شمس وراء السحاب
في كل سنة نحتفل بمولد إمامنا و ولي نعمتنا الذي نأمل أن نكون من العارفين به لأنّ الإنسان المؤمن إذا مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ففي كل عام وفي ليلة النصف من شعبان نستذكر شخصية هذا الإمام المظلوم الصابر نستذكر هذه الشخصية التي أراد الله أن يملأ الأرض قسطاً وعدلا على يديه، كما ملئت ظلماً وجورا على أيدي الظالمين والطغاة، في كلِّ يوم يمرُّ علينا لم نره فيه فهي خسارة كبيرة للمؤمنين والذين يعتقدون بإمامته وبأنّه الإمام المنتظر الذي سينقذ البشرية من براثن الظلم والاضطهاد، إذن كيف لنا أن نحظى بلطفه وعطفه ورعايته أكثر مما نحن فيه من لطف وعافيةٍ ببركة وجوده المقدس؟
ربما من الأمور التي تحزُّ في النفس أننا مقلّون في ذكره والتطرق إلى سيرته وحياته وما يتعلّق بظهوره عليه السلام، نعم نحتفل بولادته ولكن أين نحن من كنه معرفته؟ وكيف نستطيع أن نصل إلى رضاه (سلام الله عليه)؟ وهناك الكثير من الأمور التي تتعلق بشخصية هذا الإمام والتي أحاطتها السماء بلطفها وعنايتها، هذا الإمام الذي لولاه لساخت الأرض بأهلها ولولا وجوده لما بقيت الحياة لحظة واحدة، فإمامٌ بهذه العظمة وهذه القدسية حريٌّ بنا أن نتعرّف أكثر فأكثر على أبعاد شخصيته المقدسة، وربما دعاء الندبة لو توقفنا عنده قليلاً وتمعنّا في مضامينه الشريفة لاستطعنا أن نحيط بشيء متواضع من عظمته ومكانته عند الله عزوجل ومن هذه المضامين:
ان الإمام عليه السلام هو الإمام الحي الواجب الإتباع الذي نرتبط به ببيعة له في رقابنا، وحينئذ لا بد من تعويض عملية عدم اللقاء به والتشرف بخدمته، بدراسة الأمور المتعلقة به عليه السلام كافة، من حيث حياته، وصفاته، وتاريخ غيبته، وتاريخ الغيبة الصغرى وما جرى فيها من أحداث واتصال مع الإمام عليه السلام بواسطة سفرائه، ومن المهم جداً ايضا دراسة الروايات الواردة في ما يتعلق بالغيبة الكبرى، وما يجري فيها من علامات الظهور له عليه السلام، فإن هذه الدراسة لها أثرها الكبير في حياة الإنسان المؤمن وعلاقته بالإمام صاحب الأمر عليه السلام من حيث مجموعة من الأمور، منها:
– زيادة المعرفة بالإمام عليه السلام، التي لها أثرها الكبير في سلامة العقيدة وزيادة الأجر والثواب، وعظم المقام عند الله سبحانه وتعالى، فالإيمان بالإمامة من المسائل العقائدية المهمة جداً، وبالتالي كلما ازداد التعمّق في المسائل العقائدية وترسخت القضية العقائدية في نفس الإنسان المؤمن، كلما كان ذلك أدعى لزيادة الأجر والثواب وعمق المعرفة به عليه السلام.
فالمعرفة المطلوبة بإمام الزمان عليه السلام والتي تعد من الأمور الواجبة لها عدة مراتب، فكلما ازدادت هذه المعرفة زاد إيمان الإنسان، وكلما قلت كان ذلك سبباً مؤثراً على الحالة الإيمانية له.
– الإحساس بحياة الإمام عليه السلام وتلمس آثار وبركات حياته عليه السلام وتأثيرها في حياتنا، فعندما يعرف الإنسان أن الإمام يعيش فيما بيننا، وأن أعمالنا تعرض عليه، وأن له تأثيرات كثيرة في حياتنا، وانه أحد أهم عوامل البركة، بل أن الكون وترابطه والمحافظة عليه إنما هو بسبب وجوده الشريف، فكلما عرف الإنسان ذلك كلما تفاعل مع قضية الإمام عليه السلام، على أنها قضية يعيشها يوميا، لا أنها مجرد فكرة سوف تحدث في مستقبل الأيام.
– في دراسة الروايات الواردة في ما يتعلق بالإمام الحجة عليه السلام يجد الإنسان المؤمن منهجاً حياتياً كاملا له، وذلك من خلال دراسة فترة الغيبة الصغرى والغيبة الكبرى، وما جرى فيهما على شيعة آل البيت عليهم السلام، وكيفية تدخل الإمام عليه السلام في حل الكثير من الإشكالات القائمة، ودفع المسيرة ببركة وجوده الشريف، فكل ذلك يعطي للإنسان منهجاً في حياته، وكيف يمكن أن يتحرك ويتفاعل مع الأحداث في زمن غيبته عليه السلام.
ولعل التوقيع الشريف الصادر عنه عليه السلام إلى الشيخ المفيد رضي الله عنه: (نحن وان كنا نائين (ثاوين) بمكاننا النائي عن مساكن الظالمين حسب الذي إرتآه الله سبحانه وتعالى لنا من الصلاح، ولشيعتنا المؤمنين في ذلك ما دامت دولة الدنيا للفاسقين، فإنا نحيط علماً بأنبائكم ولا يعزب عنا شيء من أخباركم … إنّا غير مهملين لمراعاتكم ولا ناسين لذكركم ولولا ذلك لنزلت بكم اللأواء واصطلمكم الأعداء …).
هذه الكلمات لسيدي ومولاي الإمام صاحب العصر والزمان التي من يتأمّل في معانيها كثيراً يشعر بمدى تقصيره مع إمامه فهو ينظر إلينا ولكن لاننظر إليه ويحيطنا برعايته ولطفه ولكن لانكلّف أنفسنا أن نفتح كتاباً لنتعرّف على جزءٍ من حياته الشريفة وما يعانيه في عصرنا هذا، لذلك لنجعل هذه المناسبة العطرة منطلقاً للتعرّف على حياته وأخلاقه وسيرته كي نأخذ الدروس منه فهو حقٌّ شمس تضيئ لنا الدرب وإن حجبتها السحب ….