
صفات الإمام المعصوم في القرآن الكريم
- 1- الإمامة(عهد) من الله للإمام ( المعصوم ) :
- 2- الإمام يهدي بأمر الله :
- 3- الإمام موجود في كُلّ زمان :
يحدثنا القرآن الكريم في آيات كثيرة عن الصفات الراقية التي يتحلى بها الإمام والتي أهلته لأن يتبوأ هذا المقام الإلهي الشامخ ، وفيما يلي بعض هذه الصفات :
1- الإمامة(عهد) من الله للإمام ( المعصوم ) :
قال تعالى : (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) سورة البقرة:124
تشير هذه الآية الكريمة إلى أنّ الله سبحانه وتعالى ابتلى نبيه إبراهيم (عليهم السّلام) بكلمات ، فأتمهنّ ونجح في هذا الامتحان الذي امتحنه الله به ، وهذا ما أهّله لكي يعطى منصب الإمامة ، بعد أن كان قد نال درجة النبوّة . فلما رأى النبي إبراهيم عظم هذه الدرجة تمناها لذريته وسأل الله ذلك . فاستجاب الله سبحانه وتعالى طلب نبيه ولكن أوضح له أنّ هذه الدرجة العليا والتي هي عهد منه تعالى للإمام لا يمكن أن تنال ظالماً . ولما كان كُلّ ذنب يعد ظلما للإنسان نفسه ، فإنّ من عصى الله ولو مرّة واحدة في حياته لا يستحقّ أن يكون إماما. أمّا من سجد إلى صنم أو وثن فهو أبعد من أن ينال ذلك .
ونلاحظ أوّلاًً : أنّ الآية الكريمة تعبر عن الإمامة ب(عهدي) ومعنى ذلك أنّ الإمامة عهد من الله للإمام المعصوم ، وأنّ تعيين الإمام ونصبه للناس يكون بأمر الله سبحانه وتعالى ونصّه عليه ، وليس باختيار الناس وانتخابهم له . ولو كانت الإمامة تثبت للخليفة أو الإمام بالانتخاب أو الشورى أو البيعة أو غير ذلك من أمور ، لكانت عهداً بين الإمام والناس الذين انتخبوه وبايعوه ، بينما نرى أنّ الله يصرّح في قرآنه بأنّ الإمامة (عهدي ) وليست عهد الناس .
وثانياً : تصرّح الآية الكريمة بأنّ الإمامة لا يمكن أن تنال من كان ظالماًَ ، لأنّه غير مؤهل لذلك ، فهي للمعصوم من الناس فقط ، ولا تصحّ لمن لم يكن معصوماً في أي فترة من فترات حياته.
وقد ورد في الأحاديث الشريفة ما يؤيد ذلك ، فقد ورد عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) في الآية عن قول الله لإبراهيم . وقال : .
وفي الكافي عن الإمام الصادق (عليهم السّلام) : ( إنّ الله اتخذ إبراهيم عبداً قبل أن يتخذه نبياً ، وإنّ الله اتخذه نبياً قبل أن يتخذه رسولاً ، وأنّ الله اتخذه رسولاً قبل أن يتخذه خليلاً ، وأنّ الله اتخذه خليلاً قبل أن يتخذه إماما ، فلما جمع له الأشياء قال: قال 0‘9 : فمن عظمها في عين إبراهيم قال: ( قال : لا يكون السفيه إمام التقي .
وفي تفسير العياشي ، عن صفوان الجمّال قال : كنّا بمكة فجرى الحديث في قول الله : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ ) قال : فأتمهنّ بمحمد وعلي والأئمة من ولد علي في قول الله : . وهذه الرواية تشير إلى ما ورد من تفسير (الكلمة ) بالإمامة وذلك في قوله تعالى: سورة الزخرف:آية28 . فيكون معني الآية: هنّ إمامته وإمامة إسحاق وذريته ( فأتمهنّ ) بإمامة محمد وعلي والأئمة من أهل البيت من ولد إسماعيل ثم بيّن الأمر بقوله تعالى : إلى آخر الآية .
2- الإمام يهدي بأمر الله :
قال تعالى : ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) سورة السجدة :24
وقال تعالى : (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) الأنبياء : 73
ونرى في هاتين الآيتين أنّ الإمام يهدي الناس إلى الحقّ والهدى بأمر الله سبحانه وتعالى . وهذا الأمر الإلهي هو من الملكوت وثابت الوقوع لأنّه من قبيل قوله تعالى: ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) سورة ياسين :82- 83 . فالإمامة بحسب الواقع هي ولاية على الناس في أعمالهم ، وهدايتها هي إيصالهم إلى الكمال بأمر الله . وهذا الإيصال للكمال يختلف عن التبليغ والهداية باراءة الطريق والوعظ والإرشاد ، والذي هو شأن النبيّ والرسول والمؤمنين الذين يهدون إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة ، وهدايتهم قد تحقق الهدف فتوصل الناس إلى المطلوب ، وقد لا تؤثر أثرها فيبقى الناس على ضلالتهم . قال تعالى : سورة إبراهيم :4 . وقال تعالى : سورة الرعد:7 .
وقد بيّن الله سبب استحقاقهم وحصولهم على الإمامة بقوله : ( لَمَّا صَبَرُوا ) وهذا الصبر المطلق على المكاره والابتلاء والامتحان وغير ذلك بسبب أنّهم وصلوا إلى درجة اليقين . ومن يصل إلى درجة اليقين لابدّ وأن يكون معصوماً من كُلّ ذنب وخطأ ونسيان .
ومن الضروري الإشارة إلى أنّ الوحي النازل على الأئمة في قوله تعالى: (وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ) هو وحي الهام وتسديد ، وليس وحي تشريع ، لأنّ ذلك من شأن الأنبياء وختمت النبوة بنبينا محمد فلا نبيّ بعده. وهذا الوحي للأئمة يتعلق بالفعل الصادر عنهم، وبالهام وتسديد من الله سبحانه وتعالى لهم ، وهو من الأدلة على عصمتهم لأنّ ما كان من الله فهو الحقّ ولا يتطرق إليه الباطل .
3- الإمام موجود في كُلّ زمان :
من الأمور الثابتة هي أنّ الأرض لا تخلو من حجة لله تعالى لأنّ وجود الإنسان المعصوم هو ضرورة كونية . وقوله تعالى: ( وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) لا يتحقق إلاّ بوجود الإمام المعصوم في كُلّ زمان ، لأنّ النبوة انقطعت وختمت بنبينا محمد، ولابدّ إذن أن يكون استمرار الهداية على يد الإمام المعصوم .
قال تعالى : (يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) سورة الإسراء :71 ، ومعنى ذلك وجود إمام حقّ للمؤمنين يدعون به في يوم القيامة ويكون سبيلهم إلى الجنة ، وبخلافه أئمة الكفر يقودون أتباعهم إلى النار . ولعلّ دعوة كُلّ أناس بإمامهم على هذا الوجه كناية عن ملازمة كُلّ تابع لمتبوعه ، والباء للمصاحبة . وفي الدر المنثور عن علي أنّه قال:(قال رسول الله : قال: يدعى كُلّ قوم بإمام زمانهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم) .
وفي تفسير البرهان عن الإمام الصادق(عليهم السّلام) أنّه قال : ( ألا تحمدون الله؟ أنّه إذا كان يوم القيامة يدعى كُلّ قوم إلى من يتولونه ، وفزعنا إلى رسول الله وفزعتم أنتم إلينا ) .
وفي تفسير العياشي عن الإمام الصادق (عليهم السّلام) قال : (لا يترك الأرض بغير إمام يحلّ حلال الله ويحرّم حرامه ، وهو قول الله : . ثمّ قال : قال رسول الله : من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية) .
وأئمة الهدى قد يكونوا أنبياء كالنبي إبراهيم(عليهم السّلام) والنبي محمد وهو سيد الأنبياء والمرسلين والأئمة ، وقد يكونوا غير أنبياء ، أي أوصياء الأنبياء كأمير المؤمنين علي والأئمة الطاهرين من ولده .
هذه بعض صفات الإمام في القرآن الكريم وهناك صفات أخرى لا مجال لذكرها في هذه المقالة . والحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة على محمد وآله الطاهرين .