسل من بعده عليهم السلام فجميعهم لم يكونوا خلفاء إلا عنه فهو الخليفة عن الله  أصالة وهم الخلفاء عنه نيابة.

 

والسؤال هنا:

من صدق بمحمد(صلى الله عليه وآله)  وآمن به ولكنه لم يصدق ولم يؤمن بالرسل والأنبياء عليهم السلام السابقين له هل يكون إسلامه مقبولا ؟

قطعا لا؛

فلا يقبل إيمان من آمن بمحمد(صلى الله عليه وآله)  ولم يؤمن بالرسل والأنبياء السابقين على أنهم جميعا رسل وأنبياء عليهم السلام بعضهم الله لا فرق بينهم إلا أن الله جعل لكل منهم عنده درجة ومنزلة خاصة.

بل إن من آمن بأي نبي من الأنبياء عليهم السلام السابقين في عصرهم ولم يؤمن بمحمد رغم حديث النبي (صلى الله عليه وآله) في ذلك العصر عنه فإن إيمانه بالنبي ذاك لا اعتبار له. 

 

وهذا السؤال ـ بطبيعة الحال ـ يجرنا إلى سؤال آخر:

من آمن بمحمد(صلى الله عليه وآله)  ولم يؤمن بالأوصياء عليهم السلام من بعده هل يكون إسلامهم مقبولا ؟

من الحتمي أن الإيمان بمحمد(صلى الله عليه وآله)  يستوجب ويستلزم الإيمان بالأوصياء اللاحقين تماما كما سبق أن اشترطنا للإيمان بمحمد (صلى الله عليه وآله) الإيمان بالرسل و الأنبياء السابقين له عليهم السلام .

فالصالحون من الخلق هم من أنبيائهم كما وصف إبراهيم عليه السلام الطائعين له بأنهم منه وكما وصف طالوت الممتثلين لنهيه بعدم الشرب من النهر بأنهم منه كذلك المؤمنين بمحمد (صلى الله عليه وآله)  الطائعين له يكونون ـ بموجب النص القرآني ـ  من محمد(صلى الله عليه وآله)، وهذا ما بينه الرسول(صلى الله عليه وآله)  في أحاديث كثيرة بأن عليا منه و بأن فاطمة منه وبأن الحسن والحسين أيضا منه فجميعهم منه وسائر المؤمنين من محمد وآل محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) وقال ـ أيضا ـ (صلى الله عليه وآله) كلاما يفهم منه أن أمة محمد(صلى الله عليه وآله) المسلمة هي من علي عليه السلام حيث جعله أبا لها .

 

إذن فجميع آل بيت محمد (صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين) هم منه وجميع المؤمنين في كل زمان ومكان هم من أنبيائهم وجميع الأنبياء والمرسلين هم أيضا من محمد(صلى الله عليه وآله).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى